كاتب الموضوع :
^RAYAHEEN^
المنتدى :
الارشيف
الوجه الرابع
لك يا سيدتي !
حلقة جديدة من برنامج ( لك يا سيدتي ) أقدمه أنا ( رفعت إسماعيل ) الذي لا يتمتع بجمال الطلعة ولا الصوت الساحر ولا اللباقة .. لا يتمتع بشيء في الواقع لكن دعينا نتناس هذا كي تستمر الحياة ..
اليوم نقدم لك يا سيدتي طريقتنا المثالية لتتعلمي تحريك الأشياء عن بعد .. كما قلنا فإن التحريك عن بعد جزء مهم من ( التحريك النفسي ) الذي يتضمن عدة اقسام منها الطفو والتواجد في مكانين والتجسد والعلاج الروحي ..
طريقة سهلة هي ويمكن أن تجربيها في البيت ، لكننا لا ننصح بأن تعلميها للأطفال لأنهم كائنات غير مسئولة .. لا أحب ان ارى ما سيحدث لو جرب الصبي أن يرفع السكين ليغمدها في صدر أخته على سبيل اللهو ، أو ان يبعثر مجوهراتك ـ لو كنت ممن يملكن هذه الأشياء ـ من الشرفة ..
والآن أرجو ان تكتبي المقادير التي نحتاج إليها ..
1- حبل .
2- كوب .. أي كوب يصلح لكن ليكن غير قابل للكسر .
3- حلقة خشبية .
4- مقعد .
5- قطعة حجر .
6- شمعة .
7- بوصلة .
***
لنفترض لمجرد الفرض أنك يا سيدتي معلمة أمريكية تدعى ( إيما ثورنوايلد ) ، وأنك تعيشين في ولاية ( اوهايو ) .. لنفترض أنك حسناء في الثلاثين من العمر وأنك على وشك الزواج من ذلك المحاسب الوسيم الذي يدعى ( آلان ريكمان ) ...
الحياة باسمة .. كل شيء جميل .. إنهم يحبونك هنا ربما باستثناء الطلبة .. هناك طالبان يحبانك جدا لكن هذا لأنك جميلة وليس لأن ما تشرحينه جميل .. من قصص حب المراهقة الشهيرة لك الحب الحتمي نحو المدرسة أو المدرس ، وهو حب صحي لو أمكن استغلاله كطاقة بناءة تزيد التحصيل ..
لنفترض أن عندك سيارة صغيرة .. ولنفترض أنك تذهبي للتسوق في المدينة المجاورة .. لنفترض أنك لا تجيدين القيادة جدا ..
الطريق خال تماما .. هكذا طرق من الريفية حيث يمضي المرء ساعة قبل أن يواجه كائنا بشريا ..
صوت موسيقا الروك ينبعث من جهاز الراديو .. انت تحبين القيادة على موسيقا الروك .. إن هذا يضفي لمعالم الطريق تأثيرا سينمائيا كانها تترات فيلم مثير ..
ثم قال الرجل في مؤخرة القاعة : فليهجم الجميع ..
وانقلب المكان الى قاعة رقص محمومة ..
منحنى ومنحنى آخر ..
الحياة باسمة يا ( إيما ) .. زواج وأطفال .. بيت مشمس وكلب أشعث .. باختصار كل ما يمثل حياة رائعة لشخص أمريكي ..
منحنى ومنحنى آخر ..
والفتاة في الركن قالت لي : اريد ان احذرك يا صبي ..
هذا المكان سيتحول الى قاعة رقص محمومة ..
الحياة باسمة .. تعرفين هذا .. تدركينه ..
وفجأة تم كل شيء بسرعة غادرة ..
السيارة في المواجهة .. البوق .. كلاكما كان مندفعا كالسهم ..
دست على الفرملة فتحولت السيارة إلى طبق طائر ، ودارت يدك بالمقود تحاولين الابتعاد عن الهول القادم .. ثم لم يعد هناك شيء ..
كل شيء يجري بالسرعة البطيئة ..
انت تتدحرجين الى جانب الطريق ويبدو أن الباب قد انفتح .. لم يكن حزام الأمان مربوطا .. من يريد حزام أمان والحياة باسمة أصلا ؟
منحدر .. الصبار يخمش وجهك كمخالب ألف قط.. لكن لا ألم هنالك ..
تتدحرجين .. تتدحرجين ..
قاعة رقص محمومة ..
قاعة رقص محمومة ..
