لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (6) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-05, 10:49 AM   المشاركة رقم: 266
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Jul 2005
العضوية: 345
المشاركات: 14,884
الجنس أنثى
معدل التقييم: ^RAYAHEEN^ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 21

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
^RAYAHEEN^ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ^RAYAHEEN^ المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

علاااااااااء اي اقعد شو انت قاعد على قلبي انت قاعد على الكرسي
هههههههههههههههههههههههههههههههههه

 
 

 

عرض البوم صور ^RAYAHEEN^  
قديم 13-12-05, 12:34 AM   المشاركة رقم: 267
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Jul 2005
العضوية: 345
المشاركات: 14,884
الجنس أنثى
معدل التقييم: ^RAYAHEEN^ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 21

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
^RAYAHEEN^ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ^RAYAHEEN^ المنتدى : الارشيف
افتراضي

 



الواجهة الرابعة ‏
عينا راسبوتين ‏
‏-1-


قال ( مازن ) : ‏
ـ" بالطبع تحول الصبي ( جان بيير ) الى كتلة هلامية هي التي تراها أمامك .. وقد ‏حصلت على الكتلة وحصلت على المسحوق إياه .. قبل ان ينتهي الصبي تماما حكى ‏القصة لأبويه كاملة .. وقد جرى تحقيق عن الموضوع ولم تعرف الصحف شيئا عنه ‏‏. وظل المسحوق في المختبرات الفرنسية لكني حصلت على بعضه .."‏
قلت له وانا اعيد تأمل الكتلة خلف الواجهة :‏
ـ " إذن هذا طفل او ما بقي منه !"
ـ" هو كذلك .. ويجب القول إنه تلقى أقسى عقاب ممكن على شيطنته .. هذه طريقة ‏تربوية ناجحة أخرى .."‏
ـ" وهل جربت المادة ؟"‏
قال باسما وهو يتجه إلى الواجهة الرابعة :‏
ـ " ماذا تظن ؟ إن الفضول هو القوة المسيطرة على الوجدان الجمعى .. اقوى من أي ‏شيء آخر .. والآن لنر هذه الواجهة .."‏

