المنتدى :
الارشيف
عقوق الوالدين ^ه^ قصص وأداب والتعرف بها
مقدمة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فإن حق الوالدين عظيم، ومنزلتهما عالية في الدين؛ فبرهما قرين التوحيد، وشكرهما مقرون بشكر الله - عز وجل - والإحسان إليهما من أجل الأعمال، وأحبها إلى الكبير المتعال.
قال الله - عز وجل -:( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء: 36 .
وقال الله - عز وجل -: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الأنعام: 151 .
وقال الله - تبارك وتعالى -: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء: 23، 24 .
وقال الله - عز وجل -: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان: 14 .
ثم إن الأحاديث في هذا السياق كثيرة جدا، منها ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: الصلاة في وقتها قلت: ثم أي ؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله
ثم إن بر الوالدين مما أقرته الفطر السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية، وهو خلق الأنبياء، ودأب الصالحين.
كما أنه دليل على صدق الإيمان، وكرم النفس، وحسن الوفاء.
وبر الوالدين من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل، وعنوان على كمال الشريعة، وإحاطتها بكافة الحقوق.
بخلاف الشرائع الأرضية التي لا تعرف للوالدين فضلا، ولا ترعى لهما حقا، بل إنها تتنكر لهما، وتزري بهما.
وها هو العالم الغربي بتقدمه التكنولوجي شاهد على ذلك؛ فكأن الأم في تلك الأنظمة آلة إذا انتهت مدة صلاحيتها ضرب بها وجه الثرى.
وقصارى ما تفتقت عنه أذهانهم من صور البر أن ابتدعوا عيدا سنويا سموه: ( عيد الأم ).
حيث يقدم الأبناء والبنات في ذلك اليوم إلى أمهاتهم طاقات الورد معبرين لهن عن الحب والبر.
هذا منتهى ما توصلوا إليه من البر، يوم في السنة لا غير ! أين الرعاية ؟ أو أين الترحم ؟ أو أين الوفاء ؟ !
لا علم لهم بتلك المعاني الشريفة الفاضلة، ولا حظ لها عندهم.
أما حق الوالدين في الإسلام فقد مر بك شيء منه، وليس ذلك فحسب، بل إن الإسلام نهى عن العقوق، وحذر منه أشد التحذير، فهو كبيرة من الكبائر، وهو قرين للشرك.
ويكفي في ذلك قوله - تعالى -: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا [ الإسراء: 23 ].
فما بالك بما فوق كلمة " أف ". والأحاديث في هذا السياق كثيرة جدا، ومنها ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس
ومع تلك المكانة للوالدين، وبرغم ما جاء من الأمر الأكيد في برهما، والزجر الشديد في النهي عن عقوقهما إلا أن فئاما من الناس قد نسيت حظا مما ذكرت به، فلم ترع حق الوالدين، ولم تبال بالعقوق.
والحديث في الصفحات التالية سيدور حول الأمور الآتية:
- تعريف العقوق.
- من مظاهر عقوق الوالدين.
- نماذج من قصص العقوق.
- أسباب العقوق.
- سبل العلاج.
- تعريف البر بالوالدين.
- الآداب التي تراعى مع الوالدين.
- الأمور المعينة على البر.
- بين الزوجة والوالدين.
- نماذج من قصص البر.
وأخيرا أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى - أن يجعلنا من الأتقياء الأبرار، والأصفياء الأخيار، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
تعريف العقوق
العقوق ضد البر، قال ابن منظور - رحمه الله -: " وعق والده يعقه عقا وعقوقا ومعقة: شق عصا طاعته، وعق والديه: قطعهما ولم يصل رحمه منهما "
وقال: " وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن عقوق الأمهات وهو ضد البر، وأصله من العق: الشق والقطع "
من مظاهر عقوق الوالدين
عقوق الوالدين يأخذ مظاهر عديدة، وصورا شتى، منها ما يلي :
1 - إبكاء الوالدين وتحزينهما سواء بالقول أو الفعل، أو بالتسبب في ذلك.
2 - نهرهما وزجرهما وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول. قال - تعالى -: وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [ الإسراء: 23 ].
3 - التأفف، والتضجر من أوامرهما وهذا مما أدبنا الله - عز وجل - بتركه؛ فكم من الناس من إذا أمر عليه والداه - صدر كلامه بكلمة " أف " ولو كان سيطيعهما، قال - تعالى -: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [ الإسراء: 23 ].
4 - العبوس، وتقطيب الجبين أمامهما فبعض الناس تجده في المجالس بشوشا، مبتسما، حسن الخلق، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه؛ فإذا ما دخل المنزل، وجلس بحضرة الوالدين انقلب ليثا هصورا لا يلوي على شيء، فتبدلت حاله، وذهبت وداعته، وتولت سماحته، وحلت غلظته وفظاظته وبذاءته، يصدق على هذا قول القائل:
من الناس من يصل الأبعدين ويشقى به الأقرب الأقربُ
5 - النظر إلى الوالدين شزرا وذلك برمقهما بحنق، والنظر إليهما بازدراء واحتقار.
قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير قال: " ما بر والده من شد الطرف إليه "
6 - الأمر عليهما كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل الثياب، أو إعداد الطعام؛ فهذا العمل لا يليق خصوصا إذا كانت الأم عاجزة، أو كبيرة، أو مريضة.
أما إذا قامت الأم بذلك بطوعها، وبرغبة منها وهي نشطة غير عاجزة - فلا بأس في ذلك، مع مراعاة شكرها، والدعاء لها.
7 - انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة وهذا العمل فيه محذوران، أحدهما: عيب الطعام، وهذا لا يجوز؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عاب طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإلا تركه.
والثاني: أن فيه قلة أدب مع الأم، وتكديرا عليها.
8 - ترك مساعدتهما في عمل المنزل: سواء في الترتيب والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك.
بل إن بعض الأبناء - هداهم الله - يعد ذلك نقصا في حقه وهضما لرجولته.
وبعض البنات - هداهن الله - ترى أنها تعاني وتكابد العمل داخل المنزل - فلا تعينها.
بل إن بعضهن تقضي الأوقات الطويلة في محادثة زميلاتها عبر الهاتف، تاركة أمها تعاني الأمرين.
9 - الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا: وذلك بترك الإصغاء إليهما، أو المبادرة إلى مقاطعتهما أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والاشتداد في الخصومة والملاحاة معهما.
فكم في هذا العمل من تحقير لشأن الوالدين، وكم فيه من إشعار لهما بقلة قدرهما.
10 - قلة الاعتداد برأيهما: فبعض الناس لا يستشير والديه، ولا يستأذنهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه، أو طلاقه، أو خروجه من المنزل والسكنى خارجه، أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو نحو ذلك.
11 - ترك الاستئذان حال الدخول عليهما: وهذا مما ينافي الأدب معهما، فربما كانا أو أحدهما في حالة لا يرضى أن يراه أحد عليها.
12 - إثارة المشكلات أمامهما: سواء مع الإخوان أو الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم.
فبعض الناس لا يطيب له معاتبة أحد من أهل البيت على خطأ ما - إلا أمام والديه، ولا شك أن هذا الصنيع مما يقلقهما، ويقض مضجعهما.
13 - ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معايبهما: فبعض الناس إذا أخفق في عمل ما - كأن يخفق في دراسته مثلا - ألقى باللائمة والتبعة على والديه، ويبدأ يسوغ إخفاقه ويلتمس المعاذير لنفسه بأن والديه أهملاه، ولم يربياه كما ينبغي، فأفسدا عليه حياته، وحطما مستقبله، إلى غير ذلك من ألوان القدح والعيب.