وفي النهاية انت في اسفل المنحدر تتساءلين .. هل هذا هو الموت ؟
لم يكن صعبا .. لا يستحق كل ما كتب عنه في الأدب والشعر .. كنت تخافين الامتحان النهائي في المدرسة الثانوية ، ثم فوجئت بأنه ابسط مما ظننت .. لم يكن الامر يستأهل كل هذا الهلع .. من المبالغة ان تقول إنك شعرت بالخديعة لكن هذا ما حدث فعلا .. كان يجب أن تتألمي .. كان يجب أن تعاني ..
في النهاية تفتحين عينك لتري السماء .. إنها ذات السماء التي كنت ترينها من نافذة السيارة ..
أنا لم أمت ..
لكنك في وضع منبطح .. وجهك وسط الأعشاب ولا تستطيعين الحركة .. لا تستطيعين عمل أي شيء .. رائحة العشب في ( مايو ) .. لكن هل هذا مايو فعلا ؟
ثم صوت ..
صوت خطوات يقترب ...
تسمعينها فوق العشب ..
الآن ترين حذاء برتقاليا يقف جوار رأسك لكنك لا تقدرين على الالتفات أو إصدار صوت .. ثمة صوت لا تعرفينه ( او هكذا يجعلك الطنين في أذنيك تحسبين ) يقول :
ـ" لقد ماتت !"
ـ" نعم .. يا للكارثة !"
الآخر فتاة على الأرجح ..
ـ" كانت مسرعة مثلنا .."
ـ" لكن الموتى على حق دائما .. سوف ندخل السجن .."
هنا ساد الصمت .. واضح أنهما يفكران ..
قال صوت الفتاة :
ـ" اسمع .. لم يرنا أحد والسيارة سليمة . فلنفر الآن قبل أن نندم لأننا لم نفعل .."
ـ" لكن .. هل نتركها هكذا ؟"
ـ" لو لم يكن عندك مانع .. هذا وإلا السجن .."
ساد الصمت برهة .. ثم سمعت صوت الخطوات يبتعد ..
لا .. عودوا من فضلكما .. لا تتركاني هنا .. انا حية .. لن اشكوكما .. انا خائفة .. انا واهنة .. عودا من فضلكما ..
ثم تسمعين صوت السيارة تبتعد ..
عندها تدفنين رأسك في العشب وتبكين ..
الآن انت تعرفين ابعاد المشكلة يا سيدتي ..
لم انته بعد .. لنفترض الآن انك ظللت في هذا الوضع بضع ساعات ثم سمعت من ينادي .. ورأيت الحذائين الرسميين لرجل الشرطة .. احدهم يمد يده إليك فيقول الآخر :
ـ" دعها ! انتظر الإسعاف .. هذا كسر في العمود الفقري بالتأكيد !"
كسر عمود فقري ! من قال هذا ؟
كسر عمود فقري ! هذا لن يحدث لك بالذات ..
ثم تسمعين يا سيدتي عربة الإسعاف ، والرجال يهبطون المنحدر بصعوبة .. المحفة .. يضعونك عليها بطريقة فنية مع وضع دعامة بلاستيكية للعنق .. والسيارة تندفع عبر الطرقات بينما ممرضة تضع يدها على جبينك وتهمس :
ـ" تماسكي .. انت بخير .."
ثم المستشفى .. تغيبين عن الوعي ثم تعودين إليه .. فقط ترين شكل ضبابي أنك ترقدين على سرير وأن جهاز الأشعة يهبط من أعلى نحوك .. حجرة جراحة وقناع يثبت على وجهك .. غرفة معتمة الإضاءة ..
قلت لنفسك :
ـ" هذا هراء ..سوف أتحرك !"
لكن الخطوط مقطوعة تماما .. لا يوجد أي اتصال كهربي بأية عضلة من عضلاتك .. تصدرين الأوامر بيدك .. لقدمك .. لكن لا استجابة ..
تقولين لنفسك يا سيدتي إن هذا كابوس وسوف يزول في الصباح ..
وجه أبيك الملتاع ووجه أمك المذعور .. ثم يصل ( آل ) العزيز ..
عيناه دامعتان .. ثم تغيب الرؤى .. أنت لم تعودي هنا ..
لنفترض كذلك يا سيدتي أن رجال الشرطة سألوك كثيرا عمن دهم سيارتك .. انت لم تري شيئا .. لا تستطيعين تذكر شيء .. كان هناك فتى وفتاة .. رجل وامرأة .. رجل وفتاة .. فتى وامرأة .. لكن لا معلومات أخرى من أي نوع ..
