الفصل الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
~~جيم~~
في منتصف الليل , والقمر يتوسّطُ كبد السماء , وفي منطقة منزل حبيبة بالتحديد .. تحرك خمسة رجالٍ بملل , وشيّعهما خامسٌ ببصره من داخلِ سيارة ذو طرازٍ راقي ذات لونٍ أسود ,, ثم فتح بابها أخيراً وخرج منها هاتفاً :
" أريد أن أجده بأي طريقة ..!!"
هتف أحدهم ."لا أثر له يا سيدي "
" انه لم يغادر هذه المنطقة , لقد حاصرها سام و طوم وفريقهما , ولم يخرج منها بالتأكيد "
"اننا نبذل قصارى جهدنا يا سيد مات "
ثار مات بأعلى صوته وتحرك من جانب سيارته باتجاه الرجل في غضب :
"كم مرةً قلت لك أيها الحقير , لا تنطق اسمي على لسانك القذر مرةً أخرى .."
وأمسك الرجل من ياقته بعنف وأطاح به :
"اذكره مرةً أخرى و سأرسل فاتورة لأهلك بسعر رصاصة ،اخترقت دماغك الغبي .."
قال الرجل في ذعر :
"آسفٌ يا سيدي .. لن تتكرر ثانيةً ..أرجوك "
وانحنى أرضاً يطلب السماح من مات .. فرمقه الأخير بنظرة احتقارٍ بغيضة , وركب سيارته ,. وألقى ببعض الكلمات عبر نافذته التي فتحها قليلاً :
"لا أحد يغادر حتى ظهر الغد , وسأبلغكم حينها بالأوامر الجديدة , ابحثوا في كل شبر وكل سانتي متر , لا تتركوا أي شيء , حتى لو اضطررتم لاقتحام
المنازل .. افعلوا ذلك بلا تردد .."
تابعه الرجال بأنظارهم وهو يغادر المنطقة بسيارته .. وفور مغادرته , صاح الرجل الذي أخطأ بذكر اسم مات ,في غضب :
".تبــــاً....ذاك المتحذلق "
قال له أحدهم :
"هـــــــيه جاك .. لا تفقد أعصابك ,., الرجل الذي نبحث عنه مصابٌ وسنجده بسهولة "
جاك :
"ذاك الحقير , سأقتله فور رؤيته "
تابع جاك :
"كنت أظنه رجل أعمالٍ عادي ْ , يبدو أنه داهية ..كيف استطاع الفرار منا .. نحن رجال مات واطسون ..لو سمع رجال المافيا ذلك لاستهزئوا بنا "
قال رجل منهم :
"لو سمعك مات وأنت تذكر اسمه ثانيةً, لاضطرت عائلتك لدفع ثمن الرصاصة..."
" هاهاهاها , وتظنني أخشى منه ..ذلك الحقير ... لستُ خادماً عنده ليهينني بتلك الطريقة ..!!"
" ولماذا كنت ترتجف خوفاً أيها الذكي ؟؟؟ لدرجة انك جثوت تحت قدميه!!"
"هههههه ... ألم أخبرك أن لي تجربةً في التمثيل من قبل .. ثمّ إنني لم أشأ أن أفقد مصدر رزقي ..فقط"
وبينما هم في نقاشاتهم تلك ,, مرّ خيالٌ من خلفهم , لرجلٍ في أوائل الثلاثينات تقريباً , تسللّ من خلفهم في سرعةٍ وخفّة , دون أن ينتبه من هؤلاء المعتوهين أحد
, واتجه نحو أحد المنازل , ذات الشرفات المفتوحة من الخارج ، ذات السور القصير, حيث تسمح لمن بالخارج بالدخول إليها , بينما تكون مغلقةً من الداخل
بإحكام .. ...
وبمهارة , حاول فتح الشرفة , وحركها في قوة , حتى لانت معه , وانفتحت , فأسرع بالدخول إليها , وأغلقها خلفه , ليتنفّس الصعداء ..
كان يعلم ان هذه المنطقة لا يوجد بها الكثير من السكان , لذا لم يتوقع أن يتواجد أحدهم هنا .. لكنه ما أن رأى الأثاث , راوده الشك في وجود سكان بالمنزل ..
كان المنزل يغرق في سكونٍ وظلامٍ تامّيْن ,
تحرك في حذر , وهو يمسك ذراعه التي كان بها جرحٌ بسيط , جلس على الأريكة التي أمامه في بطىء , لم يكن يستطيع الرؤية بوضوح في الظلام الدامس الذي يغرق فيه المنزل , أراد أن يقوم من مكانه لكنه تعثّر فجأةً وبدون سابق انذار , ليُصدر صوتاً كفيلاً بإزعاج شخصٍ نائم ..
