كاتب الموضوع :
ألحان الشوق
المنتدى :
الارشيف
لحظات ... أحيتها الذاكرة .. و تركت تحت ظلال الصمت
تقلب صفحات ألبوم الصور... ليست أي صور ... ليست مجرد صور ...
انما هي تلك الصورالتي انطبعت في عقلها و قلبها ... و لم ولن تنساها ...
صور أحباب نسوا ... صور أحباب ماتوا... أحباب خانوا ... أحباب هجروا ... أحباب ابتعدوا ...
من بين تلك الصور العتيقة ...
تتعالا أصوات ضحكات بريئة ... ضحكات خجولة ... و ضحكات محبة ...
وسط هذا الألبوم ... تعيش ذكريات ماتت ... و سعادة وئدت ... و تأبا إلا أن تحيا معها لحظات و كأنها الحاضر...
تتأمل الوجوه كلها ... و هي تحمل لهم من الشوق ما يذيب الصخور...
هم أهلها و إن هجروا ... هم أعزاؤها و إن خانوا ... هم ماضيها و إن ابتعدوا ...
رفعت يدها بضعف ... تلمس صورته ... تحبه هي ... تحبه... و ليس لها خيار آخر ... كان و لازال يتربع عرش قلبها...
و تشتاق إليه ... رغم قسوة قلبه و هجرانه ... تشتاق له ... أكثر مما تشتاق لإبنتها الوحيدة ... و رغم أنه السبب الرئيسي في مسار حياتها التعيس ... إلا أنها تحبه و تشتاق إليه و تلتمس له كـــــل أعذار الدنيا ...
على الأقل هو لم يتركها تواجه الحياة ضعيفة ... وحيدة ... بلا عمل بلا مأوى ..لولا رحمته لها ... لا تدري ما كان سيحل بها...
لكنها تشتاق له ... و ترغب في رؤيته ولو للحظات ... تريد أن تلمس بيدها وجهه الحبيب.. تريد أن تطبع ملامحه العزيزة في قلبها ... ولو لآخر مرة...
رجعت بذاكرتها ... للماضي ... ماض بعيد ... لكنه قريب جدا ... و كأنه حصل للتو ...
رجعت بذاكرتها و حنينها يزيد إلى أحضانه الدافئة... إلى حنانه و حبه ... لم تشتكي يوما من أنها يتيمة الأم ... لم تشعر يوما بحنينها للأم ... فقد كان يعوضها عن الدنيا بأسرها ... كان حبيبها ... قبل ان يكون والدها ..
فعلا صدق من قال أن كل إبنة بأبيها معجبة... لكنها لم تكن معجبة به فحسب ... كان هو غرامها ... و كل ما تتمناه في دنياها ... هو إرضاؤه...
لم تتخيل يوما حياتها بدونه ... أو بعيدة عنه ...
إلى أن تقدم له صديقه و شريكه يطلبها زوجة لإبنه ... صحيح أنه لم يهن عليه أن تكون ابنته الزوجة رقم إثنان في حياة زوجها ... لأنها مدللته .. التي قضت حياتها تحتل المرتبة الأولى في قلبه... و كل العائلة من قريب و بعيد تعرف ذلك ... و لطالما غار إخوتها ـ الرجال ـ منها ....
احتار هل يوافق ... أو يرد صديقه العزيز ... لكن صديقه طلب منه أن يترك الإختيار لها ... و إن لم توافق ... فذلك لن يغير من صداقتهما ولا شراكتهما شيء...
و فعلا جاء إليها والدها ... خجلا ... يشاورها ... أحست من كلماته أنه لا يريدها أن ترفض ... و لا يريدها أن توافق ...
أحست بحيرته ... تمنت لو تخفف عنه و لكن كيف ؟؟ هي لم تستطع التوصل إلى ما يريده فعلا ... وما الذي سيسعده؟؟
و بينما هي في قمة حيرتها ... جائتها زائرة ... آخر من كانت تتوقع منها الزيارة... هي تعرفها جيدا بحكم صداقة والدها و والد زوج المرأة ... زوج المرأة الذي هو ذاته من تقدم لخطبتها ...
تمنت لو تنشق الأرض و تختفي داخلها .... تمنت لو ماتت قبل تلك اللحظة ...
لكنها تفاجئت أن المرأة جائت تطلبها الموافقة على الزواج.......
