كاتب الموضوع :
^RAYAHEEN^
المنتدى :
الارشيف
- " ولماذا لا تختار اية كافيتيريا ؟ "
- - " الاسباب تتضح فيما بعد كما قلت .."
حككت ذقني مفكرا .. ثم فتحت الدرج وأغلقته على سبيل العصبية .. وسألته :
- " متى تريد أن نلتقي ؟ "
- " إن كان هذا غدا لغدوت لك شاكرا .. "
مددت يدي الى المفكرة الغيرة لأعرف مواعيدي فقط لأجد أنني اضعتها .. منذ اقتنيت مفكرة المواعيد هذه لم اجدها في اية مرة بحثع فيها عنها .. لقد ضاعت نحو مائة مرة حتى الآن ..
قلت له :
- " لا بأس .. ليكن هذا عند الظهر .. أرجو الا يكون الليل شرطا عندك .."
قال ضاحكا :
- " اما هذا فلا .. الأمر متروك لكم .. "
وهكذا افترقنا .. وقدرت انني اخطأت عندما كنت ودودا ..
هكذا سأحتاج الى قد زائد من العنف وقلة ا لذوق لأتخلص منه .. وهو ما كان يمكن تجنبه بقدر قليل منها في البداية ..
***
عند الموعد توجهت الى تلك المدرسة القريبة من المستشفى ..
انها مدرسة تحت الإنشاء منذ نعومة أظافري .. لسبب ما يعملون فيها الى الأبد .. جدران من القرميد الأحمر .. بقايا مواد بناء ورمال .. ربما قط او قطان اصيبا بصدمة عصبية عندما رأيا بشريا هنا .. يبدو ان البعض كان يستعمل هذا المكان كدورة مياه ، لكن هذا منذ سنوات لحسن الحظ .. ثم لا شيء ..
انت سخيف يا ( رفعت ) .. سخيف فعلا .. هذا المكان ؟ يزيد على مقلب أو ..
أو فخ ؟!
لكن اي فخ ؟؟ ولماذا ؟ إلا لو افترضنا ان الفتى مخبول .
- وهذا وارد ـ او يسخر مني ـ وهوي احتمال ضعيف ـ .. لا يبدو لي مولعا بالسخرية من الشيوخ ..
- مشيت وسط المكان الخالي . لقد رايت ومشيت في اماكن اسوأ .. دعك من أننا عند الظهيرة ونور الشمس يبدد كل خوف او قلق .. من الصعب ان اتصور كارثة تحدث لي هنا ..
اين الفتى ؟
نظرت لساعتي .. لقد مرت عشر دقائق .. معالم المقلب تتضح لي .. سوف انتظر خمس دقائق اخرى ثم ارحل .. لا توجد دروس مجانية لكني على الأقل لم اضرب او اهان او ادفع مالا .. وهذا شء نادر هذه الأيام ..
صوت الأنين هذا ..
انا موقن ان هناك صوت انين .. ولكن من أين ؟
مشيت ببطء نحو ذلك الجدار الذي يشبه بناية غير مسقوفة .. إن الصوت آت من هنا ..
مشيت بحذر .. متوقعا ان اجد نفسي امام كلب جريح غاضب .. لكن الفضول قتل القط في كل مكان وزمان ..
ما هذا ؟ في البدء خيل إلي انني ارى كومة من الثياب ألقاها أحدهم وهذا شيء وارد هنا ثم دنوت أكثر فعرفت أنها ليست كومة ثياب .. أنا اعرف هذا القميص الذي لا يتبدل وهذا الحذاء الأوحد ..
إنه ( فايز ) .. هو بالذات ..
وبنظرة طبيب قدرت ان الأمر قد انتهى .. هذا الفتى الواعد المليء بالحيوية .. لكن ما اثار هلعي بحق هو سبب الوفاة .. لقد انتزع قلبه !
وقفت مذعورا .. أين النيتروجلسرين ؟ أين ؟ لقد تكلمت كثيرا في هذا الموضوع .. ناقشته ورأيت صورة .. لكن لم اتصور ان اراه راي العين .. ثم ما دخل هذا الفتى .. هذا الصبي الذكي بالقصة ؟
" لم تعتد مقابلة هذا الطراز من الجرائم في مصر ، وبأي ثمن لا اريد ان اسمع عن الجريمة الرابعة .. "
بدأ النيتروجلسرين يعمل وتصاعد الدم يخفق في رأسي .. شعرت بدوار شديد .. يجب ان اضيف الأسبرين الى علاجي ، وغلا فإن جلطة الدماغ ستنضم الى قائمة اسباب وفاتي التي اجمعها كهواة الطوابع ..
دنهوت من الجثة أكثر .
