المنتدى :
الارشيف
(أنامل الحب الثائرة)...روايتي الأولى...
[CENTER]السلام عليكم يا جماعة...
جئت لكم برواية من تأليفي وبالطبع هي الأولى في المنتدى فأرجو أن تنال على إعجابكم...
وأتمنى أن أجد ردودكم وتعليقاتكم وآرائكم حتى أكمل الفصول القادمة بإذن الله...
المخلصة:وهل يخفى القمر
الرواية بعنوان:((أنامل الحب الثائرة))
الفصل الأول
" ذكرى و واقع "[/CENTER]
[RIGHT]حينما تخلل ضوء القمر إحدى النوافذ القذرة، تراقص بإبداع إلهي على جدران الغرفة ليضيء ولو بصورة مشوشة كرسي ذو عجلات وبجانبه تكور فتى في العاشرة من العمر ،غطى بغطاءين قذرين وممزقين في محاولة وإن كانت ضئيلة في حصوله على شيء من الدفء في يوم قارص البرودة...
سبح نور القمر على وجه الفتى وظهر تغضن بسيط على قسمات وجه البريئة في حلم مزعج ،حلم هو ذكرى ماضية دفنت تحت عشر سنوات من العمر...
سُمعت خطوات تجري ...وأنفاس لاهثة...و زخات مطر قاسية ضربت رؤوسهم... ثلاثة أفراد وقفوا بجانب شجرة عملاقة محاولين وإن بأمل ضئيل حماية أنفسهم من المطر والبرد...
وببطء تلاشت هذه الصورة لتحل محلها صورة أخرى هي أكثرها خوفاً.. وجه غاضب عاصف وقاسي النظرات ترنح بصورة خطيرة...وثم صراخ وبكاء وعويل حارق ...لتثبط هذه الصورة ويحل محلها مطاردة لا نهاية لها ..في متاهات لا مخرج لها ...
وكأنما هذا الحلم كاف ليجعل الجسد الصغير يرتجف ،وتتلوى قسمات وجه في ألم وحزن ،اهتز رأسه يمنة ويسرة متأوهاً في همس :"لا...لا" ،وثم وبصرخة عالية حادة:
- لا...لا ...
انفتح الباب الخشبي المتآكل لتلج منه فتاة متوسطة الطول نحيلة، يلتف بجسدها ثوب قديم مرقع ،وبسرعة جثت الفتاة بجانبه بينما هو صرخ مرة أخرى :"لا..أمي..لا" ، أمسكته بقوة من كتفه بينما سمعت خلفها الصوت المألوف الحاد والقرف لزوجة خالها "نادية":
- ما هذا الصراخ؟ ألا تستطيعين إسكاته لليلة واحدة؟...
الفتاة لم تبال بهذا التحذير وإنما تلفتت لأخيها الصغير وأخذت تهدئه في صوت هادئ ناعم:
- هل هذا حلم آخر يا "مازن"؟
انفتحت عيناه الرماديتان في آهة في حين هز رأسه إيجاباً وهو يرتجف، وفي تلك اللحظة بالذات اهتز صوت "نادية":
-في كل ليلة نفس المنوال ،في كل ليلة يزعجنا بصراخه الحاد، ولا يمكننا أن نرتاح قليلاً...
تمتمت "فردوس" غاضبة:" إن الحلم يؤرقه ويخيفه،فكفي بالله عليك عن الصراخ"، وبهذا الكلام المتمرد هبت "نادية"بأعلى صراخ :
- ماذا؟أنت أيتها...أيتها الغبية تتجرئين على إسكاتي؟؟
قطبت "فردوس" جبينها وتركت أخاها يتمدد على الفراش والتفتت في الحال ل"نادية" ذات الوجه الخشن الممتلئ والعينان الضيقتان:
- أنتِ من يبدأ في الصراخ، أخبرتك دوماً إن "مازن" يحلم بحلم مزعج ولا يمكنني أن أفعل له أي شيء حتى لا يحلم به...
وفي الحال انضم لهم صوت آخر خشن وقاس النبرات:
- ولسانك يحتاج لأن يقطع يا غبية...
وولج "سعيد" أبن خالها ذا البنية الضخمة والوجه اللعوب:
- كم مرة أنذرتك أن لا تتحدثي مع أمي بهذه الطريقة الغبية؟؟
وحين لم تتفوه "فردوس" بأي كلمة أكمل هو بعتاب حاد:"يجب أن تشكري والداي لأنهما سمحا لك أنت وهذا الطفل العاجز من العيش في منزلنا".
