المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
إجهاض
إجهاض
كان نهب حركة ميك****ية لمكوك ، ثقلت عليه وطأة حدفاته و مشاويره ، يدور فى نسيج من أفكار قاسية ، ينفث دخان سيجارته غير المنتهية ، يقعد ، يفزع شاردا ؛كلما لسع أذنيه صوت أنين مكبوت .. ينخلع قلبه ، ينزلق فى أظافر قدميه .. تعلو أنات ..صراخ مكتوم قسرا .يرتعش ، يهرول داخل الحجرة ، يحدق وجه حبيب منقوع في بحر عرق وشحوب ، تصطدم عيناه بعينيى حماته ، يهرب منهما ، يحس نظراتها مشحونة بآلاف من إتهامات .. مذعورة هى ، حزينة باكية ؛ لكنها قوية بالقدر الذي تشعر فيه بمدى عناء مبذول وعناد أيضا ..
تقهقر إلى كرسي ، نال منه الجهد ، اختل عقله ، اشتبك في عراك داخلي :" أنت من دفعتها إلى هذا .. قلت لها اتركيه .. لكنها أصرت . كنت تتلفظ بها ترضية لذات مريضة ، ذاتك .. ماكنت تقولها لأجلها ، أو لأجله صادقا .. أنت أخوف من أن تواجه نظرات القوم ، ولمزهم .. ستموت .. نعم ستموت !!
أجهش دافنا وجهه بين راحتيه .أغرقت الدموع صفحته .. لا يقوى على أدنى حركة . استدار متوجها إلى حجرة أخرى .. نظرات الأم تضيق عليه .. تغلق طريقا أمام خطواته .. يتراجع .. يولى هاربا .
:" آه يا مه .. آه .. آه بطنى يامه .. مصارينى بتتقطع ". تعرفين لم تفعلين .. الطبيب نفسه .. معروف بقلة حيائه .. عاملنى معاملة زرية ، كأنه أمام مومس أو امرأة داعرة ، أرقدني ، وعصر ثدييي ، وأمرني بصوت حاد : انهضي . أحسستها بصقة غليظة على وجهي ، أخلت بأشياء كنت أحتفظ بها ، ولا سيما أن أمي ليست معي .. لا بد أكون متماسكة ، حتى لا أصرع أبى الطيب .. رأتنى ابنة عمى ، انهرت باكية ، وطالعت لهجته ، وتصرفه المريض ، صرخت فى وجهه :" مالك يادكتور .. هل مسك شيء .. هو زوجها على سنة الله ورسوله .. وهى ابنة عمى .. حذار يرمح بك شيطانك".
كان أسلوبه لا يعنى إلا شيئا واحدا ، أنى حامل ، ياربى .. أمر لا يعدو كونه مجرد تماحك ، وملاطفة .. دائما كنت حريصة ، وكان هو أيضا ؛ لأسباب عديدة .. نعم .. أعرف هو أمين .. وما كان خؤونا أو نذلا – آه يامه .. هاموت يامه .. هاموت – لوذنا بطبيب خاص .. قال نفس الشيء .. حذرني من فعل شيء :" إنك بكر ، وغشاء البكارة كما هو .. وهذه حالة تحدث مرة واحدة فى الألف " .. و كنت أنا الواحدة فى هذه الألف المعذبة .. حاولت معه .. : العملية ممكنة .. لكن لن أستطيع إجراءها .. أعطيك عنوان طبيب بالمنصورة .. هكذا قال .. ومن هنا بدأت الآمى !"
:" الله موجود يابنتى .. حالا ترتاحى .. خليكى شاطرة .. حد كان ضربك على إيدك – والله ما مرَّ يوم إلا ورأيتكم فيه ، استغربت .. مالرائحة العيال تهف على بهذا الشكل .. كنت أبكى قلة حيلتي ، ونار بعدكم – هيه .. شدي حيلك ".
:" يقول لى اتركيه ، متناسيا حلقات النساء الثرثارات اللائي يلتصقن بجدران البيوت ، بل وحجرات النوم ، ولا ينفض سامرهن إلا عند الفجر ، أنا لا أملك قدرة تعينني على الجلد .. نعم .. ليس ابن حرام .. لهن الظاهر ، سيظل ملتصقا به " ابن حرام " وتظل فضيحته بجلاجل .. سيكون مادة غنية كلما مر بموضع ، أنا لا أستطيع تحميله فعلى ، وأجنى عليه ، لم يكن هينا على تعرية جسدي أمام شمطاء قاسية الملامح ، تدقق بعينيها الجاحظتين ، وتزحف بأصابع متيبسة داخلي بقسوة ، وقبل إنهاء جسها ، يرعدنى صوتها الأجش :" دا كامل و معضم .. هاتى إيدك ياوليه .. والله ما أخذ أقل من خمسين جنيه .. يالغثيان صدري ، وهواني على نفسي .. أحس بالنهاية .. ياليتنى رغم عدم صدقه وافقته .. أسمعتنا المرأة حكايات و خكايات .. ذهبت إليها بعد الدخلة .. هاهو شهر عسلي .. يالجماله .. كم حلمت به .. يالروعته .. صحيح الظنون عصفت بلسان المرأة السلط ، فطلبت أعلى أجر .. إلا أن أمى روعتها بطريقة لم أعهدها فيها .. دا جوزها .. كل الحكاية مش عايزين دلوقتى .. بالعربى فيه مشاكل .. عند هذا الحد هاجمتنا المرأة منددة بما نفعل ، وجهت لوما حادا لأمي ، اتهمتها بقتلى لأجل مشاكل فارغة .. أرعدت فرائصنا ، زلزلت كيان أمي المتماسك ، مربوط جأشه ، وبشكل أفزعني .. أعلم .. هي تكتوي .. رغم هذا بشت فى وجهي بتندر .. اتركيه ياأم زكى .. ليتني في شجاعة أم زكى بنت حارتنا ، أنجبت بعد ستة أشهر من دخلتها بزوجها ".
