كاتب الموضوع :
Lara_300
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الفصل الرابع عشر
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~ حبيبة~
كان الصباح مختلفاً هذه المرة حين قمت من نومي ، فأول ما وقع عليه بصري كانت غرفتي
. وثاني ما وقعت عليه عيني هي أمي ، التي جاءت لتوقظني ..
قالت بحنان بعد أن أَفَقْت :
" صباح الخير "
قلت وأنا أقبّل جبينها :
" صباح الخير أمي .. إن الصباح هذا اليوم أجمل صباح رأيته في عمري "
قالت بحنان :
" بالطبع يا حبيبتي .. وهو كذلك بالنسبة لي ... آهٍ يا حبيبة ، أشعر أنني في حلمٍ جميل لا أود الاستيقاظ منه .. رعاكِ الله وحفظكِ يا حبيبة .."
قلت وأنا سعيدةٌ بهذه الأجواء ، أشعر أن حنان الأرض كله مجتمعٌ بأمي . فهي ليست كمثلها من النساء .. فهي لا تسيء لأحدٍ ولا تحقد على أحدٍ أبداً .. لكن والدي سامحه الله كان دائماً يصفها بالسذاجة لأنها طيبةٌ جداً ، وكان يقف عند زلاّتها كثيراً ليشعرها بالتقصير ، إلى أن وصل الأمرُ للطلاق ..
نفضتُ تلك الذكريات عن رأسي وأنا أهبط الدرج إلى طابق منزلنا الأول ، لتناول الإفطار الذي أعدّته أمي ..
اتخذت مقعدي على المائدة ، التي رأيت عليها الكثير من الأطعمة الرائعة ، من عمل أمي .. أكاد لا أصدّق أنني عدت كالسابق ، أراها معي دوماً ، وأستمتع بطهوها المميز .. وأنعم برقتها وحنانها ورعايتها .. إن هذه نعمةٌ عظيمة ، لا يشعر بقيمتها الكثير ، إلا لو فقدوها .. فاللهم أعنّا على طاعة والدينا ..
تناولت الكثير من الطعام ، بشهيةٍ مفتوحةٍ على غير العادة .. وبعدها قمت لأتصل بحنان وألتمس أخبارها ، وأخبرها بعودتي ..
اتصلت عليها من هاتف أمي النقّال والتي لم تكن تعرف رقمه ، وقلت مغيّرةً نبرة صوتي بخشونةٍ حين أجابتني :
" هل أنت الآنسة حنان ؟ "
قالت باستغراب :
" نعم من أنتَ ؟"
أووه لقد اعتقدتني رجلاً !!
قلت :
" ألم تعرفينني ؟ "
قالت:
" عفواً ليس لدي الوقت لهذه الألعاب .. "
قلت :
" أنا أبحث عن صديقةٍ لي ، اسمها حنان .. وأعتقد أنها أنتِ ,, فــ ..."
أغلقت الهاتف ..يا إلهي .. كانت مجرد مزحة .. اتصلت ثانيةً فأجابتني بعصبية :
" ماذا تريد ؟؟"
انفجرت ضاحكةً بسعادة ، و أمطرتني هي بوابلٍ من عبارات التأنيب والترحيب معاً ، وقالت :
" منذ متى وأنتِ هنا إذاً ؟"
" وصلت مساء أمس .."
ضحكتْ وقالت :
" حمداً لله على السلامة .. وأخيراً ! أرأيتِ ! قلت لك أن كل شيءٍ سيمضي على خير .. فالحمد لله .. "
رددتُ :
" الحمد لله .."
قالت فجأة :
" من الجيد أنك وصلتِ باكراً فموعد زفافي في نهايةِ هذا الأسبوع! "
قلت بمفاجأةٍ حقيقية :
" حقاًً؟؟؟؟؟ يا الله ! لم لم تخبريني ؟؟ حقاً حقاً أنا سعيدةٌ جداً من أجلك .. وسأكون أول الحاضرات .."
قالت بسعادةٍ واضحة :
" لا .. لن تكوني أول الحاضرات .. فأنت ستكونين معي من أول الصباح يا حلوتي ..وستحضرين معي كل التجهيزات"
شعرت بسعادة أكبر لأنني لم أتوقع هذا .. وقلت :
" هذا رائع ! يسعدني هذا بالطبع .. حنان ! لا أصدّق أن الأمور سارت بهذه السرعة ! مبروكٌ لك يا غالية ألفُ مبروك .."
قالت بجدّية :
" حبيبة .. سأحتاج إليكِ في ذلك اليوم أكثر من أيِّ وقتٍ مضى .. فهل أنت مستعدة للوقوف إلى جانبي ..؟؟ وحضور جميع التجهيزات !؟ ...."
