لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القسم الادبي > منتدى الكتب > كتب الأدب واللغة والفكر
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

كتب الأدب واللغة والفكر كتب النحو والصرف والأصوات والمعجم والبلاغة واللسانيات المعاصرة - الأدب العربي القديم - والنقد الأدبي القديم والحديث- أدب الطفل- وكتب الأساطير والغرائب - كتب الفلسفة و المنطق - الدراسات الفكرية - كتب الفكر الإسلامي


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-10-07, 12:56 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9261
المشاركات: 1,076
الجنس ذكر
معدل التقييم: تيتوف بارة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدNauru
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تيتوف بارة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تيتوف بارة المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

الفصل الثامن:
نحن والآخر في الخطاب الروائي:
سويسرا أنموذجاً


مقدمة
اقترنت سيرورة الرواية العربية منذ البداية بالاشتغال على ما سميته منذ عام 1985 بوعي الذات والعالم(1)، أي – بحسب كثيرين- وعي النحن والآخر. وإذا كانت الرحلة والسيرة هما الحامل الأكبر لتلك السيرورة، فالعلامة الكبرى كانت ولا زالت كما شخصها للتو معجب الزهراني: غياب أو ضعف الخطاب الحواري الروائي، والمتصل بهشاشة وهامشية الفكر الحواري في ثقافتنا، هذا الفكر الذي يجمله الزهراني بأشكال وعيٍ يوجه الأفراد أو الجماعات لمعاينة الاختلافات فيما بينهم، أو بينهم وبين الآخر، من منظور إيجابي يساعد على التفاعل(2).
ولقد شخّصتُ في تلك السيرورة الروائية، حتى منتصف العقد الثامن من القرن الماضي، تنوع الآخر الذي ظل لعقود فرنسياً أو إنكليزياً، فبات يشتمل على ما كان يعرف بالغرب الاشتراكي (روايات صنع الله إبراهيم: نجمة أغسطس، حنا مينة: الربيع والخريف، سميح القاسم: إلى الجحيم أيها الليلك- مثلاً) أو حلقات أخرى في السلسلة الأوروبية كألمانيا (رواية محمد عيد: المتميز) وسويسرا (رواية عبد الحكيم قاسم: محاولة للخروج). كما شخصتُ الفضاء الروائيَ الجديدَ لإشكالية وعي الذات والعالم، أي اللقاء في مركز النحن، كما في رواية عبد الحكيم قاسم المذكورة، ورواية سليمان فياض: (أصوات). ومن المهم في هذا السياق أن بطل الرحلة أو صاحب السيرة صار بخاصة المثقف المهمش في وطنه، أو المنفي إلى أوطان الآخر، وأن الكاتبة دخلت على الخط (سميرة المانع- حميدة نعنع).
وفيما تابعتُ من بعد، أخذ تنوعُ الآخر يتواتر ما بين أمريكا (رواية طائر الحوم لحليم بركات مثلاً) والصين (رواية المغامرة الأخيرة لحنا مينة)، كما توطدَ انتسابُ هذه السيرورة الروائية للتجربة الحداثية الروائية العربية، بعجرها وبجرها.
على ضوء ما تقدم، وفي غمرة الصخب المتعلق بحوار الحضارات وصراعها، ستنظر هذه المحاولة في النصوص الروائية التالية التي تتعلق بالآخر الأوروبي المتميز في الأنموذج السويسري(3).
1.بهاء طاهر: الحب في المنفى
تكتفي رواية بهاء طاهر (الحب في المنفى)(4) من تعيين فضائها بما يؤكد أنه بقعة أوروبية. وعلى المرء أن يعول على سيرة الكاتب الذي أقام في جنيف طويلاً، وعلى تأويل ملامح مدينة (ن) التي ترسمها الرواية، ليصح القول بالفضاء السويسري، مع التشديد على أن لا علّة بادية لذلك إلا أن تكون تقية استدعتها السيرية.
وكما يليق بالرواية السيرية، تتمحور (الحب في المنفى) حول راويها بضمير المتكلم، وهو المصري المسنّ الذي يراسل صحفية مصرية، بعدما طردته القاهرة إلى الغربة في (الشمال)، أي: الغرب.
وتبدأ الرواية بالمؤتمر الصحفي الذي تعقده لجنة الأطباء الدولية لحقوق الإنسان حول انتهاكات حقوق الإنسان في شيلي، حيث نتعرف على الشخصيات الأساسية في الرواية: الدكتور مولر الذي تهمه مدينة (ن) لأنها ملتقى دولي، والذي شارك مع الجمهوريين في الحرب الإسبانية، وبريجيت شيفر المترجمة (عن الإسبانية) النمساوية الشابة، والتي كان الدكتور مولر صديق والدها وعشيق أمها، والصحفي المصري الماركسي الحالم المبعد إلى بيروت والقادم منها إلى المؤتمر: إبراهيم المحلاوي، والصحفي السويسري، المناصر للقضية العربية: برنار.
حمل المحلاوي إلى المؤتمر ملفاً عن خطف إسرائيل – بمساعدة جيش سعد حداد- لفلسطينيين ولبنانيين، وتعذيبهم واختفاء بعضهم. والمحلاوي يرى أن أوروبا هي – رغم كل شيء - الأمل، ولا يعني بذلك العلم أو الحضارة، بل الإنسانية. كما يرى المحلاوي مكتب الحزب الشيوعي أوروبا الحقيقية. ومثل صديقه (بطل الرواية) يقع في حب بريجيت، لكن جسده يعجز عنها، وسنراها تحب بطل الرواية الذي لا يرى فرقاً بين يمين ويسار في هذه المدينة - البلاد، كما يرى أن الناس فيها لا يحبون الأجانب ولا يختلطون بهم.
إلى السيرية، تقوم هذه الرواية أيضاً على الوثائقي. فشهادة التشيلي بيدرو إيبانيز (ضحية التعذيب) في المؤتمر الذي تبتدئ به الرواية، هي وقائع بتصرف، وإن يكن اسم بيدرو وشقيقه فريدي حقيقين، كما سيوضح بهاء طاهر في ذيل الرواية. وشهادة الممرضة النرويجية عن مخيم عين الحلوة هي مزيج من أقوال منشورة لها، ومن حوار معها. أما المقال المنسوب للشخصية الروائية برنار فهو وثيقة، بالإضافة إلى شهادة الأمريكي اليهودي الصحفي رالف، الذي كان أول من دخل مخيم صبرا بعد المجزرة.
غير أن التخييلي عجن السيري بالوثائقي، لتقوم رواية (الحب في المنفى) على إيقاع حرب 1982 في لبنان، معرية الذات الفردية والجماعية في وطن الآخر وفي حضوره، وليس كما رأينا في رواية غادة السمان (ليلة المليار): في غيابه. وتأتي تلك التعرية – من جهة أولى - باستعادة الماضي الناصري والساداتي للراوي وللمحلاوي، وبعلاقة الراوي بزوجته الصحفية منار، وبابنه الذي تأخذه الأسلمة إليها، ومن جهة ثانية، تأتي التعرية في حب إبراهيم والراوي لبريجيت، وعبر شخصيتي يوسف والأمير حامد بن.. واللتين تستدعيان رواية (ليلة المليار)، حيث يبدو أن المرجعية تصل بينها وبين رواية (الحب في المنفى). فمقابل مشروع رغيد في مجلة تدجّن المثقفين، ها هو الأمير حامد بن.. – مثل الشيخ صقر في رواية السمّان- يحاول استقطاب الراوي ليصدر جريدة لصفوة الأقلام القومية التقدمية. وتكفي إشارة الأمير إلى موقف بلاده من زيارة الأضرحة (تحريمها الوهابي) ليدرك المرء أن الأمير سعودي.
أما سبيل الأمير إلى استقطاب الراوي فهو يوسف الشاب المصري المتزوج من الخمسينية إيلين. وبينما ينجز يوسف تردده ويلتحق بركب الأمير، فإن الراوي يرفض الشيك السخي، ويدفعه حدسه إلى التحري عن الأمير، فيعلم بما بين ذلك الشقيق الأصغر للحاكم، والمتعلم، وبين المليونير اليهودي اسحاق دافيديان، والذي هاجر من مصر بعد حرب 1956، وحمل جنسية البلد الأوروبي المعنيّ (سويسرا) وبات أكبر تاجر للخيول العربية في أوروبا. أما شريك هذا الذي تبرع بمئة ألف دولار للجيش الإسرائيلي بعد حرب لبنان، فهو الأمير الذي يرى نفسه أولى بولاية العهد في بلاده، و يريد الصحيفة العتيدة لتكون سلاحه في محاربة ذلك المنافس.
بالتوازي مع علاقة الحب بين بريجيت والراوي يأتي ما تقدم بينه وبين الأمير الذي يجدد محاولة الاستقطاب عن طريق بريجيت، بالترغيب وبالابتزاز، إذ سيبلغ الأمر به حد فرض طردها من العمل على رب عملها، فتغادر إلى بلدها (النمسا) في نهاية الرواية، ولكن بعد أن تشارك في المظاهرة التي ينظمها الراوي وآخرون ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا، وهي المظاهرة التي يحاول يوسف تخريبها، بينما يقود برنار في جريدته (التقدم) حملة على انتهاك إسرائيل لقوانين الحرب الدولية، ويخطب رالف في المظاهرة.
بالمقارنة بين رواية (الحب في المنفى) ورواية (ليلة المليار) سيبدو بجلاء لعب كل منهما بالمادة الخام: الأمير والمجلة والمظاهرة... كما سيبدو حضور الآخر في رواية بهاء طاهر، وفعل حرب 1982 فيه، مقابل غيابه عن رواية غادة السمان، واكتفائها بفعل تلك الحرب في (النحن). وعلى الرغم مما تعري رواية بهاء طاهر في الآخر من العنصرية ومن الصهينة، فإنها ترسم بحساسية بالغة الوجه الإنساني لذلك الآخر، والذي تتوجه رغبة بريجيت بطفل من الراوي "نعلمه الحب قبل كل شيء، وسينجو بالحب مثلما نجونا".
2-عائدة الخالدي: وقد يأتي الربيع خريفاً(5):
كما هو الأمر مع بهاء طاهر في روايته (الحب في المنفى)، يبدو مع عائدة الخالدي في روايتها "وقد يأتي الربيع خريفاً" إذ تكتفي بتعيين فضائها بما يؤكد أنه بقعة أوروبية، وبإشارة إلى أن الراوية – البطلة قد تسلقت الجبال المكللة بالثلج في سويسرا ذات مرة. وعلى المرء أن يعول على سيرة الكاتبة التي أقامت في سويسرا عشرين عاماً – كبطلتها كارمن - وعلى السيرية في الرواية، كي يصح القول بالفضاء السويسري، مع التشديد على أن لا علة بادية لذلك إلا أن تكون تقية استدعتها السيرية.
تكاد (وقد يأتي الربيع خريفاً) أن تكون مونولوجاً طويلاً تبثه كارمن السورية للطبيب السوري الذي أحبته، وعبر المونولوج تسرد قصة حياتها، وفي الصلب قصة ذلك الحب. وتبدأ الرواية بسفر كارمن إلى ذلك (البلد) مصطحبة كتاباً لأحلام مستغانمي، يصدمها فيه أن مستغانمي تتحدث بلسان – ضمير رجل، لا امرأة. وكما ستلعب كارمن بضمير المتكلم والمخاطب والغائب، تخاطب حبيبها منذ هذه البداية: "هل أخاطبك بضمير المخاطب أم بضمير الغائب؟ فأنت دائماً غائب عندما تكون حاضراً، وحاضر عندما تكون غائباً". وفي هذه البداية ترمي كارمن بـ (خطة) روايتها مستلهمة قول أحلام مستغانمي: "إن امرأة تكتب هي امرأة فوق كل الشبهات"، فتعلن أنها ستروي التفاصيل دون رابط زمني، بل وستضيف إليها ما لا يزال في رحم الغيب.
هاربة من حبها الأول، تزوجت كارمن من السويسري بيتر، بعدما التقيا في لندن. وكان بيتر غريباً عن عالم الجنس والمادة والمخدرات "مأسوراً بروح الشرق الذي درسه وأحبه"، وأفكاره تتعارض مع أفكار والديه، لذلك أدار ظهره لشركة العائلة التي يديرها أخواه، وأقنع كارمن بالرحيل صوب بلاد الشرق. وإذا كانت كارمن قد غبطت نفسها على الزواج من أجنبي لا يريد إثبات فحولته ليلة الدخلة، كأغلب الشرقيين، فقد ظلت بعد سبع سنوات من زواجها نصف عذراء. وسرعان ما اكتشف بيتر أن زواجه لا يمنحه حق الاستمرار في البلد الذي أحبه: سورية، كما اكتشفت كارمن أنها تصبح (شيئاً) إن تزوجت سوريّاً، و (لا شيء) إن تزوجت أجنبياً. وهكذا أقام الزوجان في سويسرا "تسعة عشر عاماً من حرب باردة مستمرة" مع والدي بيتر اللذين لم يريا في كارمن سوى امرأة غريبة.
بعد سبع سنوات من الزواج، وخمس من المعالجة تنجب كارمن، وقد حيرت علتها الطبيب، فلم يشخصها إلا بـ "عدم انسجام فيزيولوجي". لكن علة نادرة ومبهمة أكبر، ستبتلى بها ابنتهما ليلى، لكأن اللقاء المرموز لـه بالحب والزواج والإنجاب بين كارمن وبيتر، محكوم عليه بالاعتلال الذي ليس إلا تعبيراً عن الاستحالة، وهذا ما سيتأثث فيما تروي كارمن من حياتها مع بيتر، في متاعبه دوماً مع أمه التي يراها أفعى تنفث السم، ولا يفتأ يشكو والديه وكارمن تمل من الإنصات. والزوجان في سفر متواصل، وبيتر لا يريدها حبيبة، بل رفيقة سفر، ولا يريد الإنجاب، ولا يفتقدها في غيابها كما يفتقد رجل امرأة. وإذ يأويان إلى النوم، يتبادلان قبلة ثم يدير كل منهما ظهره للآخر، وهي تحاول ترويض جسدها، فبيتر ليس كازانوفا "يحترمك ولا يكبلكِ" لكنها تشعر بالاشمئزاز من نشوة لا يمكنه بلوغه معها، فيجرح أنوثتها، وبعد هذا كله يأتي الطبيب السوري الذي تعشقه ويعشقها.
هذا المعشوق المطلّق الذي يتابع حالة ابنة كارمن قبل إعادتها إلى سويسرا، سرعان ما يدير ظهره للعاشقة التي لا تفتأ تلاحقه وهو يتهرب.
ولأنها نشأت على الصدق، تصارح بيتر بعشقها منذ البداية، فيحضها على أن تذهب إلى من عشقت وتتأكد من عواطفها، وشرطه الوحيد "أن نبقى أصدقاء".
ترى كارمن أن بيتر يتنازل عنها بكل سهولة: "منتهى النبل أو منتهى النذالة؟". وعندما تحدث حبيبها عن زوجها الذي يحكم "هكذا هم هؤلاء الأجانب"، يحيرها أنه يمتدح بيتر وبيتر يمتدحه، ويفجعها تهرّب الحبيب: "حصلت علي وانتهت لعبة المطاردة.. لعبة شرقية سخيفة لم أستطع أن أفهمها ولا أريد أن ألعبها". أما العاشق فيعلل موقفه "أنا لم أشأ سوى صداقة.. صداقة فقط.. إن النساء العربيات فعلاً معقدات".
ترغب كارمن ببعض غيرة من بيتر. والرجولة بحسبانها موقف تفتقده في بيتر، أما المساواة فموضوع آخر. وهكذا ترى نفسها قد هربت من الشرق إلى الغرب، ثم من الغرب إلى الشرق، فلم تجد ما كانت تبحث عنه. وستتتوج الرواية برضوخ بيتر لوالديه، واقتراحه الطلاق وبقاء ليلى معه في سويسرا لمتابعة علاجها. وكانت الطبيبة النفسية في مركز معالجة ليلى قد شخصت في والدي بيتر أنموذجاً مثالياً للوالدين المتسلطين، كما شخصت فيه أنموذجاً مثالياً للابن الواقع تحت تأثير سلطة والديه.
