المنتدى :
المنتدى الاسلامي
الذين هم فى صلاتهم خاشعون
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر
أن أبا طلحة الأنصاري كان يصلي في حائطه فطار دبسي فطفق يتردد يلتمس مخرجا فأعجبه ذلك فجعل يتبعه بصره ساعة ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلى فقال لقد أصابتني في مالي هذا فتنة فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة وقال يا رسول الله هو صدقة لله فضعه حيث شئت.
الشرح: قوله فطفق يتردد يلتمس مخرجا يعني أن اتساق النخل واتصال جرائدها لتنسقها كانت تمنع الدبسي من الخروج فجعل يتردد بطلب المخرج فرأى ذلك أبو طلحة فأتبعه بصره اتباع المسرور بصلاح ماله وحسن إقباله وتنعمه فشغله ذلك عما هو فيه من صلاته.
وقوله ثم رجع إلى صلاته معناه رجع إلى الإقبال عليها وتفريغ نفسه لإتمامها فإذا هو لا يدري كم صلى لأنه نسي ذلك بنظرة إلى الدبسي فقال لقد أصابتني في مالي هذا فتنة أصل الفتنة في كلام العرب الاختبار قال الله تعالى وفتناك فتونا معناه والله أعلم اختبرناك اختبارا إلا أن لفظ الفتنة إذا أطلق فإنما يستعمل غالبا فيمن أخرجه الاختبار عن الحق يقال فلان مفتون بمعنى أنه اختبر فوجد على غير الحق فمعنى قوله أصابتني فتنة أي اختبرت بهذا المال فشغلني عن الصلاة وتكون الفتنة بمعنى الميل عن الحق قال الله تعالى وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك معناه يميلونك فيكون معنى أصابتني فتنة أي أصابتني من بهجة هذا المال ما أمالني عن الإقبال إلى صلاتي وتكون الفتنة أيضا الإحراق يقال فتنت الرغيف إذا أحرقته قال الله تعالى يوم هم على النار يفتنون أي يحرقون واللغة المشهورة فتنت الرجل وأهل نجد يقولون أفتنت الرجل
لما أصابت أبا طلحة الفتنة في ماله جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة وقال يا رسول الله هو صدقة لله يريد بذلك إخراج ما فتن به من ماله وتكفير اشتغاله عن صلاته
وهذا يدل على أن مثل هذا كان يقل منهم ويعظم في نفوسهم فكيف ممن يكثر ذلك منه تغمد الله زللنا بفضله وفي الجملة أن الإقبال على الصلاة وترك الالتفات فيها مأمور به من أحكامها قال مالك في العتبية في قول الله تعالى والذين هم في صلاتهم خاشعون قال الإقبال عليها والخشوع فيها وقد كره كل ما يكون سببا إلى الالتفات فيها قال مالك ولذلك كره الناس تزويق المسجد بالذهب والفضة والفسيفساء وتأولوا أنه يشغل الناس في صلاتهم.
وقوله هو صدقة لله ضعه حيث شئت يقتضي الصدقة برقبة المال وإنما صرف ذلك إلى اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلمه بأفضل ما تصرف إليه الصدقات وحاجته إلى صرفها في وجوهها.
|