نظرت إلى ساعتي .. لقد توغل الليل كثيرا . لقد صارت العودة إلى القاهرة اليوم ‏وهما .. والغريب أننا كنا واقفين طيلة هذا الوقت فلم تتعبني ساقاي .. لكنني قدرت أن ‏أمامي ساعتين على الأقل قبل أن اعرف ما يجب معرفته ، ومعنى هذا ان علي ان ‏امضي ما بقي من الليل في الإسكندرية ..‏
طلبت منه ان نستريح قليلا فوافق ، وعدنا إلى غرفة مكتبه ..‏
غاب بعض الوقت ثم عاد حاملا صحفة عليها بعض الشاي والشطائر .. وقد سرني ‏هذا .. جلس يراقبني وانا التهم الطعام وهو يتأمل سيجاره اكثر مما يدخنه ..‏
ـ" هناك غرفة نوم يمكن كأن تقضي فيها ما تبقى من الليل .."‏
ابتلعت ما بفمي ، وقلت ضاحكا :‏
ـ" لا اعتقد ان الأمور بهذا السوء .. إن النهار قد اقترب .."‏
صمت وراح يراقبني في نفاد صبر ، ولسان حاله يقول : ‏
ألن تنتهي أبدا من هذا الأكل ؟ ما زال أمامنا الكثير ..‏
بالفعل فرغت من الطعام وشربت الشاي ، فنهض متعجلا الى المتحف دون ان يقول ‏كلمة أخرى ، وهكذا نهضت وراءه وانا لم افرغ من المضغ بعد ..‏
ووقفنا امام الواجهة الرابعة ..‏
كانت الواجهة تحوي إناءا آخر من أوعية الفورمالين الشفافة .. وبالداخل كان هناك ‏قضيبان من الزجاج ثبتت على كل عود عين بشرية كاملة .. كأنه عود من المكرونة ‏في نهايته بيضة مسلوقة ، لو لم تكن ممن يكرهون هذه التشبيهات .. على العموم كل ‏أطباء علم الأمراض يحبونها ويطلقون عليها ( باثولوجي مطعم الوجبات الجاهزة ‏Deilcatessen Pathology‏ )‏
قال الرجل :‏
ـ النوع الرابع من الرعب يتعلق بالتغيرات التي تطرأ ولا يمكن تفسيرها ، على اكثر ‏مخلوق تعرفه في الوجود ـ او هكذا تحسب ـ أنت !"‏
قال ( مازن ) :‏
لم يحب ( عادل السلاموني ) زيارته لـ ( موسكو ) قط ..‏
كان يشعر طيلة الوقت بأن هناك جوا خانقا يحيط به طيلة الوقت ، وبأنه مراقب وبأن ‏هناك نوعا من التوتر في كل شيء .. كانت هذه فترة السيطرة المطلقة للحزب ، مما ‏يعطي الجو كله طابعا ( أورويليا ) لا يمكنك أن تتحمله ..‏
كان ( عادل ) طبيبا في العقد الثالث من عمره ، لم يتزوج بعد .. وقد جاء الى الاتحاد ‏السوفييتي في بعثة تعليمية بهدف الحصول على درجة الدكتوراه في أمراض العيون ‏‏.. كانت أكثر البعثات الدراسية تتجه إلى الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت ..‏
قلت إن ( عادل ) لم يحب ( موسكو ) قط . والسبب على الأرجح كل قصص ‏الجاسوسية وأفلام ( جيمس بوند ) التي قرأها في صباه ، والتي جعلته يشعر بأن ( ‏موسكو ) مخبر كبير يراقب كل سكناته ، وكان يؤمن بان لدى الناس ما يقولونه لكنهم ‏خائفون ..‏
هكذا راح في لهفة يترقب الفرصة التي تنتهي فيها بعثته ويعود الى مصر ..‏
‏( أولجا ) ؟ من أخبرك بموضوع ( أولجا ) ؟ إنها فتاة رائعة حقا من ناحية الجمال ‏وتمثل كل أحلامه عن المرأة ، حتى إنه يتخيل صورتها في أي قاموس تحت كلمة ( ‏امراة ) .. وهي تحبه بجنون ويعتقد أنه يحبها بجنون .. لكن هناك تلك المشكلة التي لا ‏حل لها .. إنها لا تؤمن بشيء .. تكتب في خانة الديانة في أية استمارة تملؤها كلمة ( ‏لا يوجد )..‏
وكان ( عادل ) متدينا وقد ادرك أنه لا يستطيع الزواج منها لأنه ــ ببساطة ــ لا يريد ‏لها أن تربي أطفاله ..‏
لهذا ــ يمكننا أن نفهم ــ لم تحمل له ( موسكو ) أية ذكرى سارة على الإطلاق سوى ‏ذكرى الحب المستحيل .. وهي ذكرى تناسب الشعراء والأدباء .. ويمكنها ان تجلب ‏لهم رزقا واسعا بكل القصائد التي سيكتبونها عنها .. لكنها لا تناسبه هو الإنسان ‏العملي الذي لم يقرأ قصيدة ولا رواية في حياتة ..‏
كان يعد الأيام والأشهر بانتظار انتهاء البعثة ، الى ان صار شهر يفصله عن الوطن ‏‏..‏