لنفترض على سبيل المثال يا سيدتي أنك عرفت في الأيام التالية الحقيقة : انت مشلولة تماما تحت العنق .. هذا ما يطلقون عليه ( الشلل الرباعي ) لكن جهازك التنفسي يعمل .. تتكلمين وتتنفسين وترين لكن فيما عدا هذا لا يوجد شيء ممكن .. هكذا اخبرك الأطباء بطريقتهم الباردة ..
لنفترض أنك عرفت المقعد المتحرك .. لا تستطيعين تحريكه بإصبع واحد على الأزرار .. لا بد في حياتك من الشخص الثاني .. تحتاجين إلى فترة طويلة حتى تقبلي الحقيقة ..
كل ما كنت لم يعد هنالك .. كل ما سيكون لم يعد هنالك ..
سوف تبكين كثيرا يا صغيرة وانت وحدك .. سوف ترفضين الحياة وتمتنعين عن الأكل طلبا للموت .. ويغذونك بأنبوب ( رايل ) الداخل من الأنف لفترة ، ثم تغلبك غريزة الحياة فتأكلين ..
سوف تعيشين في دار أبيك .. اما ( آلان ) فلن يعود أبدا .. لقد زارك بعد الحادث فقلت له في رفق وأنت على الفراش :
ـ" انا احلك من أي وعد .. هيا اذهب وعش حياتك .."
يقول لك متظاهرا بالمرح :
ـ" لن تتخلصي مني بهذه البساطة .. انا لزج كذبابة .."
وكانت هذه آخر مرة ترينه فيها .. وكنت تتوقعين أي شيء إلا هذا ..
ثم ظهر ( مايك وارن ) .. كان مصرا على أن يتزوجك .. إنه مدرس في ذات المدرسة ، وهو شاب مهذب حاول أن يتظاهر بالمرح هو الآخر ..
لكنك تعرفين يا سيدتي .. تعرفين أنه يتظاهر .. ثم إنك تقبلي عواطفه هذه .. ربما هو كريم الشعور يحبك حقا .. لكن من أدارك ؟ ربما هو يشفق عليك .. لقد قرأت رائعة ( زفايج ) الشهيرة ( حذار من الشفقة ) وتعرفين كيف يقرر الرجال أن يصبحوا فرسانا ، ثم يندمون بعد هذا حين يعرفون الأبعاد الحقيقية لتضحيتهم .. الاحتمال الثالث ـ وهو الأقسى ـ أنه يريد أن يشعر بالنبل أمام ذاته .. وهون شعور طفولي سخيف ..
هكذا ترفضين بإصرار .. بإلحاح .. تقولين له إنك رأس امرأة لا اكثر ..
لكن الأحمق مصر كالذبابة فعلا ..
أمك تقول إن هذا هو السبيل الوحيد لتجد الراحة في قبرها .. تقولين لها إن أية ممرضة يمكن ان تمنحها هذه الراحة .. ممرضة بأجر تعيش معك أكثر الوقت .. لكن امك تقول بحنكة :
ـ" ممرضة تحبك .. هذا هو العسير في الأمر .."
هكذا يتم الزواج ..
كلا .. لم يكن ( مايك ) وغدا كما نتمنى أن يكون .. لقد كان زوجا مخلصا .. تعسا ـ وهذا مفهوم ـ لكنه مخلص .. يعاونك في ماذا ؟ في كل شيء طبعا فأنت لا تفعلين شيئا .. لقد صار لك بيت جميل له حديثة وحمام سباحة صغير وكلب اشعث فماذا تريدين بعد هذا ؟
ثم تقررين ان تعودي الى التدريس ..
يقول لك مدير المدرسة إن هذا مستحيل لكنك تصممين على التنفيذ .. ما دام لسانك يؤدي عمله فهذا كاف .. فقط تحتاجين إلى من يدفع المقعد ويكتب على لوح الكتابة .. هذا سهل ..
هل فهمت الآن يا سيدتي الوضع بدقة ؟
***
دعينا الآن ندخل الصف معك .. ونرى كيف تلقين محاضرتك عن شعر ( كيتس ) .. الطلبة يتابعون .. بعضهم تبدو عليه الشفقة والبعض مندهش والبعض مستمتع بهذا ..
تقف ( سارة ) على لوحة الكتابة تدون ما تقولين .. بينما انت تواجهين الطلبة .. هناك ( ميريام ) و ( اجنس ) و ( فيليب ) . و ( جيمي ) ..
