2 – زمـكـانـبـعـد :
الـزمـن : زمن الدكتور ( ناظم ) كرئيس لمركز الأبحاث
الحدث : وصول ( نور ) و ( أكرم ) من المستقبل
" سيدي .. لقد وصل ( نور) و ( أكرم ) من المستقبل، وهما يطلبان الإذن بالدخول "
تصاعد هذا الهتاف من ساعة اتصال الدكتور ( ناظم ) فهتف الرجل في لهفة :
أكيد .. فلتسمح لهما بالدخول .. مع إخضاعهما للإجراءات الأمنية طبعا .
قال المقطع الأخير من عبارته بشئ من الخبث إلا أن محدثه لم ينتبه للكنته تلك فأجاب بلهجة رسمية سريعة :
نعم سيدي ..
ثم انقطع الإتصال فاستدار االدكتور ( ناظم ) إلى القائد الأعلى و هتف :
لحسن الحظ أن تلك الكائنات الشنيعة انصرفت عنا ، وإلا كنا نرقد الآن في بطونها نساهم في تحسين قدرتها الهضمية .
ثم أضاف :
و قد تأكدت بنفسي طبعا من إسدال كل الأبواب الفولاذية على كل مداخل و مخارج الجهاز خوفا من عودة تلك الكائنات الشنيعة إلينا مرة أخرى
هتف القائد الأعلى في رزانة :
كانت حكمة منك أن فعلت ذلك
ثم نظر إلى ساعته للحظة ، عدل من هندامه و هتف في حزم :
لقد وصلا إلى الباب النحاسي، فلتستعد
لم يكد يتم عبارته حتى انفتح الباب المواجه له مباشرة و دلف منه ( نور) و ( أكرم ) القادمان من المس ..
الــمــســتــقــبــل ..
هاها ..
* * *
تطلع الدكتور ( ناظم ) في غيض دفين إلى ( نور) و ( أكرم ) اللذان يبدوان منتعشان جدا ولم ينبس ببنت شفة ، صمته ذاك لم يفت عيني بطلينا، فهتف ( أكرم ) في سخرية كعادته :
للأسف يا دكتور ( ناظم )، اضطررنا إلى استخدام جهاز " مختصر المسافات " أحضرناه معنا من المستقبل وهو الذي ساعدنا على إختصار الطريق إلى هنا، دون أن تتعرق أجسادنا وتتشوه هيئتنا كما حدث معك
كتم الدكتور ( ناظم ) غيظه أكثر و احتفظ بصمته ، أما القائد الأعلى فقد أشار إلى ( نور ) و ( أكرم ) بيديه بالجلوس وهتف :
مرحبا بكما في عالمنا المتواضع ، لاشك أن تكنولوجيتنا تبدوا لكما قديمة جدا، أليس كذلك ؟
أجابه ( أكرم ) بسرعة :
صحيح يا سيدي
لكزه ( نور) بيده وقال في حرج :
ليس كثيرا يا سيدي، فالفرق بين زمنينا لايتجاوز بضع سنوات من التطور، ثم ان هناك اتفاقيات شراكة سرية بين زمنينا تجعلكم مواكبين للتطور التكنولوجي عبر الأزمان
أومأ القائد الأعلى رأسه إيجابا و قال بهدوء :
نعم، أدرك ذلك يا ( نور ) .
ثم شبك يديده وقال :
و الآن لننقاش مشكلتنا التي استدعيناكم من أجلها، فالأمر خطير جدا .
هتف ( أكرم ) فجأة و هو يتسائل :
قبل ذلك هناك أمر مازلت لم أفهمه بعد . أو بالأحرى امرين .
عقد القائد الأعلى حاجبيه ثم تسائل في اهتمام :
أي أمرين يا ( أكرم ) ؟
أجابه ( أكرم ) بسرعة وكأنه يعيد لفظ شريط مسجل في ذهنه لم يستجب لمحاولات عقله المضنية لهضمه فاجتره مرة أخرى :
نحنسنسافر إلى الماضي لنقوم بمهمة ما هناك ، و المفروض أن المهمة قد تمإنجازها ، وظهرت نتائجها لأنها في الماضي ، إذن لماذا نتعب و نسافر إلىهناك لإنجازها وهي منجزة أصلا ؟!!! * ( راجع الحوار الأخير بين ( نور ) و ( أكرم ) في المقاطع السابقة )
زم ( نور) شفتيه في غيض دون أن يجيب و ( أكرم ) يضيف بعد أن التقط أنفاسه :
الأمر الثاني : كيف يمكن أن يتواجد إثنان من ( نور) و إثنان من(أكرم) في هذا الزمن ؟لما لم تنهر كياناتنا فور أن وصلنا إلى هنا ؟
أجابه القائد الأعلى بهدوء وحكمة و عمق :
بالنسبة للأمر الأول فهو فلسفي بالدرجة الأولى، وهذا يعني أن إجابته يجب ان تكون فلسفية كذلك ، لذلك فأنا أقول لك : اترك الزمن يمضي وستجد الإجابة حتما يا بني، أترك الزمن يمضي و ستجد الحل، أعدك بذلك !