قال ( مازن ) :‏
كان الأستاذ السوفييتي ( يوري زاجالوف ) رجلا غاية في البدانة .. ثقيلا جدا من ‏الطراز الذي لو جلس لجلس للأبد ، ولو وقف لوقف للأبد .. هناك نظرة منهكة في ‏عينيه من الطراز الذي يقول : ( أنت لن تبهرني بشيء فلا داعي لأن تتعبني معك ) ‏‏.. كان هو المشرف على دراسة ( عادل )..‏
قال له وهو يعبث في نموذج صغير للكرة الأرضية على مكتبه :‏
ـ" يؤسفنا أنك سترحل قريبا يا د. ( عادل ) .. كنت طالبا مجدا وأعتقد بشكل ما أنك لم ‏تحب ( موسكو ) .. لكني ما زلت أتمنى ألا تنسى أصدقاءك هنا .."‏
لم يرد( عادل ) حتى لا يتورط في مجاملة هي اقرب الى كذبة .. لكنك كان متأكدة ‏من شيء واحد : لربما كره ( موسكو ) لكنه أحب الكثيرين من الموسكويين بلا شك ‏‏..‏
قال البروفسور وهو ينهض : ‏
ـ" إنني راغب بحق في أن اهديك شيئا .. كلما رأيته تذكرت أستاذك ( زاجالوف ).. ‏لو جئت معي الى مكتبي .." ‏
كانا يتكلمان في غرفة الجلوس في منزل البروفيسور .. الثلج ينهمر بالخارج ، ‏والمدفأة مريحة تجعل فكرة الانصراف من هنا كابوسا .. لا بد أنك ستتلقى نزلة برد ‏تزيلك من على وجه الأرض ..‏
كان يشرب الشيكولاته الساخنة ، وهو يستشعر لذة المشروب الساخن الجسم يتسرب ‏إلى أحشائه .. لهذا حمل الطبق في يده ومشى وراء البروفسور ..‏
كان مكتب البروفسور مريحا دافئا هو الآخر ، ومنسقا بعناية .. هناك جدار تحتله ‏بالكامل كتب طبية أكثره اكتب بالروسية.. الجدار الآخر تحتله مكتبة أدبية عملاقة ‏تحمل أسماء مثل ( تشيكوف ) و ( جوجول ) وغيرهم من الكتاب الكبار الذين لم يعد ‏أحد يرحب بهم في الاتحاد السوفييتي ( لأنهم رجعيون )..‏
ثمة جدار ثالث تحتله واجهة زجاجية ملأى بالتذكارات .. تشبه الواجهة التي نقف ‏امامها ..‏
اشعل البروفسور سيجارا روسيا غليظا كريه الرائحة وقال مفكرا :‏
ـ" هل درع التميز الطبي ؟ لا .. إنني بحاجة إليه ..
ثمة قلادة من سيبيريا أحتفظ بها .. لكن .. ماذا عن هذه الرصاصات ؟ إنها المانية من ‏ايام حصار ( ستالينجراد ) .. وهذه ؟ قطعة من شظية .. هل تحب الدمى :؟ هناك ‏دمية من ( أوكرانيا ) لكن .. نعم .. هي الدمية .. إنها جميلة .."‏
ومد يده الممسكة بالسيجار والتقط دمية خزفية تمثل فلاحة روسية تربط شعرها ‏بإيشارب ..‏
فوجئ ( عادل ) بذلك الإناء الزجاجي .. الإناء الذي نراه أمامنا الآن .. وكان متواريا ‏بين التذكارات فلا تكاد ترى ما فيه .. فقال في دهشة : ‏
ـ" ما هذا يا بروفسور ؟ " ‏
نظر البروفسور الى الإناء وهز رأسه في تقزز :‏
ـ" هذا .. كلام فارغ . .قل إنه تذكار لحماقتي .."‏
عاد ( عادل ) يلح على الرجل :‏
ـ" ما الذي يدعوك للاحتفاظ بعينين كاملتين في خزانة ذكرياتك ؟"‏
قال البروفسور : ‏
ـ" في شبابي كنت أحمق . .مثلك .. كل الشباب حمقى في الواقع .. وكان هناك ذلك ‏العراف الذي قالوا إنه يعرف الكثير من الأسرار .. وقد باعني اشياء كثيرة ، غريبة ‏لكن أغربها كان هاتين العينين .."‏
ثم ابتسم في سخرية ونفث سحابة كثيفة من الدخان :‏
ـ" ما رأيك في امتلاك عيني ( راسبوتين ) ذاته ؟"

 
 

 

عرض البوم صور ^RAYAHEEN^  
قديم 13-12-05, 11:48 PM   المشاركة رقم: 268
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Jul 2005
العضوية: 345
المشاركات: 14,884
الجنس أنثى
معدل التقييم: ^RAYAHEEN^ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 21

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
^RAYAHEEN^ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ^RAYAHEEN^ المنتدى : الارشيف
افتراضي

 