روضة : أرجوك يا زينب ،، لا ترفضي ،،
زينب : لكن ،، كيف ؟؟ ،، ألست حزينة ،، ألا تشعرين بالخذلان ،، و الإهانة ،، و كل هذه الأمور التي تشعرها المرأة عندما يتزوج زوجها أخرى،،،
روضة : إذا قبلت أنت بالذات لن أشعر بكل هذا...أنا أحب زوجي... أحبه بكل جوارحي ... و لا أتمنى من هذه الدنيا سوى أن أراه سعيدا... لذلك اقترحت على عمي أن يخطبك له ...
قاطعتها زينب : روضة ؟؟ أنت ؟؟ أنت تزوجين زوجك ؟؟ لا أفهم ... لماذا ؟ لا أستطيع أن أفهم ؟؟ لست قبيحة ... و لست حتى بنصف جمالك ....لست شريرة ولست أنا حتى بنصف طيبتك .... عن أي سعادة تتكلمين ؟؟ ما أعرفه أن الرجل يتزوج ثانية بحثا عن الأفضل....؟؟
روضة : زينب ... لا تقللي من قدرك ... ثم إن الجمال لا شيء مقابل الذرية ... مقابل أطفال يملأون حياته و يسعدونه....
زينب باستغراب : أطفااال ؟؟ لكن ســالم ... روضة أنا لا أفهم...
روضة و قد تغرغرت عيناها بدموع الحسرة ...: لا أستطيع إعطائه أكثر ن سالم... لا أستطيع ... و أعلم أنه يرغب فالمزيد لكنه يكابر حتى لا يجرحني... لقد كانت لنا أحلام مثل الجميع ...
ككل الأزواج ... كنا نحلم بأطفال يملأون قلوبنا فرحا و سعادة ،،، حلمنا بسالم و سلمى ...
خالد و خلود ...
و بدر و بدور....
ثم دخلت في نوبة بكاء مرير و هي تقول .... لكني لا أستطيع إعطائه أكثر من سالم ... و قد أصبحت امرأة بلا رحم ... بلا رحم يا زينب... حتى المعجزات لن تنفعني....
رق قلب زينب لحال روضة التي و ضعت رأسها بين يديها ... و هي تبكي بقوة ...
تبكي وراء نعش أحلامها ... أحلامها البسيطة... أن تكون أما...كباقي النساء ...
كانت الدموع تتسابق من عيني زينب ... أوجعها قلبها لحال المسكينة...
تخيلت للحظة أن تكون مكانها ... فزاد نحيبها و نهضت من على كرسيها بسرعة ... اقتربت من روضة و حضنتها بقوة ... تحاول أن تهدئها ... و لكن الكلمات تهرب منها ... و لا تستطيع فعل شيء غير ان تضمها و تبكي لبكائها ... فأحيانا تكون الدموع شفاءا للجروح المؤلمة و الذكريات الأليمة....
سقط ألبوم الصور من يد زينب ... فانتبهت لنفسها ... مسحت دمعتها ... التقطت الألبوم من الأرض و عادت تفتحه ... تنظر إليه و كأنها تنظر لعالم من الفراغ
و تتسائل ... أينك يا طيبة القلب ؟؟ هل مازلت تذكرينني ؟؟ أم أنك نسيتني و دفنتي ذكراي؟؟ هل تلتمسين لي العذر ؟؟ أم أنك نادمة على ثقتك بي و صداقتك لي ؟؟ هل صدقتهم ؟؟ أم أن قلبك يخبرك العكس؟؟ ...
***** ***** ***** *****
تحت سماء تـولـوز الرماديـة ... و جـوها البارد ... و قد تعب الرجلان من البحث ... لا فائدة ... صعب إيجاد السكن المناسب ... فضلا أن يرتاحا قليلا ... و يرتشفا بعض القهوى الساخنة ... في إحدى مقاهى المدينة ...
سـعود : ليتها فقط تنسى فكرة ان تأتي إلى هنا...
سـالم : لا حبيبي لا تحاول ... ستأتي يعني ستأتي ... أم أنك تريد أن أبقى وحيدا هنا... عندما تعود أنت للبلاد ...
سعود و هو يضيق عينيه بتشكك : لا أظنك ستبقى وحيدا ...
وضع سالم فنجانه بسرعة على الطاولة و قد فهم قصد سعود : لا سعود ... لست مثلك ... لن أبحث عن التسلية هنا ... لست مجنونا ... أنا أريد زوجة واحدة .,. و منها أريد كل أطفالي ...
