عودة الى القصة بعد انقطاع النت
مش هاطول عليكوا
عودى لى
قفز الباب بنشاط بعد عدة طرقات سريعة معلنا وصولها بحيويتها الزائدة وخطواتها المرحه كما يعرفها الجميع
حضورها الطاغى وحنانها الفياض يملأ الجو ببهجة محببة للنفس
لكن..
فى هذا المساء
وفى تلك الغرفة بالذات عجزت روحها المرحة وكلماتها المفرحه عن اقتحام جو الكآبه والحزن المنتشر فى المكان
ورغم ذلك فمحاولاتها المستمرة لبث الأمل فى النفوس تأبى أن ينتصر عليها الهم والغم
كانت تتحدث بايقاع مرح سريع وكلمات ملؤها التفاؤل الى المرأة المستلقية أمامها على السرير ويديها تعملان بسرعة كبيرة واحترافية عالية فى تغيير وعاء السائل الطبى المعلق على الحامل المجاور للسرير بعد ان صب عن آخره فى اوردتها وتبديله بآخر جديد ليحل محله وتوصيله بالمحقن الطبى المغروز بعنايه فى وريد ظهر كفها
- مرحبا ايتها الجميلة النائمة...كيف حالك اليوم
التقارير الطبية ممتازة تقول انك تتحسنين باستمرار
هل اشتقت للعودة للبيت؟
اعلم ان وجودك هنا طال اكثر من اللازم, لكن عليك بذل المزيد من الجهد لتعودى الى بيتك سريعا
هل علمت بآخر الأخبار؟
علاوات الموظفين زادت 15%, شئ رائع لولم تزد الأسعار 50%
معادلة صعبة..أليس كذلك؟
اتعلمين ان سيدة من الصين أنجبت ستة توائم؟
ترى كيف حال زوجها؟لاشك........
كانت تتحدث بثرثرات كثيرة متفرقة لاعلاقة ببعضها البعض
ورغم ادراكها التام ان السيدة المستلقية على الفراش لن ترد عليها او تومئ لها او حتى تتحرك ملامحها تأثرا بكلماتها
لكنها لم تكف لحظة واحدة عن الثرثرة والقاء النكات حتى وهى تدفع بالمحقن الممتلئ بالدواء المقرر لها فى وريدها
- حسنا انتهينا ياعزيزتى
اتمنى الا اكون قد آلمتك, عموما سيكون لدينا فرصة للتحدث مدة اطول غدا فهو يوم اجازتى, استمتعى بنومك ياعزيزتى
انتهت ولاء من عملها بسرعة وهمت ان تغادر, لكنها وقفت تتأمل ذلك الوجه الملائكى ذى الجمال الهادئ وهى تتعجب
: سبحان الله ماشاء الله لاقوة الا بالله
يهيئ لى أن الأميرة النائمة لايمكن ان تكون بمثل جمالها ولا رقتها
اتتها تنهيدة حارة من ركن الحجرة المظلم تبعها صوت حزين يقطر مرارة : هكذا رأيتها اول مرة وهكذا أراها دوما
الرقه والوداعة والحنان اجتمعت فى انسانة
التفتت تنظر اليه وفى عينيها ألف سؤال وسؤال فقد كان مظهره يثير الرثاء والشفقة بملابسه المتغضنة الغير مهندمة ولحيته المهملة التى أخفت جانبا كبيرا من وسامته وعينان ملأهما الحزن لم تبرحا ذلك الملاك الراقد فى فراش المرض كما لو كان يعد أنفاسها وهى تتردد داخل صدرها, تلك العلامة الوحيدة التى تطمئنه انها لازالت تتمسك بالحياة
قالت بتعاطف : أستاذ عماد, ان الفضول حقا صفة قبيحة
ولكن أمام تلك الحالة الغريبة أجد نفسى عاجزة عن كتمان فضولى
فقط أود ان اعلم, ما الذى أتى بها الى هنا؟
زفر بحرارة وارتسمت المرارة على شفتية : تلك قصة طويلة
قالت بسرعه : احب ان اسمعها ان لم يكن لديك مانع, فلدى ايمان كامل بأن جزء كبير من شفاء المريض يعتمد على بيئته ومن حوله والأحداث التى مرت به فى حياته
قال بيأس : بكل أسف لا أحد يستطيع مساعدتها
قالت مشجعة : انها مجرد محاولة ولك أن تقبلها أو ترفضها
لم تترك له مجالا للرفض وتناولت احد المقاعد من ركن الغرفة ووضعته بجوار فراشها وأخذت تستمع بشغف واهتمام لقصة الرجل الجالس على الأريكة
: كشاب فى عمرى ووسامتى وجسدى الرياضى الذى تكون بفضل احترافى للعبة الكرة الطائرة منذ صغرى, حتى أصبحت أحد نجوم الفريق الأول كنت محط أنظار الجميع, واكتسبت شهرة واسعة فى النادى الكبير الذى انتمى اليه
وكان من المفترض أن أكون صاحب أكبر عدد من الصداقات للجنس الآخر, فما أكثر الفتيات اللاتى حاولن التقرب منى واكتساب صداقتى, الا أن كل المحاولات باءت بالفشل.
وذلك نتيجة تربيتى بين أفراد عائلة تتخذ من التدين والإلتزام وتقوى الله أساسا لحياتها وتربية أبناءها
أب مستشار وأم ربة منزل وثلاثة من الأبناء سافر اثنان منهما بعد التخرج فى كليات مرموقة ليعملا فى احدى دول الخليج
ولم يبق سواى,فقد رفضت فكرة السفر نظرا لحبى الشديد للكرة الطائرة, وبعد تخرجى فى كلية الحقوق, استطعت أنا واثنين من زملاء الجامعة وبمساعدة اسرتى افتتاح مكتب صغير للمحاماة شراكة بينى وبين زميلى فتحى وسيف
سيف جارى وصديق المدرسة والنادى والعمر بأكمله
سيف الذى لا أنكر فضله لأنه سبب تعرفى اليها, فقد كان من النادر أن يرانى أحد خارج ملعب الكرة الطائرة وما حوله
فالعالم بالنسبة لى يعنى تلك البقعة المغطاة وما حولها والتى هى سببا لحصولنا على كأس أو ميداليه تضاف لرصيد نادينا العريق
كنت قانعا بحياتى, سعيدا بانجازاتى, ولم يكن التفكير فى الجنس الآخر يحوز اى قدر من عقلى, فأحلام الشباب والزواج والبحث عن فتاة الأحلام هى أشياء لم يحن أوان التفكير بها بعد
بل لم يشغلنى ذلك على الإطلاق, فطريقى معروف ومحدد بالزواج من احدى المعارف أو الأقارب تختارها لى أمى
زواج غير معقد, مما جعلنى أصب كل اهتمامى فى عملى ولعبتى المفضلة التى تفوقت فيها
حتى جاء اليوم الذى انقلبت فيه كل أفكارى وغمرتنى عاصفة من المشاعر لم أكن أدرى بوجودها فى داخلى رجت قلبى رجا ونفضت عن مشاعرى تراب تراكم لسنوات من قلة استخدامها
ففى صبيحة ذلك اليوم المشهود خرجت من بيتى الثانى-ملعب الكرة الطائرة-ودرت فى أرجاء النادى أبحث عن سيف,
حتى استوقفنى صوت سمعته من قبل : كابتن عماد
التفت بسرعة لتعترض طريقى ريم
فتاة يافعة جميلة يتطاير شعرها الأسود بتموجاته الجميلة بانطلاق خلف ظهرها
ومن بنطالها الجينز الواسع وبلوزتها الكبيرة تستطيع ان تستنتج بسهولة ان تحررها له حدود
كلما نظرت اليها اشعر وكأننى أنظر الى قطة متوحشة بعينيها الواسعتين المملوءتين مكرا وشقاوة
سألتنى بسرعة : عماد هل رأيت سيف اليوم؟
لم يكن هناك أدنى مبرر لسؤالها, فالمفروض أن أسألها أنا عنه
قلت لصديقة صديقى : أظن ذلك, اذا قابلتيه فأبلغيه أننى أبحث عنه
نظرت خلفها بطريقة لم تريحنى, وقالت بسرعة : حسنا اذا رأيته فقل له اننى انتظره فى الكافيتريا
رحلت ولازلت أتساءل فى نفسى عن السر الذى جعلها تستوقفنى لتسألنى عن سيف
فالمعتاد أن اول ما يفتتح سيف به النادى هى
وهى أيضا آخر ما يودع به النادى
وبين الفترتين أيضا هى, حتى أنه لايكاد يأتى الا من أجلها
كنت مندهش تماما من ولهه وغرامه بها, قد يبدو الأمر منطقيا لو أن هذا الوله والشغف متبادل
لكنى فى أحيان كثيرة أشعر أن تلك المشاعر الجياشة من طرف واحد
اتجهت الى مكانى وانا موقن أنها ستعثر عليه وتبلغه انى أريده
لكن صوتا صارما جعلنى اتوقف : لحظة من فضلك يا كابتن
التفت الى محدثتى ولم يكن يخطر فى عقلى أنى سألتقى أجمل عينان رأيتهما فى حياتى, ووقفت مشدوها لا أستطيع النطق
يبدو أن ضميرى بدأ فى قرع جرس الإنذار بداخلى, فلم أكن بحكم تربيتى الملتزمة معتادا على التحديق فى وجه أية فتاة, أو النظر اليها فى خط مستقيم
لكن هذه المرة لم أستطع, عجزت عن غض بصرى أو تحويل عيناى عن تلك العيون التى أسرتنى وذلك الوجه الملائكى الممتلئ بغضب لا أدرى سببه
يبدو أن تحديقى بها أربكها فخفضت عينيها فى حياء رغم غضبها, وعقدت جبينها بشدة, وبدا لى أنها تستجمع شجاعتها وتحفز طاقتها لمعركة ما
ورغم أنى لا أعرفها ولم أراها من قبل, لكنها لم تضع الوقت واندفعت تقول بصوت يملؤه الإتهام: انت تعرف الفتاة التى كنت تتحدث اليها من دقيقتين؟ اليس كذلك؟
قلت مباشرة وأنا لا أدرى لأى سبب ذلك الهجوم المفاجئ : ريم؟ نعم أعرفها
قالت بصرامه : اذا عليك أن تدعها لحالها وتبتعد عنها, فهى ليست كالأخريات اللاتى تعرفهن, بل هى من عائلة محترمة
لاتعتقد أنها صيد سهل لكونها صغيرة قليلة الخبرة...
قليلة الخبرة!!! تعجبت كثيرا للكلمة فهى لايمكن أن تنطبق على فتاة كريم أبدا
أكملت بنفس الهجوم : ان لديها من هو مستعد لحمايتها حتى لو خاض حربا فى سبيل ذلك
كانت الدهشة قد فاضت بى من ذلك الحديث الغريب على سمعى وعلى أخلاقى, فهتفت : لحظة لو سمحت, هناك سوء تفاهم بالتأكيد, فأنا لا...........
لم تدعنى أكمل, اذ يبدو أن هناك من أقنعها بأننى وريم على علاقة ما, وأن الفكرة مترسخة تماما فى عقلها
- لاداعى لأية مبررات, فلا يمكن........
لا أدرى كيف وقفت صامتا ولم أدافع عن نفسى, بل أننى لم أستطع التركيز فى حديثها, ولم أعى ماتقول, فقد كان عقلى منشغلا تماما بتأمل ذلك الكائن الجميل الذى هبط علي فجأة وأسرنى وألجم لسانى برقته ووداعته
ولسبب ما شعرت وكأن غضبها لايتفق أبدا مع تلك الوداعة التى تقطر من ملامحها, وكأنه شئ لايليق بها
كانت تتكلم بسرعة وأنفاسها تتلاحق بشكل غريب من بين كل جملة وأخرى, كانت تبدو وكأنها تحاول السيطرة على انفعال لم أستطع تحديده, أهو الغضب أم شئ آخر
- - هل سمعتنى جيدا؟
انتزعتنى عبارتها من شرودى : هه..نعم..نعم سمعتك
اذا فأنت متفق معى ان تلك العلاقة لابد وأن تنتهى
قلت وأنا أحاول أن أستوعب عن أية علاقة تتحدث, فيبدو أنها تظننى سيف : ولكن ليس الأمر كما تظنين....
قاطعتنا ضحكة خبيثة عالية, وعندما انضمت الماكرة ومعها سيف الينا, أدركت الخدعه كلها
- كنت أعلم انك ستتبعينى, طلبت الرقم الخطأ, فليس كل ماترينه يمكن أن تصدقيه
أثارت قلبى بتلك النظرة التى بدت فى عينيها, كانت تبدو لى لحظتها كعصفور جميل سقط فى دلو من الماء المثلج, واحمر وجهها بقوة وهى تنقل عينيها بين سيف وريم التى لم تكف لحظة عن الضحك
وحاول سيف الذى اغرقه الإحراج والخجل أن يقول شئ. أى شئ : آنسة ايمان ...أنا....
لم يكمل, لأنه بالتأكيد لم يكن هناك مايمكن أن يقوله فى هذا الموقف الغريب
ورحلت الجميلة الغاضبة
رحلت مسرعة دون أن تنطق بكلمة ودون أن تجرؤ على النظر الىّ
رحلت والبلاط يقرقع تحت حذائها وكأنما يشاركها غضبها
تابعتها ببصرى وحجابها الحريرى يتهادى خلفها بنعومه بفعل نسمات الربيع الراحلة بسرعة ليحل مكانها حر الصيف القاسى
عندها فقط أدركت أن قلبى لم يعد مستقرا مكانه, وأننى لن أعود أبدا كما كنت قبل أن أراها
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>