14 - شتمهما، ولعنهما: إما مباشرة، أو بالتسبب في ذلك؛ كأن يشتم الابن أبا أحد من الناس أو أمه، فيرد عليه بشتم أبيه وأمه.
فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من الكبائر شتم الرجل والديه . قيل: وهل يشتم الرجل والديه ؟ ! قال: نعم ! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه
15 - إدخال المنكرات للمنزل: كإدخال آلات اللهو والفساد للبيت، مما يتسبب في فساد الشخص نفسه، وربما تعدى ذلك إلى فساد إخوته وأهل بيته عموما، فيشقى الوالدان بفساد الأولاد، وانحراف الأسرة.
16 - مزاولة المنكرات أمام الوالدين: كشرب الدخان أمامهما، أو استماع آلات اللهو بحضرتهما، أو النوم عن الصلاة المكتوبة، ورفض الاستيقاظ لها إذا أوقظاه، وكذلك إدخال رفقة السوء للمنزل؛ فهذا كله دليل على التمادي في قلة الحياء مع الوالدين.
17 - تشويه سمعة الوالدين: وذلك باقتراف الأعمال السيئة، والأفعال الدنيئة، التي تخل بالشرف، وتخرم المروءة، وربما قادت إلى السجن والفضيحة، فلا شك أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه يجلب لهما الهم، والغم، والخزي، والعار.
18 - إيقاعهما في الحرج: كحال من يستدين أموالا، ثم لا يسددها، أو يقوم بالتفحيط، أو يسيء الأدب في المدرسة؛ فتضطر الجهات المسؤولة إلى إحضار الوالد في حالة فقدان الولد، أو إساءته للأدب.
وربما أوقف الوالد ريثما يسدد الولد دينه، أو يحضر ويسلم نفسه.
19 - المكث طويلا خارج المنزل: وهذا مما يقلق الوالدين ويزعجهما على الولد، ثم إنهما قد يحتاجان للخدمة، فإذا كان الولد خارج المنزل لم يجدا من يقوم على خدمتهما.
20 - الإثقال عليهما بكثرة الطلبات: فمن الناس من يثقل على والديه بكثرة طلباته، مع أن الوالدين قد يكونان قليلي ذات اليد، ومع ذلك ترى الولد يلح عليهما بشراء سيارة له، وبأن يزوجاه، ويوفرا له مسكنا جديدا، أو بأن يطلب منهما مالا كثيرا؛ كي يساير زملاءه وأترابه.
21 - إيثار الزوجة على الوالدين: فبعض الناس يقدم طاعة زوجته على طاعة والديه، ويؤثرها عليهما، فلو طلبت منه أن يطرد والديه لطردهما ولو كانا بلا مأوى.
وترى بعض الأبناء يبالغ في إظهار المودة للزوجة أمام والديه، وتراه في الوقت نفسه يغلظ على والديه، ولا يرعى حقهما.
وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الصفحات التالية.
22 - التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر: فبعض الأولاد إذا كبر وصار له عمل يتقاضى مقابله مالا تخلى عن والديه، واشتغل بخاصة نفسه.
23 - التبرؤ منهما، والحياء من ذكرهما، ونسبته إليهما: وهذا من أقبح مظاهر العقوق، فبعض الأولاد ما إن يرتفع مستواه الاجتماعي، أو يترقى في الوظائف الكبيرة إلا ويتنكر لوالديه، ويتبرأ منهما، ويخجل من وجودهما في بيته بأزيائهما القديمة.
وربما لو سئل عنهما لقال: هؤلاء خدم عندنا !.
وبعضهم يرفض أن يذكر اسم والده في الولائم والمناسبات العامة؛ خجلا من ذلك ! وهذا العمل - بلا ريب - دليل على ضعة النفس، وصغر العقل، وحقارة الشأن، وضيق العطن.
وإلا فالنفس الكريمة الأبية تعتز بمنبتها، وأرومتها، وأصلها، والكرام لا ينسون الجميل.
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن
24 - التعدي عليهما بالضرب: وهذا العمل لا يصدر إلا من غلاظ الأكباد، وقساة القلوب، الذين خلت قلوبهم من الرحمة والحياء، وخوت نفوسهم من أدنى مراتب المروءة والنخوة والشهامة.
25 - إيداعهم دور العجزة والملاحظة: وهذا الفعل غاية في البشاعة، ونهاية في القبح والشناعة، يقشعر لهوله البدن، ويقف لخطبه شعر الرأس، والذي يفعله لا خير فيه البتة.
26 - هجرهما، وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي: وهذا خلل وخطل؛ فبر الوالدين واجب ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين، وعندهما بعض التقصير ؟ !
27 - البخل والتقتير عليهما: فمن الناس من يبخل على والديه، ويقتر عليهما في النفقة. وربما اشتدت حاجتهما إلى المال، ومع ذلك لا يعبأ ولا يبالي بهما.
28 - المنة وتعداد الأيادي على الوالدين: فمن الناس من قد يبر والديه، ولكنه يفسد ذلك بالمن والأذى، وتعداد الأيادي، وذكر ذلك البر بمناسبة وبدون مناسبة.
29 - السرقة من الوالدين: وهذا الأمر جمع بين محذروين، السرقة والعقوق؛ فتجد من الناس من يحتاج للمال، فيقوده ذلك إلى السرقة من والديه إما لكبرهما، أو لغفلتهما.
ومن صور السرقة أن يخدع أحد والديه، فيطلب منه أن يوقع على إعطائه كذا وكذا من المال أو الأرض أو نحو ذلك. وقد يستدين منهما، وهو مبيت النية على ألا يسدد.
30 - الأنين وإظهار التوجع أمامهما: وهذا الأمر من أدس صور العقوق؛ ذلك أن الوالدين - وخصوصا الأم - يقلقان لمصاب الولد، ويتألمان لألمه؛ بل ربما يتألمان أكثر منه.
31 - التغرب عن الوالدين دون إذنهما، ودون الحاجة إلى ذلك: فبعض الأبناء لا يدرك أثر بعده عن والديه؛ فتراه يسعى للغربة والبعد عن الوالدين دون أن يستأذنهما، ودون أن يحتاج إلى الغربة؛ فربما ترك البلد الذي يقطن فيه والداه دون سبب، وربما تغرب للدراسة في بلد آخر مع أن تلك الدراسة ممكنة في البلد الذي يسكن فيه والداه إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تسوغ غربته.
وما علم أن اغترابه عن والديه يسبب حسرتهما، وقلقهما عليه، وما علم أنه ربما مات والداه أو أحدهما وهو بعيد عنهما باختياره؛ فيخسر بذلك برهما، والقيام عليهما.
أما إذا احتاج الابن إلى الغربة، واستأذن والديه فيها - فلا حرج عليه.
32 - تمني زوالهما: فبعض الأولاد يتمنى زوال والديه؛ ليرثهما إن كانا غنيين، أو يتخلص منهما إن كانا مريضين أو فقيرين، أو لينجو من مراقبتهما ووقوفهما في وجهه كي يتمادى في غيه وجهله.
33 - قتلهما والتخلص منهما: فقد يحصل أن يشقى الولد، فيقدم على قتل أحد والديه؛ إما لسورة جهل، أو ثورة غضب، أو أن يكون في حال سكر، أو طمعا في الميراث، أو غير ذلك.
فيا لشؤم هذا، ويا لسواد وجهه، ويا لسوء مصيره وعاقبته، إن لم يتداركه الله برحمته.