قلت بتأثّر :
"بالطبع يا حبيبتي سأكون إلى جانبك طوال الوقت ، من تجدين أفضل مني لهذه المهمة ؟؟ لا تقلقي يا حنان .. سيمضي كلُّ شيءٍ على مايرام يا عزيزتي .."
وهكذا وعدُّتها بالحضور من الصباح الباكر يوم زفافها ، و أمضيتُ هذه الفترة أجهّز هديتي لها وما سأرتديه في حفلتها .. حقاً حقاً أنا سعيدةٌ من أجلها ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~جيم~
شعرتُ بدوار وأنا أجلس على مقعدي بالطائرة .. وحاولتُ أن أشغل نفسي بتصفح جريدةٍ للأخبار .. لكن الدوار هزم تفكيري ، فأنا دائماً ما أشعر بالدوار عند ركوب الطائرات ..ولكن هذه المرة أصعب بكثير ، فالرحلة أطول من أي رحلةٍ أخرى ، إنها لبلدٍ عربية ، أي في قارةٍ أخرى بعيدةً عن هنا بآلاف المساحات ..
أمسكتُ رأسي أنفضه بقوة فشعرت بغثيان أكبر ، فلاحظ أحمد حركتي ، وسأل:
" جيم .. مابك ؟"
قلت :
" إنني مصاب بدوار الطائرات فقط .."
ابتسم مشفقاً وناولني أقراصاً تساعد في هذه الحال وسأل :
" ألا تسافر كثيراً .؟؟"
قلت :
" بلى .. أسافر وفي كل مرة يحدث الشيءَ نفسه .. لكن هذه المرة المسافة طويلة ولن أحتمل الأمر طويلاً .. شكرا لك .."
ابتسم و أومأ برأسه قائلاً :
" سيذهب عنك الدور بعد قليل .. فلهذه الأقراص دوراً كبيراً مع من مثلك من الذي يتحسسون من الطائرات "
ابتسمتُ وأنا أسند رأسي إلى المقعد وأنا أتذكر بعض الأحداث ..
فبعد أن أكملتُ إعدادات السفر قمت بإخبار إدوارد عن سفري ، كان الضيق واضحاً في نبرته لأنه شعر أن الأمر متعلقٌ بإسلامي
.. لكنني تجاهلتها وأنا أخبره عن الشركات التي من الممكن أن تنضم لي ، وحينها تجاهل الموضوع هوالآخر ..
أما الأمر العجيب الذي حصل معي ، فعندما كنت أحجُزُ في شركة الطيران مع أحمد ، وكنت حين ذاك متضايقٌ لفكرة مغادرة حبيبة وسفرها ، حينها تفاجأتُ وذهلتُ حين انتبهتُ للأمر
.. إن وطن أحمد هو نفسه وطنُُ حبيبة !!! أمرٌ لا يكاد يُصدَّق ؟؟ أهناك أملٌ آخرٌ بلقائها ؟؟؟ أكاد لا أصدّق فعلاً ! يا لهذه المصادفات العجيبة .. يبدو أنني في سبيلي لتحقيق أمنيتي ..
اختفى الدوار تدريجياً لبعض الوقت .. وعدت أنا للواقع بعد أن أخذتني الأفكار ..
فتحتُ محفظة أوراقي وأغراضي البسيطة لأضع بقية الاقراص في جيبٍ بها ، علّني أحتاجه في وقتٍ لاحق .. و..قبل أن أغلقها ، أخرجت من جيبٍ آخر بالمحفظة ، ورقةً مطويةً بعناية ، تأكدت من وضعها في محفظتي .. إنها ورقة عناوين حبيبة التي أخذتُها خلسةً من إدوارد وقمت بتصوييرها في ذلك اليوم .. وضعتها بعد أن ظننتُ أن لا فائدة لها مجدداً .. لكن القدر جاء بمفاجأته العجيبة وأصبحت ذا أهميّةٍ شديدة ..فتحتها وأنا أقرأ ما بها .. والتفتت لأحمد أسأله :
" أتعرف شارع السلام ؟؟"
قال لي باستغراب :
" نعم إنه شارعٌ مشهورٌ في بلدتي .. من أين لك أن تعرفه ؟
قلت مرتبكاً :
" إن صديقاً لي يسكن فيه.."
قال بعجب :
" ألك صديقٌ من وطني ؟؟ كيف لم تخبرني من قبل ؟ "
قلت بارتباك أيضاً :
" إنني أعرفه منذ مدة .. و... رأيت أنه من الجميل لو قمت بزيارته لأراه ثانيةً .."