عبر المونولوج الطويل – الرواية- الذي تسرد فيه كارمن ذكريات نشأتها وأسرتها وزواجها وعشقها وعلاج ابنتها، ترسل قولها في الآخر، سواء عبر علاقتها مع بيتر أم مع سواه. فذلك البلد الذي صارت مواطنة فيه منذ عشرين سنة، وإن يكن غربة، أحبت فيه النظام والتزام الناس بالعمل والمواعيد وسهر الدولة على راحة مواطنيها واحترامها لهم. لكنها كرهت هناك برودة العواطف وتعجرف الناس وضيق أفقهم أحياناً، وملت من أسئلتهم التقليدية: "المرأة والحجاب، المرأة والرجل، الإسلام ومحرماته.. إسرائيل المسكينة والعرب المتربصون بها". وقد تنبق مفاخرة كارمن للآخر، فالمسواك فرشاة أسنان أجدادنا أيام كان أجدادهم لم يكتشفوا الفرشاة بعد. وإزاء هذا الحب للآخر وهذا الانتقاد، لا تفتأ كارمن ترسل ما يشخصها متميزة. فالخيانة بالنسبة لها ليس في أن تكون للرجل صديقة، بل أن يكذب على شريكة حياته. وهي تخاطب حبيبها "لم تتعود – أيها الشرقي- على امرأة مثلي تعتبر الكذب أكبر الخطايا". وعلى لسان إحدى شخصيات الرواية ترتسم كارمن: امرأة شرقية "فريدة من نوعها، فهدفك في الحياة ليس أن تتزوجي وحسب وتصبحي مجرد زوجة فلان، بل أن تكوني وتبقي أنت أنت". وكارمن نفسها تخاطب شخصية أخرى في الرواية: "غريب أمر الرجل الشرقي.. إنه معظم الأحيان، حتى وإن كان مثقفاً، يخاف من المرأة المثقفة التي تحاوره وتناقشه.. يحترمها لكنه لا يريدها لأنها تسبب لـه أو يتوهم أنها تسبب لـه صداعاً، ولذا يفضل عليها أية امرأة أخرى.. امرأة لعوب تجامله وتحذره ولو كانت تسخر منه.. أو يريدها امرأة (خام) يشكلها كيفما يشاء".
ومع الحبيب، وبخاصة بعدما يقترح عليها الأخوّة بدلاً من الحب، نرى العاشقة تميز بين حب الرجل وحب المرأة: "إنها تحب بقلبها، والرجل يحب بشهوته، فحبها باق، وحبه متحول"، ولذلك، ورغم أنها متزوجة، ترمي بالسؤال الاستنكاري: لماذا نتزوج؟.
لقد قدمت رواية (وقد يأتي الربيع خريفاً) شخصية روائية نسائية متميزة بحق، رغم لفعة النرجسية المتبدية آنفاً. ويتحدد هذا التميز في العشق وفي المؤسسة الزوجية وفي الأمومة التي تواجه اعتلال ليلى. وثمة في الرواية شخصية سناء التي تعبت من الحب وتتوق للاستقرار، وهي في الخامسة والثلاثين، والتي تكتشف ما بين الطبيب وكارمن كما تكتشف كارمن مشروع زواج الطبيب لها، ومع ذلك تظل على تعلقها به وتتمتن علاقتها بتلك التي تحبه: سناء. وهذه الشخصية مثل كثيرات من شخصيات الرواية من سويسرا أو إيطاليا أو سورية، تنطوي على عناصر ثرة للتميز، لكنها تبدو مجهضة بفعل الكتابة العابرة عنها، و/ أو بفعل تدافرها كتدافر الأحداث الثانوية المشتتة والمشتتة (بالكسر فالفتح)، وهو ما نال من شخصية كارمن نفسها، ومن شخصية بيتر والطبيب العاشق – الشخصيات الرئيسية - مما ساعدت عليه سذاجة لعبة الزمن الذي تنظمه الفصول والأيام مرقمة أو مسماة، بدون السنة دوماً. أما الوطأة الكبرى التي تشكو منها هذه الرواية فهي الأخطاء الإملائية والنحوية التي لا تكاد تخلو منها صفحة. وبرغم ذلك كله يظل للرواية ما تُدِلّ به، مما جسدته كارمن من صورة الآخر ووعيه، ومن صورة الذات ووعيها، وما تطرحه من اعتلال العلاقة – استحالتها - سواء في الزواج من بيتر أو في مرض ليلى.
3-سليم مطر: امرأة القارورة:
على إيقاع حربين أخريين هما حرب الخليج الأولى والثانية، يأتي
اللقاء بالآخر السويسري في موطنه، على يد سليم مطر في روايتيه (امرأة القارورة)(6) و (التوأم المفقود)(7) الأشبه بثنائية، تتصل أولاهما بهرب الراوي عام 1988 من الحرب العراقية الإيرانية (1980) إلى أوروبا التي صارت "مخلصي المنتظر وأرضي الموعودة، حتى عذاباتها كنت أراها مختلفة عن عذابات الشرق".
يزدوج الراوي في الروايتين، فهو في (امرأة القارورة) أيضاً (آدم). وهذا الثنائي المعبر عن الثنائية المعهودة (الفكر والشهوة) يبلغ جنيف عام 1981 – من منهما إذن قضى سبع سنوات يحاول الفرار؟ - حيث يتزوج آدم من مارلين، منجذباً إلى حنان الأم فيها، وإلى ما فيها من ملامح حبيبة المراهقة (إيمان) السجينة في العراق. ومثل أصنائه في الرواية العربية الحضارية، تستغرب السويسريات تأثيره الخفي فيهن، وهو المتصوف الثوري، لكن أوربا تمانع صاحبنا الجنس حتى يلتقي مارلين التي سيخونها مع هاجر بعدما تطلع من القارورة.
في أوربا حلت مارلين بالنسبة لصاحبنا محل الحزب، وحل الحاسوب محل القضية "وما فتئ يداوي آلام حاضره في جنيف بآلام أفظع من ذكرى الوطن". ومع اطراد الحرب يغرق الراوي وآدم - الاثنان واحد - في الحاسوب والعربدة حتى يتوحدا مع ظهور امرأة القارورة، حيث تشرع الرواية في قراءتها للتاريخ والأسطورة والدين، وصولاً إلى حفل الخلاص في جنيف. ولكن أية نهاية هذه وليس لهاجر إقامة شرعية، ولا ينفع المحامي في تدبير لجوء سياسي لها؟
عبر ذلك ستكون مارلين قد حملت. وفي النهاية يشرب الراوي وآدم ومارلين نخب الوليد القادم، نخب الشرق والغرب في هذا الذي يدعون لـه وهو يطفو مع قارورته فوق الماء: "فليغمرك سلام أبدي". إلا أن الحكومة السويسرية مصرة على ترحيل هاجر، لأن الحرب ليست سبباً كافياً لمنحها حق اللجوء، وبخاصة أنها امرأة، وأن سويسرا مكتظة بالأجانب. والحكومة متيقنة من أن هاجر لن تضطهد في بلادها، ولن تجدي وساطة الصليب الأحمر ولا سواه، فهل كان موقف الآخر هذا ما جعل آدم لا يأبه بمارلين ولا بحاسوبه ولا بعمله، بل يعود – كالراوي - إلى حيوانيته، من حانة إلى حانة، ويصير لـه ذيل، والجمهور السويسري الثمل يتفرج عليه، وهو يشكو لإلهه وحدته؟
لقد تحول آدم أخيراً إلى ثور حقيقي في القاعة، والمرأة أمامه، تطعنه بالسيف، ويعثر عليه الراوي صريعاً في شارع كاروج.
4-سليم مطر: التوأم المفقود:
ها هنا تقف (امرأة القارورة)، لتبدأ بعدها (التوأم المفقود) ماضيةً إلى العرفانية بصريح الدعوة.
لقد تسمى الراوي هنا بـ (غريب) وستدفعه إلى شوارع جنيف استغاثة توأمه ليلة اندلاع حرب الخليج الثانية، فإذا بالشوارع تفجؤه بصخبها بكلمات الحرب- العراق- الكويت- أمريكا)، وإذا بالكون كله يرجّع استغاثة التوأم العراق.
وغريب هارب من الحرب العراقية الإيرانية، وحامل للجنسية السويسرية، ومتزوج من مارلين، وقد ظل حتى صرخة توأمه يتحاشى أية صلة مع أي من العراقيين أو العرب المنفيين، وديدنه هجاء النحن (شرق الكوابيس- بلادي اللعينة) وهجاء الآخر. فهذا الموظف في مكتبة متحف التاريخ، والذي تعلم الفرنسية وبدل جلده – ما عدا الاسم - جعله تصديقه الطفولي لأحلام الحداثة يتقبل مظالم جنيف. وأدرك بعد سنوات أن الحضارة ليست جنة الخلد. وهو يشخص في الآخر سلوكه الاستعلائي الانعزالي الذي يحصر الأجنبي بين الهرب أو الرضوخ للتدجين اليومي "إنها بحق ماكينة جهنمية جبارة من الانمساح المؤدب والمغلف بورق الألمونيوم الملطخ بشعارات الحب والشفقة والتضامن".
لقد انبثقت لغريب من بحيرة جنيف التي تبدع الرواية في وصفها، تلك الحورية الغامضة، حاملة القارورة. ولئن كان ذلك وسواه يستدعي رواية سليم مطر السابقة، فإن غريب في هذه الرواية – بخلاف آدم في الرواية السابقة - حاقد على أوروبا منذ المراهقة، لأن الحبيبة إيمان تمضي إليها مع ذويها الأثرياء كل صيف. وبعد عودة غريب إلى بغداد ملبياً نداء توأمه، يودع في قصر عبد القادر الذي تحول إلى سجن، فتدوي صرخته الأولى: "لماذا هكذا يا أوروبا تتعاضدين مع أعدائي وتخطفين مع أعدائي مني معبودتي؟ لتذهب إلى الجحيم باريسك ولندنك وجنيفك".
في الفصل الأخير من الرواية (الهبوط) يطرد غريب من بغداد، ويحط في مطار جنيف، فيتحول الحاجز في المطار إلى جبهة حرب عابثة، وتسعر أجهزة الإنذار والكلاب والحراس، لكن غريب لا يحمل ممنوعات، وهي بالتالي حالة عجيبة يفترض لها الأستاذ الأمريكي أن هذا العراقي القادم من الحرب، هذا الشرق أوسطي، جسمه ملوث ومشبع بذرات مجهولة تبعث إشعاعات تؤثر على حساسية الكلاب والآلات.
يأخذ السويسريون بالفرضية الأمريكية التي تنصح بقبول الحالة العجيبة لدرسها. وتحضر منظمة إنسانية لرعاية طالبي اللجوء، فينفجر بكاء غريب أمام المرأة – الكائن الأسطوري من الأنوثة والأمومة. وتكتشف المرأة كم ظلت تشتهي في أعماقها من الرجل فحولة الجسد وأنوثة الروح. ومع هذا الهارب من جهنم الشرق تستعيد المرأة المطلقة حياتها، وتشكو الصمت واللا جدوى والخيبة، بينما يشكو غريب الفقر والحرب والتشرد، ويعاد إثر هذا اللقاء بغريب إلى الحاجز، فإذا بكل شيء طبيعي، ويضحك مع المرأة، فيغمر الضحك العالم، ويعود إلى مارلين التي تلد في المستشفى، فيهتف للوليد: "أهلاً بك يا توأمي الحبيب".
5-غازي القصيبي: العصفورية
فيما تستأثر أمريكا بحضور الآخر في رواية غازي القصيبي (العصفورية)(8)، يبقى لسويسرا نصيب. فراوي الرواية وبطلها البروفيسور بشار الغول، وفي بعض تقلبات حياته التي لا حد فيها لواقع أو لخيال، ولا لجد أو هزل، يمضي إلى زيوريخ سعياً خلف وكالة سكاكين الجيش السويسري، ويلتقي الكولونيل موفنجيك وزير العلاقات العامة في الجيش الفيدرالي السويسري متمنطقاً بسكين. ويخيب سعي البروفيسور لأن القانون السويسري يحرم على الأجانب ممارسة التجارة، كما يشرح الكولونيل، فيعقب البورفيسور: "ما هذا بكرم ضيافة" فيضيف الكولونيل: "ويحرم القانون السويسري على الأجانب تملّك مربط عنز في جنيف وضواحيها، ويحرم عليهم شراء مصانع الساعات. ويحرم عليهم الإقامة في البلاد أكثر من ثلث ساعة. ويحرم عليهم رمي قشور الفصفص(...) ويحرم اصطحاب المربيات الشرقصيات إلى منتجعات التزلج". والشرقصيات هن القادمات من الشرق الأقصى، واللواتي راج استخدامهن في دول الخليج العربي.
على ذلك يعقب البروفيسور متسائلاً: "ألا يحرم القانون على الأجانب وضع مصاريهم في بنوككم؟". ولأن الكولونيل ضحك ولم يجب، تابع البروفيسور: "لو علم الله فيكم خيراً يا أهل سويسراء ما حرمكم المنافذ البحرية، ولا جعل حرس البابا منكم، ولا ابتلاكم بالحياد السلبي، ولا بلبل ألسنتكم بعدة لغات رسمية، ولا جعلكم من سكنة الكانتونات، ولا جعل رزقكم في أبرد ما عندكم". وفي مقام آخر من الرواية سنرى البروفيسور في مصحة جنيف القائمة قرب جنيف، والتي تقدم خدمات تجميلية وعلاجية من كل نوع "أغرب مصحة في العالم، وأغلى مصحة" والكلفة اليومية تبلغ عشرة آلاف دولار.
هنا، وحيث يُعطى التقرير للزبون بالاسم الذي يفضل، يلتقي البروفيسور بالدكتور مونتيسيكيه: "سويسري بوذي مجنون خالص يؤمن بالتنويم المغناطيسي وتناسخ الأرواح. كان ينومني مغناطيسياً كل يوم، ويرسلني في رحلة عبر القرون بحثاً عن تناسخاتي السابقة، حتى كاد يصيبني بالجنون".
ولم ينقذ البروفيسور من مونتيسيكيه فيما يروي سوى شيرلي ماكلين التي كانت تُعالج من عضة في المكسيك أثناء بحثها عن تناسخاتها السابقة، فمصحة جنيف وحدها في العالم تعالج عضات الوطاويط مصاصة الدماء. وقد عوفي مونتيسيكيه، وركَّب عقاراً لمنع الملل، عندما انتهى البروفيسور من تناسخاته السابقة.
وفي المصحة التقى البروفيسور أيضاً بالدكتاتور صلاح الدين المنصور مع معشوقته المثقفة (ضمائر)، ورأى إليزابيت تايلور تُعالج من إدمان الكحول والأزواج والمخدرات والعمليات التجميلية، ورأى مايكل جاكسون، والأهم أنه رأى الجنرال موشيه بن غرودين عادياء – رئيس الموساد سابقاً – الذي يعمل مستشاراً لمصحة علاجية، وصديق ديكتاتور عربستان 48 وديكتاتور
عربستان 49.
بعد خروجه من المصحة، وعلى شاطئ بحر جنيف، يلتقي البروفيسور أيضاً بفضيلة الدكتور ضياء المهتدي، مشروع الديكتاتور الإسلامي القادم، والذي يعمل في سويسرا، ويشرف على الجهاد، ويبشر البروفيسور بالنصر القريب. لكن البروفيسور يخشى اعتقال السلطات السويسرية بتهمة النقاش العلني، ويلتقي مجدداً برئيس الموساد السابق الذي يسعده مشروع الديكتاتور الإسلامي، فما يخشاه فقط في أي عربستان هو الديمقراطية.
عبر ذلك سيقول البروفيسور "بغضاءٌ أهل سويسرا وثقلاء" وسيتساءل: "هل رأيت في حياتك كلها سويسرياً دمه خفيف؟". وهكذا، بالسخرية الهاتكة والنقدية الجارحة للذات وللآخر، وبجنون المخيلة واللغة والسرد، مما تقوم به رواية (العصفورية)، ترتسم صورة الآخر السويسري في موطنه، متقاطعةً مع الكثير من صورته (الجدية) في الروايات التي رأيناها من قبل.
6-جميل عطية إبراهيم: 1981
رواية جميل عطية إبراهيم (1981)(9) هي الجزء الأخير من ثلاثيته التي تعنون جزؤها الأول بـ (1952) وجزؤها الثاني بـ (1954). وجنيف هي فضاء الجزء الثالث – حيث أقام الكاتب ردحاً مثل بهاء طاهر- ومقام المستشار كرامة سرحان السقا مع زوجته الأميرة جويدان وابنتهما أبسنت.
يعمل كرامة في البعثة الديبلوماسية المصرية. وستبني الرواية المزاوجة بين ذكرياته المصرية والحاضر السويسري، مثله في ذلك مثل خال عباس أبو حميدة، الشيوعي الذي فرّ إلى براغ وأقام فيها، ومثل شخصيات الرواية الأخرى، بدرجة أقل فأقل.
من عزبة عويس انطلق الفلاح كرامة، وعشق زهية الغجرية - أو زهية عاملة الترحيلة أو زهية الفاجرة.. – وتزوج منها وحملت منه، لكنهما افترقا عندما أصرّ على إجهاضها. ومنذ فتح عبد الناصر أبواب (الخارجية) لأبناء الفلاحين، التحق كرامة بالديبلوماسية، إلى أن بات في عهد السادات – وكانت جنيف قد صارت مقامه - يبرم الصفقات البترولية السرية مع الإسرائيليين، من خلف ظهر السفارة، رافضاً العمولة.
أما زهية فستتابع دراستها مع ابنها من كرامة الذي سمته محمد نجيب، بعدما تبنتها وابنها الشيوعية أوديت التي ستقضي في المعتقل، تاركةً مذكراتها عن الحركة الشيوعية المصرية التي يحملها إلى جنيف والدها أحمد السيد باشا، ليعهد بنشرها إلى رفيقها خال عباس الذي يشارك في جنيف في مؤتمر عمالي دولي. وقد تزوج الباشا من زهية وربّى ابنها، وهو كما سينجلي في نهاية الرواية على علم بسرّ زهية وكرامة.