تقولين للطلبة :
ـ" ما زلت بعد هذا الحادث محتفظة برأسي لم أفقده .. لهذا اتمنى ألا تنظروا لمقعدي وانظروا لرأسي .."
نهضت فتاة مرتبكة ذات عوينات وقالت :
ـ " من فعل بك هذا يا مسز ( وارن ) ؟ قيل لنا إنه تركك تحتضرين على الأرض .."
قتل باسمة متظاهرة بأن هذا السؤال لا يضايقك :
ـ" لا اذكر .. هناك بقعة ممحية من ذاكرتي ، لكني أستعيدها ببطء ولسوف أتذكر وجهيهما قريبا جدا .. والآن دعونا نعد لموضوعنا .."
بعد انتهاء الدرس يحتشد الطلبة مغادرين القاعة ، وتدفعك ( سارة ) الى الخارج .. هناك تقولين لها :
ـ" اريد كوبا من الماء .. إن حلقي جاف .."
( سارة ) كما تعلمين طالبة رقيقة مهذبة لامعة .. لهذا لم تفكري طويلا عندما عرضت عليك ان تساعدك ، برغم ان هذا يقيد حريتها ولا يقدم لها جديدا ..
تتركك ( سارة ) وتتجه الى المبرد الموجود في الردهة لتملأ كوبا من الماء ..
الطلبة يتدافعون لأن مقعدك بالضبط عند قمة الدرج .. وهم يصدرون صخبا كأن حياتهم تتوقف على ذلك .. وفجأة ...
ـ" ( سارة )!"
قلتها برعب مكتوب .. ثم :
ـ" ( ساااااااااارة )!"
لاك شعرت بالمقعد ينزلق ببطء ثم ينحدر فوق أولى درجات الدرج .. والآن يواصل الانحدار ..
لا يمكن التمسك بشيء .. لو كانت يداك تطيعان لتمسكتا بالترابزين .. بيد أن واحد من الفتية هناك .. لو كانت قدماها تستجيبان لحولتهما الى فرملة .. لكن لا شيء من هذا .. قانون الجاذبية يعمل كما خلقه الله .. كل ما يترك ليهوى يسقط للأسفل ..
لحظة من الهلع ثم توقف الانحدار لأنك شعرت بيد قوية تمسك بالمقعد وتمسك بكتفك في الآن ذاته .. ثم رفعت راسك لتري ( جيمي ) بطل المدرسة في كرة القدم .. كرة القدم التي تصرون على تسميتها كذلك برغم أنه لا دخل للقدم فيها .. بالنسبة لنا نحن نعتبرها ( جربى Rugby ) أو أي شيء آخر .. لهذا ابطال كرة القدم عندكم كالمصارعين عندنا ..
قال وهو يبتسم بثقة :
ـ" لا بد من ان احدهم دفعك من غير عمد يا مسز ( وارن ) .. إنهم خنازير ها هنا .."
كنت انت تستجمعين أنفاسك .. كان الموت قريبا جدا .. السقوط من اعلى هذا الدرج معناه الموت بالنسبة لإمرأة قعيدة .. لكن من يدري ؟ ربما كان هذا افضل لك ..
وتأتي ( سارة ) خائفة مذعورة وكوب الماء في يدها ، وتصيح :
ـ" آسفة يا مسز ( وارن ) .. كان خطئي ان تركت المقعد في هذا الموضع الخطير .."
تشربين الماء وتقولين إنه لا بأس ..
لكنك كنت تفكرين ..
ما حدث لك لم يكن انزلاقا .. لقد تم دفع المقعد مسافة لا بأس بها من الخلف .. بعيدا عن مجال إبصارك .. أحدهم تعمد ان يدفع المقعد من فوق الدرج متظاهرا بأنه احتك به .. لكن المسافة كانت أطول من ان تبرريها بالخطأ ..
احدهم يريد موتك فلماذا ؟
كانت الفكرة تجوب ذهنك في الآونة الأخيرة بشدة..
الأصوات التي سمعتها لحظة الحادث .. ربما كانت أصوات شابين مراهقين .. وقد خطرت لك فكرة مجنونة هي أن هذين الشابين من طلبتك ..
الآن بم شعر هذان وماذا قالا حين عرفا أنك سليمة ، ولم تقضي نحبك ؟
لقد قدرا أنك عرفت من هما ، ولا بد أن خبر نجاتك كان أسوأ خبر سمعاه ..