في حين أكملت والدته مؤكدة بغضب :"نعم...لولانا لكنت الآن في الشوارع تجوبينها شريدة ".
ثم ضاقت عيناها أكثر وهي تضيف:"يرحمك الله يا "ناصر" وسامحك الله، جعلت في ذمتي فتاة غبية ومتمردة وصبي عاجز".
صرت "فردوس" على أسنانها بحدة وهي تفكر إن لسان وجبروت "نادية" لا يعيقها وعدها لزوجها بتربيتهما :
- كفاك كذباً...ثم لا تدعي "مازن" بالعاجز...
- ماذا؟
ودون أن تشعر وقف "سعيد" أمامها وهو يصفعها في كلا خديها ويصرخ :
- أيتها الغبية...الجاحدة والشريدة لا تتحدثي مع والدتي بذلك الأسلوب...لا تدعيها بالكاذبة...هل تفهمين؟
و"فردوس" تتلوى محاوله أن تبتعد عن نفسه الكريه:"أبعد يدك القذرة عن وجهي...".
وثم بصقت في وجه ليقفز مشمئزاً للخلف صارخاً ووجه البدين يحمر:
- أيتها الكريه...لن أسامحك...
وفي الحال أسقط فيها ضرباً مبرحاً ،و"مازن" يبكي ويشهق خوفاً، ليتركها "سعيد" بعد لحظات وقد بان الضعف في جسدها ، ثم صارخاً بانتصار بعدما ارتوى غروراً:
- هكذا أجعلك تصمتين يا غبية...
وخرج هو ووالدته بحدة ...
***
صرخ "سعيد" على أخيه "يوسف" ذا الرابعة عشر و"رؤى" ذات العاشرة في حدة وقد كانا يشاهدان التلفاز:
- كفاكما أنتما...هيا أذهبا للنوم...
ودونما معارضة هب الأخوان يبتعدان عن شر أخيهما، وارتمى هو على إحدى المخدات وأمسك بجهاز التحكم ،بينما والدته قالت صارخة:
- "ليلى" يا ابنتي هات العشاء لأخيك...
ومن إحدى الغرفتان الوحيدتان في المنزل أطلت "ليلى" برأسها،والتي كانت في الثامنة عشر من عمرها ،طويلة وممتلئة الجسم ذات قسمات جميلة:
- دعي "فردوس" تحضر له العشاء...
صرخت والدتها غاضبة:"اذهبي يا فتاة،ودعي تلك "الفردوس" أو أي كان أسمها تلملم أشلاءها" ،ارتفعت حواجب "ليلى" المرسومة بدقة ،والشعر القصير الغريب انتفض قائلة بحيرة:
- ما الذي حدث؟ لا تقل لي يا "سعيد" إنك ضربتها؟
صرخ "سعيد" بحدة:"إنها تستحق الضرب"،وجلست "ليلى" بجانبهم قائلة مبتسمة بسخرية:
- أنت تقسو عليها يا أخي...تقسو على زوجة المستقبل...
قطب "سعيد" بينما تابعت "ليلى" بغنج:
- طلب منك الوالد قبل خمس سنوات أن تتزوج "فردوس"...ألا تتذكر يا عزيزي؟
ظهرت علامات القسوة على وجهه البدين وقال :"كفي عن هذه السخافات يا فتاة،والدي كان يهذي قبل أن يموت،وأنا لا أود الزواج من هذه القذارة" .
وتكلمت "نادية" هازة رأسها بتأكيد:
- نعم فهذه اليتيمة والشريدة لا تستحق ولدي الرائع ستبقى خادمة حتى تموت و نتخلص منها...
ابتسمت "ليلى" بقرف لحقيقة الكلمات التي ألقتها:
-ولكنها جميلة وجذابة ،فقط هي قذرة بسبب عملها في المنزل و...
قاطعتها والدتها بحدة:"كفاك يا "ليلى"،أيجب أن تعددي محاسنها الخلقية؟".
"ليلى" قست ملامحها وقالت بحدة:"إني أحسدها يا أمي...أحسدها ، فكيف لفتاة شريدة خادمة مثلها أن تملك جمالاً كهذا؟؟أن تمتلك شعراً حريري أسود طويل وعينان خضراوتان جميلتان؟".