هذه بعض المظاهر والصور لعقوق الوالدين، ذلك العمل القبيح، والمسلك الشائن، الذي لا يليق بأولي الألباب، ولا يصدر من أهل التقى والصلاح والرشاد.
فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه.
وهذا أمر مشاهد محسوس، يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصا متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا؛ بسبب عقوقهم لوالديهم.
نماذج من قصص العقوق :
1 - قال الأصمعي: " أخبرني بعض العرب أن رجلا كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشاب عاقا بأبيه، وكان يقال للشاب " منازل " فقال الشيخ:
جزت رحم بيني وبين منازل
جزاءا كما يستنجز الدين طالبه
تربتحتى صار جعداشمردلا
إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه
تظلمني مالي كذا ولوى يدي
لوى يده الله الذي لا يغالبه
وإني لداع دعوة لو دعوتها
على جبل الريان لانهد جانبه
فبلغ ذلك أميرا كان عليهم، فأرسل إلى الفتى؛ ليأخذه، فقال له الشيخ: أخرج من خلف البيت، فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقه في آخر حياته، فقال:
تظلمني مالي خليجوعقني
على حين كانت كالحني عظامي
تخيرته وازددته ليزيدني
وما بعض ما يزداد غير عرام
لعمري لقد ربيته فرحا به
فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام
فأراد الوالي ضربه، فقال الابن للوالي: لا تعجل علي، هذا منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه:
جزت رحم بيني وبين منازل
جزاءا كما يستنجز الدين طالبه
فقال الوالي: يا هذا عققت وعققت "
2 - وقال آخر يشكوه بثه وحزنه، ويعاتب ولده الذي عقه:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا
تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة نالتك بالشكو لم أبت
لشكواك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني وعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إن لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن
علي بمالي دون مالك تبخل
تراه معدا للخلاف كأنه
برد على أهل الصواب موكل
3 - ويقول الدكتور محمد الصباغ: " سمعت أن واحدا من الساقطين في الأبناء حمل أباه إلى مأوى العجزة، لكيلا يضايقه أو يزعج زوجته "
4 - ويقول الأستاذ عبد الرءوف الحناوي - رحمه الله -: " كان لي قريب، ترك له والده أموالا نقدية ذهبية طائلة، وعقارات متعددة، وكان من عيون التجار، غضبت عليه أمه يوما، ودعت عليه دعوة مرة قاسية، وإذا بالسوء يحيق به من جرائها؛ لقد مات فقيرا؛ مع أنه لم يسلك سبل الفواحش والمحرمات أبدا.
وكان أبي - رحمه الله - يتصدق عليه، ويرسلني بالطعام من دارنا إليه وإلى زوجته وأولاده "
أسباب العقوق نماذج من قصص العقوق
1 - قال الأصمعي: " أخبرني بعض العرب أن رجلا كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشاب عاقا بأبيه، وكان يقال للشاب " منازل " فقال الشيخ:
جزت رحم بيني وبين منازل
جزاءا كما يستنجز الدين طالبه
تربتحتى صار جعداشمردلا
إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه
تظلمني مالي كذا ولوى يدي
لوى يده الله الذي لا يغالبه
وإني لداع دعوة لو دعوتها
على جبل الريان لانهد جانبه
فبلغ ذلك أميرا كان عليهم، فأرسل إلى الفتى؛ ليأخذه، فقال له الشيخ: أخرج من خلف البيت، فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقه في آخر حياته، فقال:
تظلمني مالي خليجوعقني
على حين كانت كالحني عظامي
تخيرته وازددته ليزيدني
وما بعض ما يزداد غير عرام
لعمري لقد ربيته فرحا به
فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام
فأراد الوالي ضربه، فقال الابن للوالي: لا تعجل علي، هذا منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه:
جزت رحم بيني وبين منازل
جزاءا كما يستنجز الدين طالبه
فقال الوالي: يا هذا عققت وعققت "
2 - وقال آخر يشكوه بثه وحزنه، ويعاتب ولده الذي عقه:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا
تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة نالتك بالشكو لم أبت
لشكواك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني وعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إن لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن
علي بمالي دون مالك تبخل
تراه معدا للخلاف كأنه
برد على أهل الصواب موكل
3 - ويقول الدكتور محمد الصباغ: " سمعت أن واحدا من الساقطين في الأبناء حمل أباه إلى مأوى العجزة، لكيلا يضايقه أو يزعج زوجته "
4 - ويقول الأستاذ عبد الرءوف الحناوي - رحمه الله -: " كان لي قريب، ترك له والده أموالا نقدية ذهبية طائلة، وعقارات متعددة، وكان من عيون التجار، غضبت عليه أمه يوما، ودعت عليه دعوة مرة قاسية، وإذا بالسوء يحيق به من جرائها؛ لقد مات فقيرا؛ مع أنه لم يسلك سبل الفواحش والمحرمات أبدا.
وكان أبي - رحمه الله - يتصدق عليه، ويرسلني بالطعام من دارنا إليه وإلى زوجته وأولاده "
لعقوق الوالدين أسباب كثيرة منها:
1 - الجهل فالجهل داء قاتل، والجاهل عدو لنفسه، فإذا جهل المرء عواقب العقوق العاجلة والآجلة، وجهل ثمرات البر العاجلة والآجلة - قاده ذلك إلى العقوق، وصرفه عن البر.
2 - سوء التربية: فالوالدان إذا لم يربيا أولادهما على التقوى، والبر والصلة، وتطلاب المعالي - فإن ذلك سيقودهم إلى التمرد والعقوق.
3 - التناقض: وذلك إذا كان الوالدان يعلمان الأولاد، وهما لا يعملان بما يعلمان، بل ربما يعملان نقيض ذلك، فهذا الأمر مدعاة للتمرد والعقوق.
4 - الصحبة السيئة للأولاد: فهي مما يفسد الأولاد، ومما يجرؤهم على العقوق.
كما أنها ترهق الوالدين، وتضعف أثرهم في تربية الأولاد.
5 - عقوق الوالدين لوالديهم: فهذا من جملة الأسباب الموجبة للعقوق؛ فإذا كان الوالدان عاقين لوالديهم عوقبا بعقوق أولادهما - في الغالب - وذلك من جهتين:
أولاهما: أن الأولاد يقتدون بآبائهم في العقوق.
وآخرهما: أن الجزاء من جنس العمل.
6 - قلة تقوى الله في حالة الطلاق: فبعض الوالدين إذا حصل بينهما طلاق لا يتقيان الله في ذلك، ولا يحصل الطلاق بينهما بإحسان.
بل تجد كل واحد منهما يغري الأولاد بالآخر، فإذا ذهبوا للأم قامت بذكر مثالب والدهم، وبدأت توصيهم بصرمه وهجره، وهكذا إذا ذهبوا إلى الوالد فعل كفعل الوالدة.
والنتيجة أن الأولاد سيعقون الوالدين جميعا، والوالدان هما السبب كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
فلا تغضبن في سيرة أنت سرتها
وأول راض سنة من يسيرها
7 - التفرقة بين الأولاد: فهذا العمل يورث لدى الأولاد الشحناء والبغضاء، فتسود بينهم روح الكراهية، ويقودهم ذلك إلى بغض الوالدين وقطيعتهما.
8 - إيثار الراحة والدعة: فبعض الناس إذا كان لديه والدان كبيران أو مريضان - رغب في التخلص منهما، إما بإيداعهما دور العجزة، أو بترك المنزل والسكنى خارجه، أو غير ذلك؛ إيثارا للراحة - كما يزعم - وما علم أن راحته إنما هي بلزوم والديه، وبرهما.
