21-08-07, 04:14 PM
|
المشاركة رقم: 1
|
البيانات |
التسجيل: |
Aug 2007 |
العضوية: |
36534 |
المشاركات: |
71 |
الجنس |
ذكر |
معدل التقييم: |
|
نقاط التقييم: |
10 |
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
عالم الشباب , ازياء شباب , موضه , موضة شباب , شباب
الرجل الذي لا يعرفه أحد
أنا أحببت في هذا الموضوع أن أذكر لمحة من حياة شخص قد لا يعرفه الكثيرون منكم أو ربما أغلبكم ، شخص كان و مازال حياً بين أروقة قلوب محبيه من طلاب الطب في مصر بصفة عامة و في كلية طب عين شمس بصفة خاصة رغم مرور ما يزيد عن العامين على انتقاله للرفيق الأعلى ، ليس لأنه العالم الكبير أسطون علم الكيمياء الحيوية الذي سطع نجمه فيها فلم يرَ أفول على مدار سنيّ عمره التي قضاها في محراب الطب الشامخ فحسب ، بل لأنه قبل كل شيء كان إنساناً ، نعم إنساناً ذا مشاعر مرهفة و أحاسيس جياشة أخذت بمجامع القلوب ، فأحبه القاصي و الداني ، من أكبر دكتور في أعضاء هيئة التدريس إلى أصغر طالب في الكلية ، هو شعاع النور الذي كنا نستمد منه الأمل و العزيمة ، هو الأب الحنون الذي يخشى أن يمس أبناءه شوكة و فيه عينٌ تطرف ، هو الأديب الشاعر الذي ما زالت صدى كلماته الرقراقة تصدح في آذاننا ، و أنين أشعاره يسرق الدمع من مُقَلِنَــا ، هو الرجل الذي لا يعرفه أحد ، هو الأستاذ الدكتور ( علي خليفة ) رئيس قسم الكيمياء الحيوية بكلية الطب بجامعة عين شمس سابقاً .
كنت قد انتهيت لتوي من مساعدة أمي في تنظيم حاجياتي و كتبي الطبية المتناثرة ككابوس في دولابي الذي خصصته لها ، حين وقعت عيني على هذا الكتاب ..
لو نظرتَ لغلافه المهتريء و أوراقه البالية لعجبتَ ، لِمَ لم تـُعِرْهُ أنت اهتماماً في حين التقطته أنا ، و مسحت عنه غبار السنين الذي جثم فوقه لستة أعوام ٍ خلت - هي كل ما قضيت في هذه الكلية - و قلبته على ظهره لأجد غلافه الخلفي المألوف الذي سُطِرَتْ عليه كلمات من أعذب و أجمل ما قرأت من الخواطر ، كانت همسات خافتة يرثي بها الأب الحنون زوجته الحبيبة ، التي لحقت بالرفيق الأعلى منذ بضعة أعوام ، اغتمَّ لفراقها ، أظلمت الدنيا في وجهه ، فقد مات ينبوع الحنان الذي عوضه الله به عن أمه التي فقدها في ريعان فتوته و شبابه ، ماتت الشمعة التي كانت تنير له دربه وسط عالم يعج بالأهواء و المتناقضات ... و لكنه - على الرغم من كل هذا - كان صابراً محتسباً يؤمن بأن هذا قدر الله و أن ما أصابه لم يكن ليخطئه .. و كنت تراه و بسمة الرضا لا تفارق عينيه الحزينتين ، كأن لسان حاله يقول : ( و الله إن العين تدمع و القلب يحزن و لا نقول إلا ما يرضي ربنا ، و الله إنا لفراقكِ لمحزونون ) .. و لم يسعه إلا أن يطلق العنان لشلال المشاعر المتدفقة الذي ينحدر من أعمق أعماق وجدانه لكي يسطر بَعبَرَاته قبل كلماته هذه القصيدة الحزينة التي أدمت قلوبنا قبل عيوننا ، أنشد يرثي زوجته قائلاً :
و صار لقاؤنا حلما ً . . ما عاد يأتينا
و صارت الدنيا كما الأمواج . . تقذفنا و تلقينا
و صارت الأيام بيننا . . سرابٌ يمنِّــينا
و صارت الذكرى عذاباً . . يؤرقنا و يُشقينا
لماذا حبيبتي . . تاهت سفينتنا
و ما عدنا . . كما كنَّــا . . . محبينا و ما هي إلا بضعة أشهر حتى ساءت حالته الصحية و تدهورت ، و أصابه الورم الدموي الخبيث المسمى بالـ ( لوكيميا ) أو ( سرطان الدم ) قبل أن يلحق بمحبوبته التي طالما عشقها و هام بها ...
كنا على ظهرها و العيشُ في دِعَةٍ * * * و الشملُ مجتمعٌ و الدارُ و الوطنُ
ففرَّقَ الدهرُ و التصريفُ ألفتنا * * * و صارَ يجمعُنا في بطنها الكفنُ
أسأل الله عز و جل رب الأرض و السماوات أن يغفر لهما و يرحمهما و أن يجعل لقاءهما في دار كرامته و مستقر رحمته إنه وليُّ ذلك و القادر عليه . .
بالله لا تنسوا أن تدعوا له و لزوجه بالرحمة و المغفرة ، و لا تنسوني أيضاً من صالح دعائكم . .
أعتذر عن إطالتي فأنا أحببت أن أبين و لو نذراً يسيراً من حبي لهذا الإنسان الذي كان أباً بالنسبة لي قبل أن يكون معلماً ، فاللهم تغمده برحمتك و اجمعنا به في جنتك
|
|
|