تضايق سعود من كلام سـالـم ... لكنه لم يعلق اكتفى بأن هز رأسه ... و حول نظره لما وراء زجاج نافذة المقهى ... ينظر لوجوه الناس المارة ...
ندم سالم على ما قاله ... لأنه يعلم كم هي صعبة هذه الذكرى على إبن عمه ... لأنه يعلم أن إبن عمه لايزال على ذكراها ... و ربما مازال حبه لها حيا في قلبه... و إلا لكان تزوج مرة أخرى ... وكون أسرته السعيدة ... بدل هروبه الدائم ... و قد قارب عمره الخامسة و الثلاثين....
حاول سعود مسح الذكرى من مخيلته ... لكن ملامحها تأبى إلا أن تهاجمه ... و تفرض نفسها عليه ... يتذكرها ... بكل تفاصيلها الدقيقة ... أنوثتها الصارخة ... عذوبة كلامها ... دلالها ... و حبها المجنون ... كان بين يديها إنسانا مخدرا ... تائها ... لا يرى غيرها.. لا يسمع إلا صوتها ... ذاب في عالمها ... أغرقها حبا أكبر من حبها و أصدق ... أعطاها الأمان و كل حنان الدنيا ... كانت حلمه الوردي الجميل ... إلى أن أيقظته على كابوس الواقع ... و سقطت الأقنعة ...
فسعيـت نحـوك ظامـئـا
حـتـى وجــدت جهنـمـا
بالوهـم آثــرت الرحـيـل
إلـــى رحـابــك مـغـرمـا
ولقد عبرتك في الهوى
واجتـزت منـكِ المبهـمـا
حـتـى تـغـيـر عـالـمـي
ونسيت جرحي المؤلما
ولشدّما أوهمت روحي
بــالأمــانــي شـــدمــــا
كم مؤلـم أنـي خدعـت
ومـخــجــل أن أعـلــمــا
كم مؤلـم أنـي خدعـت
ومـخــجــل أن أعـلــمــا
سالــم : سـعووووود ... أين وصلت ... هيا لنعد للبيت ... أشعر بنعاس فضيع ....
انتبه سـعود على صوت صراخ سالم ... ابتسم له ببلادة ... وقال:حسنا حسنا ... لكن بلا صراخ فضحتنا يا أخي ....
و تحركا خارج المقهى ... و كل منهما يفكر في ما يشغله ... سالـم يريد ان يجد سكنا مناسبا لكي تلحق شهد بهما ... لأنه ببساطة اشتاق لها و يريدها أمامه في أقرب وقت ...
و سعود ... عاد لينغمس في ذكرياته... لكن هذه المرة هاجمته صورة أخرى .. ملامحها بريئة .. كبرائتها ... حاول أن يطرد الصورة من باله ... لكن عبثا يحاول ... لا يريد أن يعترف أنه اشتاق لها ... لا يريد حتى السؤال عنها ... لا يريد السماح لمشاعره تجاهها أن تغلبه ... و هو يقنع نفسه ... أنها بخير ... بعيدا عنه...
***** ***** *****
تتكلم بفرح ... بسرعة ... و كل أجزاء جسمها الصغير تعبر معها ... تحكي ... عن أدق التفاصيل ... و الفرح يملأ عيونها ... بكل برائة الدنيا تحكي لهم عن المعلمة ... و شكلها ... و هي تقلد كل حركاتها ... سعداء لأنها سعيدة ... و هي سعيدة لأنهم يشاركونها فرحها .. و يضحكون لكلامها البريء ...
سكتت لبرهة ... ثم أضافت : عمتي شهد ... متى أنهي المدرسة و أسافر مثل عمو سالم .؟؟
ابتسمت شهد و قالت لها بحنان: إذا كنتي مطيعة ... و مجتهدة فستسافرين و تصبحين مثل عمو سالم و ابوك أيضا...
عقدت سارة حاجبيها ركضت تجاه جدها و قالت بغضب : لا .. انا اريد ان اكون مثل سالم ... ليس مثل ابي ....
ضمها تركي اليه و قال لها بحنان: لكن لماذا .. فوالدك شهادته أحسن من شهادة سالم ..؟؟؟
سارة بحزن :لكني أحب عمو سالم ... و هو يحبني ...
