كاتب الموضوع :
امير الهيام
المنتدى :
الخواطر والكلام العذب
قبل أن أبدي انطباعي هنا حول ما كتبته صديقي لا بد لي بادئ ذي بدء أن أوضح أشياء، فأقول بأن ما كتبته أخي يمكن لنا تقسيمه إلى قسمين:
قسم عبارة عن محاولات لكتابة أبيات مقفاة، ولاحظ معي أنني لم أقل شعرا عن قصد، لأنما ما كتبت لم يصل إلى مستوى يمكن أن نطلق عليه شعرا، وسيأتي تفصيل ذلك.
وقسم ثان عبارة عن نثر طليق، يمكن أن يندرج تحت اسم الخاطرة
لا أخفيك القول هنا أن الحظ لم يسعفك في محاولاتك الشعرية، لأن ما حاولت هنا كتابته، لديه قواعد لا يمكن الخروج عليها، وأولها الوزن العروضي، لأن الشعر المقفى لا بد له من وزن عروضي يقننه ويلم شتاته ويمنحه الجرس الخارجي والإيقاع الجميل.
فما سطرته، ليس إلا نوعا من السجع، لا يمكن أن نطلق عليه شعرا، علاوة على أن كثيرا من صورك فيها مهلهلة، وتعابيرك إجمالا ركيكة، كما لاحظ أخونا المثقف المبدع ملولي، فلا يمكن للقافية وحدها أن تشفع لأحد أو تخلق منه شاعرا، بل إنك أكثر من ذلك قد ارتكبت هفوات فيما يخص قواعد السجع نفسها أكثر من مرة، مثل إيرادك لكلمة الصبر، مع الكلمات النظر السهر و الكدر، فالصبر هنا المسكون حرف الباء فيها، لا يمكن لها أن تقابل الكلمات الأخرى التي جاءت ما قبل أواخرها مفتوحة، مثل النظر والسهر والكدر، كما أن محاولتنا قراء الصبر بفتحة على الباء للخروج من هذا المأزق، لا تجوز، لأن الصبر بالفتحة على الباء ليس لها وجود!...
ناهيك عن أخطاء نحوية متفرقة هنا وهناك، بالرغم من أن نصوصك ليست بالكثيرة، أورد على سبيل المثال لا الحصر:
الهدبي، والصواب الهدب بفتح الباء، يعجزها والأصح يعجز عنها،
كما أني لا أعرف من أين جئت بكلمة رجوان، التي أظن أنك كنت تقصد بها مصدر فعل رجا
ولم أفهم كلمة ألفانا هذه، فإذا كنت تقصد مثنى ألفين، فإنك هنا قد ارتكبت خطأين
أولا لا بد من نصبها هكذا ألفين، على الحالية لفعل مات
ثانيا كان عليك جر آخرها وليس نصبه، وقد رأيت كيف ساقك تتبعك وجريك خلف القافية إلى أن تنسى اللغة وقواعدها، فتكسر من نحوها وتهشم أبنيتها !
إلا أني لا أبخسك حقك من الإنصاف، فأقول بأن لك ومضات هنا وهناك، ومعاني لا يسع المرء حيالها إلا الإعجاب مثل: كنت أرغب في أشياء يمتلكها بعض البشر، وكنت أجهل امتلاكي لأشياء يحلم بها أغلب البشر، بماذا كنت ترغب؟
عندما أنظر إلى من حولي أعتقد أنه يكفي أن أكون متميزا، لكني أتمنى أن أكون بين من لا يكفيهم التميز إلا بكل ما تحمله هذه الكلمة من سمو وارتقاء
مشكل أغلب أصدقائنا الذين يريدون سلك درب الإبداع والكتابة، أنهم يريدون خوض هذه الرحلة المقدسة، دون التسلح بالزاد والراحلة، والزاد والراحلة هنا، هو الإطلاع الواسع والقراءة الواعية لأمهات الكتب، في المجالات المتنوعة، والتمكن من الأداة اللغوية، نحوا وبلاغة، فإن اجتمع هذا مع الموهبة المتوقدة والرؤية الواعية، ولد لنا ذلك الأديب الذي حتما سـ " يملأ الدنيا ويشغل الناس" لأزمان وأزمان...
فالموهبة وحدها يا صديقي لا تصنع أبدا أديبا...
وأقول هنا أني من خلال نصوصك هذه القليلة لا أستطيع ــ إجابة عن سؤالك ــ أن أتبين لك موهبة، من تلك المواهب التي لا تخطئ عين القارئ وهجها، بمجرد قراءة بضعة سطور، وإنني أنصحك، لا سيما لو كنت صغير العمر، أن تتعهد أدواتك بالصقل والمران، عن طريق القراءة الواعية المتذوقة والمستمرة، فحتى الأدباء الذين وصلوا إلى القمة، لا ينفكون عن المطالعة وتطوير أدواتهم وأساليبهم، وأحليلك هنا إلى كتاب ((ميزان الذهب في صناعة شعر العرب)) لاقتنائه، فمن خلاله تستطيع الولوج إلى عالم العروض، الذي أعتبره أنا "ملح الشعر". وأنبهك إلى ضرورة تجنب شعراء الحداثة من أصحاب التجريب، الذين يتشدقون علينا بكلام لا يُفهم، بدعوى التجريب ((والأصح هو التخريب) ، حتى نجد أحد متشاعريهم يهذي بكلام :
فيل... نملة..
قدم....!!
هكذا قرأت هذا النص في إحدى الملاحق الثقافية لجريدة مغربية، تحت اسم قصيدة من الشعر الحديث... والأدهى في الأمر أنك حينما تسأل هؤلاء المتشاعرين: لماذا لا تكتبون ما لا يفهم، يردون عليك بقول الشاعر العباسي العظيم أبي تمام : (ولماذا لا تفهم ما ُيكتب))، وهي قولة حق يريدون بها باطل... فأين هراؤهم من مثل ما اقتبست فوق، من شعر أبي تمام الخالد الذي يكفي بيته الشهير وحده:
السيف أصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
لكي يبز كل ما كتبوه وسيكتبونه مدى حياتهم!!
كما أنصحك بقراءة أوائل أعمال الشعراء المعاصرين، من أمثال محمود درويش، ونزار قباني، وسميح القاسم، وأمل دنقل وآخرين من الشعراء الحقيقيين، حتى تستطيع أن تلمس التطور الذي عرفته تجربتهم الإبداعية على مر الزمن، وتتعرف على سمات كتابتهم الشعرية وخصائصها، ولا بأس بأن يحاول المرء في بداياته تقليد بعض الشعراء، حتى يتبن طريقه، ويكتشف بالتدريج صوته الخاص به، ويضع أولى خطواته على درب الإبداع والتفرد والتميز... أتمنى أخيرا، أن لا تأخذ كلامي على محمل التهجم أو التنقيص من شخصك، فإنه لم يكن باعثي على ماكتبت إلا إحساسي بحاجتك لمن يوجهك، وجدية رجائك وطلبك للمشورة والنقد..و أتمنى لك التوفيق، ولا تنس أن توافينا بالجديد من كتاباتك، ودمت سائرا على درب الإبداع حتى تجد ضالتك...
صديقك عتيق
|