- أنت أجمل منها يا غبية،ولديك العديد من الملابس والعطور ومساحيق التجميل التي تزيدك جاذبية،وهي لن تحلم يوماً في أن ترتدي ثوباً وإن كان بسيطاً ...
- ولكنها تبقى جميلة حتى بأقذر ثوب في هذا الكون...
قالتا بغضب واعتراف بينما "سعيد" قطب جبينه مفكراً وقال:"كفاك يا أختي هذياناً،اذهبي وأحضري العشاء فأنا جائع،بينما أنت يا أمي أود أن أقول لك حلاً يكسبنا بضع بيسات من خلف هذه الفتاة العديمة الفائدة ".
***
- "فردوس"؟..."فردوس"؟
ارتجفت شفتا "مازن" وهو يزحف بصعوبة نحو أخته الممدة ،وحين وصل إليها همس باكياً:
- "فردوس"؟
وشهق باكياً ولم يتوقف نحيبه حتى شعر بيدها على رأسه الأسود المسترسل القصير ،فأمسك بيدها بقوة وقال بضعف:
- "فردوس"؟ أأنت بخير؟
هزت "فردوس" رأسها إيجاباً ،وفتحت عيناها ببطء ،ليظهر الياقوت الأخضر كبركة لامعه من الألم الذي خلفه "سعيد" في جسدها،وقالت بهمس وخفوت:
- ذلك القذر الغبي لا يكف عن ضربي منذ مات خالي المسكين...
-لقد آلمك وأنا...أنا السبب...
ربتت على خده متنهدة قائلة بلطف:
- ليس أنت يا صغيري السبب..."سعيد" رجل مغرور يحب أن يصرخ ويضرب مهما كان السبب تافهاً...
ثم جلست مستوية بضعف وحملت أخاها قائلة:
- هيا إلى الفراش...حان وقت النوم...
وحين تمددت بقربه قال لها وهو يمرر يده على خدها المصاب:
- هناك بقعة سوداء أسفل عينك وأخرى على جانب شفتك اليمنى...
كانت "فردوس" تشعر بالدم في شفتها والألم الشديد أسفل عينها ولكنها أخفت ذلك عن أخيها قائلة بابتسامة ضعيفة:
- إنها لا تؤلم يا صغيري،سيزول أثرها قريباً ...إلى النوم يا أخي ،ولا أحلام مزعجة ما دمت أنا بقربك...
هز رأسه بخضوع ،وأمسك بيدها حتى انتظم تنفسه ونام ،بينما "فردوس" انتقلت إلى الجانب الآخر تتحسس وجهها وشفتها التي أخذت في التورم،فكرت إنها لن تستطيع أن تحضر كمادات من المطبخ قبل ساعة فزوجة خالها وابنيها "سعيد" و"ليلى" يسهرون حتى منتصف الليل...
***
نقر بعصبية بقلمه على الطاولة بينما يده الأخرى تكاد تحطم سماعة الهاتف حيث ينتظر رداً من الجانب الآخر،وبعدها رفع رأسه نحو تصميم غرفة المكتب الكبيرة ذات السقف العالي والجدران الممتزجة بين اللون الليموني والبرتقالي والأثاث الراقي،وبحدة أنزل نظره للمكتب لينصب اهتمامه على الهاتف حينما أجيب عليه:
- السلام عليكم...
صر على أسنانه وهمس في غضب:"تعال إلى مكتبي وفي الحال".
- ولكن...
- قلت لك تعال إلى مكتبي...
ودون أن يسمع الرد أقفل الهاتف بعصبية،ووقف بقامته الطويلة ينظر من خلال الزجاج إلى البنايات المنتشرة هنا وهناك، كان يفكر بأخيه "طارق" واستهتاره الشديد،تنهد بحدة وهو يسمع صوت "طارق" من خلفه:
- ها أنا يا أخي...ماذا تريد؟
استدار "قيس" نحو أخيه ورماه بنظرة قاسية قائلاً:
- أغلق باب المكتب ...