ظلا ينتظران ان تتكلمي فلم يحدث .. إذن هناك ثلاثة احتمالات : إما إنك لم تتعرفيهما .. وإما أنك عرفت من هما لكنك مصابة بفقدان ذاكرة مؤقت ( وهو يشفى دائما ) .. وإما انك تعدين للانتقام بشكل مدروس صبور ..
لا بد أنهما قررا أن يتخذا الحل الأصوب .. لقد قتلاك مرة فلماذا لا يفعلان هذا ثانية ؟
طبعا كانت هذه خواطرك الخاصة ، فلربما لم يحدث هذا قط .. لكن يقينا كان قد تكونت لديك فكرة بأن ما حدث اليوم كان محاولة قتل ..
***
ـ" لا اذكر .. هناك بقعة ممحية من ذاكرتي ، لكني استعديها ببطء ولسوف اتذكر وجهيهما قريبا جدا .. والآن دعونا نعد لموضوعنا .."
نصيحة : دققي فيما تقولين يا سيدتي ولا تستعملي الكلمات الخطأ .. لو كنت قاتلا لقتلني الرعب ..
***
الآن دعينا نصل الى موضوع هذه الحلقة يا سيدتي .. لقد كانت لحظة سقوطك هي اللحظة التي جعلتك تدركين قبح العجز ، وهكذا قررت انك لن تبقي ساكنة دون أن تغيري واقعك .. كنت جالسة امام التلفزيون تشاهدين ذلك البرنامج السخيف عن القدرات النفسية الخارقة ، وعرفت ان هناك قوما قادرين على تغيير الأشياء بعقولهم ..
لنفترض أن مقدم الحلقة وهو من المهتمين بهذه الأمور يقول :
ـ" كل منا قادر على ذلك .. هناك تحت طبقة المدنية الرقيقة يوجد ذلك النصر الذاتي .. فقط لنخدش الصدأ فنجد ذلك المعدن البراق .."
تطلبين من زوجك ان يساعدك على خدش تلك الطبقة الصدئة فيوافق .. وهذا يضايقك لأنه يوافق على كل ما تطلبين .. جزء مهم من إنسانيتنا ان تشعر بأننا قابلون للمعارضة .. هذا يمنحنا شعورا بالنضج ..
لنفترض الآن ان زوجك ابتاع لك بعض الكتب ، وراح يقرؤها عليك وانت جالسة على المقعد المتحرك .. " التحريك عن بعد .." ـ يقول زوجك وهو يقرأ ـ " هو حشد موجات الطاقة النفسية بكثافة غير عادية الى درجة انها قادرة على إحداث تغيير فيزيائي .. ومعنى هذا ان درجة غير عدية من التركيز مطلوبة هنا ، وهذا يحتاج الى سنوات من المران .. لكن لا تقل من البداية : لا استطيع .."
ـ" الحيلة هنا .." ـ يقول زوجك ـ " هي الا ( تجعل ) الاشياء تتحرك .. بل ان ( تدعها ) تتحرك .. لا تشك في الأمر لأن الشك جدار يقف بينك وبين التحريك عن بعد .. يجب ان تتسلق الجدار لتعبر الجانب الآخر .."
والآن اقدم لك يا سيدتي هذه التمرينات السهلة .. يمكنك تجربتها بنفسك فوق مقعدك المتحرك ولا تقلقي ما دام زوجك قريبا ..
اعرف انك لن تستطيعي توفير ظروف ( جانتسفلد ) أي الغرفة المعزولة عن المرئيات وعن المؤثرات الصوتية الخارجية .. لكن بوسعك ان تطلبي عمل التجارب في غرفة شبه مظلمة وأن يقف زوجك خلفك كي لا يشوش تركيزك ..
الطريقة (1) : تحريك اللهب :
سوف يحضر زوجك شمعة ويضعها امامك .. عليك ان تنظري لقاعدة اللهب حتى لا تريه وإنما تدخلين حالة من التأمل والانصهار .. ومن فضلك يا سيدتي لا تنظري للهب نفسه .. لا اريد ان تحترق شبكيتك .. فكري في اللهب كطرف خامس لك يمكنك تحريكه كما تريدين .. راقبيه يستطيل وينكمش .. يهتز .. كرري هذا عشر دقائق ..
الطريقة (2) : التصور :
الآن فكري يا سيدتي في الأشياء كما تريدين لها ان تكون .. احلمي بطائر في الحديقة .. فلتريه بوضوح .. احلمي بان المذياع المعطل يعمل بكفاءة .. فإذا لم يحدث ما رايته فاحلمي بان السبب هو ان الافضل واقع لا محالة ..