-2-


قال ( مازن ) :‏
بالطبع ارتجف (عادل ) لهذه الكلمات الغريبة .. وعاد يستوثق من المعلومة ..‏
قال البروفسور وهو يتأمل الدمية الخزفية :‏
ـ" زعم العراف أن جثة ( راسبوتين ‏Rasputin ‎‏) لم تدفن بعينيها .. لكن هناك من ‏انتزعهما ، ووضعهما في سائل حافظ ثم حشا المحجرين بالصلصال .. من يومها ‏يتوارث العرافون هذه التحفة العتيقة .. قال لي ان لهاتين العينين قوة مغناطيسية لا ‏يمكن وصفها ، وإنه من الخير لي ألا اطيل النظر فيهما .. قال كذلك إنني لو ‏زرعتهما لأي شخص لاكتسب قوة ( راسبوتين ).. دعني أقل لك إنه لو كانت هاتان ‏عيني ( راسبوتين ) لوجدت منظمة ( اليونسكو ) كلها تقف خارج باب هذه الغرفة ، ‏ولربما ارسلوني الى ( سيبيريا ) بتهمة اختلاس أملاك الدولة .. طبعا انبهرت بهذا ‏الشيء وقتها وابتعت هذه العينة المقززة ، وحرصت على ألا انظر إليها أبدا .. ومن ‏حينها هي عندي في هذه الخزانة لا أجد الشجاعة كي أتخلص منها .."‏
قال ( عادل ) باسما :‏
ـ" هذا العراف كان يفترض أنهم يزرعون العين كاملة في محجر العين .."‏
ـ" طبعا .. هذا ما يعتقده العامة .. لا يعرفون أننا نأخذ القرنية فقط بالــ ( كيراتوم ‏Keratome ‎‏ ) .. وحتى على هذا الصعيد لا يمكن ان تزرع قرنية تعود لعام 1916 ‏‏.. الخلاصة أن مالي ضاع هباءا .."‏
وقف ( عادل ) يرمق الإناء في نهم .. الحقيقة أن العينين فتنتاه ولا يعرف لهذا سببا ..‏
ـ" بروفسور .. هل تهديني هاتين العينين ؟"‏
مضغ البروفسور سيجارة ونظر لـ ( عادل ) كأنما يرى مجنونا .. نفث سحابة كثيفة ‏وقال : ‏
ـ" هل جننت ؟ هل هذه هدية ؟"‏
ـ" قلت إنك راغب في الخلاص منها .."‏
ـ" نعم .. لكني لا أحب إهداءها لأصدقائي .."‏
ـ" إن هذه ما أتمناه فعلا .."‏
نظر له البروفسور طويلا ، ثم مد يده في الخزانة وأخرج الإناء الزجاجي ..
‏*** ‏
كلما ذكرت كلمة ( كاريزما ) تداعت إلى الذهن صورة الروسي ( جريجوري ‏يفيموفتش راسبوتين ) .. الرجل الذي كان راهبا جوالا ثم مرق واتجه الى حياة ‏الرذيلة .. إن صوره ما زالت حية بعينيه القويتين الثاقبتين ولحيته السوداء الكثيفة ‏وثيابه السوداء التي تجعله ينضم بجداره إلى عالم المسوخ .. الفارق هنا أنه كان ‏شخصا من لحم ودم يمشي على الأرض ..‏
كان يقدم نفسه للناس على أنه معالج روحاني ..‏
كانت له سطوة نفسية لا يمكن وصفها ، وكانت عيناه قادرتين على جعل أقوى ‏الرجال يرتجف خوفا .. أما النساء فكن يسقطن صرعى هواه بلا تحفظ ، ويقال إنه ‏نموذج للرجل الذي تعلن النساء أنهن يكرهنه ويشمأززن منه فقط لأنهن يعرفن كم ‏هن ضعيفات أمامه ..‏
يجب أن نضيف هنا انه كان في غاية الفجور ، وكان يتحدث دوما عن ان الأرض ‏السوداء تنتج اشهى الثمار .. لهذا كان يبحث عن الرذائل بالمجهر ليرتكبها ..‏
بشكل ما وصل صيته الى البلاط القيصري ، حيث كان ابن القيصر يعاني مرضا ‏نزيفا متكررا هو ( الهيموفيليا ‏Hemophilia‏ ) .. وكان هناك من نصح القيصرة ‏بأن تجرب قدرات هذا الرجل العجيب ..‏
هكذا بدأ الطفل يتحسن ، وسرعان ما تنامي نفوذ ( راسبوتين ) في البلاط الى حد أنه ‏كان يالفعل يحكم روسيا كلها من خلال القيصر وزوجته .. فقد كانت الزوجة تثق به ‏ثقة عمياء وتعتقد أنه اطهر رجل عرفته ..‏
وفي العام 1916 قررت مجموعة من نبلاء البلاط أن يتخلصوا من هذه الكارثة .. ‏هكذا دسوا له السم في شرابه .. فقط ليعرفوا ان السم لا يؤثر فيه .. وقد كاد يفتك بهم ‏بجسده العملاق المخيف ، هكذا أطلقوا عليه الرصاص ..‏
ويقال إن ( راسبوتين ) كان هو المسمار الأخير في قبر آل ( رومانوف ‏Romanov ‎‏ ) الذين لاقوا نهاية مفجعة في ثورة 1917 التي جاءت بالشيوعيين إلى الحكم ‏وأطاحت بالنظام القيصري ..‏
أين دفن ( راسبوتين ) ؟ لست متأكدا من هذه النقطة .. لكن السؤال الأهم هو :هل دفن ‏وعيناه في محجريهما ؟
هكذا عادل ( عادل ) إلى مصر وهو يحمل في متاعه إناء زجاجيا حرص على ‏تبطينه وتغليفه بعناية كل لا يتهشم ، ولحسن حظه لم يفتح أحد حقائبه لأنه كان سيجد ‏عسرا في تفسير حمله لعينين آدميتين معه ..‏
التذكار الوحيد الذي يحمله من ( موسكو ) هو هاتان العينان وبعض الصور مع ( ‏اولجا ) وخطابات منها ..‏
لم يكن ( عادل ) متزوجا كما قلنا ، ولم يكن له بيت في المدينة .. كان حتى هذه ‏اللحظة يقيم في بيت أسرته بقريته وهي قرية تتبع محافظة ( ...) لديهم هناك بيت من ‏الطوب من طابقين .. فهي أسرة على قدر من اليسر .. لكنه كان يخطط للحياة في ‏المدينة فقط ما إن يستقر ويجد زوجة المستقبل .. وقد حرص على أن يعد غرفته ‏هناك بعناية ، ووارى الإناء في خزانته التي احتفظ بمفتاحها منعا للحوادث المؤسفة ‏‏..‏
فلما جاء الليل وانتهى مسلسل استقبال الأقارب والأصدقاء ، صعد إلى غرفته ‏وارتدى جلبابا للنوم ..‏
لا يعرف اسبب .. لكن لهفة غير عادية كانت تغمره ، مع رغبة عارمة في أن يتأمل ‏هاتين العينين ..‏