حزن تركي لحال حفيدته ... لا يريد أن يرى نظرة الحزن في عيونها ... كبير هو عليها الحزن ...
لماذا يا سعود لما يا بني تهرب من ابنتك ... لماذا تجعلها تكرهك...
دخلت في تلك الأثناء عليا و هي تبتسم: لقد اتصلت روضة ... تقول أنهما عائدان غدا من مكة...
ابتسم الجد برضى : الحمد لله ... لقد اشتقت لهما ... البيت بدون ناصر ممل و كئيب...
ثم التفت ناحية حفيدته :و أنت يا شهد متى قررتي تركنا أنت الأخرى ...؟؟
شهد:لا أدري جدي فحفيديك المصونين لم يجدا لي سكنا قريبا منهما بعد ..
الجد: آمل أن لا يجداه أبدا.... تهربون الواحد تلو الآخر ... و لا يهمكم أبدا من تتركون ورائكم ... انتظروا على الأقل أن أموت ثم اذهبوا اينما تشاؤون ...
تكلم الجميع في صوت واحد: إسم الله عليك ...
اقتربت منه عليا و جلست الى جانبه قبلت رأسه و هي تقول عاتبة: و أنا لا أكفيك يا ابي ؟؟ انا سأبقى إلى جابك للأبد ... كيف لي أن أترك ابي حبيبي...
التفت الجد لها بحنان:انت نظر عيناي... انت قرة عيني ... لكن مصيرك تتزوجين و تعيشين حياتك...
ابتسمت له عليا و هي تخفي نظرات الألم عن ابيها:لا لالا لن اتركك ... هذا شرطي الأول و الأخير ...
تدخل تركي لأنه يعرف أن سيرة الزواج تحزن أخته :و أنا و سارة ليس لنا مكان في عيونك يا أبي...
نظر الجد حوله و هو ينظر إلى وجه كل واحد منهم تركي ..شهد ... عليا ... سارة ... : يعلم الله أني أرى الدنيا بعيونكم جميعكم ... الحاضر و الغائب ... و أتمنى أن أعيش يوما في حياتي و كل اولادي و أحفادي حولي... بعدها لا يهم كم أعيش ...
و انزلقت دمعة من عينه مؤكدة كلامه ... و شوقه ... و حبه لهم....
***** ***** *****
وضعت سماعة الهاتف على أذنها و هي تترقب ... تنتظر ... إلى أن وصلها ذاك الصوت العذب ... الذي يروي عطشها ... رغم بعده عنها ...أغمضت عيناها بقوة تمنعهما من الإستسلام مجددا لشلالات الدموع...
سلمى : أهلا أمي... كيف حالك؟؟
زينب : بخير حبيبتي ... لقد تأخرت في الإتصال ... خفت عليك ...
سلمى : آسفة أمي ... لقد انشغلت بتنظيف غرفتي ... و ترتيب الملابس ..
زينب : لابأس حبيبتي ... أخبريني كيف كانت الرحلة...
سلمى : جيده ماما ... و غير متعبة
زينب : و كيف حال صديقتك ... نسيت إسمها...
سلمى : ياسمين ... انها بخير ... تسلم عليك ..
استمرت المكالمه على هذا النحو ... كل منهما تحاول كبح دموعها ... و شوقها...
كل منهما تطرح الأسئلة البعيدة عن ما تشعران فعلا به ..
كل منهما تمد يدها لتلمس الصورة امامها ...
لكنها لا تجد إلا الفراغ ....
ياااه لبرهة تخيل لكل منهما أن الأخرى أمامها ... و تستطيع ضمها .. و تقبيل وجنتيها ...لكنهما تعانقان الفراغ ... و تضيع القبل وسطه...
عادت إلى الفندق الصغير ...حيث حجزت غرفة لليلة واحدة ... و بسرعة البرق خلعت حذائها ... و قفزت للسرير ... بملابسها طبعا ... لا بأس ليله بدون قميص نوم ... المهم أن تنام و تنال بعض الراحة و الدفئ ... و بينما هي تحاول ان تغفو ... أعادت في رأسها أحداث اليوم كله ... منذ لحظة وداعها لأمها ... مرورا بركوب الطائرة ... إلى موقفها مع الساكن بالغلط ... و جيرانها الجدد ... ابتسمت و هي تذكر طيبة سالم ... مستعد للمساعدة في أي وقت ... يكلمها بطيبة .. و من الواضح أنه ليس كباقي الشباب العربي هنا ...