9 - ضيق العطن: فبعض الأبناء ضيق العطن، فلا يريد لأحد في المنزل أن يخطئ أبدا، فإذا كسرت زجاجة، أو أفسد أثاث المنزل - غضب لذلك أشد الغضب؛ وقلب المنزل رأسا على عقب.
فهذا مما يزعج الوالدين، ويكدر صفوهما.
كذلك قد تجد بعض الأبناء يأنف من أوامر والديه، خصوصا إذا كان الوالدان أو أحدهما فظا غليظا، فتجد الولد يضيق ذرعا، ولا يتسع صدره لهما.
10 - قلة إعانة الوالدين لأولادهما على البر: فبعض الوالدين لا يعين أولاده على البر، ولا يشجعهم على الإحسان إذا أحسنوا.
فحق الوالدين عظيم، وهو واجب بكل حال.
لكن الأولاد إذا لم يجدوا التشجيع، والدعاء، والإعانة من الوالدين - ربما ملوا، وتركوا بر الوالدين، أو قصروا في ذلك.
11 - سوء خلق الزوجة: فقد يبتلى الإنسان بزوجة سيئة الخلق، لا تخاف الله، ولا ترعى الحقوق، فتكون شجى في حلقه، فتجدها تغري الزوج، بأن يتمرد على والديه، أو يخرجهما من المنزل، أو يقطع إحسانه عنهما؛ ليخلو لها الجو بزوجها، وتستأثر به دون غيره.
12 - قلة الإحساس بمصاب الوالدين: فبعض الأبناء لم يجرب الأبوة، وبعض البنات لم تجرب الأمومة، فتجد من هذه حاله لا يأبه بوالديه؛ سواء إذا تأخر بالليل، أو إذا ابتعد عنهما، أو أساء إليهما.
هذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الوالدين.
سبل العلاج :
قد مر بنا عظم حق الوالدين، والترغيب في برهما، والترهيب من عقوقهما، ومر شيء من مظاهر العقوق، وصوره، وقصصه، وأسبابه.
وإذا كان الأمر كذلك - فما أحرى بذي اللب أن يحرص كل الحرص على بر والديه، وأن يتجنب عقوقهما؛ رغبة بما عند الله من جزيل الثواب، ورهبة مما لديه من شديد العقاب، العاجل والآجل.
فما بر الوالدين ؟ وما الآداب التي ينبغي مراعاتها معهما ؟ وما الأمور المعينة على البر ؟
تعريف البر بالوالدين بر الوالدين ضد العقوق، قال ابن منظور - رحمه الله -: والبر ضد العقوق، والمبرة مثله، وبررت والدي: بالكسر أبره برا، وقد بر والده يبره ويبره برا، فيبر على بررت، ويبر على بررت ".
وقال: " ورجل بر من قوم أبرار، وبار من قوم بررة، وروي عن ابن عمر أنه قال: إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء.
وقال: كما أن لك على ولدك حقا كذلك لولدك عليك حق "
الآداب التي تراعى مع الوالدين هناك آداب ينبغي لنا مراعاتها، ويجدر بنا سلوكها مع الوالدين، لعلنا نرد لهما بعض الدين، ونقوم ببعض ما أوجب الله علينا نحوهما، كي نرضي ربنا، وتنشرح صدورنا، وتطيب حياتنا، وتيسر أمورنا، ويبارك الله في أعمارنا، وينسأ لنا في آثارنا
فمن تلك الآداب ما يلي
1 - طاعتهما واجتناب معصيتهما: فيجب على المسلم طاعة والديه واجتناب معصيتهما، وأن يقدم طاعتهما على طاعة كل أحد من البشر ما لم يأمرا بمعصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، إلا الزوجة؛ فإنها تقدم طاعة زوجها على طاعة والديها.
2 - الإحسان إليهما: بالقول، والفعل، وفي وجوه الإحسان كافة.
3 - خفض الجناح: وذلك بالتذلل لهما، والتواضع، والتطامن.
4 - البعد عن زجرهما: وذلك بلين الخطاب، والتلطف بالكلام، والحذر كل الحذر من نهرهما، ورفع الصوت عليهما.
5 - الإصغاء إليهما: وذلك بالإقبال عليهما بالوجه إذا تحدثا، وترك مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث، والحذر كل الحذر من تكذيبهما، أو رد حديثهما.
6 - الفرح بأوامرهما، وترك التضجر والتأفف منهما: كما قال - عز وجل -: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا .
7 - التطلق لهما: وذلك بمقابلتهما بالبشر والترحاب، بعيدا عن العبوس، وتقطيب الجبين.
8 - التودد لهما، والتحبب إليهما: ومن ذلك مبادأتهما بالسلام، وتقبيل أيديهما، ورءوسهما، والتوسيع لهما في المجلس، وألا يمد يده إلى الطعام قبلهما، وأن يمشي خلفهما في النهار، وأمامها في الليل خصوصا إذا كان الطريق مظلما أو وعرا، أما إذا كان الطريق واضحا سالكا فلا بأس أن يمشي خلفهما.
9 - الجلوس أمامهما بأدب واحترام: وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عما يشعرهما بإهانتهما من قريب أو بعيد، كمد الرجل، أو القهقهة بحضرتهما، أو الاضطجاع، أو التعري، أو مزاولة المنكرات أمامهما، أو غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما.
10 - تجنب المنة في الخدمة أو العطية: فالمنة تهدم الصنيعة، وهي من مساوئ الأخلاق، ويزداد قبحها إذا كانت في حق الوالدين. فعلى الولد أن يقدم لوالديه ما يستطيع، وأن يعترف بالتقصير، ويعتذر عن عدم استطاعته أن يوفي والديه حقهما.
11 - تقديم حق الأم: فمما ينبغي مراعاته - أيضا - تقديم بر الأم، والعطف عليها، والإحسان لها على بر الأب، والعطف عليه، والإحسان إليه، وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك فتح الباري 10/416 12 - مساعدتهما في الأعمال: فلا يليق بالولد أن يرى والديه يعملان وهو ينظر إليهما دون مساعدة لهما.
13 - البعد عن إزعاجهما: سواء إذا كانا نائمين، أو إزعاجهما بالجلبة ورفع الصوت، أو بالأخبار المحزنة أو غير ذلك من ألوان الإزعاج.
14 - تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما: وذلك بالحرص على حل المشكلات مع الأخوة وأهل البيت عموما بعيدا عن أعينهما.
15 - تلبية ندائهما بسرعة: سواء كان الإنسان مشغولا أم غير مشغول؛ فبعض الناس إذا ناداه أحد والديه وكان مشغولا - تظاهر بأنه لم يسمع الصوت، وإن كان فارغا أجابهما.
أصم عن الأمر الذي لا أريده
وأسمع خلق الله حين أريد
فاللائق بالولد أن يجيب والديه حال سماعه النداء.
16 - تعويد الأولاد على البر: وذلك بأن يكون المرء قدوة لهما، وأن يسعى قدر المستطاع لتوطيد العلاقة بين أولاده وبين والديه.
17 - إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين: فمما يجدر بالأولاد أن يقوموا به أن يصلحوا ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على تقريب وجهات النظر بينهما إذا اختلفا.
18 - الاستئذان حال الدخول عليهما: فربما كانا أو أحدهما على حالة لا يرضى أن يراه أحد وهو عليها.