لو كان الأمر صحيحا لوجدت كلمة بالدم إلى جوار الجثة لكن .. اسم ( فايز ) لم يكتب من قبل مطلقا فما معنى هذا ؟
لا توجد كلمات .. فقط بركة دم ..
وارتجفت واستندت بظهري الى الجدار .. لم تكتب كلمات .. معنى هذا انها لم تكتب بعد !!
ومعنى هذا ان القاتل هنا .. لم يجد الوقت الكافي ليرحل !
اين هو ؟ كيف اقاومه ؟ ما قدرتي على مقاومة قاتل يستطيع انتزاع قلب إنسان من صدره ؟ ربما لو تظاهرت بفقدان الوعي .. تلك الحيلة القديمة تنجح دائما معي ..
أين هو ؟
وفجأة وقعت عيناي على الجدار ..
الآن عرفت من كتب تلك الكلمات جوار جثث القتلى ..
بخط واضح رأيت الدم يجري في اتجاه مستحيل فيزيائيا ليكتب بوضوح تام :
( فتحي )
إن احدا لم يكتب تلك الكلمات ..
الكلمات هي التي كتبت نفسها !
الجزء الثاني
كتاب الاسماء
مخطوطات ؟ إن العالم يعج بها .. هناك مخطوطات في كل مكان .. حتى الشيخ ( عطوة ) نصاب قريتك الذي يزعم قدرته على فك العمل يملك مخططات .. لو ان رجلا وجدها بعد مائتي عام لملأ المنشورات العلمية صخبا عن اكتشافه المهول ..
-1-
قال ( عادل ) :
- " لعل الجرائم ستستمر .. لعل القتيل القادم يدعى ( فتحي ) وسوف تجد بجواره اسم ( عباس ) .."
قلت له في غيظ :
- " هل رايت ؟ غسم ( عباس ) ذكر من قبل .. هكذا لا يستقيم منطق الجرائم .. لقد لاحظنا ان الترتيب دقيق تقريبا .. كل قتيل ينذر بالاسم القادم .. باستثناء الأول ولو قرأت اسم ( مصطفى ) جوار جثة الفتى لكان هذا اقرب الى المنطق .. هذا يغلق الدائرة كما يقول كتاب السيناريو " ..
اشعل لفافة تبغ وقال :
- " أو لو كان قتيل امس يدعى ( عباس ) .. لاستقامت الأمور "
من جديد وبالقلم ( الفلوماستر ) الغليظ الذي أحمله ، رسمت على الخزانة المعدنية جدول القتلى :
القتيل ما كتبه الدم
مصطفى عباس
يوسف زكي
زكي يوسف
فايز فتحي
قال لي في ضيق :
- " هيه ! هذه القذارة لن تزول من على الخزانة المعدنية .. انت تتلف أثاث الحكومة .."
قلت شارد الذهن وانا اتأمل الجدول :
- " جرب استعمال قطنة مبتلة بالكحول .. دعنا من هذا وقل لي .ز هناك اسمان كتبهما الدم ولم يقتلا .. ( عباس ) و ( فتحي ) .. "
قال :
- " هذا ما اقصده .. سوف يقتلان قريبا .. وعندها تستريح انت نفسيا .. "
ثم اضاف وهو يمد يده ليتناول قدح القهوة الذي كاد يبرد :
- " الحقيقة ان عقلك لم يعد على ما يرام .. انت موشك على الخبال .ز اعني ان خيالك ازداد عما كان "
- " لا اعتقد هذا .. سوف اعرف يوم أجن .. إنني أراهن على هذا .. حتى اللحظة لا يوجد جزء يعمل بكفاءة في جسدي إلا كليتي وعقلي وربما بعد العقد اللمفاوية هنا وهناك .. "
- " وكلامك عن الدم الذي يكتب بنفسه ! "
جلست الى الاريكة اللجلدية .. الحقيقة انني لا اصدق انني رايت ما رايت .. والمشكلة انه لا يوجد شهود .. دعني احك هذه القصية في اي مكان ، ولسوف تكتف ان قميص الاكمام ليس بعيدا عن اي منا ..
قلت في صبر :
- " ( عادل ) .. لا يوجد شهود .. لا استطيع اثبات كلامي .. لكن الدم هو الذي كتب هذه العلامات بنفسه ،، اقسم بالله العظين ان هذا حدث .. "
عقد يديه تحت ذقنه وسالني في حزم :
- " وباية طريقة تقرأ تلك الاسماء التي كتبها دماء الموتى ؟ "
- " لا اعرف .. فقط اعرف انه لا يوجد شيء سهل او واضح في الحياة .. من السهل ان تبدو الأمور واضحة منطقية ( غائية ) في القصص .. لكن في الحياة يصير الغموض اسم اللعبة .. "
ومسحت بمنديلي الخزانة ثم نظرت له .. فعلا هذا اللون ثابت .. إنه باق للابد ..