ابتسم بهدوء قائلاً :
" نعم .. جيدٌ جداً .."
ثم نظر إلى الورقة التي بيدي وسأل بعفوية :
" أهذا عنوانه ؟"
قلت :
" لا ...نعم .. أقصد إنه رقمه وعنوان شارعه ومنزله .. لاحقاً نذهب إليه .."
أومأ برأسه مؤيّداً .. وهكذا مرّت الساعات ، تارةً نقضيها في الحديث ، يحدثني بها عن وطنه ويعلمني بها الكثير من الأمور .. وتارةً في الاستماع إلى المذياع و مناقشة الأخبار .. إلى أن انقضت الساعات الطويلة بصعوبةٍ وملل .. وحين سمعنا صوت المضيف يعلن وصولنا ، حملنا أغراضنا وخرجنا ..لقد كان كل شيءٍ مختلفًا ، ما عدا المباني التي تتشابه تقريباً قليلاً والسيارات إن ذكرناها .. لكن كل شيءٍ آخر مختلف ، الناس .. الهواء .. السماء ... حتى إن كانت هذه أشياءُ معنوية ، فهي تشعرك بأنك في مكانٍ آخر .. في عالمٍ آخر .. انتظرَنا أمام بوابة المطار شابٌ في أوائل العشرين من عمره تقريباً ..لا أعرفه بالطبع ، لكن ما إن رأى أحمد حتى قَدِمَ إليه وصافحه بودٍّ واضح ، وكلّمه بالعربية ، ثم يبدو أن أحمد عرّفه بي ، فقدِمَ إليّ وقال بابتسامةٍ كبيرةٍ :
" السلام عليكم ، كيف حالك يا سيدي ؟ "
صافحته وأنا أبادله السلام ، وعرّفني به أحمد :
" جيم .. هذا أخي طارق .."
قلت :
" مرحباً طارق ..يسعدني التعرف عليكَ حقاً .."
قال :
"وأنا كذلك .."
لم يكن شديد الشبه بأحمد ، لكن يبدو عليه الصلاح والاحترام ...توجهت معهما إلى السيارة ، وركبنا بها ، فقلت لأحمد :
" أحمد .. دعنا نتجه إلى الفندق .."
قال أحمد باستنكار :
" لا يا جيم .. إلا هذا .. ! ستقضي الليلة معنا .. لقد أخبرتُ عائلتي أنك قادمٌ معي .. وهم جاهزون لاستقبالك .."
قلت خجلاً من كرمه :
" حسناً ، ولكن ، لليلةٍ واحدةٍ فقط .. لا أريد التضييق عليكم .."
قال وقد أحسّ بجدّيةِ كلامي :
" حسناً كما تشاء .. لكن هذه الليلة معدةٌ لك خصّيصاً .. فرفضها ممنوع !"
ضحكت قائلاً :
" لا أعرف كيف أشكرك .. "
قال :
" لا داعي لهذا .."
عدت بعدها لتأمّل المدينة .. كان كل شيءٍ بالعربية ، العبارات في الطرقات ، اللافتات على المحلاّت التجارية ، كل شيءٍ يترك انطباعاً مختلفاً.. والغريب أن صورة البلاد العربية في مخيلتي لم تكن قط كهذه الصورة الراقية قبل تغيير حياتي وأفكاري .. بل كنت أظن أنهم بلدٌ غير متحضّر ، وجهلاء عدوانيين ، ولم أكن أشك بوجود قطاع طرقٍ حتى .. ...أو أن أحدهم قد يخرج مطلقاً عليك رصاصاته أو ضرباته وأنت تسير بأمان .. كنت أتوقعهم أناساً عابسين مكْفهرّي الوجوه .. وحتى بعد أن التقيتُ أحمد ، ظننت مثله نادرٌ من قومه ، لكنني عرفت الآن أنهم في الأصل طيبون كلهم ، يالهذا الإعلام السخيف حقاً ..يستغل أنه الوسيلة الوحيدة والرؤية الواحدة للتطلع على العالم من عينيه الخبيثتين ، فينقل لك أبشع الصور ويركب عباراته الواهية عليها ....
تابعت تأملي بعد دفعة الأفكار تلك ....، كم هذا جميل ! الشعور هنا مختلفٌ تماماً .. أشعر الآن أنني لست نادماً أبداً على السفر .. ولا على أي خطوةٍ قمت بها حتى الآن ..
التعديل الأخير تم بواسطة Lara_300 ; 17-03-08 الساعة 01:33 PM
|