اقتباس :-
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حلوش2 |
كانت فكرة فقط .. داهمته في ليلة عاصفة , تملكت روحه ,سكنته كعقيدة .. ثم بدأ يقتات بها ..
" سأصنعه .. هذا التمثال .. سيكون تمثال عمري !.. به سأهتدي .. وله سأغزل الحكايا .. وأمزج الألوان ..وأحظى بحياة تشبهني .. تلاحقني مثل ظلي ..."
أحواله متغيرة , الفكرة خلقت في عينيه بريقا ً , لاحظه كل من إلى جانبه , وباتوا في حالة ترقب وقلق , تقترب كثيرا ً من حالته !..
"هي نعم .. مشروعي الأخير .. وأهم إنتاجاتي , معها سألعب بالزمن , سأحرك أوراق اللعب كما يحلو لي .. وسأعود بأحلام عذارى .. بنشوة طفل يكتشف خبايا لعبته الجديدة ..."
الخوف من البدء تلبسه , أصعب الأشياء البدايات .. حرقت رأسه أفكار " كيف أترجم ما لمع في عقلي ؟..كيف أجسدها هنا ؟ .. في غرفة أفرغتها خصيصا ً لها , وباب لا يفتح إلا عليها , ولا يخلع إلا بأمرها ..".
لا بد أن هذا التمثال سيضنيه , هذا ما بدأ يراوده , فالتردد لا يزال يشل حركته أحياناً .. لكنه قادر على تبديده ومحاربته .. كيف لا وهو الفنان المغامر المقامر ....المقاوم الثائر .؟!
وبدأ العمل بخطوات حثيثة , في البداية لم يتحكم تماماً بما يصنع .. بدا له وكأن التمثال يخلق أمامه من العدم .. دون أن تكون له يد فيه , وكأنه كيان حقيقي .. حتى قبل أن يتعرف تماماً إليه ..
إنها صبية .. على قاعدة من ذهب , كانت مخبأة منذ القديم في تلك الغرفة , تنتظر النحت الذي يختاره لها ويصطفيه لأجلها ...." نعم .. ستكون لها .. هي من يستحقها " هكذا آمن ..
الأيام تمضي , والتمثال يتطور , بدأت الملامح تتوضح .. والروح تواقة إليها ..
"ما هذا .. ماذا تفعلين بي ؟.. أنا مذهول " هكذا ناجاها .. وقلبه يسمو , وعقله مزهو .. إنها لي .. إنها مخلوقتي !.. وعن كامل إرادة سأنصبها معبودتي !!..إنها .. كل أسلحتي ..
مع كل يوم كانت يداه تتابعان عملهما , وتتحركان بنشاط لا حراك له ..
"نعم هكذا أريدها ..عينان واسعتان ساحرتان .. وثغر صغير .. آه من هذا الثغر!.. لا بأس أيضاً بشعر يلفني .. يدثرني .. مسحة ذكاء هنا .. قليل من دلال هناك , لمعان يضفي عليها بعض غنىً .. ما هذا العبوس ؟.. لا .. لا أريده .. دعيني أشد وجنتيك قليلاً .. وأزيح الخطوط عن جبينك , وهذه قبلة له ..قبل أن أكمل عملي .."
كان الوقت الذي يقضيه في تلك الغرفة طويلاً , فالتمثال بحاجة لأيام تطول وتطول حتى تكون صناعته ثمينة , دقيقة , متقنة ... حتى ينافس باقي التماثيل !..
كان باستمرار يفكر , يعمل عقله بسرعة رهيبة " تمثالي هذا سيكون الأجمل , سيكون الأبهى ..
سأحبه وأرعاه ..سيسبقهم جميعاً , حتى أولئك الأصدقاء المتعالون سيحسدونني عليه .. سيرغبون بمثله .. ولكن هراء ! ..إنه لي .. لي أنا .. ولا قبله ولا بعده .."
الوقت يمضي , نال منه التعب , لا بأس باستراحة .. إن مشاغله تناديه .. فهو ليس رجلاً بلا عمل ! .. لديه أشغال سوى هذا التمثال .. سوى هذه الفكرة الحديثة الولادة !..
ثم أن الأدوات ناقصة .. " لا بأس , أغادر قليلاً وآتي بها .. بعد قسط من الراحة .."
