المنتدى :
الارشيف
حب على الهاتف .. قصة رائعة
سلام للجميع ..
هذي القصة قراتها قبل حوالي 10 سنوات واعجبتني .. اخرجتها من اوراقي القديمة .. وحبيت اني انقلها لكم..
حب على الهاتف
كانت الطريقة في ايقاد نار الغرام غريبة من نوعها ،غيران لغة الكلام كانت ابلغ من لغة العيون.
خرجت من المستشفى في ايلول 1941 بعد ابلالي من جراحي في احدى الغارات الجوية على لندن .وجدت في تلك الفترة ما يشد عزيمتي بفضل صداقة احسبها اوثق وامتع ما عرفته في حياتي . كنت احاول في ساعة متقدمة من الليل في لندن ان اتصل هاتفيا باحد اصدقائي ، ولكن حدث اختلاط في الخطوط فوجدتني بدلا من الاتصال بصديقي استمع الى امراه تقول لعامل البدالة : ان رقمي هو غروفنور 8829 ثم تضيف : لقد طلبت منك توصيلي برقم في هامستد فاذا بك تحولني الى المدعو فلاكسمان في تشيلسي وهذا المسكين لا يريد ان يكلمني على الاطلاق . وقررت على الفور ان اشترك في الحديث بعد ان سمعت صوتها وراقتني عذوبته فقلت: بل اريد ان اكلمك . وكانت نبرة صوتها تجمع بين تناسق الايقاع وبراعة الذكاء ، وبدلا من التظاهر بالغضب ازاء اختلاط الموقف واجهت الامر بروح الكياسة والمرح ، ثم تبادلنا الاعتذارات وانهينا المكالمة ، غير اني بعد دقيقتين ادرت قرص الهاتف ثانية على رقم صديقي واذ بي اتحدث اليها من جديد على رغم انعدام التشابه بين الرقمين ، ولما بدأ ان لا مفر لخطينا من التداخل تحادثنا طوال عشرين دقيقة ، وسالتني : قل لي .. لماذا كنت تريد الاتصال بصديقك بعد منتصف الليل ؟ فاطلعتها على السبب الذي لم اعد اذكره ، وسالتها بدوي : ولم كنتِ تطلبين المكالمة في هذه الساعة المتقدمة؟ فقالت ان امها المسنة تارق ليلا وانها كثيرا تتصل بها في مثل هذه الساعة .ثم دار حديثنا حول ما نقرأ من كتب ، وكان من الطبيعي ان نتناقش في امر الحرب واخيرا قلت لها : لا اذكر اني استمتعت بحديث كهذا منذ سنوات ، فقالت : لقد كان حديثا مرحا وممتعا حقا ، ولكن يبدو لي من الافضل ان نتوقف الان. ليلة هنيئة اذا واتمنى لك احلاما سعيدة .
وقضي اليوم التالي و انا افكر في حديثنا وفي ذكائها وعفويتها وحماستها ومرحها واخذت اتذكر لهجتها المتميزة بما فيها من رقّة واغراء من دون اي تملق او الماحات مبطنة، ولازمني تناغم صوتها ولم تعد نبرته العذبه تفارق مسمعي .