لا يظهر عليه أن له نية سيئة أبدا... تذكرت أنها لمحت خاتما في أصبعه ... متزوج ... اتسعت ابتسامتها أكثر ...( يال حظ زوجته به ... لابد أن تكون طيبة و خلوقة من يرزقها الله زوجا مثله ..)
تمنت في تلك اللحظة ...أن يكون لها أخ ... تعتمد عليه ... يحميها ... و يحن عليها ... لكن سرعانما عادت لأرض الواقع ... و هي تقول كيف يكون لي أخ ... و أنا لا أملك أبا؟؟؟
استدارت على جنبها الأيمن ... تحاول النوم ... لكن طيف الجار الآخر هاجمها هذه المرة ... لا تذكر هل سمعت صوته ... لا لاتظن أنه تكلم في وجودها ... لكنها تذكر جيدا نظراته الغريبة ... المبهمة ... المختلطة بالإستحقار ... و الريبة ... جلست بسرعة و هي ترفع اللحاف عنها و قالت بصوت جهوري ...: استحقار ... ولما يستحقرني ... ماذا فعلت له ... إني حتى لا أذكر اسمه...؟؟؟؟انسان معقد.....
عادت لتسترخي مكانها ... و هي تحاول هذه المرة أن لا تشغل بالها بشيء .. قرأت المعوذتين ... و آية الكرسي ... و استسلمت جفونها للنوم .. و للراحة...
***** ***** *****
بعد العشاء ... صعدت شهد لغرفتها ... جهزت نفسها للنوم ... أخدت الرواية الجديدة التي بدأت قرائتها منذ أيام... و معها هاتفها النقال ... دخلت تحت لحافها ... و بدأت قراءة الرواية ... و عينيها ..معلقتين على الهاتف .... تنتظر مكالمة سالم ... لقد وعدها بأن يكلمها اليوم ...
كانت تحاول التركيز على الرواية و أحداثها ... لكن التفكير في سالم كان أقوى ... لم تتوقع يوما أن يكون زوجا لها ... رغم غزله الدائم ... و تعامله الرقيق معها منذ الطفوله ...
كانت تظنه مجرد مزاح ... لعب ... لم تكن تعلم أنه فعلا يحبها ... يصعب عليها أحيانا تقبله كزوج ...
تعلم هي جيدا أنها تعذبه ببرودها تجاهه ... لكنه جريء في التعبير عن حبه ... و هي لا تستطيع مجاراته ... ربما لأنها لا تحبه .. تعزه .. تحترمه ... لكنها لا تحبه ... أو ربما هي لا تعرف إن كانت تحبه أم لا ...
تذكرت عندما سألتها عمتها عليا إن كانت تشتاق له .. فالإنسان لا يشتاق إلا لمن يحب ...
هي فعلا مشتاقة له ... حسه و نشاطه و ضحكاته تملأ ارجاء البيت كله ... بل تملأ أرجاء كل البيوت الأخرى ... (ليتني أستطيع إسعاده كما يفعل هو معنا جميعا...)
ابتسمت و هي ترى جهازها النقال يتحرك ... و دون تردد رفعته إلى أذنها .. و قلبها يدق كأنه تحول إلى مجموعة طبول إفريقية...
شهد:ألووو..السلام عليكم
سالم الذي داخ بفعل صوتها الرقيق و الهادئ:وعليك السلام و الرحمة و السرور و السعادة ... كيف حال حبيبتي؟؟
شهد و لم تغير نبرة صوتها الهادئ: أنا بخير ... كلنا بخير ... و الجميع يسلم عليك .. و أنت كيف حالك؟؟
سالم : أنا أصبح بخير فقط عندما أسمع صوتك...
شهد :............
أطلق سالم تنهيدة عميقة، و هو ينظر لصورتها الموضوعة أمامه على مكتبه : مصرة على السكوت ... لن ترحميني أبدا ... قولي أي شيء ... ارحمي غربتي...
شهد لم يطاوعها لسانها على الكلام ... كانت تريد ان تقول له انها فعلا تحبه .. لكن ..هل تكذب عليه .. هي نفسها لا تعرف حقيقة مشاعرها تجاهه: سالم .... كل شيء بوقته ...لا تستعجل
سالم: سأصبر يا شهد ... و لو لآخر يوم في عمري...
