المنتدى :
الخواطر والكلام العذب
فنطازيـاعلى ضفاف النيل
ـ إلى العزيز ربيع ملهمي
ـ إلى اهازيج الذي وقف معي يوم كانت الخيول جامحة حرون..
ـ إلى نارة التي مسحت أخيرا على الجياد المتعبة برقة وسحر...
ـ إلى كل أحبابي الذين عاشوا معي ولادة هذه القصة
فنطازيا على ضفاف النيل
أغلقت النوافذ وأسدلت الستائر فعام البيت في سكون ،والتحف بظلال ...لطفت من قيظ الظهيرة . جررت رجلي المتعبة مشيا ـ بفرط الوقوف والتوقف والجيئة والذهاب بين الصفوف ـ نحو غرفة نومي ....ولا في البال إلا سريري .... ارتميت عليه بكل ثقلي وهمومي ...لم يئن ...المسكين !!!! أحسست ببطني تؤلمني، ربما خواؤها لم يحتمل ثقلي، فاستويت على ظهري ... جميل هذا الألم المنساب ..المنسل من بين ثنايا الجسد يتلاشى رويدا، رويدا تاركا وراءه مساحات صغيرة من الراحة العلوية تأخذ استراحتها على جماع بدني بعد يوم مليء بالكد....
حاولت أن أرتخي أكثر ريثما تهيأ مائدة طعام الغذاء، فأغمضت عيني وركزت على ذاتي وألمي اليومي متناسيا كل ما حولي فربما أصل إلى النيرفانا التي طالما حلمت أن أصل سدرتها لكن ناموسة ربما أو ذبابة لمست أرنبتي فكسرت ما بنيت من تركيز ....جلت بناظري في الغرفة فلمحتها تحوم << إنها.. لا ناموسة ولا ذبابة ....ربما يعسوب لا..لا اليعسوب أكبر>>
تعالى أزيزها ودورانها ... بكثرة ما تبعتها أصبت بالغثيان . كم كرهتها!!! << ألم تجد هذه الملعونة إلا هذا الوقت بالذات لتعبر عن ذاتها ؟؟>>.
وقفت وكلي عزم على محقها ...مسحها مع الحائط ...فتتبعتها بفتات ما بقي لي من جهد في الجهات الأربع، فلم أظفر بها ..بلغ الجهد مني مبلغه... وربما هي أيضا لقد تضاءل تردد حومها... ها هو يخف...يخف إنها تحط على الحائط وفي مستوى نظري. هجمت عليها بثمالات ...ثمالات جهدي محاولا سحقها براحة يدي ...ما فكرت قط في الضربة التي ستتلقاها ولا كيف ستحس بها ولا بالأثر الذي سيتركه محق جسمها على الحائط الحديث التبييض...بكل قوة صفقت مكان حطها ...أف!! ...لقد فلتت الشقية ...رفعت يدي، فإذا ببقعة سوداء في حجم فلس ترتسم على الحائط ...دعكتها بلطف حتى لا يزول الطلاء لكنها كانت مندمجة كليا .. ضغطت بإبهامي ضغطا قويا فساخت في الحائط كزر .حينما أحسستُ به وصل منتهاه انفتح باب أمامي بمساحة جدار غرفة نومي كما تنفتح الأبواب السرية في أفلام هيتشكوك وقصص أغاتا كريستي كاشفا عن بطحاء مديدة الأطراف وطريق طويل مبلط برخام ـ لا محالة إيطالي ـ << ما هذا يا رب ؟؟!! أأنا أعيش كابوسا أم هي الحقيقة ماثلة أمامي.. >>.التفت ورائي فلمحت سريري يحمل أثر بعثرتي الأخيرة له ...لم يتغير حاولت أن أخطو خطوة نحو هذا المجهول لكن، نكصت... فلربما هويت في سقطة حرة كانت فيها روحي وأنا الساكن بالدور الرابع . عزم يدفعني للتقدم، إرادة توشوش لي : جرب فقلت بسم الله وخطوت خطوة ..خطوتين.. نجحت، الأرض صلبة، إنه عالم حقيقي، التفت ورائي آه زال بيتي يا ويلي!!!.. انمحى....أمامي بطحاء، و ورائي بطحاء ....ليكن الطريق الرخامي إذا سمتي....
كان الطريق طويل، تحفه أحواض ماء تستعمرها زهور اللوتس بأنواعها، مزهر بعضها وآخر في طور التبرعم وغير بعيد مني رأيت بحيرة تعكس سماء صافية لازوردية تدب بجانبها تماسيح هائلة تروم دفء الشمس الحارة ـ قطعا ـ وفي الآفاق بدت حقول خضراء لم أتبين نوعية مزروعاتها تتحرك في داخلها ناس من كل الفئات العمرية في كد وجد ...