انتفض واقفاً , فقد سمع صوتاً يصدر من مكان مجاور .. يبدو أن المنزل لم يكن خالياً كما يعتقد .. ترى ماذا سيفعل الآن ..؟ وكيف سيكون موقفه ؟؟....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ِِ~~جيم~~
لم أكن أعرف كيف أتصرف في مثل هذا الموقف ..!! من المؤكد أنني سأكون في ورطةٍ الآن ,حين يراني ساكنو هذا المنزل , قد يصدر أحدهم صراخاً ,فينكشف أمري ,أو قد يعتقدونني لصاً , ويهاجمونني , وقد ...
"يا إلــــــهي ..!!!!!!!"
انطلقت هذه الكلمة من صوتٍ ملؤه الخــوف والرعب , التفتت في خوف وتوتر مماثل , لأراها ..
فتــاة .. يبدو أنها تعيش هنا بمفردها .. كانت تحدق فيّ برعبٍ وعينان متسعتان عن آخرهما , وفمٍ مفتوح من الصدمة , ووقفت أنا أحدق فيها بالمثل , لم أتوقع أن تعيش فتاة هنا .. لا أدري لماذا , مع أنه شيء طبيعي , لكنه ليس كذلك في مثل موقفي ..
عندما أفاقت قليلاً من الصدمة , تحسَّسَتْ رأسَها , >ربما ظنَّت أنها فقدت عقلها< ..و ركضت فزعةً ثم اغلقت عليها باب إحدى الغرف وعادت بعد قليل . لكنها لم تكن كما كانت قبل قليل... كان تضع عليها رداءا طويلا محتشما وتغطي شعرها بقطعةٍ ما ... تشبه ما تضعه النساء في القنوات العربية ..
صرخَت في غضب :
"من أنت ؟؟ "
حمدت الله أنني كنت أرتدي بذلة عملي , فمنذ أن حصل معي ذلك الحادث مع هؤلاء الاشرار , وأنا في مطاردة مستمرة معهم .. ولو كنت أرتدي شيئاً آخر لتأكدت أنني لص .. لكن يبدو أنها ذكية وشجاعة , بعكس ما توقعت , فها هي تواجهني بشجاعة .. لكن مهلاً , ذلك الشيء الذي وضعته فوق رأسها , .....صحيح
..يبدو أنها ....
" كيف دخلت إلى هنا أيها اللص ؟؟ من أنـــت ..؟؟ أنا أحدثك ؟؟ هذا منزلي , لا يحق لك اقتحام منازل الآخرين بهذا الشكل !!؟!"
قاطعتني بسيل الكلمات هذا .. بصراحة ، لا أدري ماذا أصابني وقتها , لقد كنت أقف كالــ >مسطول< .. وخرج مني السؤال هكذا بدون أي عقبات ..
"أنت مسلمة ؟؟"
طرحت سؤالي .. وانتظرت الجواب كالأبله ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~~حبيبة~~~
لا أستطيع شرح موقفي , فقد كنت أكاد أموت قلقاً وخوفاً من ذاك الصوت الذي سمعته من داخل منزلي , وبعد أن استجمعت شجاعتي ,
انصدمت بوجود ذلك الشخص في ردهتي الصغيرة ...
, لم أكن أرتدي حجابي , إذ لم أتوقع أن يحدث ما يحدث أبداً
,, ولكن ذلك الشخص يبدو من مظهره أنه ليس لصاً,,
لكن كيف يجرؤ على اقتحام المنازل هكذا ؟؟ ... القانون يعاقب على هذا بالتأكيد ..
عندما دخلت غرفتي كنت أبحث عن وسيلة اتصال كي اتصل بالشرطة , لكنني تذكرت أن هاتفي المحمول في الردهة والهاتف الآخر كذلك ..!
كنت واثقة من قدرتي على مواجهته , فأنا بطبيعة الحال لست جبانة , فأنا لا أخشى أحداً مثله , لكن ماذا لو كان يحمل ....سلاحــاًً؟؟!!!!!!!
واجهته بسيل كلماتي التهديدية , لكنني صعقت بسؤاله الغريب ، الذي ألقاه وكأنه سيّد الموقف , غير مبالٍ لما قلته صارخةً به قبل قليل ..
.................................................. ...................
~~جيم ~~
خرج سؤالي هكذا لا شعورياً , تعلمون .. قد يصدر من الانسان أحياناً أفعال وأقوال لا شعورياً ..