فتح الخزانة وأخرج الإناء ووضعه على منضدة صغيرة هناك .. ثم جذب مقعدا ‏خشبيا عتيقا وجلس عليه ينظر إلى هاتين الكرتين ترمقانه من خلال الزجاج عبر ‏السائل الشفاف ..‏
من الخطأ أن يتكلم المرء عن عينين قويتين .. إن ما يعطي الانطباع بالنظرة هو ‏أشياء أخرى .. شكل الأهداب .. شكل الحاجبين .. اتساع فتحة العين .. كل هذه أشياء ‏لا بد منها لتعرف إن كانت النظرة قوية أم لا ..أما ان تضع كرتين في حوض ‏زجاجي فهما ذات الكرتين لدى أي شخص آخر .. كأنك تتأمل إطار سيارة منزوعا ثم ‏تحاول الكلام عن فخامة السيارة ذاتها وانسيابيتها..‏
لكن هاتين العينين كانت تملكان قوة جذب لا يعرف سببها .‏
ولوقت لا باس به ظل يتأملهما في ضوء الغرفة الشاحب الخافت الذي يبعثه مصباح ‏وحيد يتدلى من السقف ..‏
كان تنقلانه إلى عوالم غريبة لم يرها من قبل .. إنه يرى ( الكرملين ) والثلج يتساقط ‏من حوله .. هناك عربة تجرها الخيول .. أميرة روسية تغمض عينيها في افتتان ‏‏..حفلات راقصة صاخبة .. الضباط بثيابهم الأنيقة المزركشة يرفعون سيوفهم في ‏رشاقة .. وجوه تضحك .. وجوه تبكي .. خيول .. ذئاب بيضاء ..‏
كل هذا وهو ينظر الى العينين الثابتتين ..‏
فجأة نظر الى ساعته ففطن لحقيقة مروعة .. إنه هنا ينظر لهاتين العينين طيلة ‏ساعتين كاملتين ! هكذا اعادهما الى الخزانة .. وأطفأ النور ..‏
كانت هذه أول ليلة له في مصر منذ اعوام ، وقد نام نوما عميقا بلا احلام ..‏
‏*** ‏
قال الأستاذ المصري وهو يقلب صفحات الرسالة السميكة :‏
ـ" ليس بوسعنا الانتهاء من هذه سريعا .. أعتقد انك ستتأخر خمسة اشهر على الأقل ‏‏.."‏
قال (عادل ) في ضيق وهو ينهض من مقعده :‏
ـ" سيدي ..أنا في وضع معلق بين مصر و ( الإتحاد السوفييتي ).. اريد الانتهاء ‏سريعا كي اعرف موضع قدمي .. هم قد فرغوا مني هناك ولم تبدءوا معي هنا .. لا ‏يمكنني العودة لهم .. ولا يمكنني معاودة حياتي هنا .."‏
قال أستاذه وهو ينزع عويناته :‏
ـ" أفهم كل هذا لكني لا اعرف كيف افيدك .. هل أجيز بحثا لم أقرأه ؟"‏
ـ" إذن لماذا لا تفعل ؟"‏
لاحظ دون قصد أنه يتكلم في حدة .. الاستاذ نفسه لاحظ هذا فرفع عينه متسائلا ..‏
فجأة اتسعت عيناه .. نبتت قطرات عرق على جبينه ، فأخرج منديله بيد مرتجفة . ‏وقال :
ـ" نعم .. نعم .. أعدك ان انتهي من ذلك في اسرع وقت .."‏
بنفس اللهجة الحازمة التي لم يتعمدها قال ( عادل ):‏
ـ" أسبوعا واحدا على الأكثر ؟"‏
ـ" شكرا يا سيدي .."‏
قالها بذات الطريقة الحازمة الآمرة .. ودون ان تفارق عيناه عيني الرجل ، ثم غادر ‏المكتب ..‏
حينما اختلى بنفسه لم يصدق أنه فعلها .. قال لنفسه : لا بد أنني املك تأثيرا نفسيا ‏هائلا لا أستخدمه .. كل هذا الحزم وكل هذا الإصرار .. والغريب أنه لم يتعمد ذلك ‏قط ..‏
من الغريب ان تكتشف في سن الثلاثين أنك قوي الشخصية .. يحس بالمرء أنه عرف ‏كل شيء عن نفسه متى بلغ العشرين .. لكن النفس البشرية تشبه البصلة .. كلما زالت ‏المزيد من الأغشية عنها بدت لك طبقات أخرى لامعة نظيفة لم ترها من قبل ..‏
لا بد أن تجربة الغربة قد أفادته وصقلته .. هو يكره ان يخاطب أستاذه بهذه الطريقة ، ‏لكنه إلى حد ما كان يرغب في ذلك .. إن حياته متوقفة على رأي هذا الأستاذ ..‏
‏*** ‏
ـ" السينما هذه الليلة ؟ مستحيل !!"‏
قالتها ( تغريد ) وهي تتراجع الى الوراء في غضب ..‏
كانت ( تغريد ) هي مشروع زواجه قبل أن يسافر إلى الاتحاد السوفييتي ، وهي فتاة ‏لا بأس بها لكنها لا تقارن بـ ( أولجا ) من ناحية الجمال طبعا .. لا يزعم أبدا أنه ‏أحبها لأنه كما قلنا رجل عملي جدا .. كان يريد زوجة وكانت هي تصلح ، وقد راق ‏له أنه الم تكن قد ارتبطت بأحد لدى عودته من البعثة .. ‏
قال لها بلهجة حازمة :‏
ـ" لا ارى ما يضير في دخول السينما معي .. لست مراهقا سخيفا .."‏
ـ" هذا هو بيت القصيد .. لست مراهقا سخيفا ولا أنا مراهقة سخيفة .. لهذا لا ارى ‏داعيا على الإطلاق لهذه الدعوة .. ان توعدت بأن تطلب يدي هذا الأسبوع .. ‏فلنفترض أن أبي رفض ؟ لماذا اختلى برجل لن يكون لي ؟"‏
ـ" لن يرفض .."‏
ـ" وقد يفعل .. لهذا ارى ان الانتظار قد .."‏
نظر لها بحدة وقال وهو يضغط على كلماته :‏
ـ" ( تغريد ) .. ستذهبين معي الى السينما لأنني اريد ذلك .. موعدنا في السادسة ‏مساء .. يجب أن أنتهي مبكرا كي اعود الى قريتي .."‏
كانت تنظر له وقد اتسعت عيناها .. متى رأى هذه النظرة من قبل ؟ .. شفتاها ‏منفرجتان ترتجف السفلى منهما .. ثم قالت بصوت مبحوح : ‏
ـ" ليكن .. أمرك .. أمرك .."‏
سر من نفسه .. لم يكن يريد شيئا من هذه الدعوة إلا ان تقبلها .. فقط يريد أن تحقق ‏إرادته انتصارا ما .. وقد حققه .. حياته كلها تتحول الى انتصارات متلاحقة..‏
وقال لنفسه وهو ينتظر أمام باب السينما :‏
ـ إن شخصيتي تزداد قوة .. إنني أتمتع بكاريزما لا شك فيه !!"‏

