كاتب الموضوع :
kirara
المنتدى :
الارشيف
عدنا والعود احمدوا
ح23
موجة من الهدوء إجتاحت أروقة القصر بعد ان عمه فوضى الصراخ والبكاء الهستيري لم تستطع دونيا تريزا ان تخطو خطوة واحده تجاه غرفة ماريا فصدى جملة خوليو ما زال يرن في اذنيها كدوي الرعد
إنها مجنونه .. مجنونه
وقفت وسط الرواق تائهة بأفكارها وقد إغرورقت عيناها بالدموع الساخنة لتدرك حقيقة عجزها عن مواساة حفيدتها الصغيره وعجزها هذا جعلها تنسحب بغصة إقتلعت أوتار قلبها الضعيف وانزوت بإنكسار في غرفتها تطلق صرخات بكاء مخنوقة كابدت جاهدا في كتمانها ولكن دون جدوى .
في تلك الليله المجنونة قلوب كثيرة تألمت وتألم لمصابها قاطني القصر إلا أن قلبا واحدا إستطاع أن يشق طريقه من بين أنقاض الحزن الكئيب نحو السعادة .. بجسد مرتجف أسندت أنا لوسيا ظهرها إلى الحائط وقد تسارعت أنفاسها بشكل تصاعدي، وبيد مضطربة وضعت أناملها الرقيقة على شفاهها المرتعشه فسحر تلك القبلة ما زال يتراقص طيفها على ضفاف شفاه ملتهبه ، شعرت أنا لوسيا وكأن ذبذبات راقصه تسري في مجرى دمها لتتفجر كالشلال المندفع بقوة في صلب قلبها وتكسبها شعورا رائعا تعجز الكلمات عن وصفه وبالرغم من خجلها المفرط وجدت نفسها تطرب لضربات قلبها المتسارعه للحظات غاب عن بالها حادثة ماريا لتغوص في بحر ذكرى إنتشلتها من أعماق تساؤلات لطالما ألهبت عقلها وفكرها فتلك القبلة خير برهان لشك قض مضجعها ، لم يستطع ماكس أن يتمالك غضبه وقف أمام سيلفيا الباكية وصاح بها :
ــ لماذا فعلت هذا ؟ لقد بدوت كالبلهاء ؟ وبصوت مرتجف أردفت سيلفيا :
ــ لا أعرف ما أصابني وقتها .. ولكني لم أستطع أن أتمالك نفسي وأنا أراها تنظر إلي بتلك العينين البريئتين إنها لا تعلم أن بقاؤها بالقصر سيجر عليها الأحزان ، المسكينه لا تدرك ما ينتظرها من أوقات عصيبة .
ماكس بحدة :
ــ عن أي أوقات عصيبه تتحدثين .. كفي عن قول هذه الترهات .. سيلفيا :
ــ أنت تعلم ما أرمي إليه بحديثي لذا لا تتصنع الغباء .. كلانا يعلم أن خوان بيدرو يضمر لها الشر فصاحبك النبيل لن ينسى كبرياؤه المجروح وسيعمل جاهدا على أن يرد لها الصفعة .. ماكس :
ــ لقد مللت كل هذه الأحجيات والرموز .. ولكني ساضع حدا لها .
واندفع خارج الغرفة غير آبه بنداءات سيلفيا العابثه بخطوات غاضبه مزلزله إقتحم غرفة خوان بيدرو دون إستئذان ليقف مكانه مشدوها بما رآه ، كان خوان بيدرو جالسا على الأرض ممدا ساقيه وظهره مسندا إلى حافة السرير ورأسه متدليا إلى الأسفل بتراخي وبنظرة خاطفه لمح يده المصابة مجثاة على فخذه صاح به مناديا إلا انه لم يجبه إندفع ماكس نحوه وأطبق بيديه على كتفيه يهزه بشده قائلا :
ــ لما لا تجيبني ؟ هل أنت أصم ؟ شخصت أنظاره لرؤية صدره الدامي وآثار الخدش عليه ولسبب ما ظن ماكس السوء بخوان ليعاود هزه بشده صائحا بحدة أكثر :
ــ مالذي فعلته يا مجنون ؟ لا تقل لي بأنك حققت مرادك بالإنتقام من أنا لوسيا ؟
وكالثور الهائج إنتفض جسد خوان بيدرو بحرارة كاد يطيش لها عقله وكأن مسا كهربائيا سرى في جسده وبدفعة من يده المفتوله أبعد ماكس عنه ليرميه على الأرض فيقع على مؤخرته شاخص البصر للحظات بدى وكأنه مسخ أسطوري إستيقظ من بعد سبات نوم عميق لم يتوقف غضب خوان بيدرو عند هذا الحد بل إندفع نحوه والتقطه من ذراعه وسحبه ليرميه خارج غرفته مغلقا الباب بوجهه ، لم يبالي وقتها بنظرات ماكس المتسائله فقد توقف عقله عن التفكير لحظة ما أن لفظ ماكس إسم أنا لوسيا نظر إلى يده المصابه بإشمئزاز فتذكر كيف داوته بقلب واجف وعلى عجل فك ضماده وهو يتمتم بغضب ونفور :
ــ تبا لها .. بسببها صفعت ماريا .. يا إلهي إنها تتلبسني كالشيطان ..
