10-02-08, 03:54 PM
|
المشاركة رقم: 14
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
ليلاس متالق |
|
البيانات |
التسجيل: |
Aug 2007 |
العضوية: |
38957 |
المشاركات: |
1,636 |
الجنس |
أنثى |
معدل التقييم: |
|
نقاط التقييم: |
21 |
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
المرآة
المنتدى :
علم النفس , دراسات علم النفس , كتب علم النفس , ابحاث علم النفس
*/الحالة الإكلينيكية:
ب.س مريضة في الخمسين من عمرها كانت امرأة موهوبة شهد لها الكثيرون ببراعتها الأدبية وكانت تأنس الى الناس ويأنسون اليها ولكن سيرتها تغيرت شيئا فشيئا تغييرا عميقا .فقد اقلعت عن صحبة المعارف والأصدقاء وانزوت في بيتها وبدا عليها عزوف عن مباهج الحياة ثم كان ان طغت عليها موجة من الحزن صمدت لها في بادىء الأمر ولكنها جاوزت ما تطيق فأصابتها نوبة من الإكتئاب العميق وعصفت بها ازمات حادة من القلق مصحوبة بأفكار من نوع الهذيان .
ويدور هذيانها حول فكرة واحدة خلاصتها انه سيلقى بها الى الشارع عارية حيث تظل وحيدة تعاني من الجوع والبرد حتى يأتيها الموت وبالرغم من انها كانت تدرك من حين لآخر سخافة هذه الفكرة فقد كانت تلح عليها الحاحا شديدا فتفصح عنها حينا بلا اكثرات وحينا آخر تضرع الى الله ان يحيق بها ذلك عاجلا فترتاح من عذاب الإنتظار ومع ذلك فقد كان الفزع يأخذها احيانا فتصيح مذعورة (انهم قادمون لاتتركوهم يأخذوني ويلقون بي في الشارع رحمة بي)
غير انها كانت تعود فتجزم بأنها لاتستحق غير هذه النهاية وانه من العدل ان يكون عقابها قاسيا على هذا النحو فاذا سئلت عما ارتكبت من ذنب حتى قضت على نفسها بهذا القضاء الرهيب لم تكن تستطيع ان تبرر ادانتها لنفسها الا باسباب تافهة
قالت هذه المريضة ان مرضها بدأ عقب هرب كلبها الصغير الذي كانت قد تعلقت به تعلقا شديدا .ولكن كيف يمكن للإنسان فريسة لمرض نفسي خطير لمجرد حزنه على فقدان كلب ان هذا التأويل لا يصح في الأذهان فلنسمعها اذن تسرد تاريخ حياتها لعلنا نستوضح جلية الأمر.
تحدثت المريضة فذكرت انها كانت تقيم في طفولتها مع والديها واخت تصغرها بثمانية اعوام .وكانتهذه الأخت تمتاز عليها بقدر وافر من الجمال جعلها موضع حب والديها فأثار ذلك في نفسها شعورا عنيفا بالغيرة ،ومضت سنوات فاذا بها تستبدل بكراهيتها لأختها حبا عظيما وعناية فائقة عندما توفيت امهما واضطرها الأمر ان تقوم بدور الأم نحو هذه الأخت الصغرى.
غير ان بركان الغيرة القديم ما لبث ان اطلق حممه في صور مقنعة فنهضت تذوذ عن أختها واتخذ ذلك كله شكل اعراض وسواسية.فكانت تحس ان من واجبها ان تكرر كل عمل تقوم به عدة مرات لأن شعورا داخليا كان يهيب بها ان تفعل ذلك خشية ان يصيب اختها العزيزة مكروه مثلا كان عليها كل ليلة ان تستوثق مرات ومرات من ان خزان البوتاجاز الموجود بجوار غرفة اختها مقفل اقفالا محكما.
ومضت الأعوام وتوفي ابوها فاضطرت الى البحث عن عمل تعيش منه هي واختها الصغرى ولم تجد غير وظيفة بسيطة فكانت تنفق النهار في عمل شاق لقاء اجر زهيد وشعرت بما تكلفت من ارهاق وتضحيات من اجل اختها ولكنها تقبلت ذلك عن طيب خاطر وزادت فأحاطت اختها بكل عنايتها وعطفها وفي عمرة هذه الإرهاق وذلك النضال من اجل العيش زالت عنها اعراضها الوسواسية.
