3
الشارع ده شفتك وانتي ماشية فيه ..
لابسة جينز وبلوزة وردي وعاملة ديل حصان وجيه ..
اتجاهك ف اتجاهي مشينا في ..
والشارع ده ضباب وتيه ..
بس لازم نستميت !
***
بعد مرور بضع ليال قررت ان تخبر أمها ..
الأم لم تصدق حرفا بالطبع .. لكنها قرت ان تدخل الغرفة عدة مرات في تلك الليلة ، ولم تكن متأكدة مما إذا كانت ( فاتن ) نائمة أم لا ، لكنها كانت متأكدة من ( عاطف ) .. وقد وقفت بعض الوقت تتشمم الهواء وتنظر للأشياء ثم غادرت الحجرة ..
بعد ساعة أخرى شعرت بقلق فنهضت ..
وعلى باب الحجرة سمعت ذلك الصرير المميز لشخص يمشي على الأرض الخشبية .. إنها ( فاتن ) بلا شك ذاهبة إلى الحمام .. انتظرت ثم فتحت الباب ودخلت .. الصغيران نائمان كما هما .. لكن ..
من اين يأتي هذا الصوت بالضبط ؟
كان المقعد الخشبي الذي تدرس عليه ( فاتن ) يمارس عملا غريبا بعض الشيء .. كان يتسكع ! بكل استهتار ووقاحة المتسكعين يتواثب على رجل واحدة .. قليلة هي المقاعد قليلة الحياء لهذا تعتبر رؤية أحدها شيئا مرعبا ..
طبعا ما تراه الأم ليس سوى ظاهرة ( بولترجايشت ) .. والتي يعتقد العلماء أنها نوع من التحريك عن بعد يتم لا إراديا ، لكن من أين لها بـ ( رفعت إسماعيل ) ليخبرها بهذا ؟ إنه الآن في داره مجرد مراهق تعس ينام حالما بعلقة من مدرس من الجغرافيا غدا ، لأنه لم يرسم خارطة آسيا في الكراس ..
هكذا أطلقت الأم صرخة لا بأس بها أبدا وأضاءت الضوء ..
وفي اللحظة التالية استقر المقعد في براءة على أرجله الأربع ..
ونظرت الأم إلى الفراش لتصاب بالهلع من جديد ..
كانت ( فاتن ) مستيقظة مفتوحة العينين ، وقد جذبت الملاءة إلى ما أسفل عينيها بالضبط .. وقالت همسا :
ـ" هل رأيت ؟ هل تصدقين الآن ؟ "
وينظر الأب كعادة الآباء .. جسما عملاقا في منامة من الكستور المخطط بالطول ، وشعرا منفوشا ووجها معكر المزاج .. جبلا من المسئولية والحماية .. والغيظ !
ـ" هل جننت حتى تصرخي بهذا الشكل ؟"
تكلمت الأنثيان في آن واحد :
ـ" المقعد يتحرك من دون ان يلمسه أحد !"
هرش الأب رأسه مرتين ثم أعاد السؤال في تؤدة :
ـ" المقعد ماذا ؟"
ـ" يتحرك ! "
كان يعرف أن زوجته هستيرية لكن ليس إلى هذا الحد ، أضف لهذا أن ( فاتن ) كانت ثابتة الجنان إلى حد مخيف .. إلى درجة أنها كانت تذكره بأمه هو شخصيا ..
هكذا طلب من الأم ان تتلو بعض آيات القرآن ، وان تبقى الضوء طيلة الليل .. وقدر أن هذا لم يحدث على الأرجح ، وإن حدث فلن يتكرر ..
لكن الأمر تكرر في الليالي التالية ، واضطر الاب الى تغيير غرفة الأطفال .. كلا لم تكن حالته المادية تسمح بترك البيت طبعا .. على أن الاشياء المتحركة اقفت أثر الطفلين الى الغرفة الجديدة التي كانت مخصصة لاستقبال الضيوف .. ويبدو أنه جلب أكثر من شيوخ تكلموا عن جني يكمن في الغرفة ويريد النيل من الأطفال .. لا بد أن الكثير من النمل الأحمر والهداهد اليتيمة قد لقت حفتها من اجل هذا ، ولا بد ان اكثر من حجاب كتب بدم الغزال قد استعمل .. طبعا بدون نتائج ثورية ..
على كل حال انتهت المشكلة خلال عام ..ونسيها الجميع ..