شهد: إسم الله عليك
سالم و الإبتسامة تعلو محياه: تخافين علي شهد؟؟
شهد و هي تلعب بطرف اللحاف. و قد علت الحمرة خدودها : طبعا ... ألست إبن عمي..
سالم بمكر يحاول سحب لسانها و جعلها تعترف:فقط؟؟
شهد: و زوجي....ثم سكتت ... بقي هو ساكتا للحظات ينتظر أن تكمل كلامها ... لكنها سكتت...
سالم بخيبة أمل :حسنا ... سأنتظر ... سأتصل بك غدا في نفس الوقت .. تصبحين على خير حبيبتي ...
شهد :بلغ سلامي لسعود ... أخبره أني اشتقت له
سالم: حسنا سأبلغه ... هل أخبره أيضا انك تحبينه ولا تستطيعين العيش بدونه...
ابتسمت شهد و قد فهمت قصد سالم : سالم أخبره فقط أني اشتقت له .. و لاحقا أخبرك هل احبه و لا استطيع العيش بدونه أو لا....
ضحك سالم ،، يحب هذه المجنونة، يعشقها و يعشق خجلها ولو بالغت فيه:ههههههههه ... يكفيه انك اشتقتي له ... أول الغيث قطرة حبيبتي .. هيا نامي ...لا تسهري كثيرا على رواياتك التي لا تنتهي ... ستخربين عيونك الجميلة...تصبحين على خير ...
شهد و صوتها يكاد يطلع من حلقها : و أنت من أهل الخير سالم...
وضعت النقال على الطاولة جانب السرير ... و ابتسامتها لم تفارقها بعد... نظرت للروايه بين يديها ... ابتسمت و هي تتذكر كلامه عن عينيها ... رمت الرواية بعيدا ... و دخلت تحت اللحاف ... تغوص في أحلامها الوردية التي أصبحت منذ مدة تشاركها مع سالم... و هي تعد نفسها أنها ستقول له ما يريد سماعه يوما ما ...
**** **** **** ****
و هناك كان سالم يقفز من مكان لآخر ... و السعادة تغمره ... كلم حبيبته ... صديقة الطفوله ... ابنت العم العاقلة الخجولة .. و زوجته حبيبته و أم أولاده في المستقبل ... سمع صوتها المخملي ... الذي يدخل أذنيه كأنه نوتات موسيقية راقية ... هادئة ... يحبها ... و لم يكن ليحب غيرها لو لم توافق على الزواج به ... يحبها منذ نعومة أظافره ...
هي ببساطة أميرته الرقيقة الهادئة
في الغرفة الأخرى كان سعود ... يعيش عالمه الكئيب ...وسط ذكرياته ... الذكريات التي أيقضها سالم اليوم بجملة بسيطة واحدة ... لكنه لم يبحث عن تسلية ... لقد أحبها فعلا بكل تفاصيلها ...
بنى على حبه لها آمالا كبيرة ... خطط لمستقبل ... لأولاد .. لأحفاد ...
معها و إلى جانبها ...
لكنها خذلته ... حالما عادا للسعودية ... لم يظن انها قد تضحي به و بحبه و بابنتها ... لأجل الحرية التي اعتادتها في بلاد الغرب ...
كان هو سعيدا لأنه عاد إلى أرضه ...إلى أهله ... إلى بيته ...
و كانت هي كارهة لكل ما و من حولها ... و كل يوم تتصنع مشكلة جديدة ...
يوم لا تريد تغطية وجهها و هي ذاهبة للسوق...
و يوم تريد الخروج وحدها ... و يوما آخر تريد السفر وحدها ... و مرة أخرى جائته تريد طرد السائق و سياقة سيارتها بنفسا ....
و في خضم طلباتها التي لا تنتهي ... كانت مهملة لإنتها ... تاركة إياها و لا يهمها ما قد تفعله الخادمات بها ...
لكنه صبر لأنه يحبها بصدق ... يحبها و يقدر إحساسها وينتظر اليوم الذي تأقلم فيه على الحياة هناك ...
سألها إن كانت ترغب في أن يذهبوا للعيش في الكويت حيث أهلها ... تصور منها ان تفرح ... ان تشكره ... لكنها طلبت ان يعودو الى فرنسا ... فهي تعودت العيش هناك... لا تتخيل أن تكون مرتاحة في مكان آخر غير باريس....