قال لي في غيظ :
" هل ترى ظ لن يزول هذا .."
- " يمكنك ان تدهن الخزانة بلون آخر . هذا اللون المرادي الحكومي كئيب على كل حال .."
سألني ( عادل ) من جديد :
- " ما الذي يجمع بين هؤلاء الذين ماتوا ؟ "
قلت له :
- " سالوني في القاهرة في مديرية الأمن عن هذا .ز خطر لنا ان العامل الذي يجمع هؤلاء هو نوع من التخصص الأكاديمي .. اكثرهم له علاقة بدارسة التاريخ .. المكان الجغرافي لا علاقة له .. الحالة الاجتماعية والسن لا علاقة لهما .. لهذا راقبوا كل ( عباس ) تنطبق عليه هذه الشروط .. من الواضح ان هؤلاء بخير حال .. نلاحظ هنا الوجه الجديد . ذلك الصحفي الشاب المتحمس الذي لم يعد كذلك ، نجد انه ليس اكاديميا لكنه مهتم بشدة بذلك الكتاب اللعين ( إينوخ ) ، وهو يريد ان يعرف شيئا عن ( ناتان غزة ) و .. من جديد تتكرر نغمة الاهتمام بالتاريخ .. إذن نحن امام قاتل تسلسلي يقتل المهتمين بالتاريخ ! "
- " بالمناسبة .. قبل مقتل الفتى بأيام اتصل احد اصدقائه في العمل بامن الدولة .. كان يشك في ان ( فايز ) يمارس نشاطا تجسسيا ما لأنه وجد في درجة أوراقا عليها كتابة عبرية .."
ادهشني الخبر .. لم اتوقع انني بارع الى هذا الحد .. لقد انذرت الفتى من سوء الفهم .. قلت :
((( الصفحة ملغاة من الكتاب ولا اعرف السبب !!! )))
-2-
الآن ننتقل الى احداث وقعت منذ عامين بعيدا عن مصر ..
كيف عرفتها ؟ هذه تفاصيل سوف احكيها فيما بعد ، لكن يجب ان اخبرك ان د.( زكي ) كان يحتفظ بمذكرات دقيقة عن كل شيء .. إنه رجل دقيق فعلا حتى انه كان يضع علامات صغيرة في اسفل كل صفحة ، عرفت فيما بعد انها مرات دخول الحمام ..
نحن الآن في النمسا .. للدقة نقول إ،نا في ( سالزبوج Salzburg ) المدينة النمساوية التي تقع في الغرب ..
إن النمسا عبارة عن حلم بصري وسمعي جميل لا يمكن وصفه ، ولا تعبر عنه إلا موسيقا ( شتراوس Strauss ) .. دعك من ان ( سازبورج ) هي البلد الذي انجب العبقري ( موتسارت Mozart ) .ز معنى ( سالزبورج ) هو ( قعلة الملح ) .. لان الملح كان ذا اهمية اقتصادية قصوى لهذا البلد .. نتحدث عن الماضي طبعا ..
هذا الذي يلبس معطفا وقبعة وجه مألوف لنا . . إنه د.( زكي عبدالرازق ) استاذ التاريخ الذي قابلناه من قبل لقد مات في تلك الشونة كما نعرف ، لكننا هنا نلقاه منذ عامين في واحدة من ازهى فترات حياته واكثرها خصوبة .. يبدو نمساويا اكثر من النمساويين كما ترى لانه اندمج فعلا في العالم ..
الفتاة الشقراء التي تتعلق بذراعه ليست زوجته كما تلاحظون .. إنها ( جابي ) صديقته .. بالنسبة لي هي اقرب الى سحلية تم سلخها او صورة سلبية لامرأة جميلة .. لكنه يراها جميلة وهذه مشكلته على كل حال ..
لماذا هو هنا ؟ مهمة علمية طبعا .. إن راتب رهبان العلم هؤلاء لا يسمح بالسياحة .. وكان قد حصل على درجة الدكتواره من انجلترا في ظروف كئيبة ، لهذا يمكن القول إنه لم ير اوروبا قط ..
عرف ( جابي ) لأنها شقية أحد زملائه النمساويين ، وكانت مطلقة شابة لطيفة المعشر تطوعت لأن تكون مرشدته في هذا البلد الساحر ، وبفضلها صار يتكلم الالمانية كأهلها .. هنا تحدث العقدة الشهيرة التي عبر عنها ( يحيى حقي ) في ( قنديل أم هاشم ) حيث لم يعد الرجل يرى في العالم إلا نمسا كبيرة .. هنا التحضر والرقي والجمال والعلم ..
|