***
لم أدخل طرفا في القصة إلا في يوم 12 إبريل ..
كان هذا عيد ميلاد ( عاطف ) .. إن بلوغ الطفل تسعة أعوام لحدث بالغة الأهمية حقا ، وكما تقول أغنية الأطفال الأجنبية : " انا لست حتى في الرابعة .. بل إنني اكبر من اربعة اعوام ونصف .. انا في الخامسة من عمري !" هكذا كان ( عاطف ) يشعر بفخر بالغ باعتباره اول من حقق هذا الإنجاز في التاريخ ..
كان ابوه واضحا في أنه لن يسمح إلا لرفاقه في الصف بالحضور لكنه اصر على ان يحضر الأولاد الأكبر ( عماد ) و ( مدحت ) و ( رفعت ) و ( ممدوح ) .. إنه يذهب معهم الى المدرسة يوميا ويحبهم .. دعك من فخر الأطفال بأنهم يعرفون من هو أكبر سنا ..
هكذا صارت تعليمات الأب اكثر وضوحا .. ( فاتن ) لن تشارك في الحفل .. لو اقتصر الأمر على زملاء ( عاطف ) الأطفال فلا مشكلة .. كان يخاف الفتيان خاصة المراهقين منهم .. هؤلاء الأوغاد بشواربهم غير النامية والحبوب في وجوههم وأصواتهم الشهوانية الخشنة .. إنهم شياطين يدارون ذيولهم في سراويلهم ، ولو أغمضت عينك لحظة لسبل أحدهم عينيه وتظاهر بأنه يحب ( فاتن ) ، وعندها يمتلئ درج الفتاة بالمراسلات العاطفية وترسب في الدراسة ثم تنحرف وتعاقر الخمر .. كان من الآباء الذين يعتبرون الابنة خطرا داهما الى ان تتزوج ..
هكذا تم ترتيب الحفل .. سيكون حفلا للذكور فقط ..
وبدأنا الوصول .. لم اكن من الطبقة التي تقيم أعياد ميلاد ، ولم اكن قد حضرت الكثير منها ، وقد أعطاني خالي بعض المال لابتاع كرة صغيرة لـ ( عاطف ) حتى لا ادخل خالي الوفاض وسط أولاده .. كنت فقيرا كالفقر نفسه لكني ـ اشهد ـ لم اشعر بلك بشكل جدي قط بسبب خالي ..
(
عبير ) انسحبت الى الداخل لتلقى ( فاتن ) و( إلهام ) والأم ..
وتبادلت نظرة مع ( ممدوح ) .. نحن نفهم بعضنا .. كلانا يوجد جزء من قلبه بالداخل .. ( إلهام ) بالنسبة لي و ( فاتن ) بالنسبة له ..
وجاء وقت إشعال الشموع .. تسع شموع تنتظر أن نشعلها..
جاء والد ( عاطف ) بعلبة ثقاب .. ثم أشعل عودا و ...
أمام عيوننا المذهولة راحت الشعلة تنتقل من الشمعة الأولى .. إلى الثانية .. فالثالثة ..
لم نقل شيئا ..
لم يستطع أحدنا أن يفتح فمه ..
المشهد يفوق أية قدرة على الكلام ..
لو شئت أن اقرب لك المشهد فتخيل رجلا خفيا يمسك بعود ثقاب خفي ويشعل به شمعة تلو الأخرى ..
وحين اشتعلت الشموع التسع شهق الجميع في رعب ..
ـ" بسم الله الرحمن الرحيم !!"
ـ" هذا سحر !!"
هنا قال الأب بلهجة عامية ، عرفت فيما بعد أنها الطريقة التي قرر بها أن يتحاشى الذعر وإفساد الحفل وربما الفضيحة كذلك :
ـ" هذه لعبة سحرية .. أنا وحدي أعرف سرها ! ربما اعلمها لكم فيما بعد .. والآن هلا نفخت الشموع وأنهيت هذا السخف يا ( عاطف ) ؟"
وبدا في عبارته الأخيرة نفاد صبر يوشك على أن يستحيل صراخا ..
ونفخ ( عاطف ) الشموع في حماسة فساد الظلام .. هنا أضيئت الأنوال .. كل هذا جميل ..
لكن من فعلها بينما نحن جميعا هنا والنسوة في غرفة أخرى ليس فيها مفتاح النور ؟