19 - تذكيرهما بالله دائما: وذلك بتعليمهما ما يجهلانه من أمور الدين، وأمرهما بالمعروف، ونهيهما عن المنكر إذا كان عليهما بعض مظاهر الفسق والمعصية، مع مراعاة أن يكون ذلك بمنتهى اللطف والإشفاق والشفافية، والصبر عليهما إذا لم يقبلا.
20 - الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما: سواء في الذهاب مع الأصحاب للبرية، أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها، أو الذهاب للجهاد، أو الخروج من المنزل والسكنى خارجه، فإن أذنا وإلا أقصر وترك ما يريد، خصوصا إذا كان رأيهما له وجه، أو كان صادرا عن علم وإدراك.
21 - المحافظة على سمعتهما: وذلك بمخالطة الأخيار، والبعد عن الأشرار، وبمجانبة أماكن الشبه، ومواطن الريب.
22 - البعد عن لومهما وتقريعهما: وذلك إذا صدر منهما عمل لا يرضي الولد، كتقصيرهما في التربية، وكتذكيرهما بأمور لا يحبان سماعها، مما قد بدر منهما فيما مضى.
23 - العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به: من رعاية للإخوة، أو صلة للأرحام، أو إصلاحات في المنزل، أو المزرعة، أو مبادرة بالهدية، أو نحو ذلك مما يسرهما، ويدخل الفرح على قلبيهما.
24 - فهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك: فإذا كانا، أو أحدهما غضوبا، أو فظا غليظا، أو كان متصفا بأي صفة لا ترتضى - كان جديرا بالولد أن يتفهم تلك الطبيعة في والديه، وأن يعاملهما كما ينبغي.
25 - كثرة الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما: قال الله - تعالى -: وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [ الإسراء: 24 ].
وقال - تعالى -: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ نوح: 28 ].
26 - برهما بعد موتهما: فمما يدل على عظم حق الوالدين، وسعة رحمة رب العالمين - أن كان بر الوالدين لا ينقطع حتى بعد الممات؛ فقد يقصر أحد من الناس في حق والديه وهما أحياء، فإذا ماتا عض يده، وقرع سنه؛ ندما على تفريطه وتضييعه لحق الوالدين، وتمنى أن يرجعا للدنيا؛ ليعمل معهما صالحا غير الذي عمل.
ومن هنا يستطيع المسلم أن يستدرك ما قد فات، فيبر والديه وهما أموات، وذلك بأمور منها:
أ - أن يكون الولد صالحا في نفسه.
ب - كثرة الدعاء والاستغفار لهما.
ج - صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما.
د - إنفاذ عهدهما.
ه - التصدق عنهما.
هذه بعض الأمور التي يجدر بنا سلوكها في معاملة الوالدين.
الأمور المعينة على البر
بر الوالدين نعمة من الله - عز وجل - يمن بها على من يشاء من عباده، وهناك أمور تعين الإنسان على بر والديه، إذا أخذ بها، وسعى إليها، فمن ذلك ما يلي
1 - الاستعانة بالله - عز وجل -: وذلك بإحسان الصلة به؛ عبادة، ودعاء، والتزاما بما شرع، عسى أن يوفقك ويعينك على برهما.
2 - استحضار فضائل البر، وعواقب العقوق: فإن معرفة ثمرات البر، واستحضار حسن عواقبه - من أكبر الدواعي إلى فعله، وتمثله، والسعي إليه.
كذلك النظر في عواقب العقوق، وما يجلبه من هم، وغم، وحسرة، وندامة، كل ذلك مما يعين على البر، ويقصر عن العقوق.
3 - استحضار فضل الوالدين على الإنسان: فهما سبب وجوده في هذه الدنيا، وهما اللذان تعبا من أجله، وأولياه خالص الحنان والمودة، وربياه حتى كبر؛ فمهما فعل الولد معهما فلن يستطيع أن يوفيهما حقهما، فاستحضار هذا الأمر مدعاة للبر.
4 - توطين النفس على البر: فينبغي للمرء أن يوطن نفسه على بر والديه، وأن يتكلف ذلك، ويجاهد نفسه عليه؛ حتى يصبح سجية له وطبعا.
5 - تقوى الله في حال الطلاق: فعلى الوالدين إن لم يقدر بينهما وفاق، وحصل بينهما الطلاق - أن يوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، وألا يقوم كل واحد منهما بتأليب الأولاد على الآخر؛ لأن الأولاد إذا ألفوا العقوق صار الوالدان ضحية لذلك، فشقوا وأشقوا الأولاد.
6 - صلاح الآباء: فصلاحهم سبب لصلاح أبنائهم وبرهم بهم.
7 - التواصي بالبر: وذلك بتشجيع البررة، وتذكيرهم بفضائل البر، ونصح العاقين وتذكيرهم بعواقب العقوق.
8 - إعانة الأولاد على البر: وذلك بأن ينبعث الآباء إلى إعانة أولادهم على البر، وذلك بتشجيعهم، وشكرهم، والدعاء لهم.
أعرف بعض الآباء لا يطيق أولاده، وأحفاده أن يفارقوه طرفة عين؛ حتى بعد أن تعدى المائة؛ فهم يبرونه أعظم البر، ويتنافسون في خدمته، بل ويتلذذون بذلك.
ومن أعظم الأسباب الحاملة لهم على بر والدهم - بعد توفيق الله - أن ذلك الوالد كان نعم المعين لهم على بره، حيث كان محبا لأولاده، كثير الدعاء لهم، حريصا على شكرهم، والثناء عليهم، وإدخال السرور على نفوسهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم.
9 - أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين: فهل يسرك أيها الولد غدا إذا أصابك الكبر، ووهن العظم منك، واشتعل الرأس شيبا، وعجزت عن الحراك - أن تلقى من أولادك المعاملة السيئة، والإهمال القاسي، والتنكر المحض ؟ !
10 - قراءة سير البارين والعاقين: فسير البارين مما يشحذ الهمة، ويذكي العزيمة، ويبعث على البر.
وقراءة سير العاقين، وما نالهم من سوء المصير، تنفر عن العقوق، وتبغض فيه، وتدعو إلى البر وترغب فيه.
12 - استشعار فرح الوالدين بالبر، وحزنهما من العقوق: فلو استشعر الإنسان ذلك الأمر لانبعث إلى البر، ولانزجر عن العقوق، وصدق من قال:
لو كان يدري الابن أية غصة
قد جرعت أبويه بعد فراقه
أم تهيم بوجده حيرانة
وأب يسح الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى
ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثا لأم سل من أحشائها
وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدل الخلق الأبي بعطفه
الأمور المعينة على البر
بر الوالدين نعمة من الله - عز وجل - يمن بها على من يشاء من عباده، وهناك أمور تعين الإنسان على بر والديه، إذا أخذ بها، وسعى إليها، فمن ذلك ما يلي
1 - الاستعانة بالله - عز وجل -: وذلك بإحسان الصلة به؛ عبادة، ودعاء، والتزاما بما شرع، عسى أن يوفقك ويعينك على برهما.
2 - استحضار فضائل البر، وعواقب العقوق: فإن معرفة ثمرات البر، واستحضار حسن عواقبه - من أكبر الدواعي إلى فعله، وتمثله، والسعي إليه.
كذلك النظر في عواقب العقوق، وما يجلبه من هم، وغم، وحسرة، وندامة، كل ذلك مما يعين على البر، ويقصر عن العقوق.