عربة تجرها أربعة خيول مطهمة قادمة من طريق فرعي مندفعة بجنون نحوي ، ركضت لأتقي تصادمها معي غير أن السائق أوقفها ببراعة ونحور خيولها تلامس رأسي ...ترجل السائق يمشي الخيلاء الرأس في السماء والقدمان ثابتتان على الأرض مسحني بنظرة متعالية ذكرتني بنظرة هيكتور لأخيل ...كان معتدل القامة،كحيل العينين خمري اللون،رأسه حليق تغطيه باروكة مجدولة بخيوط ذهبية وبيده اليمنى صولجان وبالأخرى كرباج والمعصمان مزينان بأساور ذهبية من أفاعي ذات رؤوس تماسيح، لم يعريني اهتماما ناولني صولجانه وانحنى وبدأ يتفحص حذوات اللأحصنة ثم ،قال لي بنبرة فيها سمو وكبرياء:
ـ هل تعرف أيها الغريب كيف يمكن أن نمتن هذه الحذوات لنقلل من تآكلها؟
لملمت نفسي الضائعة بحثا في ذاكرتي عن صورة لهذا الشاب وأجبت بتلقائية وثقة نفسي زائدة ،عله يفهم انه في حضرة خبير..
ـ أنتم تستعملون يا سيدي ذهبا خالصا من عيار 24 قيراط وانصح بان تجدوا سبيكة تكو ن بعيار اقل من 18
رد علي وبسمة طفل تجلل محياه :
ـ نعم هذا ما نصحني به كبير كهنتي لا شك أنك صائغ...
لم أرد، المشهد الذي جد أمامي أفحمني جعلني فاغرا فمي... جموع من الناس سجد ركع، للشاب منهم من يتمسح بالعربة وآخرون يقبلون الظل الطويل الذي جادت به الشمس المائلة إلى المغيب ،
<<إنني بحضرة ملك بلا شك...من هو يا ترى ؟ اللون الخمري الصولجان الباروكة من يكون ...؟.آه إنه العظيم :توت عنخ آمون... إنني بمصر أم الدنيا!!!>>
توا ركعت فنهرني وهو ما يزال يتفحص سنابك خيوله.
ـ قم يا مغفل << غاد تودي نفسك في داهية>> ...قد يحسبك سفيركم عندنا أنك جاسوس... ويصير حسابك :( س ,و ج)
قمت رفعت رأسي فإذا بالجمع كأنه قد انفض...بل كأنه ما كان...لا بلاط رخامي ولا بحيرة ولا تماسيح ... توا التفت حيت كان توت خنع آمون يتفقد سنابك خيوله وقلق كموج يجرفني خوفا أن يضيع هو أيضا ، << يا ويلي هو أيضا توارى في العدم ...>>حل مكانه رجل كهل، يعقد سيور حذائه اللميع يرتدي نظارتين حجبت شيئا من وجه تضارع بشرته السكر الأسمر،
تأملته تهجيت أساريره، فيه شبه كبير مع سعد زغلول، فلو كان يعتمر طربوشا لقلت هو عينه.<<كم أحبك يا زغلول ...وكم افتقدناك يا سعد!!!>>
حال ما أنهى ربط سيوره، نهض وانتصب كنخلة ..ما تصورت أنه بهذا الطول... يعلوني ربما شبرا أو أكثر، بالكاد رأسي يلامس منكبه قال لي بصوت رفيع وظريف :<<هل لديك قلم؟؟ لأكتب لك عنواني فربما تتوه ولن تعرف طريق العودة ....>>
دوخة ساورتني، وحيرة ملكتني ،أمسكت برأسي...علني أجد عونا يبدد ما بي من اضطراب ويعود بي إلى حالي، فالتفت يمينا ويسارا، فلم أجد معينا.. <<سرْ إذن قدما... لن تخسر شيئا ، خطوت سابقا، وما سقطت ...وها أنت ما تزال على أرض صلبة تحملك ،تحميك من السقوط....تابع...>> أوحى لي خاطري
ربما شبه سعد لا حظ ارتباكي فربت على كتفي بلطف وقال لي:<< هون عليك لا تكن رؤيتك سوداوية إلى هذا الحد
<<ما يقصد يا ترى ؟؟ إنه يكلمني كأنه يعرفني، أوكأ نما شيء ما يربطني به...غريب أمره... >>
تقدم نحوي فسحب من بين أصابعي قلما...
