كاتب الموضوع :
ربيع عقب الباب
المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
اقتباس :-
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيع عقب الباب |
سوسن وردة حمراء
حفر فى قوقع
كنت ملهوفا ،ترمح برجل غزال ،اشبع ياروح أمك ، تسطح فوق قطارات ، يكربجك هواء لاسع ، و يصفعك صدأ حديد ، حفاظا على نصف جنيه ، خلعته من أمك بطلوع ضرس ، وتسعف لتقضية خدمتك ، كأنك ذاهب لإثبات رجولتك .. اشبع ياما سوف تشرب ، مازال جيشك فى قعر مخلتك ، وقطار أحضرك لم ولن يعود من رحلة انتحارك .. بص ..حفنات رمل .. بحار رمل ، سوف تغوص فيها من ساسك لرأسك .. وسيمضى عمرك هباء ، وقرص شمس فوق رأسك جحيم ، لا عهد لك بناره ، سوف يقضى عليك ، لا محالة .. لا .. إنها ضريبة .. هذه نغمة قديمة ، ما أعذبها ، وقت كان لها المعنى !!
هناك من يفر منها ، لكن .. هل كنت أنتظر حتى يقبض على بصاص ، و أنا قاعد بأية مقهى ؟ وقد يكون فحلا ؛ حينئذ لن أستطيع كبت حدة شعوره بقيمة ما ، عندها يتعين على تحمل قلمين على قفاى .. وشلوتين على مؤخرتى ، و أجند بسنة زائدة ، وربما بمحكمة عسكرية .. فكرت .. حلمت بهرب مثلما يفعل كثيرون ، لكن ..كيف أتركهم .. هذه أرملة .. أمى .. وهؤلاء إخوة .. وهذا شيخ – جدى – بعد كساد حال ، وقتل مهنة نسيج ..ودفن أصحاب صنعة أحياء .
فى زمن فائت كان يتربع على دكة خشبية فى مقهى الكنيسى ، يحوطه شيوخ و شباب ، يسافر بهم صوت جهوري فى تنغيم وتفنن ، يستلب رؤوسا بإحدى قصصه ، كان يسوقني إلى جلسته ، دافعا إلى كتابا مرات .. ومرات .. قرأت معه الزير سالم .. ذات الهمة .. تغريبة بنى هلال .. عنترة .. بطله .. من يلازمه فى أحلامه ويقظته .. يرقد دائما تحت وسادته منذ ثلاثين عاما .. الآن وجهه معلق بجدار ، ممغنط بدائرة تتدلى أسفل إطار صورة ولده – الذى هو أبى – و لا يفتأ يتنهد بصوت واهن :" خانك مالك ياولدى .. باعك للنعمان ، فى يوم بؤسه ، و زفت عبلة لسيد من سادات عبس ، وكان نصيبك قطعة من صفيح مدملج بفضة " .
لو أنك يا أبى حي ترزق ، ما شلت هم أحد ، وبعد .. من طلع من داره قلَّ مقداره ، وهذا ملجأ يشهد نهايتي ، من صباح إلى صباح ، معلق فيه ، كبغل فى طاحونة ، يداى أصبحتا كتلة من جلد مسلوخ .. آه .. يا أمى ، ليتك ما أنجبت .. منذورون نحن للشقاء ، وقلة الحيلة ، بلا تاريخ كدود الأرض .. سامحك الله ، وجعل مثواك الجنة .. آه .. أه .
انحسار الرمل :
افترست صفحة وجهه خطوط من عرق ساخن ، تنز ، تنحدر ، تتقابل خيوطها فى طاقة فانلة مثقلة بملح ، أصبحت بلا لون .. نخز الكريك ، تسلق رأسه ، حتى يعض فى الرمل ، ضغط متثاقلا .
:" الكريك رأسه وألف بلغة قديمة ألا يتحرك ... حتى أنت ياكريك الكلب .. أف .. أف ".
أزاحه ، أطاح به على امتداد ساعده ، نبش فى المكان ، صدمت أصابعه خرقة من كاكى ميرى :" الكاكى وراءنا فى كل مصيبة .. حتى فى جوف الرمل ".
يجلو عنها رمالا ، يبعده عن حوافيها ، يقبض عليها ، يجتثها :" جربندية ".