في المساء بقيت في سريري مشتت الفكر لا اعي ما اقرأ ، وما ان حان منتصف الليل حتى اخذ رقم هاتفها يتردد في راسي بحيث لم اعد اطيق الحاحه ، فنهضت من فراشي وادرت الرقم بوجل على قرص الهاتف وسمعت الجرس يرن على الطرف الآخر ، ثم رفعت السماعة وجائني صوتها: آلو .. فقلت: ها انذا ثانية ويؤسفني ان ازعجك لكن هلا واصلنا حديث ليلة امس؟ ومن دون ان تعرب عن موافقة او رفض بدأت تحدثني حديثا شائقا وطريفا عن قصة بلزاك "النسيبة بيت " . ولم تمض دقائق حتى كنا نمزح ونضحك وكأننا صديقان قديمان . واستمر حديثنا طوال ثلاثة ارباع الساعة ، و كان من شأن الساعة المتقدمة وجهل احدنا الآخر ان تحطمت بيننا حواجز التحفظ المألوفة التي تعرق المقابلات القليلة الاولى ، ولكن عندما اقترحت انا ان نتعارف رفضت هي وقالت : ربما افسد التعارف كل شيء ، ولم تتنازل عن هذا الموقف الا انها احتفضت برقم هاتفي . على اني انتزعت منها وعدا باننا سنتعارف عند انتهاء الحرب واخبرتني انها تزوجت في السابعة عشرة رجلا لم تسعد بعشرته فانفصلت عنه وانها لا تزال في السادسة والثلاثين وان ابنها الوحيد قتل اخيرا و هو يقود طائرته ولم يتجاوز الثامنة عشرة ، ويبدو انه كان كل شيء في حياتها ، وكانت تتحدث عنه و كأنه ما زال حيا ، وقد وصفته لي ذات مرة فقالت انه كان جميلا كالفجر ، وقالت مرة اخرى انه كان يشبهها تماما. و انتهيت من ذلك الى تكوين صورة عنها لم تتغير مطلقا ، وعندما قلت لها ما اجمل مرآها ضحكت وقالت : ما ادراك اني جميلة؟ . توثقت العلاقة بيننا حتى صار كل منا في حاجة الى الآخر، ولم يبق موضوع لم نتحادث فيه ، وكانت آراؤنا متماثلة في معظم الموضوعات خصوصا في ما يتعلق بالحرب ، وكانت تقدم اليّ النصح وتشد من عزمي ، و اخذنا نقرأ الكتب نفسها كي نستمتع بمناقشتها ، ولما كنا مشتركين في المكتبة ذاتها في لندن فقد تعاهدنا على الا يحاول اي منا معرفة اسم الآخر عن طريق العاملين في المكتبة . ولم يحدث ان امضينا ليلة في لندن من دون ان نتحادث هاتفيا مهما كان الوقت متقدما ، و الفت ان امضي النهار في اشتياق وتطلع الى حديثنا التالي ، وكانت اذا ما غادرت لندن في نهاية الاسبوع من دون ان استطيع الاتصال بها تشكو من انها تكاد لا تنام من شدة الوحدة ، وكنت في بعض الاحيان اضيق ذرعا بحرماني رؤيتها فكنت اهددها بان اركب سيارة و آتيها على الفور لكنها كانت تتأبّى قائلة : اننا اذا ما التقينا و تبينت لنا استحالة حبنا عن كثب فلن يبقى لي الا الموت . وكنت كلما وقعت غارة شديدة اتصل بها عن حالها و كانت ترى في ذلك ما يبعث دائما على التسلية والضحك ، لكنها بدأت تتصل بي كلما سمعت بغارة على تشيلسي ، وعشت اثني عشر شهرا في غبطة داخلية رائعة.
وكان حبنا الى حد ما مستحيلا ومع ذلك فقد خلت طريقه من العوائق والعئرات ، ولم يبد هناك ما يحول دون استمرار مساره طوال الحياة. او ليست لغة الكلام اقوى و ابقى من لغة العيون او حتى لغة الايدي؟ غير ان القدر كان في المرصاد ، فقد عدت من الريف في احدى الليالي الى لندن والتقطت سماعة الهاتف وادرت القرص على رقمها ، وبدلا من ان اسمع الرنين الصافي الذي يبشر بقدومها او الرنين الذي يشير الى انشغال الخط فوجئت بصوت ثاقب لم يعد في مكنتي ان اتذكر صداه من دون ان اشعر باشرافي على الاغماء فقد عنى الصوات لي ان الخط معطل او انه لم يعد موجود على الاطلاق. وتكرر الصوت في اليومين التاليين وبلغ بي الياس مداه فاتصلت بالاستعلامات و توسلت الحصول على عنوان المسكن المقابل لرقم الهاتف في غروفنور8829 ، وكنت اعرف ان مخاطبتي لم تدون رقمها في الدليل خوفا من مضايقة زوجها الذي انفصلت عنه . و في البداية لم افلح في اقناع الاستعلامات فقد بدأ من الغريب لموظفيها ان اجهل حتى اسم صاحب الرقم ، و اخيرا تقدمت عاملة لطيفة لمساعدتي متجاوزة النظام وقالت: لم لا اساعدك؟ فقد نموت جميعا تحت القنابل في ايه لحظة ، ويبدو لي انك تعاني قلقا شديدا . و حقيقة الامر ان المنزل المقابل لهذا الرقم قد اصيب مباشرة في غارة منذ ثلاثة ايام ولم يعد هناك ما يحول دون اعلامك باسم صاحبه ، فقلت لها : اشكرك على مساعدتك لي ، ولكم افضل الا تبوحي لي بهذا الاسم . ارجوك . اتوسل اليك الا تفعلي ، وانهيت المكالمة .
تحيّتي وتقديري .
|