بعد ثلاثين سنة من الانقطاع، وبحضور زهية إلى جنيف لإجراء فحوصات طبية، مع زوجها الباشا وابنها، تلتقي بكرامة الذي يعد هذا اللقاء في جنيف الجحيم بعينه. وفيما ترصد الرواية تعقيدات لقاء الزوجين السابقين، ولقاء الأب بابنه الذي يجهل أباه، تشتبك في الفضاء السويسري خطوط الرواية الأخرى من ترتيبات التحكيم حول طابا، إلى متابعة كرامة لدورة من المفاوضات حول نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، إلى عمل الأميرة جلبهار مترجمة في مباحثات نزع السلاح بين السوفيات والأمريكان، إلى مصرع ديبلوماسي سعودي في أحضان عاهرتين، إلى مصرع ديبلوماسي شرقي في الكراج، إلى توتر علاقة كرامة بزوجته الأميرة جويدان..
من مبنى الأمم المتحدة في جنيف، حيث البيروقراطية - يقول الصحفي أنور سلامة - هي محصلة البيروقراطيات في العالم، إلى الفنادق والبحيرة والمستشفى وبيت كرامة والمكاتب الديبلوماسية، تدور أحداث الحاضر الروائي، على خلفية الذكريات المصرية دوماً. وستوقّع لكرامة أغنية (يا بهية وخبريني) منذ البداية، كما ستوقع لزهية. ولكن لا ينبغي إغفال ذكريات أحمد السيد باشا في جنيف نفسها، والتي تقوده إلى المقهى الذي كان لينين يجلس فيه، وحيث يردد الطرفة "جنيف ترحب بلينين حياً وترفضه ميتاً"، إذْ رفضت الحكومة السويسرية إقامة متحف للينين، بينما السلطات السياحية تحيط مقهاه بالدعاية. وإلى قاعة اللوحات الفنية الأصلية يمضي الباشا أيضاً بصحبة خال عباس، مهيئاً لكشف سر زهية وكرامة، ولشراء قصر عويس والد الأميرة جويدان. وبحضور المحامي اليهودي المصري بن هارون لإبرام عقد الشراء، تطلع هذه الشخصية التي طردت من مصر عام 1958 بدعوى اليسارية، دون أن تسقط الجنسية عنها. وطوال ثلاثين سنة ظل بن هارون في جنيف معادياً للصهيونية ومسكوناً بذكرياته المصرية، وهو الذي وصل جنيف يردد قولة الكاتب السويسري ماكس فيشر أثناء هجرته القصيرة إلى الولايات المتحدة: "الوطن هو الذكريات". وها هو بن هرون يردد الآن "عذاب الغربة أقسى من الضرب".
في موطن الآخر السويسري إذن، وفي غيابه، تقوم رواية هذه الشخصيات المصرية، فحتى الباشا نفسه، منذ وصوله إلى جنيف "يعيش أحوال الوطن على نحو لم يعشه من قبل، فماذا جرى؟". وإذا كان السؤال هو المضمر المعلن الذي يحرك الرواية، فليس الفضاء السويسري، ولا الآخر السويسري، سوى محطة عابرة ومعزولة، مهما يطل المقام فيها.
خاتمة:
في الجزء الرابع (الشقائق)(10) من روايتي (مدارات الشرق)، ثمة لحظة حاسمة في تكوين شخصية عدي البسمة، تتصل بالآخر السويسري. فهذا الشاب الدمشقي الذي قصد باريس ليدرس الفن، يقذفه سقوط باريس في الحرب العالمية الثانية إلى سويسرا. وعلى إيقاع الحرب، وبحدب أستاذته العجوز غولدنكله تلهبه الحمى، فيرسم جائساً في شآمه، وأستاذته تهتف به: "ها قد بدأت. لا تتوقف". وحين يرسم إكليلاً للعروس تتلمس غولدنكله رأسها، وتتذكر عرسها أو شبابها أو زوجها الذي قضى في الحرب العالمية الأولى، أو ابنها الذي تجهل مقامه منذ بدأت الحرب العالمية الثانية، وتشك في أن هذا الطالب الشرقي قد بدأ يغازلها وهي التي تكبر أمه بسنين. أما عدي الذي كان يهدي أساتذته وزملاءه ما يرسم من أشياء الشام، فقد بدأ يرسم شوهات الحرب، فترتد عنه غولدنكله وأساتذته وزملاؤه، ولم يكن قادراً على سماع سؤال غودنلكه: "ماذا جرى لك"، حتى ترفع يدها عنه في الأكاديمية، وتعلن خيبتها فيه، فيمضي إلى فم الضبع: إلى برلين، مخلفاً - أو مستقبلاً في أوبته التي ستفضي به إلى روما فالشام – جسد غولدنكله الشائخ وصخب جسده كصخب ربيع بحيرة ليمان. وفي النهاية التي تحمله إلى الشام، يكتشف أنه لا يحمل سوى كذبة في الدراسة "وربما كذبة أكبر في الفن والروح". وهي خيبة أخرى إذن، بفعل صدمة الحرب، ما وسم الذات (عدي البسمة) في تجربته مع الآخر السويسري – وغير السويسري- وإن يكن الزمن أبعد فأبعد عنه في الروايات التي رأينا.
وبمعزل عما يتعلق بي، فتلك المدونة على محدوديتها (ست روايات) تسهم في تبديل جغرافية مسألة النحن والآخر/ الذات والعالم، من مألوفها: شرق- غرب، إلى: شمال- جنوب، وهو ما تعضده روايات أخرى، عُنِيتْ بالآخر الإيطالي - على سبيل المثال- كرواية (التوأم المفقود) نفسها ورواية (قالت ضحى) لبهاء طاهر نفسه، ورواية (النخاس) لصلاح الدين بوجاه.
وتسهم المدونة الروائية التي رأينا – بتفاوت بادٍ - في الانفتاح على مرجعيات ثقافية - حضارية أخرى، تتجاوز المركزية الفرنسية الإنكليزية، وتتجاوز مركزية الذات.
لقد رأينا فعل الحرب في تلك الروايات، وصورة الآخر المشبوحة بين الجحيم والنعيم، وصورة الذات الموقوفة على الجحيم، وفعل السيرية في بناء الرواية، وسبب التواجد في موطن الآخر (العمل و/ أو الفرار من الحرب والقمع) وتواجد الآخر في موطن الذات.
ولعله من الممكن القول بعد ذلك، إن الروايات المعنية هنا، تقدم – غالباً- إضافتها الخاصة، سواء في بنائها الحداثي، أم في الوعي الذي عبرت عنه، وإن يكن قد ظل يترجّع فيه من الرواية العربية الحضارية، صدى ما، ليبدو – في المحصلة - الخطاب الروائي الحواري يتجاوز النمطية المعهودة، دون أن يبرأ منها، ما يجعلنا ننتظر وعود الرواية العربية، وبخاصة على إيقاع المتغيرات الفادحة يوماً فيوماً.


 الهوامش:
(1) الطبعة الأولى، دار الحوار 1985، والطبعة الثانية، دار الحوار 2000.
(2) أخبار الأدب، القاهرة 23/6/2002..
(3) من هذه النصوص رواية غادة السمان (ليلة المليار) التي دُرست في الفصل السابق.
(4) صدرت طبعتها الأولى في روايات الهلال، القاهرة 1995.
(5) اتحاد الكتاب العرب، ط1، دمشق 2000.
(6) مذكور.
(7) مذكور، وانظر الفصل الأول من الكتاب.
(8) دار الساقي، لندن، ط1، 1999.
(9) دار الهلال، القاهرة، ط1، 2000.
(10) دار الحوار، ط1، اللاذقية 1993.

