الأسرة عند الفراعنة
الفراعنة من أقدم الشعوب ، وحضارتهم من أقدم الحضارات إن لم تكن أقدمها، وهيكل الأسرة على عهد الفراعنة واحد، وإن اختلفت قدسيتها من فئة إلى فئة ومن طبقة إلى طبقة ، ففي طبقة الحكم يعني مولد ملكٍ مولد إله ، وهناك نرى "آمون" يأخذ شكل الفرعون الحاكم ويضاجع الملكة الأم وبعد هذا الزواج الإلهي يشكل "خنوم" الطفل المقدس، فتتم الولادة على أيدي الربات الحكيمات ويقدم الطفل الحديث الولادة إلى "آمون" والده وترضعه الحتحورات السبع ، وتعمّده الآلهة ، ولنفسح قليلاً لمعجم الحضارة المصرية القديمة ليحدثنا عن الزواج والأسرة والحريم وغيرها من موضوعات تتعلق أساساً بنظام الأسرة .
الزواج عند الفراعنة:
كان من تعاليم أحد أبناء خوفو: "إذا كنت رجلاً ذا أملاك، فليكن لك بيت خاص بك، ولتقترن بزوجة تحبك، فيولد لك ابن " . وبعد ذلك بألفي عام ، قال حكيم آخر : " تزوج عندما تبلغ العشرين من عمرك ، كي يصير لك ابن وأنت لا تزال صغير السن"، وقد طُلب من حتحور الخيرة،
أن تعطي : " الأرملة زوجاً، والعذراء مسكناً "، وكان من واجبات الرؤساء الإقطاعيين "أن يقدموا الفتيات الصغيرات إلى العزاب ".
وإذا كان لنا أن نصدق القصائد الغرامية، فقد كان المصريون يتوقون إلى تزويج أولادهم، وكانوا يسمحون لأبنائهم بالاختيار ، وكانت الزيجات بالأقارب ذوي الدم الواحد هي القاعدة، تقريباً، في العصور الهيلينستية، ولكن هل كانت الحال كذلك في العصور السابقة؟ الحقيقة أن كلمتي "أخ" و"أخت" قد استُعملتا في القصائد الغرامية، بمعنى "العشيق والعشيقة ".
ولكن بتحليل أشجار العائلات لم تتضح أية أمثلة معينة لزواج اثنين من أب واحد، وكان الزواج القانوني بالمحرمات امتيازاً ملكياً، وكان الإله الموجود على الأرض كثير الزوجات، وله حريم من الملكات ومحظيات نبيلات المولد، وأميرات أجنبيات.
كان الزواج باثنتين من الأمور النادرة بين البشر العاديين، أما الأغنياء فكانت لهم محظيات من الإماء
ولم تذكر المصادر التي استسقيت منها المعلومات، تلك الطقوس التي تبارك الزواج، ولكنها تدل على بعض عادات شرعية ذات صلة بالزواج، فمثلاً ميزت الإدارة بوضوح، في المستندات الرسمية، بين الرجل ذي المحظية وبين الرجل المتزوج؛ إذ كان على العاشق أن يأخذ الهدايا إلى بيت فتاته؛ وكان بوسع الزوج أن يحوّل ثلثي ممتلكاته باسم زوجته (لتصير ممتلكات أولاده بعد مماته)؛ وكان الزنى بامرأة سبباً للطلاق وقد يؤدي إلى حرق الزانية وهي مقيدة؛ وكان الزوج يدفع تعويضاً إذا أراد أن يطلق زوجته؛ وأخيراً إذا لم ينجب الزوجان أولاداً أمكنهما اتخاذ أمة صغيرة السن، فإن ولدت للزوج أولاداً أمكن جعلهم شرعيين بالعتق عند وفاته...
ومن بين ملكات الدولة الحديثة من كانت زوجة لفرعون ووالدة لأولاده، وفي الوقت نفسه كانت "زوجة الإله آمون" لأغراض الطقوس الدينية .
بيد أنه في عصر لاحق من عصور الملوك الكهنة (الأسرة الحادية والعشرين) ظهرت إحدى العادات التي لا يُعرف منشؤها، واقتضت تكريس ابنة الملك زوجة لذلك الإله، وحتمت عليها أن تبقى عذراء وظل هذا الزواج الإلهي على الطريقة البابلية مدة طويلة أمراً غير مفهوم لنا رغم رواية "هيرودوت"…
وكانت الزوجة المقدسة زوجة لآمون وحده، وأضفت على عبادته عنصراً جنسياً خفيفاً، إذ كانت تبهج الإله بجمالها وبموسيقى صلصلتها، وتجلس فوق ركبته وتلف ذراعيها حول عنقه، وكان لها بيت، وتُمنح خدمات خاصة وأراضي وجميع مخصصات فرعون الرسمية . بيد أن سلطتها كانت روحية أكثر منها سياسية، وعادة ما تتبنى أميرة صغيرة السن لتخلفها، وكان على كل حاكم جديد أن يقدم واحدة من أسرته لتكون الوارثة المزعومة للزوجة المقدسة الحاكمة، ويتألف بلاط تلك الزوجة من حريم مكون من محظيات آمون . وكانت خادمات الزوجة المقدسة عذراوات مثلها ويتبنين فتيات خلفاً لهن .
وبعد هذا الحديث الضافي في معجم الحضارة المصرية القديمة عن الزواج تقبلوا تحياتي