كاتب الموضوع :
saaamyaaa
المنتدى :
الارشيف
(2)
دق محمد باب منزل فتحيه أم سلطان
وعندما فتح الباب فوجد عمر أمامه ينظر اليه باستغراب وعيناه تمتلئ بالريبة
عمر : مش انت اللى كنت قاعد مع جاد الله القهوجى ؟؟
قال محمد بجديه وهدوء : السلام عليكم ..أريد التحدث الى السيده فتحيه أم سلطان
عمر بريبه : نقول لها مين؟
محمد : صديق للدكتور صابر عبد التواب
جلس محمد ينتظر السيده فتحيه على الأريكه البلديه فى وسط الصاله الضيقه فى بيتها الصغير القديم الذى ينضح الفقر من جدرانه المتهالكه الممتلئه بالشقوق,
وجلس أمامه الأسطى بسيونى الذى قدم مسرعا عندما ناداه عمر من دكانه الذى يقع فى آخر الحاره
جلست السيده فتحيه بعد أن قامت بنفسها بتقديم واجب الضيافه للضيف الذى بدأ يتحدث اليهم قاطعا كل نظرات التساؤل والشك فى العيون : أنا محمد ...صديق الدكتور صابر عبد التواب
تعرفت الى الدكتور صابر عندما كان مكلفا من قبل نقابة الأطباء المصريه بمهمه انسانيه طبيه فى بلادى
وتصادقنا كأعز الأصدقاء...وقبل سفره قدم لى الدعوه لزيارته فى مصر , وغادر بلادى ولم أراه منذ سبعة عشر عاما وطوال هذه المده لم تتح لى الفرصه لزيارة مصر..وعندما تحسنت الأحوال واستطعت الحضور الى مصر , ذهبت لزيارته ولم أجده
فتحيه بأسى وهى تمصمص شفتيها: يا حول الله يارب
بسيونى : البوليس قبض عليه من 17 سنه ومحدش يعرف له طريق جره
محمد بدهشه : لماذا ؟؟
بسيونى : والله ما حد عارف, أهم بيقولوا سياسه , وناس بتقول انه كان مع الجماعات
تجهش فتحيه بالبكاء : دا كان راجل سكره, ما يستحقش اللى جراله, الله يجازى اللى كان السبب
هز محمد رأسه بأسف وتنهد بحزن
بسيونى : انما ولا مؤاخذه حضرتك بتتكلم عربى كويس؟
محمد يلتفت اليه : أنا أزهرى, تعلمت فى الأزهر, وقضيت فى مصر فترة شبابى
التفت محمد الى عمر الجالس قبالته على كرسى خشبى قديم ونظر فى عينيه وهو يقول : أنت عمر؟
عمر بريبه : ايه! انت تعرفنى؟
يظهر شبح ابتسامه على زاوية فمه وتطل من عينيه نظره غريبه وهو يقول : أنت الذئب
ينظر اليه الجميع فى صمت والدهشة تطل من عيونهم بقوة
عــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــــــــــر
شق المكان صوت صراخ رهيب قادم من الحارة أفزع كل من فى البيت
جرى عمر الى النافذة : ايه ....فيه ايه يا ريس فرغلى؟
فرغلى بغضب : انزلى هنا يابن الديابه لا أطلع أشرحك
عمر بغضب : ايييييه انت هاتشتغلى؟
طب أنا نازلك....
يخرج من المنزل جريا وهو يهتف : جرى ايه؟ واقف تسيحلى فى وسط الحاره؟حصل ايه
فرغلى يمسكه من ملابسه : فين ايراد الورشه يا كلب يا حرامى؟
من ساعة ما اصطبحت بوشك وانا بقول اليوم ده مش هايعدى على خير
عمر يدفع يده بغضب : ماتشتمش....وانا مالى أنا ومال ايراد الورشه؟
هو أنا جيت جنبك؟ماتشوف مين اللى دخل الورشه النهارده
مفيش حرامى وابن حرام فى الحاره غيرك..ودينى اما قبيت بإيراد الورشه لأبيتك متفشفش فى أحمد ماهر
حووووووده...كتفه
يحيط به صبيان الورشه ويمسكوا بيديه
عمر بغضب : هى دى المرجله ؟ بتخليهم يكتفونى؟
يبدأ فرغلى بالضرب فيه بوحشيه وهو يقول : فين ايراد الورشه ..انطق يا حرامى
يتجمع كل من فى الحاره ويقفوا متفرجين الا من بعض التعليقات :
مش حرام ..كلكوا عليه؟
أحسن يستاهل...دا حرامى
يصرخ عمر من الألم ويسب فرغلى الذى رفع يده لتنزل على وجه عمر...
