بالطبع تصاعدت المشكلة الى مدير النادى, وتدخلت انا وسيف لإنهائها بأقل قدر من الخسائر
وكادت ريم أن تطرد من النادى بسبب تصرفاتها, لولا تدخلى أنا وسيف, والغريب أن هايدى تنازلت عن حقها وتركت مدير النادى يسوى المسأله فيما بيننا بعد أن تعهدت ريم له بحسن السلوك
وأخذت أبحث فى عقلى عن سبب واحد معقول يجعل هايدى تتسامح وتنسحب ولا تصعد الأمور فلم أجد أى سبب منطقى
حتى كشفت الشيطانة الصغيرة عن الأمر عندما سألها سيف : كيف تنازلت هايدى وأنهت الموقف بهذه السهولة؟
قالت بعصبية وهى تسير معنا نحو الكافيتريا : لأننى هددتها أن أكشف لأعضاء شلتها عن السبب الحقيقى لشجارنا
سأقول لهم أنها جنت وطاحت فى ايمان عندما علمت أن عماد يفضلها عليها
حقا ريم ماكرة,تستطيع ببساطة اكتشاف نقطة ضعف خصمها واللعب عليها بمهارة لصالحها, كانت تعلم تماما ان الألسنة فى شلة هايدى فى حاجة دائمة الى قصة مثيرة تلوكها وتغزل حولها الإشاعات والحكايات
ولأن هايدى هى ابرز أعضاء الشلة, فهى لا يمكن أن تسقط تلك السقطة وتكون احدى ضحاياهم
لذلك قبلت مرغمة المقايضة بينها وبين ريم,
أين ايمان من ذلك العالم الغريب؟ كانت بعيدة تماما عن تلك النوعية المستهترة من الفتيات
عندما جلسنا نحن الثلاثة فى الكافيتريا كان السؤال يلح علي بشدة وأنا أحاول تأجيله بسبب حالة ريم الغير طبيعية
كانت تهز ساقها بعصبية ويديها فى كل اتجاه, فتارة تضمهما وتارة تفردهما وتارة تقرض أظفارها وتارة تفرك يديها
انتظرت حتى تهدأ, ولكن يبدو أنها لن تهدأ أبدا, فهى تبدو كمن يجلس على جمر مشتعل
كانت تعاملنى بعنف مقصود كما لو كانت تحملنى نتيجة ما حدث
تحملت كل سخافاتها وقلت بهدوء : كيف حالها الآن؟
ريم بعنف : ألديك الجرأة لتسأل بعد كل مافعلته؟
سيف : ريم ...تعقلى, وماذنبه هو فى الأمر؟
قالت بصوت مخنوق : هو السبب فى كل تلك المصائب, اسأله لم لم يدافع عنها؟ لم لم يصفع تلك الحرباءة ويلقنها درسا؟
صمت مكرها, فالنقاش معها وهى على تلك الحالة لن يجدى
هتف سيف : ريم, هذا يكفى
ريم : لايكفى أبدا, فلولاه لما أقدمت تلك الأفعى على ذلك الفعل القذر
امتلأ صوتها بالدموع : لقد أصبح البيت كالجحيم, لم أراها يوما حزينة بهذا الشكل
لم تتجنبنى أبدا أو تبتعد عنى
حتى عندما أصيبت غدير وذهبت بها الى المستشفى, لم تحزن ولم تخاصمنى ولم تغضب منى
بل أشفقت علي من غضب أبى, كانت تدافع عنى وتختلق له الأعذار ليصفح عنى
كان عليك أن تحميها وتعاقب تلك الحرباءة
سرحت فى كلمات ريم
ميزة أخرى تضاف الى مميزاتها الكثيرة
لكم هى رقيقة متسامحة ومحبة لأهلها
نظرت الى ريم وقلت ببطء متعمد : ومن أخبرهايدى أن ايمان تعمل معنا فى المكتب؟
حدقت بى بصمت وتجمدت كل عضلة فى جسدها
سيف بانفعال : عماد...ما الذى تعنيه بقولك هذا!
هتفت : انتظر قليلا..هى تعرف ماذا أعنى
أشاحت بوجهها بعيدا, فأكملت بقسوة : لم تكن هايدى لتأتى الى المكتب على هذا النحو الا لو أن أحدا ما أخبرها أن ايمان تعمل هناك, وحتى هذه كانت لتمر كأمر عادى الا لو أن هذا الشخص أسهب فى الحديث وزاد وعاد أننى مهتم بها بشكل خاص
أوشكت ريم على الإنهيار : اسكت.. اسكت..
قلت : أنت من فعلها, أليس كذلك؟ استنتجتها ايمان بذكائها وحسن تفكيرها, وفهمها التام لألاعيبك وحيلك
لهذا ابتعدك عنك بصمت, وحققت لك ما كنت تريدينه
غطت وجهها بكفيها وأجهشت بالبكاء
قال سيف بصدمة : أنت! أنت ياريم ! ..لماذا فعلت ذلك؟
قلت بسخرية مريرة : مقلب جديد من مقالبها السخيفة كانت تعده لإيمان, وأفلحت هذه المرة
اندفعت تدافع عن نفسها : لا..لم أكن أقصدها,صدقونى
هززت رأسى بأسف : كنت تريدين الكيد لهايدى, لكن سهمك أخطأ هدفه وأصاب ايمان فى قلبها
ازداد بكاءها النادم وسيف يكاد أن يجن
زفرت بعمق وقلت وصورة وجهها الملائكى الحزين تترائى لى : بعض الناس يفسدون أجمل الأشياء باستهتارهم ورعونتهم
..............................................