انطرح على الأرض ، لطمها نافضا عنها الرمال ، يفض مافيها :" أيكون كنزا ؟ ليته يكون كنزا .. بعض معلبات .. هذا فول .. عدس .. أيضا بسكويت ".
دس أصابعه ثانية :" صابونة .. موسى .. مكنة حلاقة .. فرشاة .. كراسة .. قلم ".
يتصفح أوراق الكراسة ، يغيب مع خشخشة الأوراق ، يرتحل فى فلك مصباح ، يطل منه شيخ أسطورى :" ارفع نعليك .. إنك فوق مقبرة !! ".
ارتعب .. دارت به قشعريرة من إخمص قدميه لقمة رأسه ، بلع ريقه ، مد وجهه مقاربا السطور ، تخايلت من خلال غشاوة عينيه خطوط :" انتظر يا أخي .. أحببت أن أقول لك .. ابتعد عن هذه الساحة .. ولا تقلق الرجال !!".
يمد ناظريه كأنما يتأكد من المكان ، بعض أعشاب شوكية نائمة على صدر رمال ، توشوشها ريح ، تشحنها بهواجس كتيه ، تصفر .. تئز .. تنام تحت إبطها قنافذ و ثعابين .. وعقارب سامة .. يغرق ثانية :" إنك لم تعثر على كنز .. وأنا آسف ؛ فأنت بالطبع جندي مسكين ؛ وإلا ما حملت نفسك عناء الحفر ، فكل شيء يتغير ، عدانا وأنت ..عد ثانية .. انبش داخل الجربندية ، بها مرتب شهر لأربعة ، قد يكون بالنسبة لك ثروة ، فى إمكانك ردم الحفرة ، ودفن هذه الأشياء ، وتكفى على الخبر ماجور ".
سوسن لا مزيد
:" مازلت مصرا .. لايهم أن تعرف من أنا .. لك أن تعرف شيئا واحدا .. أنا أب لطفلة جميلة .. كان اسمها سوسن .. زهرة فل نبتت فى حقول شوك .. هاهي ذى تتهجى حروف .. تتأتىء بثغر رهيف .. وأسنان متآكلة من دغدغة مستطيلات سكر .. وأقراص كراملة ، عيناها عسليتان ضاحكتان ، محارتان مشحونتان بالأسرار .
أريد سوسن لم تمس .. هذا كل ما أبتغيه .. ولن أتوقف حتى أرى ضحكتها الرقراقة ، وتأتأتها المنداة بالحلم ، هذه وردتي نبتت حمراء بلون الدم .. أريد سوسن لم تمس !!
وحانت الساعة ، هل يثلج صدرك أن أحكى لك عن كل شيء ؟ أظنك شاهدت أفلاما و مسلسلات .. ودعايات ... وبوتيكات .. ومقاهى .. ومدنا حرة .. ومعاهدات عن الملحمة .. وأظنك مللت المشاهدة ..
شاقنا الحلم ، وارتحل بنا مقتحما هواجس المخبأ فى صراط مد ، تلتحم حياة بموت ، إصرار بخذلان ، بطولة بخيانة ، أيام حافلة ؛ سماؤها كسف نار ، وأرضها براكين ، وصهاينة محض أضحوكة تدغدغها شفاة .. بالونة منفوخة لا تحتاج إلا لشكة بحد سونكى .. وفى ليلة ظلماء .. سكتت مدافعنا بأمر علوي ، لتفرقع ألسنة .. إذا بدبابتين فى مثل سحنة دباباتنا تخترقان خطوطنا .. تتردد منها أسماؤنا :" عبد الحميد .. زكريا .. اسكندر .. محي .. وبمجرد أن لبوا النداء.. فتحت الدبابتان نيرانهما .. حصدتهما حصدا .. وتهاوت أجسادهم فى حفرة .. راحت الدبابتان تدكها علينا .. كدت أموت من اختناق .. ودهشة !!