لكنها لم تنزل.... لأن يدا أخرى أشد قوة اعترضتها
التفت فرغلى بغيظ الى الشخص الطويل الممسك بيده ليصطدم بعينين يملؤهما غضب مخيف وصوت صارم يقول : يكفى هذا
ارتبك فرغلى بشده, لكنه قال : محدش يتدخل بينى وبين ابن الحرام ده...دا سرق ايراد الورشه
عمر وهو يبكى : والله ما سرقت حاجه...هو انتوا ماعندوكوش حرامى غيرى؟
محمد بصرامه : كم المبلغ؟
ينظر اليه فرغلى بدهشة : 200 جنيه
يعطيه محمد المبلغ ببساطه وهو يقول محذرا: خذ المبلغ ولا تلمسه
ينتهى الموقف وينفض الجمع وهم بين مذهول ومتعجب من هذا الغريب الذى يدفع مالا لرجل لا يعرفه من أجل انقاذ لص لا يعرفه
مسح عمر دموعه فى كمه وهو ينظر بدهشة لهذا الغريب الغريب
قال محمد باقتضاب : تعالى, أريد أن أتحدث اليك
نهض عمر من الأرض, وانطلق خلفه بصمت وفضول لا مثيل له حتى وصلا الى حيث ترك السيارة
فتح محمد باب السياره وهو يشير الى الباب المقابل ويقول بلهجه آمره : اركب
تردد عمر ونظر اليه بارتياب
قال محمد منهيا تردده : هل تحب أن تكسب مالا؟
اتسعت عينا عمر بلهفة : أنا خدامك
محمد بصرامه : اذا اركب
ركب عمر بجواره, وانطلق محمد بالسياره ليدور بينهما حديث طويل
..................................................
عمر : انت مين يا عم الشيخ
محمد : أخبرتك من قبل...أناصديق للدكتور صابر عبد التواب
عمر : لكن ماقولتليش..هاتدينى فلوس ليه؟
محمد : سأعرض عليك عرض...ما رأيك أن تعمل معى ؟
عمر بتردد : ماشى ...تحت أمرك..بس.....
لامؤاخذه ازاى هاتشغلنى معاك وانت عارف انى حرامى؟
قال محمد فى هدوء : لأننى اعتدت عدم الحكم على الناس الا من خلال تصرفاتهم...وحتى الآن لم يبدر منك ما يجعلنى أرفضك
عمر : طب وكلام الناس؟
محمد : أنا أرى الأشخاص بعينى وعقلى ...لا بكلام الناس
عمر بدهشه: يااااه...انت بتفكر غير الناس كلها!!
محمد باهتمام : لماذا طردت من المدرسه؟
عمر : لا..أنا محدش يقدر يطردنى ..أنا اللى سبتها بمزاجى
محمد : لماذا؟
عمر : بصراحه زهقت منهم ..أصل المدارس مابتكسبش فلوس ..أنا كده أحسن
محمد : كان بإمكانك العمل والدراسه معا
عمر : الصراحه قرفت من المدرسه باللى فيها
كنت ماشى كويس وميت فل و14 ..لحد أولى اعدادى..لحد ما الواد شوقى ابن الأسطى فرغلى ما اتنقل الفصل بتاعى
أكمل بسخريه مريره : أبوه راح للمٌدرّسه وقال لها ..الواد ده مايقعدش جنب ابنى, أصله ابن حرام..ومن يومها بقى الفصل كله يبعد عنى زى ما أكون جربان, أما شوقى بقى, كان كل ماتضيع منه حاجه يلزقها فيا..ويشتكى للمٌدرّسه انى سرقته.