لكنه تعب من الغربة ... و لا يريد لأولاده أن يترعرعوا في بلد غير مسلم .... بعيدا عن الأهل... و عن المساجد....
لم تهتم ... قلبت حياته هما ... شجارا ...و صراخا كل يوم ... و زادت في عصيانها و تمردها ...
حين حملت منه مرة أخرى ... و بدل أن تخبره و تسعده ... تخلصت من الجنين ...
قتلت ولده قاصدة متعمدة و هي تنظر له بكل شجاعة و وقاحة و تبرر فعلتها ...
بأنهالا تريده ... تريد الطلاق ... و لا تريد حتى ابنته ... تنازلت بسهوله عن كل شيء مقابل الحرية ...
رحلت و تركت سارة و عمرها لم يتجاوز الثلات سنين ... و لم تسأل عنها لليوم ....
فتح درج مكتبه ... أخرج الصورة من بين أوراقه ... ( و أنت أيضا لم تسأل عنها ... أنت أيضا تركتها و رحلت تبحث عن النجاح ... و النسيان)
نظر مطولا لصورة سارة ... ثم أعادها بسرعة إلى الدرج... و هو يقول بينه و بين نفسه:إنها بخير بعيدا عني ... أبي سيكون لها أبا أحسن مني ...أنا لن أنفعها ...
***** ***** *****
وضعها على السرير بهدوء ... غطاها ... ثم جلس للحظات يتأمل وجهها الملائكي الصغير ... تشبهه... كأنها صورة له ... لماذا يقسو عليها و يحرمها حنانه ... لما و هو طبيب يداوي جروح الناس .... يفتح جراحا لا تشفى في قلب ابنته الصغير ... ما ذنبها هي ؟؟ ... أنا لم أكره أحدهما عندما تركتني أمهما بكل بساطة ...
بلى تركتهما و انشغلت بانتقامي من ناصر ... لكن أم سالم كانت لهما أفضل من الأم ... انشغلت بحقدي على ناصر الذي وهبه الله زوجتين ... كل واحدة منها أفضل من الأخرى ... و كنت أنا أعيش في العذاب مع واحدة فقط ... و كان هو يعيش في السعادةو الإستقرار مع زوجتين ...
تحبانه و لا ترغبان إلا في راحته ...
فضل الإبتعاد عن أمي ... أو ربما أبعده أبي حتى لا تخرب أمي حياته ... أرسله إلى المغرب ليشرف على شركته هناك ... زوجه ابنت صديقه و شريكه ... و كانت روضة راضية بذلك... سعيدة لسعادة زوجها ... و أنا هنا أعاني مع أختها المغرورة ...
و أمي لاتزال تزيدني حقدا على ناصر ...
أحس بحركة سارة ... التفت إليها فرأى ابتسامة حالمة على شفتيها ... لابد أنها تحلم ...إحدى أحلامها البريئة...أو ربما تفكر في أبيها ...
رفع نظره لسقف الغرفة و هو يتمدد إلى جانب حفيدته ... فهاجمته مرة أخرى صورة زينب ... و قد غطى الدم وجهها... و تضع يدها على بطنها ... كأنها تحمي جنينها من الضربات المنهالة عليها من كل ناحية ... من والدها ... و إخوانها ...
لم يرحموها ...
بينما كان ناصر واقفا ينظر إليها بانكسار ... بخيبة ... و أبي ارتسمت على وجهه ملامح الخذلان ...
و كنت أنا الوحيد الذي يشعر بالفخر بما فعله ... لـم يكن لي ضمير ... ضميري كان تحت سيطرت أمي ... ترشدني إلى الخطأ و أظنه أنا الصواب ...
أي قلب كان عندي ... كيف لم تحركني دموع زينب ... ألمها ... صراخها ... كانت تنظر لأبيها بترجي ... و تصرخ أنا عفيفة ...
تنظر لناصر ثم لروضة و تصرخ أنا شريفة ... لم أفعل شيئا ...
لكن لـم يصدقها أحد ... خطة أمي كانت متقنة ... و نفذتها أنا باحترافية ...
كنت سعيدا ... لأني رأيت سعادة ناصر بحمل زينب تموت و تختنق فيعينيه ...
كنت سعيدا و أنا أرى سعادةأبي بزوجة إبنه تتحول لخيبة ... كنت سعيدا و أنا أرى الرضى في عيون أمي...