وفعل "طارق" ما طلبه وتوجه بخطواته بعد ذلك نحو كرسي بجانب المكتب وجلس سائلاً:
- طلبتني وأنا في اجتماع طارئ ولقد استجدت مشكلة نحاول بها إيجاد حل سريع،ألا يمكن لهذا الأمر أن ينتظر قليلاً؟؟
قيمه "قيس" بنظرة طويلة باردة،فأخوه "طارق"الذي له من العمر الثالثة والعشرين متوسط القامة نحيل وذو شعر أسود مجعد ،في سنته الأخيرة في كلية التجارة، فتى طائش لا يتحمل المسؤولية ينتظر من الآخرين أن يصلحوا أخطاءه،إنه يشبهه في الملامح الوسيمة رغم إن الأول مسلح بالابتسامة والضحك والثرثرة والمجاملات التي تجذب الناس إليه،بعكسه هو تماماً...
ف"قيس" طويل القامة ذو بنية رياضية،في الثامنة والعشرين أعزب وهذا ما تريد والدته أن تبيده من شخصيته، كانت الملامح الوسيمة تختفي تحت القسوة والغموض الذي يشتهر به،كان مثالاً للرجل المتحفظ العملي الشخصية ،بعيد كل البعد عن الثرثرة والمجاملات الاجتماعية ...
- إذاً أنت تعترف بوجود مشكلة؟ما نوع المشكلة التي استجدت في الوقت الحالي؟
بقي"طارق" صامتاً بينما قال "قيس" بحدة:"أيمكنك أن تخبرني إذاً ما الذي يعنيه فجوة الأرقام التي وجدتها مع حامي الخزنة وموظف الحسابات؟".
و حين لم يجد"طارق" ما يقوله رفع رأسه وقال مبتسماً بسخرية:
- إذاً أنت تعرف؟؟ لا يمكن أن يخفى عنك أي شيء...
قطب "قيس" جبينه و قال:"كفاك سخرية يا "طارق"، أتعترف بأنك أخذت مالاً من الخزنة؟".
قال "طارق" معترفاً ولكن بلا مبالاة:"لقد أخذت قرضاً ونويت أن أرجعه قبل أن يكتشف موظف الحسابات".
صرخ "قيس" ليجفل "طارق" خوفاً:"أخذت قرضاً؟تقول قرضاً؟أتسمي مبلغ المليون ريال قرضاً يا "طارق"؟"
ارتجف "طارق" ولم يعرف ما يقوله ،حينها ضاقت عينا "قيس" بخطر قائلاً:
- ماذا فعلت بالمال يا "طارق"؟
ابتلع "طارق" ريقه وأجاب بخفوت:"لقد بنينا به مشروع تجاري،ولكن...لكن في الحقيقة خسرنا ..." .
قاطعه "قيس" صارخاً:"ماذا ؟".
ثم أضاف بحدة:
-ألم تتعلم من المشروعين السابقين اللذان خسرتهما؟"
وقف "طارق" وقال بهدوء:
- لحظة يا أخي...توقف أنت عن الصراخ وسأخبرك أنا عن كل شيء...
- تخبرني؟ ماذا عنه ستخبرني؟
"طارق" محاولاً بهدوء:"لقد كان هذا المشروع وهو فتح عدة محال للملابس الجاهزة يحمل اسم فاكهة وفي الحقيقة لقد ضحك علينا السمسار والرجل الذي تعاملنا معه في توفير الملابس والاتصالات مع شركات مصنعة لقطع ثمينة راقية،وهكذا هرب بالمال ولم...لم أستطع أن أجدهما في أي مكان ...".
قاطعه "قيس" بحدة وسخرية:"بالطبع سرقاك ،وكيف لا يسرقان من ليس له خبرة في التجارة؟؟".
احتقن وجه "طارق"وقال غاضباً:
- لا تقل لي إنك من تملك الخبرة؟ثم لا أعرف لم عينك والدي وعمي"محمد" مديراً على الشركة؟كان يجب أن يرشح عمي ابنه "بدر" لا أنت...
وبهدوء وقف "قيس" من خلف الطاولة وسار بخطواته الواسعة نحو النافذة ،حينها وهو مدير ظهره لأخيه:
- اسمع يا "طارق"...بجانب كون "بدر" في الثانية والثلاثون وأكبر أبناء العائلة هو أكبر دكتور في البلد ،لم يحلم ولم يود كذلك يوماً أن يتنازل عن مركزه لينتقل إلى هذا المكتب ويدير الشركة...
سخر منه "طارق":"وبما إنك "قيس"المطيع تخليت عن حلمك لتدير الشركة وترضي والدي وعمي".
وحين بدأ "قيس" يستدير كان "طارق" يضيف:
- وبالفعل لم يكن يوماً حلمك يستحق منك اهتماماً،لذلك تنازلت عنه بكل برود...