وعاشت الأختان سنوات عديدة منعزلتين الكبرى منهمكة في تضحيتها العظيمة والصغرى منصرفة الى محاولات تافهة في ان تصبح كاتبة مرموقة ولكن الحياة
التي وثقت بينهما لم تلبث ان انقطع حبلها عندما خطبت الصغرى وتزوجت ثم سارفت مع زوجها الى بلد آخر ، دون ان تفكر فيما سيؤول اليه امر اختها التي بذلت حياتها في العناية بها وقد تقبلت الكبرى الأمر بشجاعة بل بدا عليها السرور لما ظفرت به اختها من سعادة وظلت تعاني الوحدة مع كلب صغير اقتنته بعد رحيلاختها وبعد مرور سنة من هذا الرحيل فقدت كلبها، عند ذلك اصيبت باعراض الإكتئاب الشديد والهذيان التي سبق وصفها وقد اقرت المريضة اثناء العلاج ان فقدان الكلب لايمكن ان يكون سببا كافيا لما احاق بها من مرض خطير.
يتضحمما تقدم ان حزن المريضة على كلبها لم يكن الا حزنا جاء متأخرا على حزن شقيقتها فقد كانت كل حياتها العاطفية تتركز في العناية باختها وذلك من خلال توحد نرجسي بالأخت شبيه بتوحد الآباء بأبناءهم ويتضح ايضا انها استطاعت في بادىء الأمر ان تعزي نفسها بالعناية بكلب صغير فلما فقدت الكلب ايضا ضاع عزاءها.
لكن لما اضطرت الى اخفاء حزنها عند رحيل اختها ؟
هل كان ذلك بسبب العرف الذي يوجب عليها ان تفرح لما فازت به اختها من سعادة فلو انها غضبت واستمطرت عليها اللعنات لأحست انها آثمة مذنبة الم تكن تردد في هذيانها انها لا تستحق الا ان يلقي بها الى العراء حتى تموت من الجوع والبرد.
اننا نرى مأساة هذه المريضة البائسة عصرها الحزن الشديد على فقدان اختها محط آمالها في الحياة وامتلأت نفسها غيضا مدمرا وكراهية لما فعلت اختها فلم تصارح نفسها بالحزن على فراق اختها ولكن رنين الإثم لوجود هذه الكراهية جعل يدوي في صدرها حتى فاض بها الكيل فطواها اعصار من الهذيان.
فلم تقو حتى على الإعتراف بما ساورها من خيبة الأمل ذلك ان الشعور بالإثم قديما كان يقف لها بالمرصاد منذ ان اضطرمت في نفسها نيران الغيرة من اختها ابان سنوات الطفولة وقد شاهدنا جهاذها الطويل في كبح جماح كراهيتها القديمة وما قدمت من قربان لتخفيف الشعور بالإثم فلما استثيرت لديها الكراهية من جديد عند فراق اختها لها تجاوبت لديها اصداء الشعور بالإثم بين ارجاء الماضي والحاضر.
النتيجة:
بقي ان نعرف لما اتخذ هذيانها تلك الصورة (رغبتها في ان يلقى بها في الشارع عارية حتى تموت جوعا اننا نعرف ان الصغرى تدين للكبرى بالكثير حيث كانت الأولى صغيرة لاتقوى على الكفاح في سبيل العيش عندما توفي والدها فلولا الكبرى لهامت على وجهها ووقعت في براثن الجوع والبرد وها هي تسلك مسلك الناكر للجميل فتهجر اختها ..وهكذا حكمت المريضة على اختها الجاحدة بما كان سيؤول اليه امرها لولا ما قدمت لها من عون .يتضح ان المقصود بتلك النهاية هي الأخت الصغرى ..ولكن شعور المريضة بالإثم لما يعتلج في نفسها من رغبات قاتلة ارغمها على ان تجعل نفسها هدفا لهذه الرغبات عوضا عن اختها او على الأصح لما كان الميكانزم الأساسي في الإكتئاب هو استدماج الموضوع المحبوب المكروه معا.بحيث يتخذ الموضوع مكانا له بين جدران الأنا (انا المريض) فان العدوان الذي يستهدف الموضوع يتجه نحو الأنا الذي اصبح هو والموضوع شيئا واحدا.
*/ واثناء جلسات العلاج جعل جزعها يقل شيئا فشيئا وبدأت تتشجع في الإفضاء بما يأتيها من خواطر فراحت توجه اللوم لأول مرة لأختها لما فعلت ثم احساسها بالمرارة ثم الحقد واخيرا اشد عبارات العدوان نحوها ةالرغبة في الإنتقام منها بان تمنت لها عقابا (ان يلقى بها في الشارع عارية حتى ياتيها الموت)
|
|
|