ذهب لفترة , عاد أكثر نشاطاً , أكثر تلهفاً إلى إتمام عمله .. " ما هذا ؟ .. لا يعجبني هذا تماماً .. لا بد من بعض تعديلات .. أرى ذبولاً .. ليس هذا ما فكرت أني قد خلقت ! .. يا إلهي كيف السبيل ؟ .. أريد إشراقة هاهنا في هاتين العينين .. في هذا الوجه , قليل سعادة هنا .. بعض طموح .. بل كثير منه ! .. ليكتمل المولود .."
ابتعد خطوات إلى الوراء , كان عليه أن ينظر من بعيد إلى ذاك التمثال , كي يكون بمقدوره الحكم بشكل أفضل .. فاللوحة لا يزهر جمالها إلا حين تراقبها من بعيد .. والعمل , أي عمل .. يحتاج نظرة من مسافة ما ..
وقف قليلاً يحدق , تتكور عيناه , ترتسم على وجهه علامات فرحة وحبور , مع قليل من الغرور وعدم الرضا !
" يحتاج شيئاً بعد .. ترى ما هو ؟ .. كيف أصل تماماً لما في ذهني .. لما ترسمه مخيلتي وأعجز أنا عن تنفيذه .. "
لكنه رجل خبير , عارف نفسه , مالك كل المفاتيح , واثق بقدراته .. سعيد بها , أفكاره شعلة نار وانبهار ..
عاد واقترب .." آه يا حبيبتي .. يا تمثالي الأثير ! .. هل لي بقبلة صغيرة ؟ .. ولكن .. رقيقة أنت , أخاف أن أؤذيك .. أن تطبع شفتاي على خديك ..
ولكن ما هذا ؟ .. مجدداً شيء يؤلمني .. ما هذا الحزن القاتل ؟.. ربما علي أن أغير في اللمعة بعض الشيء .. عله يغادرها قليلاً .. لا بأس .. ينقصها القليل من الرتوش , وتغدو فكرتي حقيقة على أرض الواقع .. محسوسة ملموسة ...
لم العينان تتجهان أرضاً ؟ .. ما هكذا أريد ..فلترتفعا قليلاً .. الحاجبان أيضاً .. لا يمنع إن حملا مزيداً من الكبرياء .. آااه عرفت ! .. الذقن يلزمه أن يرتفع قليلاً .. مع الأنف والعينين بنفس المقدار .. إذن .. الوجه كله بحاجة إلى رفعة بسيطة .. بسيطة فقط !.. "
واصل بكل تحفز , بدا و كأنه قد عثر على كنز , سكن وجهه ارتياح رائع , كمن وصل أخيراً إلى قمة جبل بعد ساعات من التسلق ..
حدق بتركيز , بحث بسرعة بين الأدوات , كان يبحث عن شيء بعينه , قد يفي بالغرض ..مد يده يلتقطه , وبدأ ينفذ فكرته ..
ثوان .. دقائق , وعصفت سماؤه .. امتقع وجهه , بدا وكأن الروح تفارقه , و كأن ملك الموت قد تبدى له ..
كانت لحظات عصيبة دامية , الضربة كانت ثقيلة ,.. يبدو أن التمثال لم يحتملها .. كانت أقوى من احتماله , وأقوى مما توقع هو لها .. فبسرعة ظهرت بعض التشققات , طالت الوجنتين في بادئ الأمر , وامتدت إلى العينين .. إلى الأنف .. وإلى الثغر الصغير .. ثم كانت ثوان فقط .. وتحركت الرأس بكاملها من مكانها , وارتمت بثقلها على طرف الكتف .. ثم هوت على الأرض العارية ..
انقسمت قطعتين .. بل ثلاثاً .. وتناثرت بعض الشظايا
أمام دهشته .. ودموع تسمرت في عينيه !!!...
|
حلا اهلا بك عزيزتي ..قراتها وللحق مرة واحده وشعرت باني اقف بمكانه واشعر بما شعر
احسه كمن ربي طفلا ..على مدى سنين وبلحظة ...يضيع كل جهده هباء منثورا
رااااااااااااااااااااائعه جدا حبيبتي ....تقبلي مروري