وقفت الفتاة برهةً تنظر باندهاش ٍ حيران ..تأمّلتها للحظات , وكأن المجال مفتوح لي ,, ..
كان وجهها صافياً ويشوبه بعض السمار , او بالاحرى ، قمحياً يميل الى البياض .. كانت من نوعية الناس الذي اذا نظرت الى وجوههم احسست بالراحة تجاههم , وشعرت بالهدوء والامان .. أتعرفون ذلك النوع من الناس؟؟
وأكبر دليلٍ هو هدوئي في ذلك الموقف واقوالي الغير مناسبة .. وإلا بم تفسرون ما فعلت , بدلا من أبدأ بشرح موقفي ؟؟؟؟؟؟
لا اعلم ..ولكن هؤلاء الناس تشعر نحوهم بجاذبية تجعلك تتمنى مرافقتهم ومصاحبتهم على الطوال..
لا تتوقعوا انني >فصفصت< شخصيتها وملامحها في هذه الثواني , لكنني اصف لكم انطباعاتي اول ما رأيتها .. وتلك المصادفة في الموقف الذي لا أحسد عليه ..
تنبهت إلى صوتها الذي يقول في هدوء :
" نعم , أنا مسلمة ..."
قلت بسرعة :
"أووه ..كما توقعت .."
عادت تقول بأسرع مما قلت :
"لكن من أنت .. لا أظن أنك لصٌ أو ماشابه ذلك !! , هل لك علاقة بالازعاج المستمر منذ الصباح في المنطقة ؟؟ وكيف تقتحم منزلي هكذا؟؟؟بل كيف دخلت إلى هنا ؟ ألا تعلم أن هذا مخالف للقانون ؟؟؟ ماذا تريد ؟؟؟؟"
قلت مترجيّاً:
" أنا لست لصاً , أرجوكِ .. أنا أطلب منك حمايتي لبعض الوقت , اسمحي لي بالمكوث لبعض الوقت..فقط ..وسأشرح لك كل شيء "
تطلعت حولها في تفكيروحيرة .. ثم عادت تنظر إليّ قائلةً :
"حسناً..."
جلست على الأريكة بارتياح ... وتنهدت في عمق ... قائلاً في امتنان :
"شكرا لك يا آنسة .."
قالت لي متسائلة :
"من أنت بالضبط ؟"
تنهدت ثانيةً .. ثمّ قلت في هدوء رغبةً في توضيح الصورة :
"أنا جيم واطسون , رجل أعمال , أدير شركة "فاست ديب" للاستيراد والتصدير .. .."
قبل أن أكمل حديثي ..لمحت أمارات الاستنكار والدهشة على وجهها , فأسرعت أكمل بدون ترتيب للكلام .:
" لقد تعرضت لمحاولة قتلٍ مدَبّرٍ هذا الصباح , لاكتشافي احداثاً رهيبة تحدث في المدينة .. لكن أولئك الأشرار لم يدعوا لي الفرصة حتى للتفكير , وأسرعوا بمحاولة التكتّم علي"
صمتتُ ولم أكمل حديثي , متأملاً أن يصدر منها أي تعقيبٍ أو تعليق ,, لكنها بقيت صامتةً .. فأكملت :
" ولحقوا بي صباح اليوم , من منزلي مطاردةٍ بالسيارات , إلى أن وصلت إلى هذا الحيّ المليء بالمنازل , فأخفيت سيارتي وخرجت سيراً على الأقدام , .. لكنهم لحقوا بي , وهكذا إلى أن وصلت لمنزلك هنا , .."
لم تنفرج شفتاها عن أي حرف .. تابعت :
"أنا آسفٌ حقاً لما فعلت ,, لكن لم يكن أمامي حلٌّ آخر .. أنا حقاً آسف .."
طأطأت برأسها متفهمة , وقالت في تساؤل :
"إذن فهؤلاء الرجال المسلحين كانوا يبحثون عنك ,؟؟"
أجبت :
"نعم .. وما اكتشفته بصدد أولئك الرجال , متعلّقٌ بعملي , وكأيّ شريفٍ و مخلصٍ لوطنه والقانون , كان يجب عليّ التبليغ عنهم .. ولذلك حاولوا اختطافي والتخلص مني "
قالت :
"نعم .. فهمت .."
قلت لها بارتياح :
"إذن ستسمحين ببقائي لبعض الوقت ..؟!"
هتفت في دهشة :
"ماذا ؟؟؟؟!!"
كررت في عجب :
"ماذا ماذا ؟؟"
تابعتُ :
"إنهم بالخارج ينتظرون لحظة ظهوري لينقضوا عليّ , أو يرموني بسيلٍ من رصاصاتهم .."