<<من أين أتتني هذه ؟؟؟ ما كان عندي قلم، مطلقا !!هل صولجان توت أضحى قلما؟؟؟ بلا شك إني ربما عُديت بإليس...صاحبة بلد العجائب ...>>
تفحص شبيه سعد القلم، قلّبه... وقال: <<قلمك هذا جميل، وأنيق ما عهدت مثله>>
هو من ال....
قاطعني بلطف وقال :<<أعرف... إني أدرى بالأقلام ونوعياتها، يمكن أن تقول أ ني...خبير بها ...>>
كتب في ورقة صغيرة أخرجها من جيب بذله كلمات ومدها لي، وانصرف ...
فتحت الورقة قرأت :@starlight. wadia800004.....
أصبحت وحيدا... لا توت ، ولا....سعد. وعالم آخر ترامي أمامي : زحام خانق،مارة وسيارات ،وحمير تجر عربات ، والدخان و السخام يظلل الكل. منظر ملأ قلبي سخطا على هذه المدنية الوسخة.... بنوراما مألوفة عندي ـ جدا ـ ذكرتني بعبد المعطي الحجازي وبمدينة بلا قلب، والاثنين ذكراني بالسيدة عندئذ لمحت شيخا سألته :
<<من أين الطريق إلى السيدة؟
أيمن وأيسر يا بني
قالها ولم ينظر إلي>> (1)
نِعم الدليل ! يمنت ،يسرت وإذا بالسيدة أمامي. ولجت المزار تمسحت بالقبر ودعوت لأبي بالرحمة وأمي بالعافية وخرجت، عرجت على الحسين فصليت الظهر والعصر جمعا وقصرا. <<لا غضاضة في ذلك ربما يا مفتي ....ألست في سفر ؟؟؟>>
همت في الأزقة والدروب استنشق رائحة المعز رحماك يا معز ! وأردد: نامت مصر عن ....وما تفنى العناقيد ...ما أعظمك يا حبيبي يا متنبي !!!!
جوع ذئبي ينهش جسدي ، يلوي بأمعائي، طردني من جنة الشعر... <<لآكلْ إذن..بما تجود به دار المعز...>>
قصدت بائع طعمية طلبت منه شندويش طعمية .. حالا أعطاني إياه. امرأة جنبي صاحت في وجه الطعمي :<<أنا الأسبق ما ذا تخرف يا سيدي..وما .هذه المعاملة يا شيخ؟>> لم يجب ولم أهتم أنا أيضا فمن شدة الجوع انشغلت بسندويش الطعمية ...كم هو لذيذ !!! دقائق وكان في خبر كان .حمدت الله وشكرته، وأدخلت يدي في جيبي أخرجت ورقة من فئة20 درهما دفعتها إلى الطعمي قلبها وقلبها ثم قال لي :
ـ ما هذه يا سيدي ؟
ـ عشرون درهما أي ..ستة جنيهات وشوية.
من فضلك الجنيه أو الدولار، رد بنبرة حادة.
فجأة...! انفرجت أساريره وهو يحدق في معصمي..وقال:
ـ إن لم يكن معك نقود غير هذه... تكفيني ...ساعتك ...رولكس
ـ ولكن؟
ـ اعرف إنها مزورة سأعطيك خمسين جنيها وسوندويش آخر ببلاش وقبلة زيادة!!!
لم أحتج ولم أساوم ،أخذت السوندويش الثاني والخميس جنيها ، شكرته وحمدت الله ،وتابعت سيري....عرفت أني بالعتبة، فقلت لأعرج إذن على الموسكي... اشتري رقعة شطرنج ...فانا متيم بلعبه ، ويكون أحلى لعبه عندما تكون بيادقه من عرعار أو سنديان.
الأمر لم يأخذ إلا دقائق ...خرجت من بزارات الموسكي وتحت إبطي الرقعة وكلي شوق إلى من يلاعبني...خطوت خطوات .عدت لنفسي و وجدتني كأني: سنوات ضوئية وأنا أسير في خط مستقيم استقامة ضوء ليزري . بدأ فكري يسبح بي إلى حلبات التساؤل فانفلت منه وقلت:<< جميل أن ينسى الإنسان ذاته مرة ويترك يد القدر تهدهده تشكله على مزاجها..>> ...تعب حوّل مشي إلى دلف فتمنيت مقهى ارتاح بها ، هلت واحدة أمامي <<يا.. ليتني كنت قد تمنيت أن ينتهي هذا السفر وأجدني على سريري ...وليس مقهى...>>
على كرسي تهالكت وعلى المائدة وضعت رقعة الشطرنج محاولا أن لا تخدش... بجنبي كانت تجلس سيدة تتأرجح سنها بين الثلاثين والأربعين سأتقاسم معها الطاولة ...لا مكان فارغ غير هذا ... كانت جميلة بامتياز لخصاء العينين ذات أنف أفطس ولمى جادت عليها بكثير من أحمر الشفاه جلناري .