الطريقة (3) : بعد إجادة الطريقتين السابقتين :
الآن تخيلي يا سيدتي أنك تقبضين على كرة من الطاقة ، وأنك تدفعينها بعقلك لتدفع بالونا على الأرض ..
الآن حان وقت التمرين الأهم :
ابدئي بشحن حواسك بالطاقة والتأمل .. خذي بضعة انفاس وتصوري انك تحتوين الكون كله في صدرك .. فيضع زوجك امامك حجرا .. اغمضي عينيك وتصوري ان طاقتك تمتزج بهذا الحجر .. حركي الحجر باستعمال عقلك فقط ولا شيء سواه .. حركيه نحوك .. إلى اليمين .. للأمام .. للخلف .. ثم افتحي عينيك وكرري هذا وانت ترين ما يحدث ..
جربي الامر نفسه في الوقت المناسب مع قدح ثم مع مقعد ..
الآن بعد فترة من التمرينات يمكن ان تجربي ثني الاجسام ..
تأملي نصف ساعة يا سيدتي . اجعلي زوجك يضع شوكة او ملعقة بين اناملك المتراخية .. تنفسي بعمق .. فكري في شيء واحد صاف .. فكرة واحدة تجلب لك عشرات الأفكار البهيجة .. تصوري ان ذرات الشوكة تختلط بذرات يدك .. تصوي الشوكة تتحول الى سائل .. لو كنت تشعرين لشعرت بسخونة في الشوكة ..الآن اثنيها ! اثنيها بعقلك فقط ..
هل نجحت ؟ جميل .. جميل ..
اختبار البوصلة :
مزية البوصلة هي ان إبرتها حرة الحركة تخضع لطاقة من القطبين فماذا عن طاقة من عقلك ؟ ليضع زوجك البوصلة امامك .. اغمضي عينيك وفكري في ان تحركيها .. لا تفكري في تحريكها بل اشعري به .. لا تستعملي بوصلة ثمينة لانها قد تتلف بعد هذا كله ..
هكذا تجربين يا سيدتي ..
لسوف يدهشك كم وسرعة التقدم الذي تحرزينه .. ولسوف يقول زوجك إن هذا غريب .. تقول الكتب إن حالات نادرة تصل لهذه الخبرات في أسبوعين ، بينما يقضي آخرون اعواما دون ان يصلوا لشيء .. لكنك تعرفين السبب .. كل ذرة في جسدك تريد أن تحقق هذا .. لو كانت لديك هذه الطاقة فقد حان وقت خروجها .. الدولة التي يتم غزوها ولا تستعمل سلاحها السري هي دولة لا تملك هذا السلاح ..
زوجك لم يكن يؤمن بهذه الامور ، لكنه لا يجد ما يقال وهو يرى قرص الــ PSI يدور بقوة عقلك .. يرى اللهب يهتز ويرى البوصلة تتحرك ..
لنفترض الآن يا سيدتي أنك في دارك وأنك تلاحظين الكثير من زيارات ( سارة ) لك علاقتها بك هي المدرسة ، فلماذا تبدل هذا الاهتمام ؟
( سارة ) لطيفة ودود لكن الا ترين معي انها تلاحقك ؟ ربما اكثر من اللازم ؟
فعلا لا تترك لك فرصة للانفراد ..
اليوم تأتي لك وانت جالسة في غرفة الجلوس ، وتحييك ثم تسألك عن زوجك ..
تقولين :
ـ" لا اعرف .. اعتقد انه سيعود بعد برهة .."
لا تعرفين لماذا يبدو عليها هذا الحماس ..
بعد قليل تسمعين من ينادي .. هذا الصوت المألوف . .تخرج ( سارة ) قليلا ثم تعود ببطل كرة القدم ( جيمي ) الذي انقذ عنقك من التهشم على الدرج .. ذلك العملاق الأخضر الذي توشك عضلاته على تفجير قميصه ، والذي يمشي مباعدا ذراعيه عن خصره لانك لا يستطيع الصاقهما به ..
غريب هذا إنه لم يحاول ان يزورك من قبل قط .. هذا ليس ناديا يا شباب ..
يقول ( جيمي ) في تهذيب وهو يتأمل الغرفة :
ـ " أرجو ان تكوني بخير يا مسز ( وارن ) .. كنت مارا بالدار ورأيت ان اطمئن .."