كنت أصرخ فى جثث تكاثرت حولى .. طلقات مازالت تسدد .. نداءات .. صرخات تختلط .. وإذا بطابور لاحق .. يا إلهى .. أنا فى حلم أم فى علم .. أصبحت محصورا .. اختنق داخل الحفرة ..هاهى أطبقت أنيابها على .. تفجرت من تحت قدمي بحيرة قانية .. نمت فيها بر غمى .. تحدثت إليها .. ما أجابت إلا دما .. وما أعلنت إلا إصرارا على صمت .. أجمع شتات أفكاري ، أدوخها .. فلا أجد إلا سرابا .. وأملا فى ارتواء .
اختلاج
جحظت عيناه .. تحدقان .. ذاب كيانه .. هاج ، ألقى الكراسة مغيظا ، مد أصابعه فىالجربندية ، قلبها رأسا على عقب .. ما من شيء إلا ذرات رمال ، وفتات من خبز .
أزيز طائرات يلطم أذنيه :" تهجوا معي يا أحبابي .. معلمة أمامه تكتب بخط جميل :" من يتهجى معي هذه الكلمة .. أنت ياهيثم ..الأطفال يلحون عليها :" أنا يا أبلة .. أنا يا أبلة ". يقف هيثم .. يتأتىء .. يتضاحك أطفال .. أزيز يتضخم .. سوسن لم تضحك معهم .. صف أخير لم يضحك .. تحرك هيثم من مكانه .. انفجر باكيا .. حاولت المعلمة سد طريق هروبه.. زاغ خارج الفصل .. بل خارج المدرسة .. ظل يجرى .. يجرى .. انفجار هائل يعم المكان ، يطوح به مع الحصى .. والشنط .. والرؤوس .. الكراريس .. الضفائر .. الأصابع .. يهب من فزعه .. يجرى .. ودم غزير يخفى ملامحه .. يجرى فرارا من وحش فظيع .. يجرى ، وقد تحول كون إلى وحش هائل .. إلى حفر و برك .. إلى رؤوس وأرجل بلا ملامح .. يستعرض الأمر .
انحدر ينبش بأظافره فى الحفرة ، تجسدت فى وجهه قوة شيطانية .. عاد إلى الكراسة .. يفر أوراقا ملطخة بدم .. أتى على نهايتها مصعوقا .. شمل الأشياء بنظرة .. تأكد من وجودها .. انزلق فى الحفرة .. يحفر فى رمال .. اصطدمت يده بشيء .. حاول إخراجه .. تهشم .. جر بقيته :" عظمة .. عظمة .. هذا كثير ".
ثار .. أمسك بالكريك .. يدور مطيحا ، ضاربا أشباحا راحت تزعق .. وتقهقه ، وتدبدب فى رقصات معربدة .. يعرفها تماما .. نعم .. تحولت عن أشكال باهتة .. صرخ :" كلاب .. كلاب " .
انحسار
مزق أحشاء بعض هذه الهياكل ، حين حاولت الدنو منه ، فتناثرت نقوش حمراء ، برقشت فراغا من حوله ، وتنفجر كقرب .
تكاثف زملاؤه ..عانوا كثيرا من أجل سيطرة عليه ، اقتادوه إلى قبو مظلم ، وصدى صوته يتدفق فى خلاء الجيل ، ويعبر مفازاته ، صافعا شقوقا ، وقمم أودية ، ونجوم سماء .
فى الفجر كان لهب مجنون ينتشر داخل القبو ، راحت حدته تعلو رويدا .. رويدا ، ولم تخب جذوته إلا والقبو حفنة من رمل أسود !!
انتهى ، لكن صوته ظل ضميرا !!
|
اهلا صديقي ربيع ..اعذرني فانا كما تعلم مشغولة ..
قرأتها مرارا ..وفي كل مرة اجد شيئا جديدا بين ثناياها
الضغوط الكثيرة على البطل ..على مدى حياته لم تجعل له
مناصا من تلك النهاية .... قد يكون هو على حق ..وربما شطت به احلامه تدفعها احاسيسه المرهفة .... وجدته حساسا جدا....مليء بالذكريات المؤلمة ..فاقد لابسط حقوقه كانسان وهو ان يكون مرتاح البال...اعذرني لجهلي ببعض الامور....لكن هذا ما وصلني من هذه الفريده ..تقبل مروري
التعديل الأخير تم بواسطة همس الخيال ; 18-12-07 الساعة 06:01 PM
سبب آخر: اضافة
|