طلبت كأس شاي أخضر... لحظات وكان ساخنا أمامي، رشفت رشفات وضعته أمامي. لا شك أن ماءه من النيل ...أين أنت يا نيل ؟؟ ليتني أستحم في مجراك..أطفي ما بجسمي من اللظى !!!!
اقتربت مني السيدة وبسمة كالصباح تضيء وجهها الجميل ،وفتحت رقعة الشطرنج ،صففت البيادق بسحر ورقة.ثم، قالت: <<:لي هيت لك ....لاعبني ،فإن غلبتك تصبح هذه الرقعة لي >> وسكتت..
استويت وسألتها : << وإن غلبتك يا سيدتي ما سيكون رهانك؟؟؟>>
ردت وهي تهز كتفها في غنج ودلال يؤازرهما بريق عينيها الحوراوين :<<يكفيك أن لاعبت امرأة !!! ألا يكفيك هذا كرهان يا طماع؟؟>>
قلت :<< بلى يا سيدتي ....يا نفرتيتي ...>>
النقلة الأولى تراجعت خيولي ، الثانية سقطت أبراجي ، الثالثة ايشيك إيمات ...الشاه مات!!!
قالت لي << سوف أعطيك فرصة ثانية ما أعطيتها لأحد قبلك...فهل أنت مستعد؟؟؟ >> مفحما بوقع المفاجأة بوقع الجمال الملائكي أجبت بإيماءة باردة...<<نعم >>.
أومأت لي كخادم... بان أصفف البيادق، فصففتها ويداي ترتعشان وفكري يجتر ما ارتسم من جمالها ....
قررت أن أغير الخطة فقلت في نفسي :<< أدفع بالبيدق خطوتين فالفيل في المرة الثانية كيف ما كانت نقلتها هي >>.لكن ،هيهات سقط الفيل كبت الخيول أسرت الملكة و......الشاه مات ، حينئذ جمعت البيادق طوت الرقعة وضعتها تحت إبطها وانحنت ...قبلتني قبلة حارة تحت ذقني....وانصرفت....شيعتها بنظري حتى واراها الزحام ...
ناديت النادل أعطيته ثمن الشاي... وزيادة ، ثم انصرفت أنا أيضا...رفعت رأسي إلى السماء فبدا لي كأن الشمس لم تغادر برجها ، أو كان الزمن توقف ،لم أعط الأمر أكثر مم يستحقه فحالي لا يسمح لي بالتساؤل، طأطأت رأسي وأضحيت أعد خطواتي ...وأنا امشي على غيرهدى... طريقة تعلمتها منذ صغري لأقتل الوقت وأنشغل عن آلامي وقلقي... واحد...اثنان ....!!! لم أدري كم من الوقت مشيت وما مقدار المسافات التي طويت...إحساسي يقول أكثر من كيلومترين ...سندويشا الطعمية وكأس الشاي وتلك الاستراحة صحبة رابحة رقعة الشطرنج أفادوني كانوا وقودا جيدا...
بناية كبيرة بباب كبير وجدتني داخلها عن غير قصد ...طوابير صغيرة أمام أكشاك ، أخذت تلقائيا مكانا مع المنتظرين، هنيهة وصل دوري ،أطل شاب و قال لي: <<لم يبق إلا تذاكر الإسكندرية/ مباشر الدرجة الأولى >> رددت عليه بتقديمي له ورقة نقدية ...قدم لي تذكرة وبعض القروش قائلا لي :<<شكرا سيدي>>...
كان القطار واقفا متأهبا للمغادرة ...صعدت إليه واستكنت على أريكة مأتمنا أيا ها على جسدي المنهوك وأنا أتضرع في صمت، أن تنتهي هذه المغامرة في أقرب وقت، وأحسن حال ، تزحزح القطار ...تحرك ..تأففت .. أغمضت عيني وحاولت أن أنام زمنا بمساحة مدة السفر..