:" بت ياسيدة .. سيدة ردى على .. يابت ".
تماوجت أحشاؤها ، هبط قلبها .. راحت تقلب فيها .نهضت ، خطفت زجاجة الكالونيا ، ملأت راحة يدها ، دردبتها على أنفها .. تململت سيدة منقوعة في بحر عرق ساخن .
:" البنت تموت منى .. يارب .. أنت تعلم كل شيء .. نجها يارب .. كدت أغرس أظافري فى رقبة هذه المرأة الداهية ، أقتلها ، وهى تضع لها عودا من سباط النخل فى الفرج .. لكن سيدة منعتني .. ردتني عنها ؛ رغم معرفتى المسبقة بما تفعل .. ماذا أفعل لو جرى لها شيء ؟ ".
دق الجرس .. فزع .. حدق فى ساعة معصمه ، هي الحادية عشرة . يتلصص ، يتعرف على القادم ، يفتح شراعة الباب مرددا :" أهلا .. عمى .. اتفضل ". قبلما يغلق الباب خطف نظرة من الخارج ، مسح بها فراغا مظلما . اندفع الوالد إلى داخل الحجرة ، سأل صامتا . مطت الأم شفتيها ، رقصتهما ، شلشلت نادبة فى صمت .. أدرك صعوبة الوضع .. امتقع وجهه ، ارتد خارجا ، حط بجسده على كرسي بجوار زوج ابنته ، حاول الأخذ والعطاء معه فى حديث ما ، جاهد ؛ ليخرجه من حالة كرب واكتئاب وحزن بادي على وجهه ، يسكن من ثورة انفعالاته التي قد تزيد الطين بله .
:" ما صدقت شيئا مما قالت أول الأمر ، أحسست أنني على وشك ضحك وقهقهة بعلو صوتي ، تلبستنى حالة شاذة من عبث ، وعدم قدرة على هضم الأمر ، اختليت بابنة عمها ، دفعت إلى الأمر ، أرادت معرفة ماذا أنا فاعل .. وكيف يكون تصرفي ؟ وأنا عاجز .. عاجز تماما أمام مواقف ساخنة من نوعها :" نعجل بالدخلة ". أرد مشيرا إلى جهاز لم يأت منه مجرد سرير أو حصيرة ، ثم أنى لي بشقة ، ونحن نكدس – أسرتنا الكبيرة – فى حجرة واحدة ، وجوه تعانق أصابع أقدام ، تعانق وابور جاز ، أواني طهي ، طشت عجين ، أنا لا أملك قرشا واحدا يعينني على وفاء ، وستر محنة .. ثم متى .. وأين ؟ وكل يوم يمر تزيد الحالة سوءا ..
خفت من أمي ، رغم أن هذا موقف ، لا تصلح فيه غير أم ، لكنني وجدت أبى قريبا منى .. طيب خاطري ، طالبني كتمانا ، دفعنى للبحث عن شقة أو حجرة فورا ، وبلا أي تردد .. وجدته على غير عادته الخشنة ، لم أصدق شيئا مما يحدث .. فى وقت عادت والدتها من سفرها .. لم أكشف لأبيها خبيئة أمرنا ، خشيت ردة فعله – هو طيب – رغم هذا كان رد فعل الأم أشد و أقسى من لسعات نار .. وما كان يجدى كلام فتيلا .. اقتنينا جهازا متواضعا .. وسار الأمر طبيعيا .. طبيعيا .. فقد كنا على أبواب شهر رمضان ، ولا تسترعى عجلة اهتماما فى مثل هذا الوقت من السنة !!
أنت .. علا أنينها ، شرخ جدار صمت جاثم ، شعرنا بخطر وخوف .. تئن .. تكبت صراخها بحزقة قاسية .. تحزق .. تحزق .. تساعدها الأم :" أيوه .. كمان ..".
ارتبك زوج وحموه ، وقفا ، دارا حول ترابيزة فى الصالة .. انخطف لون الوجه .. ازداد شحوبا .. همهم ذعر و خوف ، يسقط الزوج منهارا باكيا .. ينهره الأب ، يربت على كتفه .
خف الأنين ، سكن ، تلاشى تماما .. أقبلت الأم تخر عرقا واحتقانا :" شكلك .. شوف العينين .. القورة .. الفم ". جنين مكتمل ، يحمل نفس ملامج الزوج . حدق زائغا ، سألها عن زوجه .. كانت نائمة .. يتنهد .. يأخذ منها حلمه .. يتأمل ملامحه .. يتحسر .. يبكى .. يفزع من مكانه .. يدخل حجرتها .. يدفن وجهه فى كتف نائمة ، ينشج عاليا ، تجذبه ، تحوطه بذراع واهنة ، بينما الأب يردد :" ياريتك تقدرى تدفينه ".
|