 
 

 

عرض البوم صور تيتوف بارة   رد مع اقتباس
قديم 18-10-07, 01:11 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9261
المشاركات: 1,076
الجنس ذكر
معدل التقييم: تيتوف بارة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدNauru
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تيتوف بارة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تيتوف بارة المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

الفصل التاسع:
سيرة روائية للنهضة والسقوط


مقدمة
ينطوي القرن العشرون كما انطوى القرن التاسع عشر، ويطل القرن الحادي والعشرون ولا تزال أسئلة النهضة مفتوحة، ابتداءً من سؤال البداية: هل كانت في العهد العثماني على يد السلطان أحمد الثالث أم السلطان محمود الأول أم السلطان سليم الثالث؟ هل ابتدأت النهضة مع بيان قصر الكلخانة أم مع لجنة النظام الجديد والبعثات العثمانية إلى فرنسا وأصداء الثورة الفرنسية في السلطنة العثمانية؟ أم إن البداية كانت على يد الأمير بشير الثاني (لبنان) وأحمد باشا باي تونس والوهابية، أم إنها لم تكن عربية ولا عثمانية، بل فرنسية حملها نابليون؟
وماذا إذن عن تلك العلامة النهضوية الكبرى في مصر لذلك الخديوي الألباني الأصل محمد علي؟
1-الغائب الحاضر أو النهضة. الحداثة على عتبة قرن جديد:
سندع التخوم تتراوح وتهوّم فوق ما يصنعها من التفاصيل الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، لتقيم إهاباً سرعان ما يضيق بالصدى الأوروبي، عصر النهضة أو عصر الأنوار أو عصر التنوير، وصولاً إلى الحداثة.
وها هو فيصل دراج يقول: "شكلت الحداثة قوام الفكر التنويري العربي في أطيافه المختلفة، منذ بداياته الأولى في منتصف القرن الماضي إلى نهاياته المأساوية بعد حرب 1967. ومع أن الحداثة كانت قائمة كمعنى ومنظور، فإنها لم تكن حاضرة ككلمة(1).


بذا ينتقل السؤال إلى مفصل جديد من الهزيمة أو السقوط كما تتعدد الأسماء. ومن جديد تتراوح التخوم وتهوّم فوق ما يصنعها، فيتكاثر المآل كما تكاثرت البداية، أو تبقى السلسلة مفتوحة في متواليات النهضة والسقوط، وفي كلّ حال تنشب أسئلة الغائب الحاضر: النهضة التي تسمّت بالحداثة أو الحداثة التي كانت النهضة.
في عام 1934 أصدر سلامة موسى كتابه (النهضة الأوروبية). وفي عام 1962 جعل عنوان الكتاب في طبعته الجديدة: (ما هي النهضة) مجدداً ما صدع به مجايليه وأسلافه: إننا نحن الأمة العربية نسمع ونقرأ كثيراً عن النهضة، ولكن هل ندري دلالتها أو هل ندري شروطها؟ هل نحيا حياتنا العربية في نهضة أم في قرون وسطى؟.
من عام 1934 إلى عام 1962 ظل سلامة موسى يردد الجواب: نحن نحيا في قرون وسطى، لكنه يرى (نور الفجر قد بزغ)، وسيردف عام 1963 في كتابه: (مقالات ممنوعة) أن النهضة لم تعن في الماضي ولا تعني الآن سوى البشرية، أي إن البشر أو الإنسان يجب أن يشتغل ويعتمد على نفسه في هذا العالم، ويعمل لحضارته وسعادته في جراءة وفهم.
وفي تحديد آخر يرى سلامة موسى النهضة تحريراً للشخصية البشرية من التقاليد والغيبيات، وإقبالاً على العلم التجريبي، وفصلاً للدين عن الدولة، ودعوة للإنسان كي يأخذ مصيره في يده ويتسلط على القدر بدلاً من أن يخضع للقدر، وانتزاعاً للخير من الطبيعة، وليس الانتظار كي تسدي إليه الطبيعة فضلها وبرها.
أما الانحطاط – السقوط؟ - فهو عند سلامة موسى، الآن كما في القرون الوسطى، في الشرق وفي الغرب، ليس سوى قصر الذهن البشري على خدمة ما وراء الطبيعة ونشدان السعادة والهناء في غير هذه الأرض، والاقتصار في العلوم والفنون على خدمة الآراء والعقائد الدينية.
والآن، وكما في أمس الأطياف النهضوية جميعاً، ودارسيهم جميعاً، يقوم من يذهب أبعد من سلامة موسى، ومن ينقضه، ومن يوازيه إلى حين، ومن يتقاطع معه قليلاً أو كثيراً. وإذْ يتفرع سؤال النهضة، سنرى مفكراً مثل زكي نجيب محمود يصدر مثل هذا الحكم القاطع: هذا التراث كله بالنسبة إلى عصرنا قد فقد مكانته. وسنرى مفكراً مثل برهان غليون يأخذ بالنهضة كمحاولة لعقلنة الحداثة الداخلة يومياً وحتماً إلى الحياة اليومية، وسيميز بين الحداثة كممارسة وبين النهضة كمشروع تاريخي اجتماعي.
أما فيصل دراج فيقلّب القول بين الحداثة العربية التنويرية والحداثة العربية المتأخرة التي تتبدى قطعاً وانتقاماً متأخراً من الأولى المهزومة.
وعلى العكس من محمد عابد الجابري ومن غالي شكري، ومن برهان غليون إلى حد ما، يرى فيصل دارج أن النهضة (الحداثة العربية التنويرية) رأت في الثقافة دائماً شأناً جماعياً واجتماعياً، بخلاف الحداثة العربية المتأخرة (الراهنة) التي تدور حول ذاتها، تحاكي مصدراً منفصلاً عنها، وتنفصل في محاكاتها عن الواقع، لتلبي أغراض نخبة ثقافية جديدة، مضخمة العنصر اللغوي.
ينتسب هذا القول إلى درس العقد السابع من القرن العشرين فصاعداً لأطياف النهضة جميعاً. ويتابع ويعمق هذا القول ما أخذ يتواتر من نقد الحداثة من داخلها، وأقربه من سورية ما كتب سعد الله ونوس وبرهان غليون ومحمد جمال باروت وعبد الرزاق عيد ومحيي الدين اللاذقاني ومصطفى خضر. ولعل من المفيد هنا المتابعة إلى ما تحدد من ذلك لدى فيصل دراج بمهاجمة بعض المثقفين العرب لمفهوم التقدم والتنوير ودلالة المثقف وزمن الأيديولوجيات، وبرطانة هذا الشطر الحداثي وما بعد الحداثي بالكوكبية وصلح الحضارات ـ أم صراعها؟ ـ وتحول مثقف هذا الشطر إلى تقني نظيف، يشيد ويوطد الجدار السميك الفاصل دون الوقائع العربية، لتقوم حداثة شكلانية تلفيقية ومتلفحة ـ أحياناً ـ بالرومانسية المتشائمة المستعارة من الشقوق الأوروبية، وهكذا تستأنف الحداثة العربية المتأخرة ـ الراهنة ـ الشكلانية البلاغية العربية القديمة، وتغدو على يد بعضهم رثاثة حداثية، تخلط بين التملك المعرفي والموضة الفكرية، وينفلت فيها المعنى من عالمه إلى صحراء اللا معنى، فيعثر العمل الفني على الأشكال ويضيع مضامينها، ويطرد الحداثي التنوير ليأخذ بواقع الحال، ويصرف العقل ليكتفي بالحدس وبخديعة الأفكار الكبرى: إنها الحداثة التابعة، الحداثة السلطوية التي تعتاش من اعتقال المضامين وتعويم الكلام، فيما ترتسم الحداثة، (النهضة) العربية المرجوة ضد المحاكاة الصماء، تحايث بين الوعي التاريخي والقول الحداثي، تشتغل بالأسباب التي عوقتها محلياً، وتستلهم من فرانتز فانون الاحتفاظ بالإيجابي الأوروبي فتتخلى عن أن تكون ممارسة بلاغية. ولعل مداخلة دراج هذه من أدق وألمع ما أرسل الجميع في هذا الصدد حتى الآن.
***
لقد طال العهد حتى أطلّ َالقرن الحادي والعشرون. وعلى الرغم من تواتر الجهود من جيل إلى جيل ـ كما في الأمثلة التي رأينا ـ تبدو النهضة وهي تتشكل بالحداثة، لا تزال ذلك الغائب الحاضر، فمتى ينتفي الغياب ويكتمل الحضور؟..
2 ـ المقاربة الروائية للنهضة والسقوط:
بينما تمفصل الفخامةُ السقوطَ بعام 1967 أو تجعله السقوط الأكبر، نرى من الرواية العربية ما يحسب أن سقوطاً صغيراً وأصغر وكبيراً وأكبر قد كان في مسلسل الهزائم المبكرة والمتأخرة.
وعلى وقع أي سقوط، عانقت الرواية العربية أي نهوض (أو حداثة)، فحاولت قراءة ما كان. ومن ذلك كانت محاولتها في قراءة من قرأ ما كان. فكيف سارت هذه القراءة ـ الكتابة الروائية؟. وإلى أين وصلت؟.
2 ـ 1 ـ الإرث الروائي النهضوي:
يبدو إرث سبعينيات القرن العشرين من الاشتغال الروائي على الأطياف النهضوية، محدوداً. وتظل ثلاثية نجيب محفوظ الرمز الأكبر لهذا الإرث الذي يتصل أيضاً بما كان من (الرواية التاريخية) كما كرسها جرجي زيدان ومعروف الأرناؤوط.
بيد أن حديث الرواية التاريخية (والجبلية، والنهرية، والانسيابية، والأسرية) سيتواصل منذ العقد السابع من القرن العشرين، ليتشكل في صلب الاشتغال الروائي على لحظات النهضة والسقوط، الطريف منها والتليد، وليفتح في هذا الاشتغال فصلاً جديداً يتلامح بالتراث السردي، وبأسئلة الحداثة الروائية وغير الروائية، وبهذا وذاك بات حديث الرواية التاريخية قطعاً مع عهده (الزيداني)، بل واللوكاتشي، وغدا (حديث الرواية) وحسب.
وبالعودة إلى الأطياف النهضوية الأولى تطلع تجربة تجديد السرد واللغة في إهاب جديد يتسمى بالرواية، ويُعنى براهنه: من الحدث أو القضية إلى القارئ إلى الترجمة، وعلى نحو يبدو أكثر التصاقاً بالمجتمع.
ولعل العجالة هنا لا تجافي الصواب إذ تمايز بين استغراق أغلب الأطياف النهضوية الأولى والتالية في الهم السياسي وإصلاح النظام ومسألة السلطة والصراع الأيديولوجي والرؤية التجزيئية، مقابل اندفاع البدايات الروائية (الجنينية والنهضوية) إلى الشأن الاجتماعي، لكأنها تنتسب إلى الثقافة الدنيا مقابل انتساب أغلب الأطياف النهضوية إلى الثقافة العليا. فلنتذكر (غابة الحق 1865 ـ درّ الصدف 1872)، لفرنسيس مراش، ونعمان القساطلي في (مرشد وفتنة 1880 ـ الفتاة أمينة وأمها 1880 ـ أنيسة 1881)، ومن بعد عبد المسيح إنطاكي في (فتاة إسرائيل 1903)، وشكري العسلي في (فجائع البائسين 1907 ـ نتائج الإهمال 1913) ورفيق رزق سلوم (أمراض العصر الجديد 1909) وكل ذلك وسواه من سورية، قبل أن نصل إلى زينب فواز ومحمد حسين هيكل.
ومن اللافت أنه مقابل هذه (الفورة) سيخفت الصوت الروائي في الأطياف النهضوية التالية خلال العقود الثلاثة الأولى، حتى يصدح في نهايتها شكيب الجابري في (نهم 1937 ـ قدر يلهو 1939) ونجيب محفوظ في رواياته التاريخية، إعلاناً عن نقلة روائية جديدة ستعزز منذ الأربعينات تخييل الرواية لراهن كتابتها، وإنجازها للحظة التقليدية، وصولاً إلى اللحظة الحداثية في ستينيات القرن العشرين، والموران الروائي منذ العقد التالي.
2 ـ 2 ـ الإرث النقدي النهضوي:
لأن هذه الشبكة روائية، فأمرها يتصل بالنقد الأدبي. وقد كان ذلك في رأس ما دفعني إلى نقد هذا النقد في كتابي (النقد الأدبي في سورية)(2)، حيث تعرفت أو جددت التعرف على رزق الله حسّون وجمال الدين القاسمي وعيسى معلوف وأديب اسحق وقسطاكي الحمصي ومحمد الخالدي ومحمد سليم الجندي وعبد القادر المغربي وعبد القادر مبارك ومحمد البزم وعز الدين التنوخي ومحمد كرد علي وأحمد شاكر الكرمي وخليل مردم وشفيق جبري وسواهم، كما عرفني أولاء أو جددوا تعرفي على مجايلين لهم وعلى تالين، في النقد وفي غير النقد، مثل جميل سلطان وسامي الكيالي وعمر فاخوري ورئيف خوري وسليم خياطة وقسطنطين زريق وسامي الدهان وصلاح الدين المنجد وأمجد الطرابلسي وشكري فيصل وأنطون سعادة وخليل الهنداوي وأسعد طلس ومحمد روحي الفيصل ونسيب الاختيار وعبد النافع طليمات وقدري العمر ونزيه الحكيم ومحمد حاج حسين وزكي المحاسني وجميل صليبا وشاكر مصطفى وسواهم. ومن متأخري هؤلاء من كان لي شرف التتلمذ على يديه في جامعة دمشق 1963 ـ 1967.
لقد كان لهذه الأطياف النهضوية أثرها فيما عاصرتْ من الرواية. وإذا كانت الشبكة الروائية ـ و النقدية أيضاً ـ قد (قطعت) مع الكثير من ذلك الأثر، فبعضه تواصل. ومن دونه سيظل حديث النهضة ـ الحداثة، وحديث الرواية والنقد، ناقصاً.
2 ـ 3 ـ الورثة:
إثر السقوط الأكبر (1967) تفجرت التجربة الروائية العربية الحداثية التي كانت ـ بالكاد ـ قد أكملت عقدها الأول. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم عانت هذه التجربة ما يخصها من مرارة الحداثة العربية. بيد أنه بدأت منذ عقد على الأقل، تجربة أخرى أعنونها بالمنعطف الروائي العربي الجديد الذي يستثمر منجزات ما تقدم من اللحظتين الحداثية والتقليدية في الرواية العربية، ويحاول تجاوز ما اعتورهما. ولأن للنقد الأدبي هنا حضوره اللازم أيضاً أشير إلى أنه عرف مثل هذه السيرورة.
لقد مضى الاشتغال الروائي منذ سبعينيات القرن العشرين عبر سبيلين: أولهما يعود إلى لحظة أو أخرى من العقود الأولى من هذا القرن، ونادراً ما يعود أبعد، وثانيهما يقبل على الراهن.
وفيما استأثر بالسبيل الثاني الاشتغال على لحظات السقوط، وبخاصة منه لحظة 1967، استأثر بالسبيل الأول الاشتغال على لحظات النهضة بعمقها الشعبي ومحمولها الاجتماعي وأحياناً السياسي. ومن ضمن ذلك كان يأتي اشتغال هذا السبيل على لحظات السقوط السابقة.
هكذا تصدرت سبعينيات القرن العشرين من السبيل الثاني روايات هاني الراهب وحيدر حيدر وغادة السمان وسواهم، بينما تصدرتها من السبيل الأول روايات حنا مينة وسواها. أما رواية (الزيني بركات) لجمال الغيطاني فقد رادت لاشتغال روائي آخر يفتح السبيل الأول إلى ماهو أبعد من لحظات السقوط والنهضة عبر التاريخ، وهو ما واصله في العقدين التاليين آخرون من آخرهم رضوى عاشور وبنسالم حميش.
ربما غلبت على السبيل الثاني الشواغل التقنية للحداثة الروائية، فيما غلبت على السبيل الأول الشواغل التقنية للتقليدية الروائية، قبل أن تشرع ثمانينيات القرن العشرين لمنعطف روائي جديد، يتراجع معه الميز بين تقليدية وحداثية، ويفتح القول على (مابعد الحداثة) ولكن في الرواية العربية، وبمعزل عن بريق ورطانة مصطلح (مابعد الحداثة) في غير هذا التحديد.
وإذا كانت رواية السبيل الثاني قد شكت من ضمور النقدي فيها، فقد ناءت أيضاً تحت وطأة الهجائية والعصابية والشعارية والصراخ والمازوخية. وبالمقابل، إذا كانت رواية السبيل الأول قد عرفت الشكوى نفسها، فقدناءت تحت وطأة المؤرخ ودهشة الاكتشاف وتمجيد الماضي. وفي الحالين بدت الرواية غالباً صوتاً واحداً ولغة يقلّبان ما كان وما هو كائن، وبدا الروائي منافساً للشاعر والسياسي والمفكر والمؤرخ. وعلى النقيض من ذلك أشرع المنعطف الروائي الجديد للنقدي وللأصوات وللغات.
2 ـ 4 ـ البطل الروائي النهضوي:
في التفسير الغولدماني لقول كاتش في البطل الإشكالي، يبدو هذا البطل طامحاً إلى بناء كليات نوعية جديدة على أنقاض بنى تقليدية متداعية، وباحثاً عن القيم في وسط منحل. وفي استعارة عبد الرزاق عيد لذلك يبدو لـه طه حسين البطل الروائي لنص الحياة العربية على مدى أكثر من نصف قرن، ويقول: "هذه الشخصية الإشكالية تتكثف فيها كل خيوط نسيج رواية حياتنا بكل تناقضاتها، وسجالاتها، وصراعاتها، وتشددها الصارم، وواقعيتها المرنة، وانشدادها المبهر نحو الغرب، واستكناه فكره وثقافته وأدبه، وتشددها الأصولي الصارم في مراعاة القواعد الكلاسيكية للثقافة العربية بنحوها وصرفها وقواعدها البيانية والبلاغية، وتقاليدها الفكرية والثقافية، حتى لتبدو هذه الشخصية مفعمة بتناقضاتها ومآزقها وتأزماتها في صلتها بالشك واليقين معاً. وتكاد هذه الشخصية أن تكون مرآة ـ على حد تعبير عيد المفضل ـ لعصرها بكل أهوائه وجموحاته، لكنها ليست كمرآة ذي الرمة (الغربية) التي يتحدث عنها طه حسين، بل بمقدار ما هي (المرآة) متجاورة، فهي تارة مقعرة، وتارة مهشمة، وفي أكثر الحالات محرقية" (في كتاب عيد: طه حسين، العقل والدين)(3).
خاتمة:
لقد عددت الشبكة الروائية هذا البطل وهذا النص اللذين يشخصهما عبد الرزاق عيد بامتياز في طه حسين. وعبر ذلك حقق الغائب في الشبكة حضوراً يبدو أكبر منه في مجالي الحياة الثقافية وغير الثقافية. وإذا كان الغياب بعامة يدفع الحلم ويجدده، فهو أيضاً يشير إلى النقص. ومهما يكن من أمر الرواية أو النقد أو الثقافة، فسيبقى إلى حين ـ لا يبدو قريباً ـ ذلك الغائب الحاضر (النهضة ـ الحداثة) سؤالاً مفتوحاً.


