المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
الديك ملكا
الديك ملكا
بعد الفشل الذى منى به الديك " ساطع " في حربه الطويلة أمام البط والأوز والدجاج والديوك الرومية ، لفرض سيطرته عليها ، قرر أخيرا أن يمتنع عن الأذان اليومي عند الفجر، ولم يصل به الأمر عند هذا الحد ، فقد أكد لجميع الطيور ، أنه سوف يجعلها تعيش تعيسة في ليل دائم ، إذ أن أذانه هو الذي يخرج الدنيا من ظلمات الليل إلى نور النهار!!
ساد الحزن أرجاء الحظيرة الممتدة فوق السطح العالي ، وبكت الطيور جميعها ، وفى آخر الأمر استقر رأيها على مفاوضة الديك " ساطع " ، خاصة وأنه الديك الوحيد في جماعتها ، بعد اختفاء الديك " حلم " في الصيف الماضي 0
تأسفت الطيور عما بدر منها في حقه ، وراحت الدجاجات تربت على عرفه الزاهي الجميل ، وريش جناحيه الرائعين ، وترجوه ألا يقابل غفلتها وجهلها بكل هذا الغضب والعنف ، فمعنى ألا يكون فى حظيرتها نهار ، أن تضعف ، وتكون نهايتها ، وكما فعلت الدجاجات فعلت الأوز والبط والديوك الرومية ، وطلبت منه أن يعطيها فرصة أخيرة ، لتدلل على صدق وعدها ، وحسن نواياها ، وساطع لا يتراجع عما انتوى ، فقد آلمه كثيرا أنها لم تكن له الاحترام اللائق به ، فتقدم له الشراب والطعام ، منتظرة حتى ينتهي ، ثم يأتي دورها ، فيكون نصيبها فتات ماتبقى من وجبته ، إنه الوحيد الذي يحمل فوق رأسه تاجا ، خلق ليكون ملكا متوجا ، لا أن يكون مثل بقية الطيور، تزاحمه وتنقض عليه إذا ضايقها، ولم يلتزم بحصته مثلها !!
: يا ساطع 00 إننا نحبك !
: هانت عليك عشرتنا ؟
: أتعرف معنى ألا تؤذن للفجر ؟
: ما عليك سوى الانتظار ، وسوف ترى منا ما يشرح صدرك ، ويبهج قلبك ، فقط ما نرجوه أن تؤذن حتى يسمع النور أذانك فيصحو من نومه !!
هكذا كانت الطيور تردد ، وهى تحوم من حوله ، وتطلب رضاه ، وترجو مغفرته 0
وأمام إصراره وعناده تراجعت حزينة باكية ، وهو يطاردها بصوت عال :" كنت أنتظر أن تفهمي وحدك ما يجب عليك فعله ، لكن أحدا لم يكن يفكر أو يهتم ، أنا الملك الوحيد في هذه الحظيرة يا رعاع !! "0
حين هدأ واختفى صوته ، كانت الطيور ماتزال متيقظة ، وقد فارقها النعاس ، ولازمها القلق والخوف من أن ينفذ ساطع تهديده ، وكلما أوغل الليل وطال حبله ، اشتد خوفها وجزعها ، وبكاؤها أيضا ، بينما ساطع يحس بالنصر ، ويتذوق حلاوته ، فيتسلق الجدران ، وينط عبر الأسطح المتلاصقة ، وهو يغنى ، وهناك بعيدا كان الديك البنى نائما ، فأيقظه ساطع ، وحكى له ماتم وماكان ، فتعجب غاية العجب من غفلة الطيور ، وتسلط ساطع وجهله ، وابتسم بمكر ، وهمهم قائلا :" هل تنتوى تنفيذ وعيدك ؟ "0
هتف الديك ساطع متشددا :" وهل عندك شك فى ذلك ؟"0
اقترب الديك البنى من أذن ساطع ، وهمس قائلا :"ياصديقى 00أنت مغفل كبير "0
تعجب الديك ساطع من لهجة صاحبه ، وانتظر حتى يفض ماعنده 0
عاد الديك البنى يهمس :ط ألا تعلم أن النهار قادم ، أذنت أم لم تؤذن ؟ "0
هتف ساطع :" كيف عرفت ؟ "0
حكى الديك البنى لصاحبه عن ليلة أصابه فيها المرض ، فعجز عن الأذان فى الفجر ، ومع ذلك ملأ النور الكون ، وطلع النهار 0
طوح الديك ساطع رأسه ، وقال بتبجح :" لكنك لم تقرر مثلما قررت ؟"0
تنحنح الديك البنى ، وبش فى وجه صاحبه ، وعاد يقول :" عليك أن تتراجع عن قرارك بسرعة قبل أن يحل وقت الأذان ، ويطلع الصبح ، فتخسركل شىء ، هيا تحرك حتى تظل الطيور تعتقد أن أذانك هو الذى يخرج النهار من الظلمة ، هيا هيا ياصاحبى "0
بعد تردد تفهم الديك ساطع الأمر ، وأسرع بالعودة إلى حظيرته ، وهناك كانت الطيور تنتظر عودته ، حتى تقدم له اعتذارا جديدا ، وربما غسلت الأرض تحت قدميه بدموعها ودماها ؛ ليعود يؤذن من جديد ، ويتخلى عن تهديده ، ولكنه فاجأها بقوله :" حرصا على صداقتنا ، وأخوتنا قررت بصفتي ملك هذه الحظيرة عدم التخلي عن مسئووليتى الخطيرة ، لأجل صالح الجميع ، وإرجاءه لوقت لاحق ، وذلك في حالة عودتكم لسابق عهدكم !!"0
كانت سابقة فريدة من نوعها ، حين أجمعت الطيور على تنصيب الديك ساطع ملكا على الحظيرة ، صنعت له كرسيا مزركشا ، مطعما بكل نفيس ، وقدمت له عصا ليؤدب بها العصاة ، ثم مع مرور الأيام أصبح له جيش رادع ، إلا أن صاحب الحظيرة عندما زارها عصر يوم من الأيام ، أمسك بالديك ساطع ، وتحسسه ، وهو يردد :" لقد كبرت ياصاحبى ، وأخشى عليك من الشيخوخة ، آن الأوان أن تترك الفرصة لديك من أولادك 00 واختفى الديك ساطع ، وعند الفجر كان أذان الصغير يرتفع ، وبعد ذلك يشق نور الصبح ثوب الليل الأسود ، ويملأ الدنيا ، لتتنفس الطيور فرحة سعيدة باقتراب الصبح دون أن تتعب نفسها فى البحث عن سر أذان الديكة عند الفجر ، وطلوع النهار !!
|