كل يوم أذهب للنادى, أبحث عنها فى كل مكان وأنا متأكد أنها لن تأتى
وفكرت مرات كثيرة أن اتصل بها تليفونيا, ولكنى على يقين من أنها لن ترد علي
وكاد يستبد بى الشوق يوما وأقدم على عمل أخرق وأزورها فى بيتها
لكن قليل من العقل منعنى, وكذلك خوفى عليها من أن أتسبب لها فى مزيد من الإحراج المؤلم أمام أهلها
ففتاة مثل ايمان بتربيتها وخلقها لايقدم أى شاب على عمل مثل هذا الا لو كان مجنون تماما
ما كان يصبرنى أن موعد امتحان السباحة الخاص بحماده قد اقترب, وهى بالتأكد ستحضر
فإيمان التى أعرفها لايمكن أن تكسر قلب طفل صغير
أخذت أنتظر موعد الإمتحان بقلب يتفطر شوقا
يوم الإمتحان حضرت كما توقعت, ورأيتها تجلس وحيدة الى احدى الطاولات بجوار حمام السباحه وانتظرت مرغما الى حين الإنتهاء من الإمتحان حتى لا أفسد على حمادة بهجة حضورها, فربما أقدمت على تصرف ما عندما ترانى, أو رحلت غاضبة
وأخذت أراقبها من حيث لاترانى
مرأى الحزن على ملامح وجهها مزق قلبى تمزيقا وكاد أن يفقدنى عقلى
كانت أنفاسى تتثاقل وقلبى يدق بعنف وأنا أراها شارده حزينه بهذه الصورة
حتى حمادة, عجزت عن الإبتسام له أو اظهار فرحها بتفوقه
بعد انتهاء الإمتحان جلست تنتظر حمادة الذى ذهب ليرتدى ملابسه, وبخطوات سريعه كنت أقف أمامها, لم تنتبه لى فى البداية
- ايمان....
التفتت الي ببطء, وبمجرد أن التقت عينيها بعيناى انتفض قلبى شوقا, أو ألما لا أدرى
لكن النظرة التى رأيتها فى عينيها آلمتنى أيما ألم
أما هى, فقد صدمت لرؤيتى, واندفعت الدماء الحارة الى وجهها, وهبت بسرعه لترحل
لكنى اعترضت طريقها وأنا اقول بهدوء : ايمان..لن أتركك ترحلين قبل أن تسمعينى
كانت تشيح بوجهها عنى وهى تحاول الإفلات من حصارى لها
لكنى لم أمنحها الفرصة وأكملت بهدوء : أرجوك, فقط أحتاج لأن تسمعينى
أعطتنى ظهرها والتوتر باد فى حركاتها, ولكنى لم أهتم فمن المستحيل ان اضيع الفرصة التى انتظرتها كل هذه المدة
انطلقت أقول : ألا تريدين أن تسمعى ما أريد قوله!
طوال الفترة الماضية وأنا لاهم لى سوى انتظارك
فمنذ أن رأيتك وأنا أتمنى الإقتراب منك, وكلما حاولت التقدم خطوة, يحدث شئ يبعدنى خطوات كثيرة, منذ أن رأيتك ولا أدرى كيف دخلتى قلبى, لم أعد أرى سواكى, لم يعد بمقدورى أن......
توقفت عندما استدارت بحده, ورأيت اضطرابا غريبا فى وجهها وهى تقول بصوت متقطع وأطرافها ترتعد بشدة : تـ..تـ..ووقف, لا أريـ..د أن أســ...أسـ..مع شيئ, قلـ..لـت لك ابـ.. ابـ..
أخذت تلهث بقوة والعرق يتجمع فى وجهها المرتعش, وأنا اقف صامتا لا انطق
عجزت تماما عن السيطرة على انفعالاتها : ابـ ..تـ.عد عن طـ.طـ..ريقى
لا أر..أريد العمل معـ..معك, لا أريد أن أر..أراك ثا ثا ثانية
ليتنى ماتكلمت
ليتنى ما أتيت فى هذا اليوم الكئيب
ليتنى ما اقتربت منها
ليتنى ماعرفتها
ليتنى ما أحبـ..........
والا ما كنت سببت لها هذا الجرح المميت
عندما نظرت الى بأسىارتجفت بقوة وأصابت قلبى دمعة فرت من بين رموشها فجعلته قطعا متناثرة
عجزت عن تحمل نظراتى وفرت من أمامى مهرولة, وهذه المرة لم أحاول أن أعترض طريقها, بل اكتفيت بمراقبتها وهى تبتعد واليأس يكبلنى, كيف يمكن أن أقترب منها ثانية بعد أن انكشفت كل جراح روحها أمامى
اعتصرت عيناى بقوة والألم يمزق عروقى
لم يعد اصلاح الأمر ممكنا بعد أن ذبحت كبرياءها مرتين دون أن أقصد, ودون أن أفهم أو أعى ما تكابده من عناء وألم
فحبيبتى ومالكة قلبى ذات الروح الحساسة والقلب الرقيق كأوراق زهرة خجول
تعانى من داء لعين يسمى اللجلجة والتعثر فى الكلام
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>