 الهوامش:
(1) ـ مجلة الكرمل ، العدد 51، ص 64.
(2) ـ دار الفارابي، ط1، بيروت 1980.
(3) ـ عبد الرزاق عيد، طه حسين: العقل والدين، مركز الإنماء الحضاري، ط1، حلب 1999، ص 7.

 
 

 

عرض البوم صور تيتوف بارة   رد مع اقتباس
قديم 18-10-07, 01:12 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9261
المشاركات: 1,076
الجنس ذكر
معدل التقييم: تيتوف بارة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدNauru
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تيتوف بارة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تيتوف بارة المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

بدلاً من خاتمة:
جماليات وشواغل روائية
الزمن الروائي بين الواقع والتاريخ ـ
محاولة تأنيث


مقدمة
يأخذ النظر إلى التاريخ في هذه المساهمة، بما هو وقائع منقضية، وبما هو معرفة شفوية ومكتوبة بتلك الوقائع، مع التشديد على:
1 ـ الهامش الغائب والمغيّب في المكتوب، وبالتالي عدم الاكتفاء بالتاريخ الرسمي.
2 ـ عدم الاكتفاء بالمكتوب الرسمي أو الهامشي، بل الأخذ بالشفوي أيضاً، ومنه الحكايات والأساطير والمرويات الجزئية أو الكاملة التي ترمم أو تضيء أو تنقض النص المكتوب.
3 ـ المنظور المضمر أو المعلن في تقديم التاريخ، أيَّاً يكن النظر فيه.
4 ـ اكتناه التاريخ للأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، مهما يكن من تعلقه أو تعليقه بالماضي.
ويأخذ النظر هنا في الواقع على أنه جسد الفرد والعالم، مادياً، واجتماعياً، مع التشديد على أنه إذا كان زمن الواقع يبدو وحده الزمن المعيوش: الحاضر أو الراهن، فإنه أيضاً يكتنه الزمنين الآخرين: الماضي والمستقبل، أي التشديد على اكتناه الواقع للتاريخ، كاكتناه التاريخ للواقع.

ومهما يكن النظر إلى الواقع والتاريخ، فهو يتعلق بالزمن. وإذا كان الخُلْف بالقول في التاريخ أو الواقع كبيراً، فهو في الزمن أكبر، حيث لا يكاد المعلوم يُذكَر، ويطغى المجهول، سواء بالقياس إلى الواقع والتاريخ، أو بعامة. لذلك سأكتفي بهذه القراءة الحديثة لما قدمه عبد المالك مرتاض في أمر الزمن، وهو ما قدم به لقوله في الزمن الروائي، وأوله شبحية مفهوم الزمن، وكون الزمن إثبات للوجود وإبلاء، لكأنه الوجود نفسه، فهو موكل بالكائنات والكون والوجود، ولكنه كالأوكسجين لا يُرى ولا يُسمع ولا يُشم ولا يُلمس، بل تُحَسُّ آثاره فقط، فالزمن "خيط وهمي مسيطر على كل التصورات والأنشطة والأفكار"(1).
ويلفت في هذه القراءة ما لحظتْ من متابعتها في المعجمية العربية للزمن، من علاقة الزمن بالمكان، كما يشير اشتقاق الأَزْمَنَة بمعنى الإقامة ـ ومنه قولهم: رجل زَمِنٌ وقوم زَمْنى.
يعدد مرتاض الزمن الفلسفي والزمن المتواصل (الكوني السرمدي الأكبر الطولي الذي يظرّف الأحياء والأشياء)، والزمن المتصل والزمن المتعاقب (الأصغر الحلزوني الدائري المغلق وإن بدا طولياً) والزمن المتقطع أو المتشظي (الطولي غير التعاقبي) والزمن الغائب (زمن اللا وعي) والزمن الذاتي النفسي (المناقض للموضوعي): "إن الزمن في كل أطواره، موضوعي في ذاته، وإنما صورة التعامل هي التي تعمل على تحويل موضوعيته إلى ذاتية"(2).
أما النظر إلى الزمن في هذه المساهمة، فسيأخذ بالقول:
1 ـ مع أفلاطون، حيث الزمن كل مرحلة تمضي لحدث سابق إلى لاحق.
2 ـ ومع الأشاعرة، حيث الزمن متجدد معلوم، يُقَدَّرُ به متجدد موهوم.
3 ـ الزمن الروائي كشبكة أزمنة ومن ذلك:
أ ـ الزمن التاريخي (الماضي) الذي يناديه الحاضر لواذاً به أو فحصاً له، أو كقيمة مستقبلية.
ب ـ الزمن الجواني، النفسي، والذاتي، حيث العيش المباشر (الحاضر)، وغير المباشر، وحيث حيوات، لا حياة (أزمنة الحلم والتوهم والاستذكار والاستباق).