 
 

 

عرض البوم صور ^RAYAHEEN^  
قديم 13-12-05, 11:49 PM   المشاركة رقم: 269
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Jul 2005
العضوية: 345
المشاركات: 14,884
الجنس أنثى
معدل التقييم: ^RAYAHEEN^ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 21

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
^RAYAHEEN^ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ^RAYAHEEN^ المنتدى : الارشيف
افتراضي

 



‏-3- ‏


قال ( مازن ) : ‏
في الفترة التالية توالت انتصارات ( عادل ) في معركة الإرادة.. الأب رحب به بلا ‏تردد ووافق على أن يتزوج ابنته.. صاحب البيت الذي كان متمسكا بمبلغ معين ، ‏وجد نفسه يتنازل عن نصفه بسهولة مطلقة .. وهكذا وجد ( عادل ) نفسه وقد خطب ( ‏تغريد ) وامتلك شقة لا بأس بها في المدينة ، وأجيزت رسالة الدكتواره الخاصة به ..‏
وقد أخبر أهله في القرية أنه سينتقل إلى المدينة .. إنه بحاجة إلى البحث عن عيادة ..‏
لم يرفض أحد .. بالواقع لم يعد أحد يرفض أي طلب له من زمن ..‏
وهكذا نجد الآن ان ( عادل ) يقيم في شقة وحده في المدينة ، وقد كون عادات جديدة ‏‏.. لكن العادة الوحيدة التي لم يتخل عنها هي الجلوس امام العين ومراقبتها لمدة ‏ساعات .. لقد أدمن تلك العوالم الغامضة التي تنقله إليها ..‏
قالت له ( تغريد ) ذات مرة وهو في دارها :‏
ـ" لا اعرف السبب لكن هل ثمة مرض ما في عينيك ؟"‏
مط شفته السفلى في تهكم ، لكنها واصلت الكلام : ‏
ـ " انا لا امزح .. لقد تغيرتا كثيرا وإنني لاخافهما احيانا .."‏
تجاهل ما تقول .. لكنه إذ دخل الحمام وقف بعض الوقت أمام المرآة .. وهو لم يكن ‏من الأشخاص المولعين بوجوههم على الإطلاق .. كان يعرف أنه لا بد من وجه ‏حتى لا يمشي بعظام الجمجمة عارية .. لكنه في هذه المرة أطال النظر .. وبرغمه ‏شعر برجفة تتخلل عموده الفقري ..‏
كأنما قد أحاط عينيه بكحل كثيف قبل أن ينزل من داره .. الحاجبان صارا كثين جدا ‏يتدليان فوق عينيه .. فتحة العين ذاتها صارت واسعة جدا .. الخلاصة ان هناك ‏بحيرة كاملة من اللون الاسود تحيطان بعينين لا يمكن مقاومتهما .. عينين من الطراز ‏الذي لا تستطيع معه تذكر إن كان هناك وجه ام لا ..‏
شعر بقلق فحاول المنظر عن ذهنه ..‏
إنه طبيب عيون .. ولو كان هناك مرض اسمه ( نظرات اعين الثاقبة أكثر من اللازم ‏‏) لكان هو اول من يسمع به .. قال لنفسه إن عينيه نافذة على روحه ..وروحه قلقة ‏عجول لا تريد ان يضيع من العمر يوم واحد آخر.. لهذا لم يعد يقبل من يجادله أو ‏يخالفه الرأي .. يريد طاعة عمياء ..‏
هذا هو كل شيء ..‏
على أن القلق عاوده حين كان في ذلك المتجر تلك الليلة ، وكانت هناك ام تحمل طفلا ‏رضيعا على كتفها وتمسك بيد طفلة في الثامنة .. وقف وراءها فرأى الرضيع يرمقه ‏بعينين متسعتين في رعب ثم انفجر في صراخ هستيري مجنون .. عواء إذا اردت ‏الدقة ..‏
نظر لأسفل فرأى الطفلة تنظر له بذات الرعب .. ثم تنكمش في ثوب أمها دون أن ‏تفارقه بعينيها ..‏
نظر لأعلى من جديد فوجد الام تنظر للوراء .. تغمغم في جزع :‏
ـ" بسم الله الرحمن الرحيم .."‏
ثم تجر طفليها بعيدا عنه بسرعة الفار من المجذوم ..‏
ما معنى هذا ؟ والأسوأ هو ان البائع ظل يرتجف وأوقع اشياء على الارض .. وبدا ‏كأنما لا يريد شيئا في العالم قد ان يرحل هذا القادم ..‏
في اليوم التالي كان في المستشفى .. حين صرخت الممرضات أن المريضة الفلانية ‏تعاني الما عنيفا ..‏
دخل العنبر ليجد مجموعة من الأطباء الشبان يحيطون بفراش مريضة .. هناك الكثير ‏من الصراخ والهستيريا .. هناك من يحقنها بأشياء .. نظر لهم متسائلا رافعا حاجبيه ‏على شكل علامتي استفهما ، فقال له طبيب شاب يعرفه بغزارة : ‏
ـ " إننا نعدها للجراحة غدا .. لكنها تصرخ من ألم مبهم في عينيها .. تشعر بأنهما ‏ستنفجران .." ‏
راجع التذكرة الخاصة بالمريضة ، ثم غمغم :‏
ـ" جراحة حول بسيطة ستجري لها غدا .. هذه المريضة لا تعاني ألما حقيقيا .. هذه ‏هستيريا لا اكثر .."‏
كانوا قد جربوا كل الأساليب المعروفة فعلا بدءا بالكلام الهادئ المطمئن ، مرورا ‏بحقن محلول الملح الزائفة ، وانتهاء بالصفعات .. لكنها كانت تصرخ كقطار السكك ‏الحديدية ، وبدا انها لن تكف حتى الموت .."‏
ـ" ربما لو طلبنا من يخدرها يا سيدي .."‏
ـ" ليس إلى هذا الحد.."‏
ودنا من المرأة .. الحقيقة أنها كانت قد كفت عن الصراخ فعلا في اللحظة التي رأت ‏فيها عينيه .. نظر لها في ثبات وضع انامله على جبهتها وإبهامه على جفنها العلوي ‏‏.. بدأت تصمت .. تراخت معالم وجهها ، ثم أغمضت عينيها ونامت .. لماذا فعل هذا ‏‏. من أخبره أنه قادر على هذا ؟ لا يعرف ..‏
وقال أحد الأطباء الواقفين :‏
ـ " هذا سحر يا سيدي .."‏
الحقيقة أنه كان يعرف ذلك ..يعرف أن الكلمة تعني معناها حرفيا ..‏
ابتسم في تهكم يداري الكثير من التوجس وانصرف ..‏