مع انهم كلهم عارفنى من سنين...
ومن يومها وكل حاجه اتشقلبت
هز محمد رأسه بتفهم : وكلما ضاع شئ أو سرق شئ ..
فالسارق دائما موجود
عمر بسخريه : عليك نور ...بس ...
وعنها وسبتلهم المدرسه مطربقه على دماغتهم...
وده كمان ريح عم بسيونى, ايه اللى يزنقه يصرف على عيل مش من عياله؟
محمد يهز رأسه بأسف : وأنت لم تدخر جهدا لتؤكد لهم الصوره التى فى ذهنهم عنك ....
صورة اللص
عمر بمراره : لو كنت عمالتلهم قرد, برده هافضل فى نظرهم ابن حرام...
وادينى خدتها من قصيرها وبقيت حرامى ...
آل ضربوا لأعور على عينه, قال خسرانه خسرانه
محمد : ما رأيك فى من يمنحك فرصه تثبت بها عكس ما يظنونه..
تثبت جدارتك فى مكان آخر لا يعرفك فيه أحد, فى مكان لا يقيّم فيه الإنسان الا بعمله
عمر : ايدى على كتفك
محمد محذرا : ولكن احذرك فستسافر الى بلاد بعيده للغايه... والعمل هناك شاق تماما وقد لا تتحمله
عمر : ياعم خليها على الله ...أنا بعون الله أفوت فى الحديد... وبعدين مش انتوا هاتدونى أجرى؟؟ خلاص ..
قالوا ايش بلدك يا جحا؟ .قال اللى فيها الفلوس...هاهاهاها
محمد بجدية : حسنا ...فلتجهز حاجياتك, ولتعود لتودع أهلك...
فقد يطول السفر الى سنوات
عمر : يا عم قول يا باسط...أهل مين؟أنا ماليش أهل, دى حاره غجر, وكمان ماليش حاجات, أهه على فيض الكريم
عقد محمد حاجبيه وقال بدهشة : وماذا عن أمك التى أرضعتك ؟ وأباك الذى رباك؟
عمر بلا مبالاه : أبا بسيونى , ما هايصدق, دا مش عاوز يشوف وشى , وأمى مابتحبش المشاكل
دى الحاره كلها هاتفرح وتزغرد علشان ارتاحوا منى
صمت عمر قليلا, ثم قال بعد تردد : بس ..ليا سؤال....
انت بتعمل كده ليه؟
محمد : أخبرتك من قبل, من أجل صديقى الدكتور صابر..
فأنا مدين له بالكثير
كما أنى أريد أن أثبت لك أن هناك من يعاملون الناس بتعاليم الإسلام
لا بنظرتهم الضيقة للحياة
ان من ينظر للحياه من خلال الإسلام, يجدها أكبر بكثير مما يعتقد الناس
عمر بريبه : لاموآخذه الكلام ده مش داخل دماغى
يعنى ...طب مافيه ألف واحد غيرى واحسن منى كمان ومعاهم شهادات ويستحقوا المساعده أكتر منى
يصمت قليلا ثم يقول : انت كنت تعرف أبويا؟
محمد ينظر اليه باعجاب بذكاءه ويقول ببساطه : ربما
دهش محمد عندما لم يتلقى أى رد أوكلمه أو حتى انفعال من عمر
عقد حاجبيه بدهشة وسأله: ألا يهمك أن تعرف انك لست ابن زنى؟
عمر يفتعل اللامبالاه وهو ينظر بشرود الى الطريق :ماتفرقش كتير..
بالعكس ..كده أحسن, خلاص اتعودت
وبعدين مش يمكن لو عرفت مين أهلى أقع فى مصايب وقواضى؟ أمال يعنى ايه اللى يخليهم يرمونى الا اذا كانوا واقعين فى مصيبه؟
سوق يا عم سوق خلينا نشوف أكل عيشنا, بلا أهل بلا هم
خلينا فى السفر والفلوس
وسافر عمر مع محمد بعيدا...
الى أين؟
الى عالم مجهول, وحياه جديدة, لا يعرف ما ينتظره فيها
....................................................
|