ج ـ الزمن الموضوعي الطبيعي والخارجي حيث العيش المباشر (الحاضر)، والحياة الواحدة.
ولئن كان القول هنا يمضي أيضاً إلى زمن الكتابة وزمن التجربة وزمن الحكاية، فالتشديد في كل حال هو على الزمننة الروائية للأحياء وللأشياء والأحداث، وعلى امتصاص الزمن الروائي لأي زمن، وعلى تعالق الزمن باللغة، وبالتالي: تعالق الأزمنة باللغات، ما دامت الرواية لغة مكتوبة.
من المستحيل، ومن غير المجدي أيضاً تحديد مفهوم للزمن ـ باسكال ـ وفي الآن نفسه، فالزمن ضرب من التاريخ، كما هو التاريخ ضرب من الزمان ـ مرتاض ـ ولكن ذلك ليس بكل شيء، لأن الرواية ـ ببساطة وبتعقيد، بوضوح وبغموض ـ هي فن الزمن، كالموسيقا (لوسينق). ولأن الزمن الروائي "نسجٌ، ينشأ عنه سحر، ينشأ عنه عالم، ينشأ عنه وجود، ينشأ عنه جمالية سحرية أو سحرية جمالية... فهو لحمة الحدث، وملح السرد، وصنو الحيّز، وقوام الشخصية"(3).
فلنتبينْ الزمن الروائي بين الواقع والتاريخ، في روايتي أهداف سويف (خارطة الحب)(4)، ورجاء عالم (حُبّى) (5)، ولعلّ تعليل هذا الاختيار سيبدو من بعد، كما ستبدو محاولة التأنيث في هذه المدونة للزمن الروائي بين الواقع والتاريخ.
***
أهداف سويف : خارطة الحب:
يمكن تصنيف الطبقات السردية في هذه الرواية، ضمن مجموعتين، يعنون التاريخ واحدة، ويعنون الواقع واحدة.
1 ـ التاريخ:
وتستعين الكاتبة بالطباعة للتمييز بين الطبقات السردية التاريخية، فنرى:
1 ـ الطبقة الأولى، وهي الأكبر، وقد جاءت بالحرف المائل الصغير، وتتضمن مذكرات الإنجليزية آنا ونتربورن، أرملة الضابط الإنكليزي إدوارد ونتربورن، والتي تعيش مع حميها السير تشارلز، حتى تأتي إلى مصر في رحلة، وتلتقي بشريف باشا البارودي وتتزوج منه، وتنجب بنتاً (نور الحياة).
2 ـ الطبقة الثانية، وهي الأصغر، وقد جاءت بحرف الرقعة الغامق الصغير، وتتضمن مذكرات ليلى شقيقة شريف باشا، وجدة الساردة الأولى أمل الغمراوي.
3 ـ الطبقة الثالثة، وتأتي بحرف الطباعة العادي، وتتكون من تعليقات أو تدخلات أو إضافات أو شروح أو تساؤلات الساردة الأولى أمل الغمراوي صاحبة ضمير المتكلم، والساردة الثانية صاحبة ضمير الغائب.
4 ـ الطبقة الرابعة، وتأتي بحرف الطبقة الثالثة، وتتكون من نتف من تقارير أو وثائق أو مراسلات أو شذرات تصدّر أغلب الفصول.
2 ـ الواقع:
1 ـ الطبقة الأولى، وتتضمن مذكرات أمل الغمراوي.
2 ـ الطبقة الثانية، وتتضمن ما تبقى للساردتين: أمل الغمراوي وصاحبة ضمير الغائب.
3 ـ بناء الرواية:
لا يتوقف تعدد أصوات ولغات رواية (خارطة الحب) على هذا العدد من الطبقات السردية، بل يطّرد مع تلك الأصوات واللغات في الطبقة الواحدة. فبالإضافة إلى ترجمة الإنجليزية التي كُتبتْ بها مذكرات آنا ونتربورن وما تضمنته من مراسلات، وبالإضافة إلى بعض الوثائق، تأتي العربية التي كُتبتْ بها مذكرات ليلى، ويأتي الشعر والعامية المصرية في الحوار والأغاني، وثمّة ـ بالعربية وبالترجمة الإنجليزية إليها ـ ما يفرّد كل شخصية من الشخصيات الرئيسية والثانوية، على كثرتها.
ونتوقف هنا لنبيّن أن رواية (خارطة الحب) قامت على ما يتصل باللعبة الروائية الأليفة: الوقوع على مخطوط أو أكثر. فالصندوق الذي جاء من لندن إلى القاهرة، ثم عاد إلى نيويورك سنوات، ثم حملته الصحفية الأمريكية إيزابيل باركمان، من حبيبها عمر الغمراوي في نيويورك إلى شقيقته في القاهرة ـ أمل الغمراوي ـ هذا الصندوق خبأ ـ إلى أشياء أخرى ـ مذكرات آنا ونتربورن ومذكرات ليلى: إنه صندوق العجائب ـ الكنز، كما تعدّه أمل التي تقول: "هذه ليست قصتي، هذه قصة وجدتها في صندوق". وكما كان دور ليلى قبل مئة عام في مذكراتها: أن تروي قصة غرام شقيقها شريف باشا بآنا، هو دور أمل الغمراوي الآن (1997ـ 1998): زمن الكتابة المعشّق بزمن القراءة الراهنة: أن تروي قصة غرام شقيقها عمر بالأميركية إيزابيل.
من مخطوطتي صندوق العجائب اللتين تغطيان بخاصة العقدين الأول والثاني من القرن العشرين، إلى ما تتولاه أمل الغمراوي والساردة بضمير الغائب في نهاية القرن العشرين، تقوم السلاسل الأسرية التي تقرب وتباعد بين الشخصيات الأساسية الميتة والحية، ومن ذلك الجذر الفلسطيني في أمل الغمراوي، من جهة الأم مريم الخالدي، وانتساب إيزابيل إلى جدتها آناً من جهة الأم... لكأن ذلك توسّلٌ لروابط الشخصيات، وعقلنةٌ للمصادفات منذ لقاء شريف باشا بآنا حتى لقاء عمر الغمراوي بإيزابيل، والخوف من أن تكون علاقته بأمها ـ هو خمسيني وإيزابيل عشرينية ـ قد جعلت الحبيب أباً.
ولئن كانت سردية الواقع تستوي الآن في دور أمل والساردة بضمير الغائب، مستعينة بالزمن الحاضر ـ الراهن، بزمن ما يخص أمل وإيزابيل وعمر وسواهم من التجربة، فسردية التاريخ لا تستوي في مفكرتي آنا وليلى. ولذلك يفعل الحاضر فعله في الماضي، ويأتي صنيع أمل من بداية الرواية إلى نهايتها، أي تأتي كتابة الرواية على المكشوف، أمام القراءة، فالرواية لا تأتي وقد انتهت أمل من المفكرتين ـ المخطوطتين ـ الصندوق، بل تأتي وأمل تقرأهما.
فإذا كانت القصص، بالنسبة لأمل، تبدأ من أغرب الأشياء ـ الغرائبية والاستحواذ والتشويق... ـ فإن "قصتنا هذه تبدأ بصندوق" كما تقول أمل، ثم: تملأ الفراغات، وتجمع أجزاء قصة متناثرة، ولذلك تقصد دار الكتب ومحلات بيع الكتب القديمة وأرشيف الأهرام... وترتب الأوراق حسب تسلسلها، وما أُغْفِلَ تاريخه منها، تستقرئ موقعه بالمقارنة...
تدرك أمل أن المصادفة تبهظ البناء الذي تشيد، وهو ما يتجلى بصدد احتمال أبّوة عمر لإيزابيل، حيث تشكو أمل لأخيها: "الحكاية مليئة بمصادفات أكثر من اللازم، بدون هذه الإضافة"، وتتساءل عما إذا لم يكن كافياً أن إيزابيل التقت بعمر، ثم وجدت الصندوق عند أمها، واتضح أنهما أقارب، فيسأل عمر شقيقته: "يكفي لماذا؟ للتكوين الفني للرواية؟ هل هذا ما تعنين؟"
ويحدو لأمل فيما هي تبني ـ تكتب الرواية هذا التصدير من أقوال يعقوب أرتين عام 1905 للفصل الثالث عشر : "هناك نوع من الحكايات خالصة المصرية، وهي تتميز بثلاث خصائص، فهي حكايات عمودها الفقري الرحلة، وبطلاتها من النساء، وتوجهها الديني يشمل الطبيعة كلها". وتلك هي رواية (خارطة الحب) تحاول التميز بالخصائص الثلاث، لتكون حكاية ـ رواية مصرية خالصة. لذلك، ليس مهماً أن تُعرف النهاية سلفاً "فنحن دائماً نعرف نهاية القصة، أما ما نجهله فهو ما يحدث في الطريق إلى النهاية".
وفي الطريق إلى ذلك أيضاً "نقلب الصفحات لنعيد النظر في البداية. نسرع إلى الأمام فنعرف النهاية. ونحكي القصة التي لم يتح لأولئك الذين عايشوها وعاشوها أن يحكوا منها إلا أجزاء". وأخيراً ـ وليس بآخر ـ فإن أمل توفق الأجزاء وتكمل الصورة وتستنتج ما حدث، مما لم يكتب في المذكرات، فيقول عمر ـ وهو الموسيقي والمؤلف: "عظيم. دعي خيالك يشطح بك، اتركي لـه العنان".
4 ـ الواقع والتاريخ:
مهما يكن فيما تقدم، مما يضيء لعبة رواية (خارطة الحب) بين الواقع والتاريخ، فمن المهم أن نضيف أن الرواية تستحضر العديد من الشخصيات المعروفة تاريخياً، وتجعلها تعيش الرواية، مثل محمد عبده وإسماعيل صبري ومحمود مختار وقاسم أمين وسواهم من مطلع القرن العشرين، ومثل نصر حامد أبو زيد وأروى صالح من زماننا. وإلى ذلك كله ـ وما فاتنا في تبيّن البناء الروائي ـ تنهض استعادة أمل لتساؤل إيزابيل: "مادام الناس يتراسلون عبر المسافات، لماذا لا يستطيعون التراسل عبر الزمن كذلك؟". وإذا كانت أمل قد أضافت التساؤل المعجز: "كيف نكتب إلى الماضي"، فرواية (خارطة الحب) قد اجتهدت في جواب، لأنها شيدت تاريخاً روائياً وواقعاً روائياً، وشبكتهما بالزمن الروائي، فبات الحاضر يكتب للماضي، والماضي يكتب للحاضر، والحاضر والماضي يكتبان للمستقبل. ومن أجل ذلك نجد تعالقاً بين نهاية يومية ما من يوميات آنا، وتاليتها من يوميات أمل أومن سرديتها، وبالعكس. كما نجد في يوميات أمل أو سرديتها أو سردية الساردة بضمير الغائب ما يصل زمناً بزمن، دون أن يتوقف ذلك في الماضي عند نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بل قد يمضي إلى أخناتون ونفرتيتي.


بهذا التعالق أو الاشتباك تقوم المستوطنات في فلسطين قبل مائة عام مثلها اليوم، ويجعل وصفُ آنا لمذكرات وكتابات الإنجليز آنئذٍ، يجعل أمل تفكر في العاملين اليوم في السفارة الأمريكية والوكالات الأمريكية. ولعل غاية هذا التعالق أو الاشتباك أن تكون في:
1 ـ اختطاف آنا على يد مجموعة من الشباب الثوريين بعد اعتقال حسني بك المحامي عن العمال، واعتراض شريف باشا على صنيع الشباب، لكأنما الأمر يتعلق باختطاف الطائرات أو بالعمليات الاستشهادية منذ ثلاثين سنة حتى اليوم. فإذا كان منطق الشباب هو الرد بالعنف على عنف الاحتلال، فشريف باشا يقول: "يجب أن تفهموا أن اختطاف الناس العاديين أو إيذاءهم بأي شكل ليس من البطولة في شيء (...) الإنجليز يريدون اتهامنا بالتطرف، إذا أعطيناهم مبرراً لهذا نخسر كثيراً".
وبالمقابل يأتي تمثيل رجال كتشنر بجثة المهدي في السودان، وقطع بيلي جوردون رأسه كي يستعملها الجنرال محبرة.
2 ـ وإزاء هذا وذاك تأتي رحلة أمل وإيزابيل إلى قرية الطواسي في قلب الصعيد (منطقة الإرهابيين) وحيث الحواجز وإلغاء الدولة لتجميد قانون الإيجارات، وارتهان أسرة الملاحَق حتى يسلم نفسه، والأحداث الطائفية التي شهدها الصعيد المصري على يد المتدرعين بالأصولية والإسلام. ويمضي هذا الخط في الرواية إلى حوادث الأقصر الشهيرة، وإلى بعض ماكان في القاهرة نفسها، وإلى حوارات أمل وأروى صالح وآخرين وأخريات في ظاهرة العنف تلك.
وبالمقابل، هذا هو حديث الإرهاب والإسلام في نيويورك، ورسائل التهديد الملغمة التي يتلقاها عمر الغمراوي الأمريكي الجنسية، لأنه فلسطيني ـ مصري ـ عربي ـ مسلم.
3 ـ إحالة ما كانت عليه الامبراطورية البريطانية في مطلع القرن العشرين، على ما آلت إليه أمريكا في نهاية القرن، ويأتي ذلك بخاصة على لسان السير تشارلز الذي يرى أن "هذا الاختراع ـ الامبراطورية البريطانية ـ سوف يدمر مكانتنا واحترامنا كأمة شريفة". كما يرى أن تلك الامبراطورية تستحق الفناء لما ألحقتْ من أضرار جسيمة بالبشر. وبالمقابل تستذكر إيزابيل ما قرأت من تشبيه أمريكا بالحياة في الفترة السابقة لسقوط الدولة الرومانية.
تأتي إيزابيل إلى مصر لإنجاز تحقيق صحفي حول الألفية الثالثة. وقد اختارت مصر، لأن ذلك يعني ستة آلاف سنة من التاريخ المسجل:"وكأننا نعود إلى البداية"، بينما الأمر في أمريكا: "هذه هي المرة الثالثة فقد التي نشهد فيها مولد قرن جديد، ولم نشهد ألفية أبداً فنحن ربما مثل الأطفال الصغار".
وبالمقابل يستشرف عمر الغمراوي المستقبل، فيرى أن اتفاق أوسلو لن يفلح ولا يمكن أن ينفذ. وتستشرف أروى صالح المستقبل بعدما تؤشر إلى التمويل الأمريكي لمجاهدي أفغانستان، فترى أن الأمور ستسير إلى الأسوأ: "نحن مقبلون على عصر هيمنة إسرائيلية"، وترى أن الثورة هنا ـ في مصر ـ ستكون إسلامية راديكالية، لأن كل أيديولوجية سواها أفلست.
ولعل الخلاصة تأتي في تساؤل أمل عن الفرق بين ما يحدث لنا الآن، وما حدث منذ مائة عام وفي قارة أخرى، وهو التساؤل الموصول بما عاش جيل أمل الغمراوي ـ جيل أروى صالح والستينيات المصرية ـ في زمن عبد الناصر ومن بعد في زمن السادات، وبخاصة مفصل هزيمة 1967، وهو ما يهون من قفز الرواية بين مطلع القرن ونهايته ـ ومن ذلك أيضاً مفصل حرب 1956.
رجاء عالم: حبّى:
إذا كانت بعض الروايات العربية قد جربت الانبناء من متن وهامش، كما فعل الياس فركوح في (قامات الزبد) وصلاح الدين بوجاه في (مدونة الاعترافات والأسرار)، فقد بلغ الأمر في رواية رجاء عالم (حبّى) ما يُلْبِسُ القول بكتابة رواية من روايتين، أو روايتين من رواية: واحدة يقدمها المتن ـ وهو الغالب نسبياً ـ والأخرى يقدمها الهامش المؤطر في حرف مختلف. وقد تصدرت رواية (حبى) باقتراح الكاتبة قراءة المتن مستقلاً عن الهامش، أو العكس.