ـ" انا بخير يا ( جيمي ) .. وإن كنت افضل ان .."
هنا تصيح ( سارة ) في حماس وهي تدفع مقعدك :
ـ" لنجلس جميعا بجوار حمام السباحة .. سوف تنفضين الكسل عن عظامك "
وقبل ان تتكلمي يكون الفتى والفتاة قد دفعا المقعد المتحرك الى الحديقة التي يتوسطها حمام السباحة الصغير ..
الآن انت تفكرين في عمق .. ما سر كل هذا الحماس ؟
فكري يا سيدتي .. انصحك ان تفكري ..
حينما سقطت من على الدرج او كدت كانت ( سارة) خلفك تجلب الماء .. لم تريها جيدا .. من دفعك من الخلف وسط الزحام ؟ ( جيمي ) انقذك .. فلماذا ؟ لأنه من الخطأ ان يتم هذا هنا وبين كل هؤلاء ..
فكري يا سيدتي .. انصحك ان تفكري ..
تنظرين لأسف فتلاحظين ان ( جيمي ) يلبس حذاء برتقاليا ..
بعد حادث السيارة .. الفتاة كانت أميل لشر بينما الفتى كان مترددا .. نفس ما حدث عندما كدت تسقطين .. الفتاة دفعتك والفتى أنقذك ..
فكري يا سيدتي .. انصحك أن تفكري ..
هل هذا بارانويا ؟
لماذا عرضت عليك ( سارة ) المساعدة ؟؟؟
فكري يا سيدتي . .انصحك ان تفكري ..
لماذا تدفع ( سارة ) المقعد بهذا القرب نحو حمام السباحة ؟ انت على الحافة فعلا .. مشلولة قعيدة وعلى الحافة .. دفعة اخرى وينتهي كل شء ..
ولكن كيف تنوي ان تفسر ما سيحدث ؟ انت غير قادرة على دفع المقعد .. الكل يعرف هذا .. لكن .. لم لا ؟ المقعد كهربي وربما يحدث له خلل ما .. ترينها تبكي امام رجال الشرطة .. لقد ذهبت لاحضر لها كوب ماء .. ثم عدت لأجد المقعد وسط حمام السباحة لا اعرف كيف .. هذه المقاعد غير مأمونة على الإطلاق .. نزلت في الماء لكني وجدت انها انتهت تماما ..
ثم نتفجر في البكاء فيرق قلب الضابط ويربت على كتفها ...
الحذاء البرتقالي .. ( سارة ) و ( جيمي ) كانا في السيارة إذن .. هما تركاك حيث انت ورحلا .. الحذاء البرتقالي .. ولما عدت للحياة صارت حياتهما سوداء كالحة .. الحذاء البرتقالي .. إنهما متأكدان من أنك لم تميزيهما ، لكن من الوارد ان تتذكري في أية لحظة ..
فكري يا سيدتي .. انصحك ان تفكري ..
( جيمي ) بجوارك والحافة قريبة ..
ماء رقراق بارد ينتظر ضحيته ..
تغمضين عينك .. تأخذين شهيقا عميقا .. هذا لن يحدث لي ..
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..
المقعد يتحرك ببطء .. حركة بسيطة لم يلحظها ( جيمي ) وفجأة استجمعت إرادتك .. تحرك المقعد لليسار .. ثم اندفع بعنف ليوقع الفتى أرضا وهو لا يفهم .. ثم المقعد ينقض عليه من الخلف ليوقعه في حمام السباحة .
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..
يجب ان تتماسكي ..يجب الا يسقط المقعد بدوره ..
( جيمي ) يرفع رأسه .. لا .. لن يحدث هذا .. تغمضين عينيك وترين رأسه تحت الماء .. لا تجعلي رأسه تحت الماء بل دعيه يبق تحت الماء .. هذا ممكن .. يصرخ ويبصق الماء ويتملص .. لكن قبضتك الخفية تعيده الى هناك .. إنه بحاجة إلى الهواء .. اريد الهواء !
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..
الفتى يلهث يحاول رفع راسه وانت تتمسكين بالمقعد على الحافة بقوة عقلك .. يرفع راسه .. تنزلينها تحت الماء .. يرفع رأسه .. تنزلينها تحت الماء .. يرفع رأسه .. تنزلينها تحت الماء .. ذق ايها الوغد !
الفتاة تصرخ وتبتعد مولولة ..
حركة الفتى تهمد ثم تتوقف .. الآن ترين انه يرقد في الماء بلا حراك ، وقد انتثر شعره سابحا فوق المياه .. جثة عديمة النفع .. لقد انتهى ..