كانت ملامح "قيس" مليئة بالغضب والقسوة ،وبتأني جلس خلف مكتبه وفتح ملفاً ورماه لأخيه قائلاً بكل هدوء:
- اذهب إلى مكتبك وحاول إيجاد حل للمشكلة التي رميتها على عاتق الشركة....
ودون أن يفكر "طارق" في الرد او المعارضة اندفع خارجاً من المكتب...
بقى "قيس" لفترة جامداً وثم لا إرادياً أكمل عمله لساعتين ثم وقف وبدأ يرمي أوراقه في الحقيبة الجلدية وحمل هاتفه الخلوي بيد ،واتصل ب"علي" صديقه الوفي والعزيز ليتعاهد معه أن يلاقيه في مطعم في مركز المدينة، وهكذا وهو يقود سيارته الرياضية السوداء أخذ يفكر بحديث "طارق" ...
هل تخلى عن حلمه ببرود حقاً؟،لا...هز "قيس" رأسه بحدة وهو يؤكد إن الرسم لا يزال يشغل ذاته وتفكيره،ورغم عمله الكثير في الشركة إلا إنه يفكر بالرسم دوماً ،هو يقر إنه حينما يبدأ في الرسم ينسى الشركة وأهله وينسى حتى نفسه،يجد في الرسم عالماً مختلفاً بعيداً عن المسؤولية والنفاق...
ولكن هناك حقيقة في ما قاله "طارق"،إنه تنازل عن حلمه لأن يرضي والده وعمه ،ويترك الرسم في دائرة مظلمة لبضعة أشهر...ولكن الذي جرى إنه تركها لثلاث سنين طويلة وذلك منذ بدأ العمل في الشركة كمدير لها ...
حينما دخل المطعم وشاهد صديقه "علي" نفض "قيس" تفكيره وصب اهتمامه على أخبار صديقه وابنه "نورس" الصغير...
***
صرخت "فردوس" على "نادية" وهما تلجا زقاق ضيق بين بنايتين في مركز المدينة:
- ماذا؟ تطلبين مني التسول؟ ماذا قيل لك أنا يا غبية؟
أمسكت "نادية" بمعصمها وقالت غاضبة:"اسمعي...إذ كنت أنت وأخيك تعيشان في منزلنا منذ عشر سنوات دون مقابل فانس ذلك الآن ؟لأنني أطالبك بالمال أجرة في سقف يظلك وطعام وشراب يرويك".
حينما أرخى الليل ظلامه الكاحل كان "سعيد" قد رمى والدته و"فردوس" أمام مطعم فاخر كبير،وهي التي لم تخرج من منزل خالها منذ عشر سنوات أكثر من بضعة أمتار ،ها هي الآن في مركز المدينة وتكاد...تكاد لا تستطيع وصف شعورها،لا تدري أهو الخوف أو الرهبة أم الفضول في معرفة البنايات والصناعات التي تحضنها هذه المدينة...
و"نادية" البغيضة تطلب منها ما هو مستحيل أن تفعله:
- هل سمعتني يا فتاة؟ ستفعلين ما أطلبه منك...اذهبي هناك عند بوابة هذا المطعم ومدي يدك واهمسي بوضوح ووجع أن يعطوك ولو قليل من المال ...هل تفهمين يا غبية؟
هزت "فردوس" رأسها نافيه بينما وبحركة سريعة أمسكت "نادية" شعر "فردوس" الأسود الطويل من جذوعه ،وأصبح وجهها على شعرة من وجه "فردوس" هامسة بغضب:
- ستفعلين يا غبية...ستفعلين ما أقوله لك،لأنك إن لم تفعلي ما أمرتك به سأتركك في هذه المدينة لوحدك وستنهشك الذئاب أينما ذهبت،ولا تنسي إن أخوك المقعد في منزلنا وستسمعين خبراً لن يسرك إن مرض أو مات جوعاً وبعدها لن يكون لك مكان في منزلنا أبداً...
- أيتها البغيضة...
كانت عيناها تدمعان من الألم ،الخوف من طردها والتشرد وكذلك الخوف الأكبر على أخيها دفعها لأن تهز رأسها ترتجف:
- حسناً...كما تريدين...لا تفعلي أي شيء لأخي وإلا...