هكذا بدأ القلق يعصف به .. وكان اول ما ابتاعه في طريق العودة إلى الدار نظارة ‏سوداء .. هكذا يخفي هاتين العينين القويتين فلا يكشفهما إلا عند الضرورة ، وكما ‏يفعل الفارس الذي لا يخرج سيفه من غمده إلا عند الحاجة .. الآن يفهم كلام شعراء ‏العرب عن ( جردت نظرتها ) أو ( أعادت عينيها إلى غمدها ) ..‏
من الغريب أنه ـ وهو الذكي ـ لم يربط حتى هذه اللحظة بين العينين وما يحدث ..‏
وهكذا راح يمضي أيامه في تأمل العينين وفي مراقبة ما يحدث لعينيه هو في دهشة ‏بالغة ..‏
إن الأمر يزدد وضوحا ..الكل يفسح له الطريق حين يمشي في الشارع .. في الحافلة ‏يتحاشى الناس الاحتكاك به ويطرقون بأبصارهم .. في العلم لم يعد احد يواجهه على ‏الإطلاق ..‏
كان قد أطال شعر رأسه قليلا في الفترة السابقة ، وهو ناعم منسدل بطبعه .. مما ‏جعله يبدو بالفعل مثل صور ( راسبوتين ) التي نراها ذات خشونة في بدايات القرن ‏العشرين ..‏
لكنه لم يع هذا التحول إلا في وقت متأخر للغاية ..‏
وفي مساء يوم جلس كعادته إلى المنضدة يراقب العينين خلف السائل الشفاف .. هذا ‏اللون الأزرق الغريب .. هذا الصفاء الذي يخترق كل شيء ..‏
بعد ساعة من المراقبة غمغم هو يغمض عينيه ..‏
ـ" الآن اعرف أن الأسطورة حقيقية .. هاتان العينان هما عينا ( راسبوتين ) .. لا ‏ارى الموضع على أي ضوء آخر !!‏
ثم ماذا ؟ ‏
إن هذا الاكتشاف لم يفقده حياته .. لم يكلفه مالا .. فقط جعله أكثر نجاحا وتأثيرا .. ‏فقط جعل الناس يعاملونه على أن أحلامه أوامر .. على قدر علمه لم تسبب التجربة ‏أي ضرر ..‏
إنها الثامنة مساء ..‏
عليه ان يبدل ثيابه لأن لديه موعدا مع خطيبته .. يجب ان اقول هنا إن الفتيات صرن ‏ينظرن له بمزيج من الخوف والانبهار في كل مكان .. إنها تلك النظرة الثاقبة التي ‏تخبرهن أنهن بلا دفاع .. وخطيبته ( تغريد ) لم تكن استثناء ..‏
هكذا وقف أمام المرآة يصلح من ربطة عنقه .. إنه وسيم .. على الاقل هو يعتقد هذا ‏‏.. لو تناسى متاعبه الأخرى فهو شاب ناجح في الثلاثين من عمره وما زال العمر ‏أماه و ....‏
إنها التاسعة والنصف !‏
نظر في هلع إلى الساعة المعلقة على الجدار خلفه ..‏
هذا صحيح ! ساعة ونصف مرت وهو امام المرآة يصلح ربطة عنقه ..‏
الأخطر أنه مشعث مغبر .. وأن هناك بقعة دم على كتف القميص !!‏
متى حدث هذا ؟ كيف ؟ ‏
من الواضح ان ( تغريد ) انتظرته طويلا .. ثم رحلت .. ولكن هذه ليست المشكلة ‏الآن ..‏
ماذا حدث وما الذي فعله في ساعة ونصف ظل يرمق فيها نفسه في المرآة؟ من اين ‏جاء الدم ؟
في كل لحظة كان يدرك الحقيقة المخيفة أكثر .. لقد صارت عيناه ضده .. إنهما ‏تتلاعبان به !‏
ما حدث هو أنه نوم نفسه مغناطيسيا وهو أمام المرآة !! ‏
‏*** ‏
من هذه اللحظة صارت عيناه غريبتين عليه .. إنهما عدوان خطران ..‏
صار يقضي أغلب اليوم حتى في الظلام واضعا النظارة السوداء على عينيه .. ما ‏الذي فعله في تلك الساعة والنصف ؟ ومن أين جاء الدم ؟ ‏
هذا ما لم يعرفه قط ولم يحاول معرفته .. لقد غاب عن العالم ساعة ونصف ساعة ‏صار فيها مشعثا مغبرا ببقعة دم على قميصه .. إن النتائج واضحة لكن التفاصيل لا ‏تهم ..‏
لقد صار غريبا مخيفا .. الناس يهابونه وهو يهاب نفسه .. والسبب ..‏
هاتان العينان اللعينتان .. اللتان حملتا كل شرور صاحبهما ..‏
إنه يملك قوة هائلة لكن ما نفعها لو استدارت هذه لقوة نحوه هو نفسه ؟ إنها نوع تمن ‏الأسلحة الفاسدة في حرب 1948 التي كانت تنفجر في صدور أصحابها بدلا من ‏صدور الصهاينة ..‏
جلس إلى مكتبه ومسك بالقلم وكتب في حسم جملة واحدة :‏
ـ" هاتان العينان .. يجب ان تزولا للأبد .."‏
اتجه إلى الخزانة حيث احتفظ بالوعاء الزجاجي ..‏
في حسم حمله إلى الحمام ..‏
أزال الغطاء الذي أغلقوا به الوعاء يوما ما منذ خمسين عاما .. ومن الوعاء ‏تصاعدت أبخرة زيت الغنطرة الكريهة الحارقة.. نظر الى المرحاض واخذ نفسا ‏عميقا ..‏
سيقوم الآن بعمل كان يجب أن يقوم به منذ أشهر ..إنه سهل لكنه كان عسيرا امس ‏فقط ..‏
نظر إلى المرآة المعلقة فوق الحوض فرأى وجهه الصارم ينظر له في حدة .. هل هذا ‏وجهه فعلا ؟ بشيء من الخيال يمكنه أن يقول إن ها وجه ( راسبوتين ) ذاته ..‏
إنه .......‏
لقد اقتنصته العينان !‏
إنه يرى ( الكرملين ) والثلج يتساقط حوله .. هناك عربة تجرها الخيول .. اميرة ‏روسية تغمض عينيها في افتتان .. حفلات راقصة صاخبة .. الضباط بثيابهم ‏المزركشة يرفعون سيوفهم في رشاقة .. وجوه تضحك .. وجوه تبكي .. خيول .. ‏ذئاب بيضاء .. فلاحون يرقصون ( الكازاتشوك ).. رجل مدثر بالفراء يمشي ‏بصعوبة وسط العواصف .. طفل ينزف من أنفه .. طلقات رصاص .. خيول ( ‏القوزاق ) تنقض من أعلى التلال ..‏
لا داعي لتدمر عيني ( راسبوتين ) .. إنهما اثر ثمين .. إنهم االشاهدتان على تاريخ ‏بأكمله .. هناك عينان مؤذيتان يمكن تدميرهما ولن تسببا خسارة لاحد ..‏
لا يعرف متى ترك الإناء سليما بما فيه .. متى ذهب الى المطبخ .. متى انتقى سكينا ‏حادا مدببا ..‏
متى عاد ليقف امام مرآة الحمام ..‏
متى ..‏
إن مأساة ( اوديب ‏Oedipus‏ ) قد تتكرر بذات التفصيل في زمننا هذا ..‏