3 - استحضار فضل الوالدين على الإنسان: فهما سبب وجوده في هذه الدنيا، وهما اللذان تعبا من أجله، وأولياه خالص الحنان والمودة، وربياه حتى كبر؛ فمهما فعل الولد معهما فلن يستطيع أن يوفيهما حقهما، فاستحضار هذا الأمر مدعاة للبر.
4 - توطين النفس على البر: فينبغي للمرء أن يوطن نفسه على بر والديه، وأن يتكلف ذلك، ويجاهد نفسه عليه؛ حتى يصبح سجية له وطبعا.
5 - تقوى الله في حال الطلاق: فعلى الوالدين إن لم يقدر بينهما وفاق، وحصل بينهما الطلاق - أن يوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، وألا يقوم كل واحد منهما بتأليب الأولاد على الآخر؛ لأن الأولاد إذا ألفوا العقوق صار الوالدان ضحية لذلك، فشقوا وأشقوا الأولاد.
6 - صلاح الآباء: فصلاحهم سبب لصلاح أبنائهم وبرهم بهم.
7 - التواصي بالبر: وذلك بتشجيع البررة، وتذكيرهم بفضائل البر، ونصح العاقين وتذكيرهم بعواقب العقوق.
8 - إعانة الأولاد على البر: وذلك بأن ينبعث الآباء إلى إعانة أولادهم على البر، وذلك بتشجيعهم، وشكرهم، والدعاء لهم.
أعرف بعض الآباء لا يطيق أولاده، وأحفاده أن يفارقوه طرفة عين؛ حتى بعد أن تعدى المائة؛ فهم يبرونه أعظم البر، ويتنافسون في خدمته، بل ويتلذذون بذلك.
ومن أعظم الأسباب الحاملة لهم على بر والدهم - بعد توفيق الله - أن ذلك الوالد كان نعم المعين لهم على بره، حيث كان محبا لأولاده، كثير الدعاء لهم، حريصا على شكرهم، والثناء عليهم، وإدخال السرور على نفوسهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم.
9 - أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين: فهل يسرك أيها الولد غدا إذا أصابك الكبر، ووهن العظم منك، واشتعل الرأس شيبا، وعجزت عن الحراك - أن تلقى من أولادك المعاملة السيئة، والإهمال القاسي، والتنكر المحض ؟ !
10 - قراءة سير البارين والعاقين: فسير البارين مما يشحذ الهمة، ويذكي العزيمة، ويبعث على البر.
وقراءة سير العاقين، وما نالهم من سوء المصير، تنفر عن العقوق، وتبغض فيه، وتدعو إلى البر وترغب فيه.
12 - استشعار فرح الوالدين بالبر، وحزنهما من العقوق: فلو استشعر الإنسان ذلك الأمر لانبعث إلى البر، ولانزجر عن العقوق، وصدق من قال:
لو كان يدري الابن أية غصة
قد جرعت أبويه بعد فراقه
أم تهيم بوجده حيرانة
وأب يسح الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى
ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثا لأم سل من أحشائها
وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدل الخلق الأبي بعطفه
وجزاهما بالعذب من أخلاقه
وجزاهما بالعذب من أخلاقه
بين الزوجة والوالدين هذه الفقرة داخلة ضمن الآداب التي ينبغي ويجب مراعاتها مع الوالدين، وضمن الأمور المعينة على بر الوالدين، وقد مضى شيء من ذلك.
وإنما أفردت هذه الفقرة وحدها؛ لأهميتها، ولمسيس الحاجة إليها، ذلك أن الزوج قد يحار في التوفيق بين زوجته ووالديه؛ إذ قد يبتلى بوجود نفرة بين والديه وزوجته؛ فقد تكون زوجته قليلة الخوف من الله، محبة للاستئثار بزوجها - كما مر -.
وقد يكون والداه أو أحدهما ذا طبيعة حادة؛ فلا يرضيهما أحد من الناس، وربما ألحا على الابن في طلاق زوجته مع أنها لم تقترف ما يوجب ذلك.
وربما أوغرا صدره، وأشعراه بأن زوجته تتصرف فيه كما تشاء، فصدق ذلك مع أنه لم يعطها أكثر من حقها، أو أنه قد قصر معها.
فما الحل - إذا - في مثل هذه الحال ؟ هل يقف الإنسان مكتوف الأيدي فلا يحرك ساكنا ؟ هل يعق والديه، ويسيء إليهما، ويسفه رأيهما، ويردهما بعنف وقسوة في سبيل إرضاء زوجته ؟ أو يساير والديه في كل ما يقولانه في حق زوجته، ويصدقهما في جميع ما يصدر منهما من إساءة للزوجة مع أنها قد تكون بريئة ووالداه على خطأ ؟
لا، ليس الأمر كذلك، وإنما عليه أن يبذل جهده، ويسعى سعيه في سبيل إصلاح ذات البين، ورأب الصدع، وجمع الكلمة.
إن قوة الشخصية في الإنسان تبدو في القدرة على الموازنة بين الحقوق والواجبات التي قد تتعارض أمام بعض الناس، فتلبس عليه الأمر، وتوقعه في التردد والحيرة.
ومن هنا تظهر حكمة الإنسان العاقل في القدرة على أداء حق كل من أصحاب الحقوق دون أن يلحق جورا، بأحد من الآخرين.
ومن عظمة الشريعة أنها جاءت بأحكام توازن بين عوامل متعددة، ودوافع مختلفة، والعاقل الحازم يستطيع - بعد توفيق الله - أن يعطي كل ذي حق حقه.
وكثير من المآسي الاجتماعية، والمشكلات الأسرية تقع بسبب الإخلال بهذا التوازن.
ومما يعين على تلافي وقوع هذه المشكلات أن يسعى كل طرف من الأطراف في أداء ما له وما عليه.
وفيما يلي إشارات، وإرشادات عابرة تعين على ذلك:
وهذه الإشارات، والإرشادات تخاطب الابن الزوج، وتخاطب زوجته، وتخاطب والديه وخصوصا أمه.
أولا: دور الابن الزوج: مما يعين الابن الزوج على التوفيق بين والديه وزوجته ما يلي:
أ - مراعاة الوالدين وفهم طبيعتهما: وذلك بألا يقطع البر بعد الزواج، وألا يبدي لزوجته المحبة أمام والديه - خصوصا إذا كان والداه أو أحدهما ذا طبيعة حادة -.
لأنه إذا أظهر ذلك أمامهما أوغر صدورهما، وولد لديهما الغيرة خصوصا الأم.
كما عليه أن يداري والديه، وأن يحرص على إرضائهما، وكسب قلبيهما.
ب - إنصاف الزوجة: وذلك بمعرفة حقها، وبألا يأخذ كل ما يسمع عنها من والديه بالقبول، بل عليه أن يحسن بها الظن، وأن يتثبت مما قال.
ج - اصطناع التوادد: فيوصي زوجته - على سبيل المثال - بأن تهدي لوالديه، أو يشتري بعض الهدايا ويعطيها زوجته؛ كي تقدمها للوالدين - خصوصا الأم - فذلك مما يرقق القلب، ويستل السخائم، ويجلب المودة، ويكذب سوء الظن.
و - التفاهم مع الزوجة: فيقول لها - مثلا - إن والدي جزء لا يتجزأ مني، وإنني مهما تبلد الحس عندي فلن أعقهما، ولن أقبل أي إهانة لهما، وإن حبي لك سيزيد وينمو بصبرك على والدي، ورعايتك لهما.
كذلك يذكرها بأنها ستكون أما في يوم من الأيام، وربما مر بها حالة مشابهة لحالتها مع والديه؛ فماذا يرضيها أن تعامل به ؟
كما يذكرها بأن المشاكسة لن تزيد الأمر إلا شدة وضراوة، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وهكذا
ثانيا: دور زوجة الابن: أما زوجة الابن فإنها تستطيع أن تقوم بدور كبير في هذا الصدد، ومما يمكنها أن تقوم به أن تؤثر زوجها على نفسها، وأن تكرم قرابته، وأن تزيد في إكرام والديه، وخصوصا أمه؛ فذلك كله إكرام للزوج، وإحسان إليه.
كما أن فيه إيناسا له، وتقوية لرابطة الزوجية، وإطفاءا لنيران الفتنة.
وإذا كان الزوج أعظم حقا على المرأة من والديها، وإذا كان مأمورا - شرعا - بحفظ قرابته، وأهل ود أبيه؛ تقوية للرابطة الاجتماعية في الأمة - فإن الزوجة مأمورة شرعا بأن تحفظ أهل ود زوجها من باب أولى؛ لتقوية الرابطة الزوجية.
ثم إن إكرام الزوجة لوالدي زوجها - وهما في سن والديها - خلق إسلامي أصيل، يدل على نبل النفس، وكرم المحتد.
ولو لم يأتها من ذلك إلا رضا زوجها، أو كسب محبة الأقارب، والسلامة من الشقاق والمنازعات، زيادة على ما سينالها من دعوات مباركات.
كما أن على الزوجة الفاضلة ألا تنسى - منذ البداية - أن هذه المرأة التي تشعر أنها منافسة لها في زوجها - هي أم ذلك الزوج، وأنه لا يستطيع مهما تبلد فيه الإحساس أن يتنكر لها؛ فإنها أمه التي حملته في بطنها تسعة أشهر، وأمدته بالغذاء من لبنها، وأشرقت عليه بعطفها وحنانها، ووقفت نفسها على الاهتمام به حتى صار رجلا سويا.
كما أن هذه المرأة أم لأولادك - أيتها الزوجة - فهي جدتهم، وارتباطهم بها وثيق؛ فلا يحسن بك أن تعامليها كضرة؛ لأنها قد تعاملك كضرة، ولكن عامليها كأم تعاملك كابنة، وقد يصدر من الأم بعض الجفاء، وما على الابنة إلا التحمل، والصبر؛ ابتغاء المثوبة والأجر.
فإذا شاع في المنزل والأسرة أدب الإسلام، وعرف كل فرد ماله وما عليه سارت الأسرة سيرة رضية، وعاشت - في أغلب الأحيان - عيشة هنية.
واعلمي - أيتها الزوجة - أن زوجك يحب أهله أكثر من أهلك، ولا تلوميه في ذلك؛ فأنت تحبين أهلك أكثر من أهله؛ فاحذري أن تطعنيه بازدراء أهله، أو أذيتهم، أو التقصير في حقوقهم؛ فإن ذلك يدعوه إلى النفرة منك، والميل عنك.
إن تفريط الزوجة في احترام أهل زوجها تفريط في احترام الزوج نفسه، وإذا لم يقابل ذلك - بادي الرأي - بشيء فلن يسلم حبه للزوجة من الخدش، والتكدير.
ثم إن الرجل الذي يحب أهله، ويبر والديه إنسان فاضل كريم صالح جدير بأن تحترمه زوجته، وتجله، وتؤمل فيه الخير؛ لأن الرجل الذي لا خير فيه لوالديه لا يكون فيه - غالبا - خير لزوجة، أو ولد، أو أحد من الناس.
وإذا كنت - أيتها الزوجة - راضية عن عقوق الزوج لوالديه، وعن معاملتك السيئة لهما - فهل ترضين أن تعامل أمك بمثل هذه المعاملة من قبل زوجات إخوانك ؟
بل هل ترضين أن تعاملي أنت بذلك من زوجات أولادك إذا وهن منك العظم، واشتعل الرأس شيبا ؟
وأخيرا فإن موقف الزوجة الصالحة في إعانة زوجها على البر كفيل في كثير من الأحيان - بعد توفيق الله في حل المشكلات، وتسوية الأزمات، وجمع الشمل، ورأب الصدع؛ لأن الوالدين عندما يشهدان الحب الصادق، والحنان الفياض من زوجة ابنهما - فإنهما سيحفظان ذلك الجميل.
هذا وقد أرانا العيان أن كثيرا من الوالدين يحبون زوجات بنيهم كحبهم لبناتهم، أو أشد حبا.
وما ذلك إلا بتوفيق الله، ثم بحكمة أولئك الزوجات، وحرصهن على حسن المعاملة لوالدي الأزواج.
ومما يعين الزوجة على التسلل إلى قلوب والدي الزوج - زيادة على ما مضى - أن تصبر على الجفاء، وأن تستحضر الأجر، وأن تنظر في العواقب. ومن ذلك أن تبادرهما بالهدية، وأن تحرص على حسن المحادثة والاستماع لحديث الوالدين، وأن تتلطف بالكلام، وإلقاء السلام، وحسن التعاهد.
ومن ذلك أن توصي زوجها بمراعاة والديه، وبألا يشعرها بأن قلبه قد مال عنهما كل الميل إليها.
ومن ذلك أن ترفع أكف الضراعة إلى الله؛ كي يعطف قلوب الوالدين إليها، وأن يعينها على حسن التعامل معهما.
فيا أيتها الزوجة الكريمة استحضري هذه المعاني، ولك ثناء جميل، وذكر حسن في العاجل، وأجر جزيل، وعطاء غير مجذوذ في الآجل
ثالثا: دور أم الزوج: فمن الأمهات - هداها الله - من توقع ابنها في الحرج دون أن تشعر؛ فهي تحبه، وتحرص على إسعاده، وربما سعت جاهدة في الخطبة له، وتزويجه.
ولكن سوء تصرفها قد يجلب لها ولابنها الضرر؛ لأن الابن إذا تزوج شعرت أمه بأنه قد خطف منها، وأن قلبه قد مال عنها؛ فتحرص أن يعود لها - ومن الحب ما قتل - فما تزال به توغر صدره على زوجته، وتحرك فيه نوازع العزوف عنها، وربما زينت له طلاقها، ووعدته بأن تبحث له عن خير منها، مع أن الزوجة قد تكون على درجة من الخلق، والجمال، ونحو ذلك.
ومن الأمهات من إذا رأت ابنها مسرورا مع زوجته، أو رأت منه إكراما لها - ثارت نيران الغيرة في قلبها، وربما سعت إلى ما لا تحمد عقباه.
ومن الأمهات من هي قاسية في التعامل مع زوجة ابنها؛ فتراها تضخم المعايب، وتخفي المحاسن، وقد تفتري على الزوجة، وقد تذهب كل مذهب في تفسير التصرفات البريئة، وتأويل الكلمات العابرة.
فيا أيتها الأم الكريمة، يا من تحبين ابنك، وترومين له السعادة - لا تكوني معول هدم وتخريب، ولا تجعلي غيرتك نارا موقدة تحرق جو الأسرة، ولا تستسلمي للأوهام التي ينسجها خيالك؛ فتعكري الصفو، وتثيري البلابل؛ فلا تجعلي علاقتك بزوجة ابنك علاقة الند بالند، والضرة بالضرة، بل كوني لها أما تكن لك ابنة؛ فيحسن بك أن تحبيها، وأن تتغاضي عن بعض ما يصدر منها، وإذا رأيت خللا بادرت إلى نصحها بلين ورفق، حينئذ تسعدين، وتسعدين.