وجاء عقاب ربي بسرعة ... تطلقت نورة ... و تنازلت عن شهد و سعود ... و رحلت ... لكني لم أفهم رسالة ربي لي إلا بعد فوات الأوان
ليتني أعرف فقط إن كانت زينب حية ... هل أنجبت؟؟ أم أني أحمل على رقبتي جرما آخر؟؟
ليت لي شجاعة كافية لأبرئ زينب مما اتهمت به ؟؟
لن ينسى أبدا كلامها و هي تفقد الوعي تحت تاثير الضرب و الرفس ... كانت تتلاشى و هي لاتزال
تقول :ربي .... إني ...مغلوبة ... فانتصر...
ضغط على عينيه بشدة وهو يمنع دموعه من الإنهمار ... نظر مرة أخرى لسقف الغرفة ....وقال بهمس: و أنا أنتظر انتصاره لك يا زينب ... راض بكل عقاب يأتيني منه تعالى ... أسأله فقط أن لا يؤجله لآخرتي ... ليتني المشلول و ليس ناصر ...
***** ***** *****
استيقظت متأخرتا جدا ... لن يساعدها الوقت كي تذهب للمطعم وتعتذر من حسين و سمية ...
ركبت الحافلة بسرعة فاصدتا شقتها ... عليها أن تكون هناك ... قبل أن يرحل الآخر ...
لا تريد أن يأخد شيئا يخصها ... كل شيء محتمل ... وصلت للمكان ...
رأت أن هناك بعض العمال يحملون أغراض السكير ...
تنفست بعمق وهي تقول في نفسها ( أخيراا !!)
وصل المصعد أخيرا إلى الطابق الخامس ... خرجت بسرعة ... لم تنتبه للجسم الواقف أمامها ...
اصطدمت به و كادت تقع على الأرض إلا أنه مد يده و أمسك بيدها ليساعدها على الوقوف ...
رفعت عينيها إليه ... إنه ابن عم سالم ... رباه ما إسمه??!!
سحبت يدها بسرعة من بين يديه، وقالت: أشكرك ... آسفة لم أنتبه ... يبدو أني مازلت نائمة...
سعود: لا بأس حصل خير ... أنا أيضا آسف ...
ابتسمت ... ابتسامة عادية بسيطة ... كعادتها.ثم انسحبت من أمامه .. قصدت شقته إلا أنه
استوقفها ... و هو يقول: أخت سلمى ... هل أعطيك الحقيبة الأن؟ لا أحد في الشقة الآن ... و ربما احتجتي أغراضك...
ضربت بيدها على جبينها و قالت : لقد نسيت أمر حقيبتي ... أجل إن لم تكن ستتأخر عن أشغالك ناولني اياها الآن..
سعود : لحظة... ثم تقدم من باب شقته ...فتحها و دخل
خرج بسرعة و هو يجر الحقيبة ورائه...
وجد أنها تكلم أحد العمال و تطلب منه إخراج كل الأفرشة والأواني الموضوعة في الصاله و المطبخ... نظر إليها العامل ببلادة ... إلا أنه لم يعلق ... هو هنا فقط لينجز عمله....
تعجب سعود أيضا لطلبها ... لكنه تذكر حال الشقة كيف كان بالأمس ... هو كرجل لن يتحمل العيش فيها فكيف لفتاة أن تستحملها...
أخذت منه الحقيبة ... و هي تبتسم ...:شكرا .. و آسفة إلى الإزعاج..
ناظرها بجمود: لا بأس ... نحن في الخدمة ... استدار ليذهب ثم عاد و التفت و كأنه تذكر شيئا :آنسه سلمى ... إذا احتجت مساعدة في التنظيف... فلا تترددي في طلبها..
سلمى و هي لا تزال مبتسمة : شكرا... ودخلت إلى الشقة التي أصبحت خرابا....
بينما دخل هو المصعد... و هو يتأفف ... و يسب نفسه : سامحك الله يا سالم... نقلت لي عدوى المساعدات ...
لكنه ابتسم فجأة و هو يتذكر كيف تبتسم ... كأنها بلهاء ... تبتسم لي و أنا أكلمها بغرور... الم أقل أنها طفلة؟؟؟
***** ***** *****
للحكاية بقية
قراءة ممتعة أتمناها لكم
التعديل الأخير تم بواسطة ألحان الشوق ; 16-01-08 الساعة 03:22 PM
|