ولم يطفىء نيران غضبه سوى إندفاع الماء البارد فوق راسه وعلى عجل إرتدى ملابسه وامتطى حصانه وانطلق خارج أسوار القصر وبعيدا عن هذا كله يتقدم رجل طاعن بالسن يتصبب العرق من جبهته العريضه قائلا :
ــ الى متى ستنتظرين آنستي .. لقد طال وقوفك تحت أشعة الشمس الحارقه . وبعصبية اردفت بيانكا :
ــ وما شأنك انت ؟ اذهب وانتظرني بالعربه . هز السائس راسه بأسى وانسحب بهدوء الى العربة تاركا بيانكا تحدث نفسها بتساؤل :
ــ أيعقل انه نسي موعدنا ؟ لا أظن ذلك ، لا بد انه في طريقه إلي ..
ظلت تراقب مدخل الشارع علها ترى طيفه مقبلا نحوها لم تعلم بيانكا ان انتظارها سيطول وبأنها لن ترى خوان بيدرو فقد إنطلق خوان بحصانه بعيدا عن القصر لينزوي بنفسه في مقهى المدينة وقع اختياره على طاولة تقع باقصى المقهى وتطل على واجهته الزجاجيه ، جلس بتثاقل على الكرسي واسند كتفه على الزجاج لتبحر نظرات عينيه المحمومتين تسبران المارة بالشارع للحظات معدوده شعر بها بالسكون والطمانينة تتخللان الى نفسه الغاضبه إلا انها لحظات سرعان ما ان تلاشت لحظة ما ان طرق سمعه صوت النادل يساله عن طلبه التفت نحوه ونظر إلى وجهه الباسم وصوت بارد قال :
ــ قهوه من فضلك ..
وعاود النظر الى الشارع وقد شده منظر طفلة صغيرة تبكي بحراره وأخاها الكبير يقف بالقرب منها ويواسيها بلمساته الحانية على راسها الصغير نبض قلبه نبضة الم وندم وشد القبضة على راحة يده المسجاة على الطاوله فكلما تذكر كيف لهذه اليد التي لطالما واست ماريا في لحظات خوفها وهلعها ان ترتفع وتلطمها بقسوه كمطرقة قاضي صارم .. كيف له ان ينسى تلك النظرات الدامعه التي تعلقت بنظرات عينيه وكلها تعجب وتساؤل .. كيف له أن ينسى تلك اليدان الصغيرتان وهما تدفعان به بعيدا عنها ...
يا الهي انه امر يفوق طاقته أحنى راسه باسى وقد أثقلته تلك الذكريات المؤلمه شعر بدنو النادل منه ووضعه لكوب القهوه الساخن امامه عبق المكان من حوله برائحة القهوه النفاذة واستدرجته رائحتها الطيبة اخذ رشفة سريعه منها ، وضع الكوب بهدوء وغاصت انامله بجيب معطفه الداكن ليخرج ورقة مطوية بلون الزهر فتحها بروية مع زفرة حارة ليجد نفسه اسير كلمات رقيقة خطت بمشاعر دافئه على اسطر زينت نهايات جملها بقلوب صغيره ناهيك عن عناقيد أزهار جميله نقشت بها زوايا الرسالة ..
اختلطت المشاعر والاحاسيس بصفحة وجهه القسيم فوجد نفسه بحيرة واضطراب فكلما انهى قراءة سطر اشتد الخناق به اكثر وثقلت وقع الكلمات على لسانه القارىء ألا ان لسانه سرعان ما صابه الجمود
وارتشفت شفتاه لحظة ما ان تسمرت عيناه عند كلمة عصفت بجدران قلبه وزلزلت الارض من تحت اقدامه
أنا احبك خوانيتو ..
يتبع ......
|