بل يحسن بك أن تتوددي إليها بالهدية ونحوها، وأن تسعيها بقلبك الكبير وحنانك الفياض، ودعائك الخالص، وثنائك الصادق، والله يتولاك برعايته، ويمدك بلطفه.
نماذج من قصص البر مر بنا بر الوالدين، والآداب التي يجدر بنا مراعاتها معهما، والأسباب التي تعين على البر؛ فما أحرانا بمراعاة هذه الآداب، وما أجدرنا أن نأخذ بتلك الأسباب، عسى أن نكون من الأبرار الأخيار، الذين إذا دعوا ربهم أجابهم، وإذا استغفروه غفر لهم؛ فيا لشرف هؤلاء، ويا لسؤددهم، ويا لعظم حظهم.
ثم ليكن لنا في الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا - قدوة حسنة في هذا الشأن؛ فلقد ضربوا أروع الأمثلة في بر الوالدين؛ فرفع الله منزلتهم في الدارين، وأعلى ذكرهم في الخالدين.
وإليك - فيما يلي - بعض النماذج العطرة، والقصص الرائعة، التي يتضوع عبيرها، ويفوح شذاها مع مر الأزمان عليها، لأناس بررة أخيار، وفقوا لبر والديهم؛ لعلها تحرك في نفوسنا جوانب الخير، وتدفعها إلى الإحسان والبر.
نماذج من بر الأنبياء:
1 - هذا نبي الله نوح - عليه السلام - يذكر لنا الله - عز وجل - نموذجا من بره بوالديه حيث كان يدعو ويستغفر لهما كما في قوله - تعالى - عنه: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ نوح: 28 ].
2 - وهذا إمام الموحدين إبراهيم الخليل - عليه السلام - يخاطب أباه بلطف شفاف، وإشفاق بالغ، وحرص أكيد؛ رغبة في هدايته ونجاته، وخوفا من غوايته وهلاكه فيقول - كما أخبر الله عنه -: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [ مريم:41 - 45 ].
لقد خاطب والده بتلك الكلمات المؤثرة، والعبارات المشفقة، التي تصل إلى الأعماق.
ولولا أنها وجدت قلبا قاسيا عاسيا أغلف أسود - لأثرت به، وكانت سببا في هدايته، ونجاته.
3 - وهذا إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - يضرب أروع أمثلة البر في تاريخ البشرية؛ وذلك عندما قال له أبوه: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [ الصافات: 102 ].
فماذا كان رد ذلك الولد الصالح ؟ هل تباطأ أو تكاسل، أو تردد وتثاقل ؟ لا، بل قال - كما - أخبر الله تعالى عنه -: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ الصافات: 102 ].
وقد ورد أن إبراهيم - عليه السلام - لما تيقن مما رأى في منامه قال لابنه: يا بني خذ الحبل والمدية، وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا به في شعب ( ثبير ) أخبره بما أمر به، فلما أراد ذبحه قال له: يا أبت اشدد رباطي؛ حتى لا أضطرب، واكفف عني ثيابك؛ حتى لا يصيبها الدم فتراه أمي، واشحذ شفرتك، وأسرع في السكين على حلقي؛ ليكون أهون علي، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني.
قال إبراهيم: نعم العون أنت يا بني، ثم أقبل عليه وهما يبكيان، ثم وضع السكين على حلقه، فلم تحز، فشحذها مرتين أو ثلاثا بالحجر فلم تقطع، فقال الابن عند ذلك: يا أبت كبني على وجهي؛ فإنك إن نظرت إلى وجهي رحمتني، وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله - تعالى - وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم - عليه السلام - ووضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي: يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [ الصافات: 104، 105 ]
4 - وهذا عيسى بن مريم - عليه وعلى أمه السلام - يأتيه الثناء العطر، والتبجيل العظيم من ربه وهو ما يزال في المهد - بأنه بار بأمه، ويقرن هذا بعبوديته لربه - عز وجل - قال - سبحانه - عنه: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [ مريم: 32 ].
نماذج من بر السلف: وإذا أنعمنا النظر في سيرة السلف الصالح - وجدنا صفحات مشرقة تدل على شدة اهتمامهم ببر الوالدين فمن ذلك ما يلي:
1 - عن أبي مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب: " أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه ب ( العقيق ) فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته:
عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أماه.
تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرا.
فتقول: يا بني ! وأنت فجزاك الله خيرا ورضي عنك كما بررتني كبيرا "
2 - وهذا ابن عمر - رضي الله عنهما - لقيه رجل من الأعراب بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه.
قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير.
فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه
3 - وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي: دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا ؟ قالوا: حارثة ابن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر، وكان أبر الناس بأمه
4 - وعن أبي عبد الرحمن الحنفي قال: رأى كهمس بن الحسن عقربا في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته، فدخلت في جحر، فأدخل يده في الجحر ليأخذها، فجعلت تضر به، فقيل له ما أردت إلى هذا ؟ قال: خفت أن تخرج من الجحر، فتجيء إلى أمي، فتلدغها
5 - وهذا أبو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو المسمى بزين العابدين، وكان من سادات التابعين - كان كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها "
6 - قال هشام بن حسان: " حدثتني حفصة بنت سيرين، قالت: كانت والدة محمد بن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوبا اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيد صبغ لها ثيابا، وما رأيته رافعا صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي "
وعن بعض آل سيرين قال: " ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع.
وعن ابن عون أن محمدا كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل ظن أن به مرضا من خفض كلامه عندها "
وعن ابن عون قال: " دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد ؟ أيشتكي شيئا ؟ قالوا: لا؛ ولكن هكذا يكون عند أمه "
7 - " روى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر أنه كان يضع خده على الأرض، ثم يقول لأمه: قومي ضعي قدمك على خدي "
8 - وعن ابن عون المزني أن أمه نادته، فأجابها، فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين "
9 - وقيل لعمر بن ذر: كيف كان بر ابنك بك ؟ قال: ما مشيت نهارا قط إلا مشى خلفي، ولا ليلا إلا مشى أمامي، ولا رقى سطحا وأنا تحته "
10 - وحضر صالح العباسي مجلس المنصور، وكان يحدثه، ويكثر من قوله: ( أبي رحمه الله ) فقال له الربيع: لا تكثر الترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين. فقال له: لا ألومك؛ فإنك لم تذق حلاوة الآباء.
فتبسم المنصور، وقال: هذا جزاء من تعرض لبني هاشم
11 - ومن البارين بوالديهم بندار المحدث، قال عنه الذهبي: " جمع حديث البصرة، ولم يرحل، برا بأمه "
قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: " سمعت بندارا يقول: أردت الخروج - يعني الرحلة لطلب العلم - فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه "
12 - وقال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت أطلب أعق الناس وأبر الناس، فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل، في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء - حبل - من قد ملوي يضربه به، وقد شق ظهره بذلك الحبل. فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف ؟ أما يكفيه ما هو فيه من مد هذا الحبل حتى تضربه ؟
قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيرا.
قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعق الناس.
ثم جلت حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيل فيه شيخ كأنه فرخ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة فيزقه كما يزق الفرخ، فقلت: ما هذا؛ قال: أبي وقد خرف، وأنا أكفله، قلت: هذا أبر العرب
13 - وكان طلق بن حبيب من العباد والعلماء، وكان يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالا لها
14 - وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: " مات أبي فما سألت الله حولا كاملا إلا العفو عنه " بر الوالدين للحافظ الطرطوشي، 78
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول لللفائدة,,,
|