استيقظت على نداءات الجابي وهو يقول: محطة أبي قير الإسكندرية....محطة أبي قير الإسكندرية... فقمت وأنا أدعك عيني وفي نفس الوقت أتثاءب، رأيت امرأة تحد جني بطريقة غريبة مستفزة، فسألتها :
هل من مشكلة يا سيدتي؟؟؟
ردت ومنخارها في الأعلى كأنها تريد أن تتحدث على شيء مقزز، بصوت كله ثقة ،ولكن فيه دلال فرعوني أصيل:
ـ شخيرك يا سيدي غطى هدير القطار، كان عاليا جدا، جدا ،كأنك لم تنم سنة.
ـ رددت عليها باحترام فائق وأن أحاول أن أغطي وجهي بألف ابتسامة:
عذرا سيدتي على هذا الإزعاج ، ربما شخيري لم يفطن بحضرتك فقد كان هو أيضا نائما معذرة مني نيابة عنه.
ـ لطف منك هذا وجميل....أأنت شاعر؟؟
رددت بابتسامة أطول من النيل ونزلت.!!!
البحر أمامي كانت ممتدا في الأفق ذكرني منظره بمدينة طنجة وسور المعاكيز وذكرني با بنتتي، ففا فضت عيناي..تمنيت لو كنت جنبه، لأغسل كل بدني ...
خطوات قليلة وكنت داخل سوق السمك ما أطيب السمك وما ألذه حين يكون متوسطي ...ما كذب البحارة حين قالوا انه متميز عن سمك كل المحيطات...ولجت السوق لأستطلع المكان...لا سردين ولا ..<< ما اشاهد يا رب؟؟؟ الربيان .كم أكره هذا الجراد!!! رائحته مقززة تسبب لي حساسية ...>>
بدأت رائحته تدغدغ أنفي ..تتسرب إليه وحرقة تنخره صرت أحكه، أدعكه... كان صنبور ماء أمامي ،قصدته لغسل وجهي علني أتخلص من ألم هذه المتلازمة الفريدة التي أعيشها كلما رأيت وشممت الربيان فأفضت من الماء على رأسي ووجهي وتناثرت قطرات على ثيابي ..ثم كانت عطسة قوية جدا ،،،جدا...عندها وكأن صفحة ماء صافية كالزجاج امامي تتعكر ،وكل ما حولي ينهار في سكون رهيب وإذا بي أجد نفسي في غرفتي نومي وجها لوجه مع جداره انظر إلى النقطة السوداء التي صارت تتلاشى، تتلاشى حتى زالت .عندها دخلت زوجتي ،شعرها أهوش تفوح منها رائحة البطاطاس المقلية وصاحت في وجي :
ـ أين كنت يا رجل؟ بحثت عنك في كل مكان فلم أجدك حتى في الحمام .!آه... انظر إلى ثيابك كلها مبللة ، أبدا أنت كالطفل حتى عندما تريد غسل وجهك .تسبغ على جسمك كله من خيره .
تقدمت أمامي ومسحت عنقي وقالت لي << ما هذا الأحمر في عنقك ؟؟>> رددت :<<<إنه طباشير >>>
مسحتني بنظرة ماكرة كلها حيرة مبطنة بقليل من الصدق وقالت:
ـ أو أصبحوا يزودونكم بطباشير برائحة ولون أحمر الشفاه ..؟؟؟.ربما غدا يأتونكم بنساء يساعدنكم في مسح السبورة.
رجعت إلى نفسي وبدأت أرتب أفكاري من أولها إلى اللحظة التي أعيشها من الزر ...توت عنخ آمون ..قبلة لاعبة الشطرنج وقبلتها الحارقة تحت ذقني.وأثرها ...الماء ...العطس كلها هذا كان حقيقيا!! إذن يا رب!! أحسست بغبطة قوية تذرع جسدي تدفئني فصحت وأنا اقفز:
<<أوريكا ،أوريكا....>>
انتبهت زوجتي إلي في اندهاش وذهول... أخذت بيدها أدفعها للرقص وهي تمانع ...إنها لا تحسن الرقص فقبلتها من غير أن أعير اهتماما لأبناني: الغارقين في دهشة بلا شواطئ ... طبعا ما رأوني أبدا إلا هادئا رزينا ...
عدت إلى هدوئي ورزانتي وقلت لهم بكل ثقة وعذوبة :
إني : .... اكتشفت باب البعد الخامس ....
(1) من قصيدة للشاعر ع المعطي الحجازي
الدار البيضاء في: السبت 17/11/07
الكاتب : حدريوي مصطفى العبدي
التعديل الأخير تم بواسطة العبدي ; 27-01-08 الساعة 11:36 AM
|