اغرورقت عيون الحاضرين في تأثر و القائد الأعلى يضيف و قد عاد إلى طبيعته القيادية الرزينة :
أما بالنسبة للأمر الثاني فقد شرحناه لـ( نور) قبل أن يسافر من زمنه، ولست أدري هل قام بشرحه لك أم لا
قال مقطع عبارته الأخير و هو يستدير إلى ( نور) في تساؤل، فأجاب هذا الأخير في حرج :
في الحقيقة يا سيدي، لم أتمكن من شرح الموقف له كاملا، لأن حوارنا حول الأمر قد تعرض للبتر بسبب مجهول، خارج عن إرادتنا ** ( نفس المصدر السابق )
أومأ القائد الأعلى برأسه للمرة السابعة و الثمانين و قال وقد كان يتوقع شيئا كهذا بالطبع :
نعم .. نعم، إنها تحدث في بعض الأحيان
ثم استدار برأسه و قال في حزم :
فلتشرح له الموقف من فضلك يا دكتور ( ناظم ) .. و بكلمات سريعة لو سمحت، فمازال امامنا الكثير لنخبرهما به
تنحنح الدكتور ( ناظم )، استدار نحو ( أكرم ) بجسده كله ثم أخذ نفسا عميقا و بدأ يحكي :
كان يا مك .. أحم .. عفوا .. منذ سنوات عديدة تربو على العشر سنوات، اكتشف أحد علماء الزمكانيات لدينا ان هناك مجالا خاصا يحيط بعالمنا، أو بالأحرى عدد لا محدود من المجالات، إذ أثبت عبر عدة معادلات زمكانية أن تماس مجال زمكاني لبعد ما و آخر يحدث منطقة اصطلح على تسميتها بالمنطقة الزمكانبعدية . و مادام البعدين يشغلان نفس الحيز فمنطقة التماس تكون عبارة عن غلاف أو غشاء زمكانبعدي يحيط بكوكبي بعدينا في نفس الوقت، ذلك الغلاف له تردد يجمع بين ترددي الزمكانين للبعدين المتماسين . هذا التردد الفريد من نوعه نتجت عنه طبقة زمكانبعدية ثنائية الإندماج من حيث التردد ما جعل ترددها الناتج حادا و متلاطم الأمواج بشكل فائق . و مادام عدد الأبعاد التي تحيط بنا غير محدود فإن عالمنا يحيط به عدد لامحدود من الأغلفة الزمكانبعدية حسب حجم كل كوكب ينتمي لكل بعد
صمت الدكتور ( ناظم ) ليلتقط أنفاسه فسأله ( أكرم ) خلالها بسرعة :
و ماعلاقة هذا بسؤالي ؟
أجابه الدكتور ( ناظم ) الذي لم يستطع منع ابتسامة مشفقة من التسرب إلى شفتيه :
علاقة وطيدة يا ( أكرم )، ففي إحدى الأغلفة الزمكانبعدية – المنفصلة فعليا عن أي زمن - وقصد حماية كياناتكم من الإنهيار، قمنا بوضع ( نور) و ( أكرم ) و السيد ( أمجد ) مع اثنين من أفضل علمائنا في الزمكانيات بالإضافة إلى تسع مقاتلين من طراز خاص مع بعض الأجهزة الزمكانية لحمايتهم من أية تغييرات محتملة يمكن ان تحدث لأجسادهم اثناء مكوثهم هناك
هرش ( أكرم ) رأسه في بلاهة ثم بحث عن هراوته ولما لم يجدها قال في همجية :
ولكنك قلت ( امجد ) ؟! ماذا تعني ؟ لم أعد أفهم شيئا ؟
أجابه ( ناظم ) :
لقد وضعنا السيد أمجد في ذلك الغلاف مع ( نور) و ( أكرم ) من باب الإحتياط فقط، فربما قام المؤلف بإدخاله في خضم الأحداث فيما بعد، لقد حدث هذا كثيرا على كل حال
ساد الصمت للحظات بعد عبارة ( ناظم ) الأخيرة لم يلبث ( أكرم ) ان قطعه قائلا :
كل هذا مهم !! ولكني أتسائل : لماذا استدعيتمونا إذن ، كان من الممكن أن يقوم ( نور ) و ( اكرم ) وحتى السيد ( امجد ) بهذه المهمة بدلا عنا نحن !! إنهم بارعون كما تعلمون
أجابه القائد الأعلى هذه المرة في إشفاق صارم :
يا أكرم، اسمعني يا بني، بغض النظر عن أن الأمر علمي لايمكنك استيعابه فأنا أقول لك أنكما من المستقبل . أي أنكم أكثر خبرة و تطورا منهم . هل فهمت ؟
" سيدي، هناك شخص تسلل إلى زمننا عبر نهر الزمن، وظهر عند مبنى المخابرات، و هو الآن في أرضية المبنى الذي يعلوكم .. أي في سقف الحجرة حيث تتواجدون .. و على ما يبدو فهو ينوي اقتحام المكان !! "
نزل هذا القول كالصاعقة على الحاضرين ، فأسرع ( نور ) و ( اكرم ) يستلان مسدسيهما بسرعة في حين أسرع القائد الأعلى يختبئ وراء مكتبه الشفاف، اما الدكتور ( ناظم ) فقد تسائل وقد تملكه حب الإستطلاع :
و من هذا الشخص ؟
قبل أن يتم تساؤله تكونت فجوة مهتزة في سقف المكان كما لو كانت قطعة من بحيرة اهتزت بعد ان ألقيت حجرا فيها و خرج منها رجل أشيب الشعر عريض المنكبين يرتدي بذلة غريبة و في ظهره مظلة أغرب ناهيك عن خوذته الأكثر غرابة . استقر هذا القادم الجديد على أرضية الغرفة في خفة و قال بسخرية هائلة وهو ينزع خوذته :
لا يجوز ياسادة أن تعقدوا اجتماعا مهما كهذا دون أن أحضره معكم
التفت إليه الحاضرون فخفقت قلوبهم في قوة ..
فقد كانت المفاجاة رهيبة ..
رهيبة إلى أقصى حد ..
* * *