قالت في ارتباك :
"لا ......... ، أقصد نعم .. ولكن ... أه .. حسناً .. كم من الوقت ؟ ... أعني .."
قاطعتها :
"أنا آسفٌ حقاً , لكن... يمكنني المكوث حيث تشاءين , حتى وإن بقيتُ جالساً عى هذه الأريكة إلى أن تمر الأزمة على خير , فهذا عائدٌ لكِ .."
قالت باعتذار :
" حسناً ... أنا آسفة , لكنني مسلمة , وهذا أمرٌ غير معتادٍ لدينا وغير مسموح ..انتظر قليلاً .."
قبل أن أنطق بحرف , قامت من مكانها ودخلت إلى تلك الحجرة -نفسها- ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~~حبيبة ~~~
كيف اصف لكم حالي ..
تخيلوا حال فتاة ملتزمة , يقتحم منزلها رجل أجنبي , و.. ويطلب منها حمايته ..!!
ماذا عليّ أن أفعل ...؟؟ لكنه مسكينٌ حقاً ,, ويبدو أنه شخصٌ محترم .. "رجل أعمال"؟؟!! ... شيٌ غير متوقع ..
شعرت ببعض الاندهاش من تلك المواقف التي يضعني بها القدر ..
ترددت كثيراً .. كيف أفعل هذا يا إلهي ؟؟ هل يجوز لي ابقاءه هنا ؟؟؟ لم أجرؤ على التعامل مع أي رجل كان في حياتي ... لكن هذه المرة .. فأنا مضطرة لكل شيء ..
آه .. يا إلهي أرشدني ..
أخرجت ملائةً وفراشاً إضافياً ومعه غطاء سميك , وعدت للردهة , ووضعتها على الأريكة بجانبه .."جيم " ..
قلت في تردد :
" أه .. هذا فراشٌ إضافيّ كنت أحتفظ به , يمكنك استخدامه , فأرض الردهة باردة جداً , والأريكة غير مناسبة للنوم .."
أجاب في امتنان واضح :
"لا أعرف كيف أشكرك آنسة ...!!"
قلت ببعض الارتباك :
"اسمي حبيبة .. "
كرر في استغراب :
"حبيبة ؟؟ أنت عربية ؟"
منعت نفسي من الابتسام كالعادة , ..ولطالما فعلت أنا وحنان, حين ينطق الأجانب اسمنا بهذه الطريقة "هنان/هبيبة" مع أننا اعتدناها , لكن بكل مرةٍ نبتسم وكأنها المرة الأولى .,,
قلت :
"نعم أنا عربية .. وأدرس هنا"
قال في تفهم ..:
"هكذا إذن .. لكن لهجتك صحيحة تماماً , حتى ظننت أنك مواطنةٌ من المدينة"
قلت:
" هذا يعود لنشأتي هنا , واتقاني للإنجليزية منذ الصغر .."
أومأ برأسه قائلاً :
"هذا رائــع .."
لم أملك سوى الابتسام .. ونهضت قائلةً :
"حسناً , سأترك المكان لك , أتمنى أن تمر هذه الأزمة على خير .."
قال :
"حقاً أنا مدينٌ لكِ بالشكر ،آنسة حبيبة ..وسأغادر حالما أجد المفرّ .. تقبلي اعتذاري "
قلت مغادرةً الردهة :
"لا بــأس "
توجهت لغرفتي , واغلقت الباب من خلفي ,, لم أستوعب بعد ما حدث ..!!
ماذا سيفعل أولئك الرجالُ بالخارج يا ترى ؟؟ لو علموا بأمري أنا أيضاً ؟!!
أما "جيم", أسلوبه أنيق ومحترمٌ جداً في حديثه وتعامله .. على عكس غيره من مواطني هذه البلدة , فجميع من صادفتُ منهم يملك بعض الطباع الخشنة والمائلة للسيئة , كفظاظة ألفاظهم .. و>شوارعيتها< بعض الشيء ,, مسكين حقاً. .
أتمنى أن تزول عنه أزمته , كدت أدعو الله له ,, لكنني تذكرت أنه مشركٌ أجنبي , فدعوت الله أن ينصر الحق حيثما كان .. لكنّ ما أدهشني حقاً ., هو ردةُ فعله على كوني مسلمةً محجبة وعربية ..فلم يعلّق مطلقاً على هذا الجانب , وحتى لم يظهر أي تعبيرٍ على وجهه من حيث هذه الناحية ..ففي الواقع ،يكون لدى الأجانب فكرة محدودة عن العرب ,,
استسلمت لشبح النوم .. والافكار تطوف برأسي مجيئاً وذهاباً .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~