كاتب الموضوع :
zahroune
المنتدى :
كتب التاريخ والحضارة و القانون و السياسة
"حرب ليبيا عام 1977"، فهي أحداث جرت وقائعها بعلاقة إرتباطية بالمحادثات المصرية الإسرائيلية والتي كانت ذات أطراف ثلاث (مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية)، والطرفان الأخيران كتبا وسجلا مئات الشهادات ونشرا ألاف الوثائق، أما الأطراف العربية فهي كالعادة قليلة. وإبراء للذمة في سرد ما نعلمه من وقائع تاريخية عن هذا الموضوع، نسرد الوقائع الآتية (المرجع: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل لهيكل ومجموعه الوثائق المصورة المنشورة):
1 – فوجئ أعضاء الوفد العسكري المصري (وكان من بينهم عقيد يدعي "فؤاد هويدي") في احد الاجتماعات التحضيرية (يوم الاثنين 7 يناير 1974) بالكولونيل (عقيد) "زيون" عضو الوفد الإسرائيلي يخرج عن سياق الأجندة ويتحدث معهم عن دهشة الجانب الإسرائيلي من الإصرار المصري (!!) علي الاتجاه شرقا والاهتمام “بقضية فلسطين" رغم تكلفتها (في المال والرواح) وعدم جدواها (!!)، في حين أن الكل سيستفيد لو أتجه اهتمام المصريين إلي الغرب، حيث يمكنهم ربح ثروات وكسب حروب بمجهودات قليلة.
2 – لم يهتم العقيد "زيون" برد الضابطين المصريين عن الالتزام القومي العربي .. الخ، وقام بتسليمهم مذكرة (سابقة الإعداد) معنونة بالآتي "ليبيا .. أمل مصر الحقيقي"، طالبا منهم فراءتها وعرضها علي قيادتهم والتي وصلت بالفعل إلي رئاسة الجمهورية.
3 – تلخصت المذكرة أو الدراسة عن سرد كامل لخسائر مصر في الصراع مع إسرائيل، وحصر شامل للثروات الليبية (المالية والبترولية شاملة الاحتياطيات) وافتقارها إلي الأيدي العاملة والإدارة، والفوائد التي يمكن أن تجنيها مصر من "اندماج" بين البلدين ولو بالقوة المسلحة، وغير هذا من البنود التي تصور عملية ضم ليبيا وكأنها "الحل السحري لكل مشاكل مصر". وتنقل لنا الوثائق والشهادات إهتمام السادات شخصيا بهذه المذكرة وخاصة الفقرة التي تقدر دخل ليبيا في السنوات الخمس القادمة بستة وثلاثين مليار دولار، والتي أختصها بوضع خطين تحتها.
4 – اختمرت فكرة غزو ليبيا في ذهن السادات بعد أحداث يناير 1977، وكان المخطط المبدئي هو الاستيلاء علي ولاية "برقة" الشرقية التي تحوي معظم منابع البترول الليبي. وبالفعل أتخذ السادات ذريعة صفقة السلاح الروسي التي عقدتها ليبيا عام 1975 مع الإتحاد السوفيتي وقام بتضخيم قيمتها إلي 4 مليارات دولار (قيمتها الفعلية كانت 2 مليار) ، وتهويل محتوياتها (أدعي بأنها تشمل 2000 دبابة) ومخاطرها المتوقعة علي مصر وخاصة أنها ستتواكب مع إقامة قواعد عسكرية سوفيتية في الجوار الغربي لمصر.
5 – ملحوظة من عندي: لم تكن هذه الادعاءات تهم العسكريين والمختصيين المصريين لأنهم كانوا يعلمون جيدا الحجم الحقيقي لتلك الصفقة وإمكانيات الجيش الليبي، والأهم هو الفكر العقائدي السوفيتي (الذي تعاون كثيرا مع مصر وأعاد بناء قواتها المسلحة اعتبارا من يوليو 1967)، وبأن القيادة السوفيتية ليست راغبة في التواجد في مصر، والدليل علي هذا هو تنفيذهم أوامر الإخلاء للقوات والعائلات في زمن قياسي (72 ساعة) بعد إنهاء معاهدة الصداقة المصرية السوفيتية (وهو الذي سمي لاحقا بطرد الروس من مصر) عام 1972. وكملحوظة أخري أقول: أن القيادة السياسية المصرية أعادت طلب إبقاء خبراء عسكريين سوفيت قبيل حرب أكتوبر 1973 لصيانة المعدات الحديثة (صواريخ سام 6 المتحركة بالخصوص، والتي اختصت بها مصر ولم تكن حتي في تسليح"حلف وارسو" )، واستمروا في عملهم حتى عام 1974/ 1975.فتلك الذرائع كانت موجهة أساسا للعالم الخارجي وإلي الدول العربية.
6 – وبالفعل بدأت الحرب أو (العدوان) علي ليبيا في يوليو 1977، ووسط دهشة وذهول الرأي العام المصري والشارع العربي، بادعاء "تأديب" القيادة الليبية، ولكن حجم الغارات وكثافتها والدمار الذي أحدثته والإبرار الجوي بقوات الصاعقة لاحتلال مناطق حيوية كان يشير إلي أن العملية أكبر من كونها تأديبا. ومن المفارقات ذات الدلالات هو قيام القوات الجوية المصرية "الباسلة" !!!!!! بتدمير قاعدة "جمال عبد الناصر" الجوية الليبية (العضم سابقا).
7 – تصاعدت الاحتجاجات الدولية والعربية وفوجئ السادات برسالة أمريكية شديدة اللهجة حملها السفير "هيرمان أيلتس"، وهو الأمر الذي حار فيه لاعتقاده بأن هناك ضوء أخضر أمريكي حملته طيات المذكرة الإسرائيلية السابقة. والخلاصة أن السادات أوقف العمليات العسكرية وسحب قوات الصاعقة من الأراضي الليبية، وأراد بمكره وخبثه الفلاحي (الذي يعجب به الكثير من الجهلاء المغيبين) أن ينسب فضل إنهاء النزاع إلي الجهود العربية (هواري بومدين بالخصوص).
|