ضحكت "نادية" ساخرة وهي تتركها تلهث بصعوبة:
- ماذا ستفعلين؟تعرفين إن لا أحد لك بعد موت والدتك غيرنا نحن ،وبذلك عليك أن تدفعي لنا ثمن إقامتك وطعامك....
كم أكرهك يا "نادية" وكم أكره أبنك البغيض"سعيد"...لا مفر من غضبهما ومن أفعالهما البغيضة والتي لا تستطيع أن تتنبأ بها ...
إنها تكره أن تقف أمام درجات المطعم وتمد يدها بتسول مقيت... ولكن آخر صورة كانت لأخيها قبل أن تجلس أمام الدرجات الرخامية الباردة وتمد يدها بخضوع بينما "نادية" توارت عن الأنظار والمارة يدخلون المطعم ويغادرونه...
***
- "قيس" لقد وعدت زوجتي وطفلي أن أتناول معهما العشاء،لذلك سأتركك الآن...
قالها "علي" مبتسماً،بينما أجابه "قيس" بهدوء وهو يستند على الكرسي:
- السعادة تطل من كلماتك وتصرفاتك حينما تذكر زوجتك وطفلك...
ابتسم "علي":"إنهما حياتي يا صاحبي،عليك أن تترك العزوبية وتقترن بفتاة ومنها ترضي والدتك ".
كانت ابتسامة "قيس" ساخرة وهو يقول:
- أرضي والدتي بزواجي لأكون الولد المطيع،وماذا بعد؟ أسلط عزوبيتي للسيف؟لا يا أخي أنا أفضل حياتي كما هي الآن وخاصة إنك أقنعتني بفتح غرفة المرسم في المنزل لأعود للرسم بعد سنوات من الهجر...
هز "علي" رأسه وقال وهو يقف:"ماذا ستفعل بشأن أخيك والمشكلة التي افتعلها؟".
هز "قيس" كتفيه وقال :"لقد سددت القرض قبل مجيئي".
حار "علي" من تصرف صديقه ،ثم ضحك قائلاً:
- أنت تثير إعجابي يا رفيقي،ولم تركته إذاً عالقاً في مكتبه يحاول إيجاد حل للمشكلة؟
ابتسم "قيس" بانتصار وقال:"هذا سيعلمه درساً لن ينساه".
وهو يرى "علي" يغادر طلب كوب شاي آخر ،واحتساه بهدوء مفكراً في سعادة صديقه والتي يجدها "قيس" بعيده عنه أشد البعد،وثم سدد الفاتورة وهب واقفاً وهو يحمل حقيبته سائراً نحو البوابة...
***
صرخت "نادية" على "فردوس" بحدة:
- أهذا ما حصلت عليه؟
وأمسكت ببضع بيسات وخمس ورقات من فئة الريال وهزتها أمام "فردوس" صارخة مرة أخرى:
- أهذا ما حصلت عليه أيتها الفتاة عديمة الفائدة؟يا إلهي...
شهقت بكلمتها الأخيرة وهي تسمع هاتفها الخلوي يرن بعصبية ،ثم أجابت:
- حسناً...انتظرني قليلاً سآتي إليك ...
وثم أغلقت هاتفها وشددت على "فردوس":
- لقد تعطلت تلك السيارة الغبية،و"سعيد" قريب من هنا لذلك على الذهاب إليه وأرى ما الذي علينا فعله؟ ...ابقي أنت هنا ربما هناك شخص آخر سيخرج أو يدخل من المطعم وتكسبين منه بضع ريالات...
وحين تركتها "نادية" صرت "فردوس" على أسنانها وتمتمت باحتقار:
- "فردوس" أبقي هنا،"فردوس" اذهبي هناك،"فردوس" أفعلي هذا وذاك...لكم أمقتك يا "نادية" أنت وابنك الكريه...
واستدارت بحدة وهي تشعر بالبرد وخاصة وهي ترتدي هذا الثوب القطني الخفيف الذي لا يجلب شيء من الدفء ولو قليلاً منه...
وكتفت يدها تحضنها ،ورفعت رأسها بعصبية لتقابل عينان عسليتان تحدقان بها ،كان طويلاً وذا شعر أسود مسترسل يصل لمنتصف رقبته التي ظهر النبض فيها خافقاً بالحياة،ووجه رغم قسوته جميل الملامح ،كان أنيق المظهر وطلته المهيبة أرقت راحة "فردوس".