 
 

 

عرض البوم صور ^RAYAHEEN^  
قديم 13-12-05, 11:50 PM   المشاركة رقم: 270
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Jul 2005
العضوية: 345
المشاركات: 14,884
الجنس أنثى
معدل التقييم: ^RAYAHEEN^ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 21

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
^RAYAHEEN^ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ^RAYAHEEN^ المنتدى : الارشيف
افتراضي

 



الواجهة الخامسة ‏
‏( سليم ) قد عاد ‏
‏-1- ‏



قال ( مازن ) : ‏
ـ" هكذا فقد ( عادل ) عينيه.. قد عرفت منه القصة فيما بعد ، واحتفظت بهاتين ‏العينين كأثر ثمين لا يجب أن تبدده ، برغم أنه توسل الي الا افعل .. اعتقد ان اللعنة ‏قد تركته الآن لكنها دمرته الى الأبد .. والآن اسألك عن رأيك في هذه القصة ؟"‏
فكرت قليلا .. إن هذه القصة بالذات تحمل الكثير من الجو المقبض الكريه ..‏
قلت في كياسة :‏
ـ" لست متأكدا .. لكن هل حاول أن تطيل النظر في هاتين العينين انت نفسك ؟"‏
ابتسم ابتسامته الغامضة اياها وقال :‏
ـ " كثيرا جدا ! ربما عدة ساعات .."‏
ـ" نظراتك لم تزدد حدة أو إقناعا .."‏
ـ" لم تزدد حدة لكن كل شيء في أعماقي تغير .. إن كل جزء من هذ المتحف الأسود ‏قد ترك علامة دائمة في ذاتي .. وأعتقد أن نفسيتي تشبه هذه الواجهات ذاتها .."‏
وقبل أن اعلق قال :‏
ـ" القصة التالية سأريك الواجهة الخاصة بها فيما بعد .. فقط أقول الآن إنها تحكي ‏عن رعب ( إن ما فعلته لن يمر .. لا بد من انتقام مخيف .."‏
‏*** ‏
قال ( مازن ) :‏
في الواحدة بعد منتصف الليل على الطريق الزراعي قرب ( بنها ) .. هناك تلك ‏الشاحنات المنجفعة بأقصى سرعة ، وسائقها الذي لم ينم منذ وقت طويل .. إن ( ‏التباع ) يغفو جواره منذ زمن ، وصوت المذياع الذي يبعث بصوت فايزة أحمد ) لا ‏يساعده على الاستيقاظ ..‏
في الواحدة بعد منتصف الليل والمطر قد بدأ يهطل .. والطريق زلق كظهر ضفدع .. ‏والسائق يشعل لفافة تبغ أخرى متظاهرا بأن الدخان يساعده على البقاء متيقظا لكنه ‏يعرف أن هذه أكذوبة ..‏
هنا تأتي اللحظة الدرامية المتوقعة .. هناك من يعبر الطريق .. يا للكارثة ! يضغط ‏على آلة التنبيه .. يحرك الضوء متراقصا .. لو ضغط لفرملة الآن لانقلب فورا .. كلا ‏‏.. لا يستطيع .. فقط يأمل ان يتوقف هذا العابر او يتراجع للوراء ..‏
او يسرع ..‏
لكن العابر يواصل طريقه في تؤدة كأنما لديه كل الوقت ..‏
ورأى السائق شيئا يختفي تحت مقدمة الشاحنة .. ثم لا شيء ..‏
إنه يستطيع التوقع بعد خمسمائة متر .. لكن ما جدواه ؟ هو يعرف ان هذا العابر ‏العابث قد انتهى امره .. وهو لم يكن ممن يملكون الشجاعة الأدبية الكافية .. على ‏الأقل هو لم يرتكب خطأ .. القتيل هو من فعل ..‏
وهكذا واصل طريقه وكل عضله في جسده ترتجف ..‏
‏*** ‏
هناك من وجد الضحية وحملها إلى المستشفى ..‏
كان الدكتور ( ممدوح ) طبيب الامتياز الشاب يحاول ان يبقى ساهرا باحتساء كوب ‏شاي أعدته الممرضة .. لكنه كان يتوقف للحظات وكوب الشاي في الهواء .. يغي ‏بعن العالم .. ثم يفيق فيشرب جرعة أخرى .. إن البرد مع تأثير الدفء داخل ‏المستشفى مما يجعل النعاس قوة لا تقهر .‏
فقط سمع صوت سيارة الإسعاف الكئيب وهي تقف .. كان يحفظ هذه الأصوات جيدا ‏‏.. صوت الباب المنزلق في ظهرها يفتح .. صوت فرد المحفة .. صوت العجلات ‏وهي تجري على الأرض .. كان لهذا تأثير أقوى بمراحل من أي منبه يأخذه بالفم او ‏بالحقن ..‏
هب على قدميه وضم لمعطف ..وركض إلى الخارج ليرى المصيبة القادمة ..‏
بالفعل كانت مصيبة .. هناك رجل أشيب في الخمسين من عمره ، يرقد على المحفة ‏وهو متدثر بخرق لا تدري كنهها بالضبط لكنها ملوثة بالطين والدم ومبتلة .. وبدا من ‏شحوبه أنه لم يعد بوسع ( إبن سينا ) نفسه ان يساعده لو كان ساهرا في الاستقبال ‏العام في هذه اللحظة ..‏
بقدمين ترتجفان جرى الطبيب الشاب محدود الخبرة ، وطلب من الممرضة التي ‏كانت شبه نائمة بدورها أن تلف جهاز الضغط حول ذراع المصاب .. ودلس طرفي ‏المسماع في أذنه .. لا شيء يحدث .. لا يوجد صوت على الإطلاق .. جرب مرتين ‏فلم يسمع شيئا ..‏
الصق المسماع بصدر الضحية فلم يسمع شيئا .. راح يفرك صدره .. لا شيء ..‏
لا داعي لإيقاظ الطبيب المقيم إذن .. إن يوما عصيبا ينتظره غدا ، ولسوف تنهمر ‏عليه الصواعق لو أيقظه من اجل رجل ميت فعلا ..‏
هكذا مط شفتيه علامة العجز ، ونظر إلى المسعف نظرة تقول كل شيء ..‏
ومن دون كلمات جاءت الممرضة بملاءة وغطت بها وجه المتوفى ، على حين اتجه ‏المسعف إلى الهاتف ليطلب جهة ما .. كان الدكتور ( ممدوح ) يشعر الآن انه حارس ‏مرمى لم يختبر ، لكن ـ على الأقل ـ لم تهتز شباكه .. لم يتسبب في موت مريض .. ‏هذا يعوضه بعض الشيء عن وفاته ..‏
وبيد مرتجفة كتب الديباجة التي حفظها عن ظهر قلب : ‏
يبلغ السوتيش وينقل المتوفي الى المشرحة بعد ساعتين ..‏
بعد قليل جاء ذلك المريض المعتاد .. المريض الذي أصابه مغص كلوي في الثالثة ‏صباحا .. إنه قادم مع خمسة من أهله وهو لا يكف عن العواء .. بعض العواء مفتعل ‏لا شك في ذلك ، يبرر به المريض إزعاج كل هؤلاء في ساعة كهذه وتحت هذه ‏الامطار ..‏
هكذا انهمك د. ( ممدوح ) في عمل يعرفه ويجيده وينجح فيه .. ووقفت معه ‏الممرضتان الموجودتان تعينانه .. الكثير من الصخب والصراخ والضوضاء .. لا بد ‏أن الامر استغرق نصف ساعة ..‏
ثم عاد الهدوء الى المكان ..‏
وعاد د . ( ممدوح ) يشرب آخر جرعة من الشاي الذي تحول الى ماء بارد سكري ‏أسود ..‏
هنا سمع الممرضة تشهق ..‏
ـ" د. ( ممدوح ).."‏
ـ" همممم .."‏
ـ" د. ( ممدوح ).."‏
صاح بلهجة متذمرة وقد نفد صبره :‏
ـ" ماذا عندك ؟"‏
ـ" المتوفي الذي كان على المحفة .. لقد اختفى !"‏
نهض ( ممدوح) مذهولا لا يفهم ما يحدث .. ركض الى الردهة الجانبية حيث كانت ‏المحفة .. حقا لا يوجد أحد .. لكن اين وكيف ولماذا ؟
لا يوجد إلا احتمال واحد هو أنه لم يسمع جيدا .. لقد كان الرجل حيا لكنه فقد الوعي ‏‏.. لا بد أن الارتباك جعله عاجزا عن قياس ضغط الدم وسماع القلب .. هذا هو ‏التفسير الوحيد ..‏
وشعر بالدم يحتشد في وجهه .. ماذا يقول للشرطة حين تتصل بعد قليل ؟ ماذا يقول ‏للطبيب المقيم حين يصحو ؟ ‏
ليته يستطيع ان يكذب عليهم .. ليته يستطيع ان يقول إن القتيل قد نهض وانصرف ‏لحال سبيله ..‏
لكنه لم يدر ان هذه هي الحقيقة .. بالضبط هي الحقيقة ..

 
 

 

عرض البوم صور ^RAYAHEEN^  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t4679.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 05-01-11 12:16 AM
Untitled document This thread Refback 30-05-10 05:30 PM
Untitled document This thread Refback 04-10-09 04:51 AM
Untitled document This thread Refback 23-07-09 06:26 PM
Untitled document This thread Refback 24-04-09 12:34 AM
Untitled document This thread Refback 06-04-09 10:00 AM


الساعة الآن 10:21 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية