المنتدى :
الارشيف
الهداية
الهداية هي الرشاد, هداه للطريق أي أرشده اليه ومعناها العام هي الدلالة والتوجيه والتعليم برفق لاعنف فيه وقد تدخل الإعانة في الهداية فتجعلها في أعلى معانيها.
والهداية شرعا تعني الإهتداء الى الإسلام والإيمان به والإعانة على ذلك, والضلال عكس الهداية, فالمهتدي سيسر الى هدف واضح عن طريق واضح له علامات واضحة وهناك من يعينه على سلوك هذا الطريق ليصل الى الهدف بسلام, أما الضلال فهو سير الإنسان في طريق لايوصل الى الهدف السليم, كما يطلق الضلال على من اختار هدفا غير سليم وان سلك الطريق الموصل اليه ووجد من يعينه للوصول الى الهدف الخاطئ. فالسارق الذي يهدف للسرقة ربما نجح في تخطيطه وسعيه ووجد من يساعده ووصل الى المال واستحوذ عليه. ولكنه في ضلال لأن الهدف غير مشروع أصلا. والضلال شرعا هو الإنحراف عن الإسلام.
وقد جعل الله تعالى الجنة للمهتدين والنار للضالين, مما يدل بوضوح على أن الإنسان هو المسئول عن الضلالة والهدى وإستتنت الشريعة بعض الحالات من المسؤولية كالصبي والمجنون والمكره وعدم وصول الدعوة "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" و لو أجبر الله الإنسان على الهداية أو الضلال لما كان للثواب والعقاب من معنى كما قال الشاعر: ألقاه في اليم مكتوف اليدين: وقال إياك إياك أن تبتل بالماء ولكن ورد في القرآن الكريم آيات تدل على نسبة الهداية والضلال الى الله تعالى, ومثال ذلك " فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" سورة إبراهيم.." من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" الكهف. فهذا يعني أن الإنسان لايهتدي من نفسه إلا إذا هداه الله, وللرد على هذه التساؤلات والشبهات نقول: إن الهداية نوعان: نوع يوجه الى إنسان ثم هو يقرر بمحض إرادته قبول هداية الدعوة من عدمها وهذا أساس الهداية الثانية وهي هداية الإعانة وهي يتفضل الله بها لمن قبل بهداية الدعوة ليزداد هداه, فالرسل خاطبوا أقوامهم جميعا فأمن البعض وكفر البعض وكل منهم فعل ذلك بإختياره فالله يثيب المؤمن على إيمانه وقبوله ويعاقب الكافر على رفضه للدعوة.
ثم يزيد الله الذين اهتدوا هدى بتفصيل الشرائع ومدهم بالحول والقوة على العمل بها وبنصرهم وبمضاعفة حسناتهم فهذه هداية إيمانية تزيد من إيمان المؤمن ولايمكن لأحد أن يصل إليها إلا بفضل الله عليه وبهذا يزول الإشكال, والدليل على ذلك أن القرآن الكريم يصف رسولنا الكريم بقوله " وإنك لتهدي الى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض" الشورى. ويصفه في آية أخرى بقوله " إنك لاتهدي من أحببت".
ففي الآية الأولى الرسول يهدي الناس بدعوتهم الىالإسلام فإن هم استجابوا بمحض إرادتهم يهديهم ببيان وتعليم تفاصيل الشريعة وأحكامها فهذه هداية منسوبة للرسول.
أما الآية الثانية فهي تتحدث عن أن الرسول عليه السلام لايمكنه أن يهدي شخصا لا يريد الإستجابة للإسلام أصلا فهذا الشخص الذي رفض الإستجابة للدعوة لايمكن للرسول أن يهديه للإسلام ولا أن يهديه للترقي فيه لأنه أختار الضلال, كما حدث لثمود في قوله تعالى " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي عن الهدى" فكانت النتيجة " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون" سورة فصلت. فكلمة هديناهم أي دعوناهم للإسلام فرفضوا فعاقبناهم على ذلك.
والخلاصة أن الله تعالى لايجبر أحد على الهداية أو على الضلال بل يوجه الرسالة للجميع, فمن إستجاب زاده نورا على نور ومن رفض عاقبه عقابا شديدا.
فإرسال الرسالة من الله وبيان الشريعة على الله ومديد العون والمساعدة من الله دون إكراه أو جبر أما الإستجابة من عدمها فمن الإنسان بمحض اختياره.
ولهذا نجد القرآن يصف المعارضين للإسلام بالسفهاء عندما أرادوا أن يتخذوا من مسالة تحويل القبلة من بيت المقدس الى المسجد الحرام, فهم سفهاء لأنهم يناقشون مسالة فرعية وهم معارضون لأصل الإسلام أساسا. فهذه سفاهة ما بعدها سفاهة ثم ان تحويل القبلة يقررها الله تعالى كما يشاء لأنه رب المشرق والمغرب له أن يحكم بما يشاء دون اعتراض.
ومن الجدير بالذكر أن المشركين يحتجون بمشيئة الله خطأ كما قال القرآن الكريم " وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا أباؤنا ولاحرمنا من دونه من شيء. كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين" سورة النحل. فالمشركون قالوا لو شاء الله ألا نشرك لفعل ولكنه تركنا على شركنا..فهذه مغالطات, لأن الموضوع هو موضوع دعوة للدخول في الإسلام فرفض المشركون بإختيارهم وليس الموضوع موضوع لماذا لم يجبرنا الله على الإسلام لأن الله شاء أن يختار الإنسان الدخول في الإسلام من عدمه بإختياره ودون إكراه من أحد " لا إكراه في الدين" فالله لن يحاسبك لماذا انت مخير في مسألة الإيمان ولست مسيرا بل سيحاسبك لأنك استعملت الإختيار الذي منحك اياه في غير محله السليم عند اختيارك للكفر, ولهذا رد الله عليهم بقوله فهل على الرسل إلا البلاغ المبين, فالمشركون بدل ان يستعملوا عقولهم ويختاروا الإختيار السليم أخذوا يناقشون لماذا لم يجبرنا الله على الهداية وهو بذلك يتهربون من قبح اختيارهم وينتقلون الى سؤال الله عما يفعل وهو سبحانه لا يسئل عما لا يفعل وهم يسألون.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر ان القرآن قد استعمل لفظ الهداية في غير معناها الأصلي لأغراض بيانية ومن ذلك "فاهدوهم الى صراط الجحيم" فهذه الآية وأمثالها جاءت في سياق معين لإبراز معان معينة فعلى من يريدها البحث في كتب التفاسير.
والله تعالى لايهد القوم الفاسقين او الظالمين او الكافرين او من هو مسرف كذاب.أي انه لايوفق للهداية أصحاب تلك الصفات الذميمة لأن هؤلاء رفضوا أصلا الإستجابة للدخول في الهداية العامة.
اللهم اهدنا فيمن اهتديت وزدنا هدى وثبتنا على الإيمان وأرزقنا التفقه في الدين وأعنا على العمل الصالح الذي يرضيك فإنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم.
|