وحين تنبهت إنها تطيل التحديق به أشاحت بوجهها وخطت نحو الدرجة الأخيرة وجلست تحضن يدها،همست لنفسها إنها لن تأخذ مالاً من هذا الرجل...
لم يعرف لم وقف فوق الدرجات القليلة يستمع لذلك الحديث القصير بين الأم وأبنتها،عرف بأنهما متسولتان في الحال ولكن ما حيره كره الفتاة لوالدتها،وفي الحقيقة أكثر ما حيره هو تأمله لذلك القوام الأنثوي والعود الرشيق الذي وقف يحدق فيه،كانت جميلة الوجه بل رائعة الجمال ،ووجهها رغم الكدمات التي ظهرت واضحة عليها لم تخفي تلك القسمات الناعمة والرائعة،غير تلك العينان الياقوتيتان التي أشعلت نار خضراء متأججة ...
وبهدوء سار نازلاً درجات السلم ينظر للفتاة وهي تتكور لتحصل على الدفء...
***
شعرت بالحرارة وهو يقف أمام الدرجة الأخيرة ،ليقول بصوت عميق هادئ:
- خذي هذه...
لم ترفع رأسها بتاتاً،ولم يكن لها أي نية لتفعل فأطرقت برأسها أكثر لتقول بضعف وهدوء:"لا أريد".
ارتفع حاجب "قيس" عجاباً،فقال بتأني:
- أتريدين المزيد؟
حينها وهي تسمع صوت حركة بسيطة يصاحبها ذلك الصوت العميق :"لك هذه...خذيها".
ومرة أخرى ابتلعت "فردوس" ريقها وأبت أن ترفع نظرها إليه وقالت بهدوء غريب هو ليس ما تشعر به في ذاتها:
- لا أريد مالاً...
وبدهشة لم يعرف "قيس" ما الذي يدفعه لأن يقول:"لماذا؟".
والصمت ارتخى بينهما شعرت "فردوس" بدقات قلبها طبولاً في أذنها،فقالت مبتلعة ريقها للمرة الثانية:
- أرجوك...لست أريد مالاً...
- لماذا؟
أعاد سؤاله بقوة أكبر ،لتشعر "فردوس" بقشعريرة بسيطة ،وهي تفكر إنه متسلط ومغرور قالت : "لست أريد مالك،قررت إنني لا أريد مالاً منك".
دهش "قيس" وقال بشيء لا يخلو من التسلية: "حقا؟ ألن تغضب والدتك إذ ما تركت فرصة مثل هذه ،تكسبين منها بضع ريالات؟؟".
اتسعت عينا "فردوس" لتطفله وسؤاله هذا السؤال الأكثر بغضاً ،وقفت وهي ترفع عينان مشتعلتان بالغضب:
- أشكرك على تطفلك اللطيف،تلك المرأة البغيضة ليست والدتي ...لكم أكره أن أتسول،...
ثم قالت وهي تضرب بقدمها على الأرض في غضب :
- أكره التسول وأمقته كثر كرهي ب"نادية" و"سعيد"...
امتلأ وجه "قيس" دهشة وفضولاً:
- ولماذا التسول ما دمت تكرهينه؟
عضت على أسنانها وهمست :"هي من طلبت مني ذلك،هددتني وأخي بطردنا من المنزل إن لم أتسول".
استكان "قيس" للحظات يحدق بالرأس المنحني الغاضب والحزين،وكأنما الحزن حزنه هو قال بهدوء يمد لها المال:
- خذي وأتقي شر تلك المرأة...
فاقترب منها قليلاً ومد يده بإنحائه قليلة لترى المال الذي ظهر إنه أكثر بكثير مما يعطى لمتسول ، رفعت عيناها...والتقت أعينهما في لحظة ،وحينما طال الصمت والتحديق تقدمت "فردوس" قليلاً وهي تمد يدها ...
ظنها اقتنعت وستأخذ المال منه ولكنه تفاجأ حينما وضعت راحة يدها على ذراعه الممدودة وأبعدتها بحدة قائلة بهمس خطير:
- لا أريد مالاً منك...
وبهذا تركته وسارت نحو الزقاق الذي ذهبت إليه "نادية" ،بينما "قيس" وقف ينظر إليها بحيرة ودهشة وفضول هو غريب عنه...
***[/RIGHT]
التعديل الأخير تم بواسطة وهل يخفى القمر ; 01-01-08 الساعة 08:34 PM
|