هنا فقط بدأ مقعدك ينزلق الى حمام السباحة ..
لن يحدث هذا .. ان بوسعك ان ترفعي جسدك .. لم تجربي هذا قط يا سيدتي لكن متى تتوقعين ان تجربيه ؟ ركزي ارادتك .. انت ترين نفسك سابحة فوق مستوى الماء بينما المقعد ينزلق الى الاعماق .. ترين هذا وهذا ما سوف يكو ن..
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..
جسمك جسم لا يختلف عن اية ملعقة قمت بتحريكها من قبل .. سوف تنجحين ..
يا له من شعور ! مغمضة العينين تدركين انك ترتفعين عن الارض بضعة سنتيمترات ، وانك تنزلقين فوق وسادة من اللحم ..
لقد فعلتها ..
يجب ان تجدي الفتاة .. لا بد من ان تجدي الفتاة ..
انت تسبحين بعيدا عن الحوض .. تسبحين فوق الحديقة .. تستديرين حول مدخل الدار .. انت تدخلين من الباب .. لا ترين هذا لانك مغمضة العينين لكنك تدريكن انك فعلتها ..
كما ترين يا سيدتي .. برنامجنا ناجح تماما وهذا يسرنا ..
اخيرا تنهار قواك فتتركين جسدك يهبط .. تفتحين عينيك لتجدي انك على مدخل قاعة الجلوس .. من جديد صار جسدك لا يختلف في شيء عن ثيابك ..
من داخل الغرفة سوف تسمعين صوت زوجك .. لقد عاد من الخارج ! حمدا لله ! ولسوف يسرك هذا لانه سيعيدك الى المقعد ويتولى امر الجثة الطافية في حمام السباحة ..
لكن صبرا .. هناك من يتكلم معه ..
هذا صوت ( سارة ) تقول :
ـ " انت جننت حين علمتها التحريك عن بعد .. لقد رأيت ما فعلته الآن : لقد قتلته الآن .. قتلته امام عيني .."
يقول لها زوجك يا سيدتي :
ـ " لا اعتقد انها تملك هذه الدرجة من البراعة .. كانت بحاجة الى هذه التدريبات النفسية وكان علي أن اقدم لها ما تريد .. لا تنسي انني تزوجتها خصيصا كي اريح ضميري .."
سوف تقول ( سارة ) :
ـ" إسمع يا ( مايك ) .. برغم انك مدرس وانا طالبة ، كانت بيننا قصة حب عميقة ، لكنك تخليت عني بسبب هذا الحادث الاحمق .. تزوجتها لتكفر عن ذنبك وهذا يدل على شخصية ضعيفة بحق .. لكن الامور صارت خطيرة الآن .. لقد هلك ذلك الفتى الذي لا ذنب له والذي جاء لمساعدتها .. ولسوف تكتشف هي قريبا جدا ان سائق السيارة التي سببت عاهتها كان زوجها العزيز ( مايك وارن ) وان الفتاة التي كانت معه هي انا .. لقد حاولت ان ادفعها من فوق الدرج في المدرسة لكن ذلك الأحمق ( جيمي ) انقذها بأعجوبة .. لكنه لن ينقذها هذه المرة .. لقد مات غرقا بيدها !"
ثم تتدارك وتقول مصححة :
ـ" بل مات غرقا بعقلها .. وأنت متأكدة مما أقول !!"
كانت هذه هي القصة الرابعة لي مع المحركين .. هنا امراة قررت ان تخدش ذاتها لتجد معدن ( الحريك عن بعد ) البراق تحت صدأ الحياة اليومية ، وكان ما دفعها لذلك حافزا قويا هو انها لا تريد ان تبقى عاجزة .. إلا انها ادركت في النهاية ان التحريك عن بعد لا يعطي بالضرورة لمكة الاستبصار او قراءة الافكار ، ولربما تحاول تعلم هذا فيما بعد لو ظلت حية !
نهاية القصة مفتوحة طبعا متروكة لخيالك ، وانا احب النهايات المفتوحة لأنها اكثر بلاغة .. وهذا يتسق مع حياتنا ذاتها حيث لا يجاب على كل الاسئلة ..
الآن الوجه الخامس والأخير من قصص المحركين التي عرفتها او تعاملت معها .. هذه قصة عن لص وجد انه يملك هذه القدرة .. هذا شيء مفزع ..
تعالوا نطالع القصة لنفهم أكثر ...
|