1 ـ رواية الهامش : الطبقة السردية الأولى:
1 ـ 1 ـ مقام الأنوثة المقدسة:
لسيد قبيلة (الدروع) ومن أنثى رملية وُلِدتْ أميرة هي (حبّى). وعلى موعد مع بلوغها يأتي من لا مكان من يحمل كتاب أعظم ملوك (الباطن). ويفسر صاحب التلاوات (خردذبة) الكتاب: الملك طاسين يخطب الأميرة التي اشتغلت على (الباطن) وهزمت كل مشتغل على (الظاهر): هكذا ابتدأت الرواية في هامشها.
منذ البداية، وفي الهامش كما في المتن، يتدافر الأسطوري، والصوفي. ومن جنون المخيلة ولعب اللغة يتسمّى البشر ويتعيّن الفضاء، ويكون للقراءة أن تلملم نثار المرجعي، لعل عسرها يتخلخل وتأويلاتها تتلامح ونظامها يقوم.
في الهامش، وعبر جبل السراة تمضي الأميرة في مروتها إلى خاطبها. ومن نهر (لار) العظيم ـ الذي سيتسمى بالبحر الأعظم أيضاً ـ حيث يتدارس الأطفال كتب العتم والماء، ومن مسخ القبائل التي ضلّ صغارها في تلقي السرّ المكنون في آبار أسفارهم، إلى القرية التي ستغدو الأميرة في ألواحها الفسيفسائية نقشاً (مجرداً) في نعش، إلى طور سيناء والجليل فبيت المقدس، مكان وقفة الصخرة، وبانتظار طيرانها في الإسراء، هكذا تتوالى رحلة وتحولات الأميرة، وتلتبس ناقة صالح بمائدة إبراهيم ومدفن الأبواء ومضارب السعدية وغار حراء وما حمّل المريدون الأميرة من دبشها: مخطوطات أجنحة جبريل والمواقف والمخاطبات ومنطق الطير ومن أثر ذي النون، وصولاً إلى وادي تصلال ولقاء الملك طاسين.
هنا تصير حبّى عين ماء، وفي (دهر التملي) لا يزيد ما بناه طاسين منها عن حجرة رمل جمد، وطاقة، ثم هوى به إليها توقه، وصارت القبائل تتحلق حول طاقتها، حتى جاء زمن أوصدت الطاقة فيه بلاطة منقوشة بكتابات، ثم أرخيت الأستار على البلاطة.
1 ـ 2 ـ رحلة العاشق:
بعد هذا العجائبي الذي أسس المكان المقدس في الأنوثة البشرية، توالي رواية الهامش أسطورتها في الخلق عبر شخصية (الفتى التابع) الذي أنجبته ابنة شيخ قبيلة (الدروع) في تيهها بالرمل، ثم ماتت. ولأن الفتى حلم بأنثى من جمر المرو، هي (حبّى) كما يفسر لـه خردذبة، فقد رحل متسمياً بحيان، ومر بمدينة إرم، وتبع قوافل يقودها أدلاء قبيلة (السعر). وفي قبيلة (القمر) الراحلة إلى وادي تصلال، تعشقه النساء، وينذرن قرانه على الأرملة (ماه سرمد) والتي مات كل من عقد عليها: إنها قرينة (حبّى) الأزلية، وقرينة كل إناث الصحراء. وإذ تقضي عشقاً لحيان، يقرؤون عليها (سورة الأعراف). ويعشرونها بسواد الثلث الأخير من شهر محرم. ويمضي حيان نحو حبّى في واديها (تصلال) موسوماً بالمعبد الحاوي لغياب (المطلق) الذي يشطره بين (الحضور والغياب).
انتهت رحلة حيان الأولى ببلوغ الطاقة، ليفك لـه صوت (حبّى) المكنون كلمات البلاطة، فيرى طاسين المتماهي بمعشوقته، ففيها تمام التذكير والتأنيث، ثم بدأ حيان رحلته الثانية ليتمرس بالعلوم، كي تحق لـه (حبّى)، وقد سكنه وسواس أن يعمّر منها مدينة لا كالمدن. وبلغ بلاد (أثلا) وعاصمتها (حياض مريم)، فأقام زمناً في حارة الصباغين يتعلم على الشيخ القرمزاني سرّ اللون، ويصد غواية الخنثى (ترنجان) الذي خرج من جنية الصخرة الحوراء.
من امتلاك سر اللون ينتقل حيان إلى حارة العطارين. وعلى يد الشيخ الكادي يتعلم سر العطر، وينقلب إلى حرفة المداوي، ثم ينتقل إلى حي الخشابين ليتعلم سرّ تشكيل الخشب على يد الشيخ الوردي وميلكان، ومن بعده سندر ساحر السطوح الصقيلة أو ساحر التقنيع. ومن طور إلى طور يحلم بحبّى: محارة الأذن منها قرص عسل مر، ويشكلها من شجرة، كما يطلع لـه ترنجان في هيئة الصبي الألعبان، وفي هيئة البدوية التي تتهمه بالتسلل إليها ليلاً. ثم يوالي حيان الرحلة إلى لبّ قاف حيث المملكة المخفية عند جبل القهرة بوادي الدواسر، فإلى عدن والمحارة التي يفك حيان لسانها، حيث يتتلمذ على أيدي الدراويش، ويشرع بتشكيل الكواكب والأيام وحبّى وقبتها والأبجدية العربية، حتى يتجلى للمريدين مقام الجبل الخفي في سورة (ق) فيشدون رحالهم إليه. وعلى يد شيخ المشايخ العلوية والسفلية (سيميائيل)، في (قاف القهار) يتلقن حيان قبل أن يعود من رحلته، وفيها تستوقفه (أملاً)، ليحترف الوشم، ثم يتبعها في مدينة النمل إلى أن يتقن هندسة الاختزال، ويؤوب إلى وادي تصلال متقمصاً طير الصدى، وقد خرجت لـه من طاقة حبّى صبية تنده: أنا (مقا) فأين أبي؟ ثم جاء زمان قامت فيه حول سور مقبرة حبّى أروقة، وحرم عليها حجاب وسدنة، كما تختم رواية الهامش.
2 ـ رواية المتن: الطبقة السردية الثانية:
أما رواية المتن فتبدأ من حيث انتهت رواية الهامش التي تذكر قبيل نهايتها، وفي غمرة تشكيل حيان لمقام حبّى، كلمة (سارح): إنها اسم بطل المتن، البدوي الدروعي الذي سمع حكيم القبيلة خردذبة يهمس لشيخها بطلوع حبّى كل قرن لتأخذ قرباناً من فتيان القبيلة، هي الأنثى الأسيرة في قصر مشيد في مقا، خطفها ملك، وبنى من جسدها مدينة.
كذلك يرحل سارح في أثرها، كما رحل حيان، لكن الرواية لا تروي رحلة الأول، لأنها رحلة الثاني، فطيّ الزمن والتحولات ـ التقمصات من المفردات الكبرى في لعب الرواية. كذلك يوقَف المتن على حياة سارح في مدينة مقا، وإن تكن رحلات أخرى لـه ستكمل ما تقدم من رحلتي حيان ورحلته هو، بعدما يرميه السيل من حضرة حبّى إلى الوديان، فتتقمص في ريم ويسميها (غزلان). وبعد عودته إلى مقا وصيرورته (العارف)، وظهور المبرقع البدري من الملوك الزيدية، يتنقل سارح مع هذا الذي صار قرينه بين قبائل السراة، وينزويان في كهف الثلاثماية ظبية بجبل (السبت بحبونا)، ثم يتجدد السيل الذي يرمي بسارح ـ العارف في وادي إيشام، وتتجلى لـه غزلان في هيئة بشر، فيعقد لـه عليها شيخ العطارين، لكنها تختفي والقرين.
2 ـ 1 ـ تاريخ من الأسطورة:
يضاعف الهامش ما تقدم من أسطرة البشر والمكان والزمن والطبيعة والكائنات والأحداث. وإذا كانت الأسطرة ستشتغل أيضاً في المتن بمقدار فوق مقدار، فإنها تبدو، من تحديد الفضاء إلى البشر والأحداث، كأنما تنحو بالأسطرة نحو التاريخ، أو بالتاريخ نحو الأسطرة.
فهي ـ الأسطورة، وكما عبر شتراوس ـ تاريخ بلا سجلات وتراث لفظي وتكوين فوضوي ونسق مغلق، هي تاريخ أفول يرهن المستقبل بالوفاء للماضي، ويرمينا بالسؤال عما إذا كانت القصص التي ترويها الأسطورة حقائق تاريخية ثم تحولها، وتحولنا معها بطريقة ما.
وهو: التاريخ، يملص من التعيين، ملوحاً بما رأينا من نثاره المرجعي في الفضاء الصحراوي أو في فضاء أم القرى من الجزيرة العربية، مما يذكر بصنيع عبد الرحمن منيف في خماسيته (مدن الملح). ولسبب من ذلك أحضرت رواية (حبّى)الاصطخري ليكون أشهر مؤرخي مقا، يكتب قول أميرها (صون)، كما أحضرت لمنازلة أشعر الجن صاحب الأبرص (هميد) وصاحب الكميت (راغم) و..
لقد بدأ المتن من رواية (حبّى) بإطلالة سارح على مقا من جهة بوابة (المناسكة) المنذورين لحرم المقام في قلب المدينة، والمعروف منذ الأزل بقصر حبّى. وعلى قمة جبل شاهق يبني سارح غاره. وفي المدينة يعمل مع الحجارين حتى يشتهر بصفة القراري، ويدخل إلى المقام فيرى نقش (طاسين)، وتهوي حبّى إليه كالجوارح بقبسات من فيروز سيناء وجلاميد تدمر وغرانيت الفرات ومرابض الجذع اليماني وقبسات من أبي قبيس ـ وفي مكة، كما في سهل الغاب وسط سورية مقام بهذا الاسم ـ فهل هذا تشكيل عربي إسلامي لحبّى؟.
كي يخلص سارح من علائق الرمل ويفتح مغاليق المدينة، يلج حي الجنائز فدرب الندابات، حيث تستولي عليه (نور) بنت النائحة الكردية التي ستعينه ناظراً على أملاكها، فيسكن ربع القنوات، ويتحرى مقام الأمير صون في قصر السعادة، والسوق الذي يعبث فيه فيل الأميرة: أين لعبة سعد الله ونوس في مسرحية (الفيل يا ملك الزمان)؟
في مقام حبّى يلتقي الشيخ القبورجي، ويعمل تحت إمرة قائم مقام القناديل الشيخ ملاّ صيني، وتغدو حوطة القربى ومقام الأموات ـ الأحياء، كالمدينة: مسرح الحكايات المتناسلة والمتشابكة: حكاية المجنون (قا) الذي ينقذ الأمير فيبني لـه قصراً ـ حكايات بناء الأمير لقلعة (أمهار) وقتله للشيخ المحجوب كبير السدنة على باب (حبّى)، وغيرته من عشاقها، وصراعه مع الشيوخ وصناعة السبح وثورة الأمير طامي على الأمير صون وقدوم جند من الأناضول بقيادة قانص، وقتلهم لطامي وعودة الأمير صون وفيله، وتوزير السائس (كورمحموس) والثورة عليه ـ حكايات السيول التي تداهم المدينة ـ حكايات ولادة بنت الأمير لصون السادس وحيد العين الذي ستدك حاشيته مقا، فلم يعد يسكنها حتى الصدى، كما يختم المتن، تاركاً ـ مثل الهامش ـ للقارئ فك اشتباك الأسطورة والتاريخ.
3 ـ بناء الرواية:
أثث التخييل عالم الرواية بدقائق وتفاصيل لا تنتهي، وتنمّ عن خبرات شتى في اللون والعطر والخشب والسبح والندب... ومتح التخييل من العجائبي والغريب في التراث الأسطوري والديني الشعبي، الشفوي والمكتوب، وفي ذلك كان استثماره للصوفي كعنصر أساس، ابتداءً باسم الملك طاسين ـ أين طواسين الحلاج؟ ـ فالدرويش والمجاذيب والشطح... وصولاً إلى صيرورة سارح عارفاً، يهتف أمام مريديه: "أعرف أنه لا حيّ إلاها"، فيهتفون: "إياك خذ بيدي يا حبّى يا سندي"، ومن ذلك ملاغاة القوارير الخضر ليلة التحنين "يا بحير أرسلني يا بحير/ أرسلني/ في جلوسي مع البشر أنا خارج الله". وقد كان العشق قوام الصوفي في الروح والجسد، مما جعل الرواية تحتشد بنصوص عشق حيان لحبّى وعشق ترنجان لـه كالمريميات والمغنية الحائلية والأرملة ماه سرمد، كذلك عشق سارح لنور وحبّى، وما يلم حيان في فن العشق بعمله من سر العطر وسر الخشب، وتصنيف الرواية للعشاق والمباح لهم سكنى المعشوقة، وتعداد مراتب العشق بين العامة والخاصة. أما الأهم من ذلك فهو قيام طاسين في معشوقته حبّى المقبورة في عشق، وامتزاج ظل حيان بظلها وكشفه أنها أكبر ممالك ذاته وتجليه الأمثل. فإذا أضفنا إلى ذلك لعبة الخنثى في شخصية ترنجان، أدركنا الإشارة إلى تمام التذكير والتأنيث في حبّى، ونشدان الوحدة الأصلية، دون أن يفوتنا ما في حوار حبّى مع حيان من تساؤلاته عن قدرة الأنثى على غلبة الطوطم، أو قدرتها على التخلي عن جسدها الخرافي وعن اقتران جسد الأنثى بامتلاك العالم والتدمير.
يفنى حيان في حبى لتعود الصورة لأصلها ويتم كماله، ويقوم هيكل حبّى المقدس. وفيما يتبادل مع حبى من الكتابة في نهاية الرواية تكتب له: "ما يحدثك مني ليس طوطم القبيلة، ولكن المعشوقة التي صاغها حيان الدروعي وسارح العارف وطاسين...". وإذا كان كل ذلك ينادي (طوق الحمامة) وسواه من نصوص العشق في تراثنا، فلعبة الخنثى تنادي من رولاند بارت جنوسة النص. وعلى أية حال فقد وسم العشق والصوفي بعامة لغة الرواية، كما وسمها العجائبي والغرائبي، والتخييل بعامة. واللغة من أخطر حراس حبّى، وفي طبعها المخادعة، كما تقول لحيان. وعلى القراءة إذن أن تكشف من المخادعة ومن الغياب ما وسعت. فهذه لغة تتوسل الشعرية ـ نسبة إلى الشعر ـ لكنها تقع في مماهاة لغة زمنها بالتضبيب والترثنة، وتنوء بالزوايا الظليلة حد العتمة ـ الغموض. ولا تكاد تتهجّن كما ينبغي للغة الروائية، سوى بالنزر من العامي ومن التناص (الغناء البدوي والأهازيج والرقية). إنها لغة ثرية ومغوية لكنها مستوية، كما يليق باللغة المتعالية في غنوصيتها ، ونبويتها، مما سبق أن تطوحت فيه ـ دون البلاغة الروائية وروائية الرواية ـ روايات حداثية جمة. ولئن كانت رواية (حبّى) تبدو هنا منازلة بجدارة لامتياز روايات إدوار الخراط، فهي تبدو وبجدارة أكبر منازلة لروايات إبراهيم الكوني في العالم الصحراوي الأسطوري الذي شيدته. ومن منازلة إلى منازلة تنتزع رواية (حبّى) ركنها المكين في التجربة الحداثية الروائية العربية.
4 ـ الواقع والتاريخ:
ينبني التاريخ الروائي في رواية (حبّى) بالأسطرة والأساطير، كما رأينا. ويبدو الواقع الروائي كذلك، فأين هو إذن الواقع كجسد للفرد وللعالم المادي والاجتماعي، متعلق بالزمن المعيوش ـ الحاضر؟ وبالتالي: ما الزمن الروائي في رواية (حبّى)؟
بتقفي الإشارات المرجعية وسط الحمى والضبابية الأسطوريتين، يطلع طور سيناء والجليل وبيت المقدس وجبل أبي قبيس وغار حراء ووادي الدواسر والصخرة وعدن وتدمر والفرات، كما يطلع الأصطخري وجبريل وبحير (الراهب بحيرا؟)، وسورة الأعراف وسورة ق (القرآن) والنفري ومنطق الطير وشهر محرم والقبائل (وإن تبدلت أسماؤها).. وبذلك وأصنائه ـ وبفعل إشارات المكان بخاصة ـ يحيل الزمن الروائي على الزمن التاريخي العربي الإسلامي في الجزيرة العربية وبلاد الشام، ويحيل التاريخ الروائي على التاريخ العربي الإسلامي، وصولاً إلى ما لعله الهيمنة العثمانية عبر جند الأناضول بقيادة قانص. ولعل الدلالات إذن تمضي إلى/ وتتركز في الوثنية الأولى للكعبة، والقدسية التالية لها، مما يعني زماننا وبالفعل فيه أيما فعل. ولئن صحّ ذلك أم لا، فللمرء أن يتساءل عن الفعل الإيماني ـ الإسلامي في زماننا ـ واقعنا، وفي مستقبلنا، وحيث يصير دهر التملّي زمناً روائياً يشبك بالأنوثة الماضي بالحاضر والمستقبل.
محاولة تأنيث:
من الأرملة ماه سرمد قرينة (حبّى) إلى نور بنت النائحة الكردية، ومن الخنثى ترنجان إلى تمام التذكير والتأنيث في (حبّى) تنهض الطوطمية، فتتأله الأنثى وتتقدس، وتكون جنوسة النص. ومحاولة التأنيث، تقوم إذن في رواية (حبى)، في الأس والبداية والنهاية، في المنظور والقوام، في تشكيل التاريخ وهندسة البناء، بينما لا تتخصص جراء ذلك مفردات البناء بعلامة أنثوية.


وبخلاف ذلك يبدو صنيع رواية (خارطة الحب)، حيث العلامات الأنثوية في مفردات شتى من البناء الروائي، وأبرزها ما يتعلق بالشخصية الروائية، كالامومة في آنا وفي ليلى (الرضاعة ـ مشي الطفل) أو كالعلاقة بالزهور (أمل ـ آنا) أو كالحب (حب إيزابيل لعمر وحب أمها ياسمين لأبيها جوناثان) والزواج والحمل والطلاق والانفصال بلا طلاق (أمل ـ إيزابيل ـ الجارة تحية)، ولعل غاية ذلك هو ما يتجلى في بناء الشخصيات النسوية من جمع قرية الطواسي إلى أروى صالح وإيزابيل وأمل وليلى وآنا وياسمين ومريم الخالدي، وسواء أكانت الشخصية مركزية أم عابرة. بيد أنه، وإضافة إلى ذلك تمضي في هذه الرواية محاولة التأنيث إلى ماهو أبعد وأشمل، مما يذكّر بالمحاولة عينها في الرواية السابقة، ولكن سبيل (خارطة الحب) إلى ذلك تظل محددة، كما في تقليب أمل للجذور اللغوية (الأم ـ المرأة ـ الجنين) أو في علاقة الكلمة بالبويضة، حيث تأتي الكلمة في حشد مثل البويضات الصغيرة والكبيرة التي تصحب ملكتها، ولا ينال الإخصاب سواها.
خاتمة:
منذ فجرت التجربة الروائية العربية (الرواية التاريخية)، وهي، بحفرها في التاريخ وفي الواقع، تزمننهما، وإن انحدت مرة بمرحلة بعينها (مثلاً: الغيطاني: الزيني بركات ـ بنسالم حميش: مجنون الحكم..)، أو شبكت الواقع بالتاريخ (مثلاً: إدوار الخراط وصلاح الدين بوجاه)، أو أطلقت العنان للأسطرة (إبراهيم الكوني مثلاً). وإلى ذلك تبدو إضافة رجاء عالم وأهداف سويف من الأهمية بمكان، كما تأمل هذه المساهمة أن تكون قد دللت، وبخاصة أن محاولة التأنيث، مهما تواضعت، تظل إشارة واعدة ـ بقدر ماهي هامة ـ إلى خلخلة الهيمنة الذكورية في الكتابة الروائية، وإلى تطعيم هذه الكتابة بجديد وخاص، كما تظل إشارة إلى تحرير المعنى، وإلى النقدي، وبهذا وذاك يتلامح الأفق الإبداعي والحضاري والجديد، في جملة من الجماليات والشواغل الروائية.





 الهوامش:
(1) ـ عبد الملك مرتاض: في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد، صدر في سلسلة عالم المعرفة، العدد 240، ديسمبر ـ كانون الأول 1998، الكويت، والإحالة هي إلى المقالة السابعة، ص 202.
(2) ـ نفسه، ص 206.
(3) ـ نفسه، ص 207.
(4) ـ المركز الثقافي العربي، بيروت 2000.
(5) ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2001، (ترجمة: فاطمة موسى).

 
 

 

عرض البوم صور تيتوف بارة   رد مع اقتباس
قديم 18-10-07, 01:12 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9261
المشاركات: 1,076
الجنس ذكر
معدل التقييم: تيتوف بارة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدNauru
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تيتوف بارة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تيتوف بارة المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

المصادر:
(مرتبة بحسب الاسم الأول)


(1) ـ إبراهيم الدرغوثي، الدراويش يعودون إلى المنفى، دار رياض الريس، ط1، لندن 1992.
(2) ـ أحلام مستغانمي، ذاكرة الجسد، دار الآداب، ط1، بيروت1993.
(3) ـ أحلام مستغانمي: فوضى الحواس، دار الآداب، ط1، بيروت 1998.
(4) ـ أحمد يوسف داوود: فردوس الجنون، اتحاد الكتاب العرب، ط1، دمشق، 1996.
(5) ـ أحمد حرب: الجانب الآخر لأرض المعاد 1990.
(6) ـ إدوار الخراط: رامة والتنين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت
1980.
(7) ـ إدوار الخراط: يقين العطش، دار شرقيات، ط1، القاهرة 1996.
(8) ـ الزاوي أمين: صهيل الجسد، دار الوثبة، ط1، دمشق 1983.
(9) ـ الزاوي أمين: رائحة الأنثى، دار كنعان، ط1، دمشق 2000.
(10) ـ اسماعيل فهد اسماعيل: سماء نائية، دار المدى، ط1، دمشق 2000.
(11) ـ الحبيب السائح: زمن النمرود، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجزائر 1985.
(12) ـ الطاهر وطار: اللاز، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر 1972.
(13) ـ الطاهر وطار: الزلزال، ط1، بيروت، 1974.
(14) ـ الطاهر وطار: عرس بغل، دار ابن رشد، ط1، بيروت 1978.
(15) ـ الطاهر وطار: الحوات والقصر، دار البعث، ط1، قسنطينة، الجزائر 1980.
(16) ـ الطاهر وطار: العشق والموت في الزمن الحراشي، دار ابن رشد، ط1، بيروت 1980.
(17) ـ الطاهر وطار: تجربة في العشق، مؤسسة عيبال، ط1، نيقوسيا 1989.
(18) ـ الطاهر وطار: الشمعة والدهاليز، دار الهلال ط1، القاهرة 1995.
(19) ـ الطاهر وطار: الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي، الجاحظية للتبيين، ط1، الجزائر 1999.
(20) ـ إميل حبيبي: اخطية، بيسان برس، ط1، قبرص1985.
(21) ـ أنيسة عبود: النعنع البري، دار الحوار، ط1، اللاذقية 1997.
(22) ـ أهداف سويف: خارطة الحب، ترجمة: فاطمة موسى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، القاهرة 2001.
(23) ـ بشير المفتي: المراسيم والجنائز، منشورات رابطة الاختلاف،ط1، الجزائر 1998.
(24) ـ بهاء طاهر: الحب في المنفى، دار الهلال، ط1، القاهرة 1995.
(25) ـ جمال الغيطاني: رسالة في الصبابة والوجد، دار الشروق، ط1، الدار البيضاء
1993.
(26) ـ جمال الغيطاني: خلسات الكرى، دار شرقيات، ط1، القاهرة 1994.
(27) ـ جمال الغيطاني: متون الأهرام، دار شرقيات، ط1، القاهرة 1994.
(28) ـ جميل عطية إبراهيم: 1981، دار الهلال، ط1، القاهرة 2000.
(29) ـ جيلالي خلاص: رائحة الكلب، المؤسسة الوطنية للكتاب،ط1، الجزائر1985.
(30) ـ جيلالي خلاص: حمائم الشفق، المؤسسة الوطنية للكتاب،ط1، الجزائر 1986.
(31) ـ حسونة المصباحي: هلوسات ترشيش، دار طوبقال، ط1، الدار البيضاء 1995.
(32) ـ حمد الحمد: زمن البوح، دار شرقيات، ط1، القاهرة 1998.
(33) ـ حميدة نعنع: الوطن في العينين، دار الآداب، ط1، بيروت 1979.
(34) ـ حيدر حيدر: شموس الغجر، دار ورد، ط1، دمشق 1997.
(35) ـ خليل صويلح: وراق الحب، دار البلد، ط1، دمشق 2002.
(36) ـ خيري الذهبي: هشام، دار الكنوز الأدبية، ط1، بيروت 1998.
(37) ـ رجاء عالم: حبّى، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت 2000.
(38) ـ رشيد بو جدرة: التفكك، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجزائر1982.
(39) ـ رشيد بو جدرة: امرأة آرق، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجزائر1985.
(40) ـ رشيد بو جدرة: معركة الزقاق، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجزائر1986.
(41)ـ رشيد بو جدرة: فوضى الأشياء، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجزائر1990.
(42)ـ سلام عبود: يمامة: في الألفة والألف والندامة، دار الكنوز الأدبية، ط1، بيروت.
(43)ـ سليم مطر: امرأة القارورة، منشورات رياض الريس، ط1، لندن 1990.
(44)ـ سليم مطر: التوأم المفقود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط1، بيروت ـ عمان 2001.
(45)ـ صلاح الدين بو جاه: التاج والخنجر والجسد، دار سعاد الصباح، ط1، القاهرة 1992.
(46)ـ صلاح الدين بو جاه: النخاس، دار سيراس للنشر، ط1، تونس ؟؟؟؟
(47)ـ صلاح الدين بو جاه: التبيان في وقائع الغربة والأشجان، دار الجنوب، ط1، تونس1996.
(48)ـ طالب الرفاعي: ظل الشمس، ط1، 2000.
(49)ـ عائدة الخالدي: وقد يأتي الربيع خريفاً، اتحاد الكتاب العرب، ط1، دمشق 2000.
(50)ـ عبد الحميد بن هدوقة: ريح الجنوب، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر 1971.
(51)ـ عبد الحميد بن هدوقة: نهاية الأمس، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر1975.
(52)ـ عبد الحميد بن هدوقة: باب الصبح، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر1980.
(53)ـ عبد الحميد بن هدوقة: الجازية والدرويش، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر1983.
(54)ـ عبد المالك مرتاض: صوت الكهف، دار الحداثة، ط1، بيروت 1986.
(55)ـ غادة السمان: بيروت 75 ، دار الآداب، ط1، بيروت 1975.
(56)ـ غادة السمان: كوابيس بيروت، دار الآداب، ط1، بيروت1977.
(57)ـ غادة السمان: ليلة المليار، منشورات غادة السمان، ط1، بيروت 1986.
(58)ـ غازي القصيبي: العصفورية، دار الساقي، ط2، لندن 1999.
(59)ـ فيصل خرتش: موجز تاريخ الباشا الصغير، منشورات رياض الريس، ط1، لندن 1991.
(60)ـ قمر كيلاني: بستان الكرز، اتحاد الكتاب العرب، ط1، دمشق 1977.
(61)ـ كمال الزعباني: في انتظار الحياة، ط1، تونس.
(62)ـ ليلى العثمان: المرأة والقطة، ط1، 1985.
(63)ـ مرزاق بقطاش: عزوز الكابران، لافوميك، ط1، الجزائر 1989.
(64)ـ مروان طه المدور: جنون البقر، منشورات رياض الريس، ط1، لندن 1991.
(65)ـ محمد الباردي: قمح أفريفا، دار الحوار، ط1، اللاذقية 1992.
(66)- محمد الباردي: حوش خريّف، سراس للنشر، ط1، تونس 1997.
(67)ـ محمد العالي عرعار: البحث عن الوجه الآخر، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجزائر 1981.
(68)ـ محمد العالي عرعار: زمن القلب ، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجزائر 1986.
(69)ـ محمد علي اليوسفي: شمس القراميد، دار الجنوب، ط1، تونس 1997.
(70)ـ محمود طرشونة: المعجزة، ط1، تونس 1996.
(71)ـ مويلم العروسي: مدارج الليلة الموعودة، مطابع صومادي، ط1، الدار البيضاء
1993.
(72)ـ ميرال الطحاوي: الباذنجانة الزرقاء، دار شرقيات، ط1، القاهرة 1998.
(73)ـ واسيني الأعرج: ما تبقى من سيرة لخضر حمروش، دار الجرمق، ط1، دمشق 1983.
(74)ـ واسيني الأعرج: نوار اللوز أو تغريبة صالح بن عامر الزوفري، دار الحداثة، ط1، بيروت 1983.
(75)ـ واسيني الأعرج: مصرع أحلام مريم الوديعة، دار الحداثة، ط1، بيروت 1984.
(76)ـ واسيني الأعرج: سيدة المقام: مرثيات اليوم الحزين، دار الجمل، ط1، كولونيا (المانيا) 1995.
(77)ـ واسيني الأعرج: حارسة الظلال أو دونكيشوت في الجزائر، دار الجمل، ط1، كولونيا (ألمانيا) 2000.
(78)ـ ياسين رفاعية: الممر، اتحاد الكتاب العرب، ط1، دمشق 1978.
(79)ـ ياسين رفاعية: رأس بيروت: دار المتنبي، ط1، لندن 1992.

 
 

 

عرض البوم صور تيتوف بارة   رد مع اقتباس
قديم 19-10-07, 01:21 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 35928
المشاركات: 59
الجنس ذكر
معدل التقييم: دايم الحسن عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دايم الحسن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تيتوف بارة المنتدى : كتب الأدب واللغة والفكر
افتراضي

 

كل الشكر لشخصك الكريم ... وللطفك المتناهي ...

تقبل تحياتي .. وكل عام وأنت بخير أيها الرائع

 
 

 

عرض البوم صور دايم الحسن   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2003, اتحاد الكتاب العرب, جماليات وشواغل روائية, نبيل سليمان
facebook




جديد مواضيع قسم كتب الأدب واللغة والفكر
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:14 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية