كاتب الموضوع :
^RAYAHEEN^
المنتدى :
الارشيف
-2-
قال ( مازن ) :
ظل المخرج الشاب ( جوناثان ) يعمل في الأيام التالية .. لقد بدأ يتغلب على نفوره من القلعة والتقط فيها مشاهد ناجحة .. لقد اقتربت مشاهد ( ترانسلفانيا ) من الانتهاء على كل حال بعد هذا يعود الى الوطن ومعه ذلك الممثل البارع الذي لم يمثل قط ..
وسأل مساعدته وهو يفتح علبة من المياه الغازية :
ـ " كيف حال ممثلنا الصاعد ؟ "
ـ " إنه قليل الكلام لكنه بخير حال .. ملتزم تماما بمواعيد التصوير ..يأتي قبلها بساعتين ، ويعود بعدها بساعتين .. انت تعرف أنه يسكن قريبا من هنا .. وهو غير متزوج وبلا أطفال .. لعل هذا يفسر كل هذا الالتزام ..
ـ " ولماذا لا يقيم مع طاقم العمل هنا ؟"
ـ " إنه غير مولع بالاجتماعيات .. ولا يحب مخالطة البشر .. على كل حال لن يبدأ تحطيم عاداته الانعزالية بالاختلاط بأمريكيين .."
وضحكا معا .. إن الأمريكيين قوم غير متحفظين بطبعهم أميل الى المرح والصخب ، بينما هذه الطباع المنغلقة يناسبه البريطانيون أكثر .. وهذه من نقاط تهكم الأمريكيين على البريطانيين التقليديين بناة الإمبراطورية التي لم تعد كذلك ..
نظر الى لوح الكتابة الذي ثبتت الهي الأوراق بمشبك في يده ، وسألها :
ـ " هل أعددت كل شيء لمشهد الحفل ؟ "
ـ" كل شيء جاهز لكنه سيكون مشهدا معقدا .. إن هناك مجاميع .. وليكون التتابع مشكلة .."
ـ" إنهم لم يرسلوني هنا لأنني درست الإخراج بالمراسلة .."
وبدأ الفتية يتوافدون .. هم مجموعة من الرومانيين من الجنسين أكثرهم يجيد الإنجليزية .. وكانوا سعداء بفكرة الظهور على شاشة السينما في ( هوليوود ) مع احتمال ضئيل جدا ان يروا أنفسهم ، لان الحكومة لن تسمح بعرض الفيلم على الأرجح .
راح ( جوناثان ) يراجع الأحداث مع الفتاة .. مط شفته السفلى وبدا غير مستريح ، ثم غمغم :
ـ" الطقوس التي ستقام على تابوت الكونت لا تريحني ..فيها افتعال واضح .. كأنما هم اطفال يلعبون .. اريد ان تبدو أكثر اصالة .."
ـ" وهل تعرف كيف تجعلها اكثر اصالة ؟"
ـ" اطلبي ( إيزاك ) .. هذا الفتى يعرف الكثير من الحلول ..
وجاء الفتى ( إيزاك ) المتحمس ، وهو يلهث ويعرق بغزارة كعادته .. لقد امضى اسود ساعا تحياته مع كل هؤلاء الشباب الذين لم ير أي منهم كاميرا من قبل لكنها اسود وأهم ساعات حياته كذلك ..
قال لـ ( جوناثان ) بعد ما اخبره بمشكلته :
ـ" يمكن ان استشير الغجر ( التسجاني ) .. هناك واحد منهم في البلدة .. اعتقد ان كل هؤلاء القوم مارسوا السحر يوما ما .. او كن لهم قريب يمارسه .."
الح عليه ( جوناثان ) :
ـ" اريد تفاصيل كاملة دقيقة .. هذه الأشياء قد لا تعني الكثير لمشاهد امريكي ، لكن لا بد في هذا الزمن الأسود من امريكي من اصل روماني او كان ساحرا او مصاص دماء ليقول لنا إن ما قدمناه في الفيلم هراء .."
لم يفهم ( إيزاك ) ، لكنه فهم شيئا واحدا فقط . عليه ان يكون دقيقا ..
وهكذا عاد بعد يومين حاملا ثلاث ورقات مليئة بالتفاصيل .. يبدو ان هناك دم طائر سيسيل على التابوت .. هناك شمعة سوداء .. إلخ .. هذه تفاصيل لن اخوض فيها يا د. ( رفعت ) .. انت تفهم الامور ..
تمت عدة بروفات على المشهد .. ثم اعلن ( جوناثان ) انهم سيبدءون التصوير حالا ..
رقد ( اولاف ) في التابوت ، وحرصوا على رفع الغطاء قليلا عن طريق وضع رافعة معدنية تحته كي لا يختنق الرجل .. فالتابوت ـ كأي تابوت آخر ـ سيئ التهوية ..
وهكذا بدأت الكاميرات تدور .. نعم كاميرات لأن ( جوناثان ) قرر أن يصور هذا الشهد بالذات بثلاث كاميرات ، لانه معقد بما يكفي .. ولسوف يستطيع فيما بعد انتقاء اللقطات الصالحة ..
الشباب يحتشدون حول التابوت .. يتبادلون عبارات المزاح بالرومانية .. زجاجات .. ضحك.. فتاة تنهض لترقص في هيستيريا .. هذا الحوار كتبه ( إيزاك ) بالرومانية طبقا لتعليمات المخرج ..
( ستيفن ) الممثل الأمريكي الذي يقوم بدور خادم ( دراكيولا ) يقف وسط الشباب .. يلوح بيده طالبا الصمت :
ـ" لحظة يا شباب .. إن هناك لعبة مرحة ستضفي إثارة على الأمسية .."
قالها بالانجليزية .. واتسعت عيناه كانما يخيف طفلا ، فصاحت فتاة :
ـ " هل ستمارس السحر الاسود ؟"
ـ " تقريبا .."
وببطء بدأت الطقوس .. ذبح الطائر .. الشمعة السوداء .. النجمعة الخماسية اللعينة على الارض .. ثم وقف ( ستيفن ) عند رأس التابوت وفرد ذراعيه .. وبدأ يتكمل بالرومانية .. لقد كان يحفظ ما يقال عن ظهر قلب ، وان كان بالطبع لا يفقه منه حرفا .. فقط كان يعرف متى يتحمس ومتى يخفض صوته الى درجة الهمس .. الخلاصة أنه بدا ممثلا شكسبيريا يؤدي دورا لا يعرف حرفا واحدا عنه ..
وشعر الواقفون بتلك الرجفة التي خلقت فينا منذ مشينا على ظهر الأرض .. الرجفة الوحشية الاولى التي تشعر بها وانت تمرر يدك على ظهر قط متوتر لسبب ما ..
الحق ان تأثير صوت الرجل وكلماته التي يستحيل فهمها .. مع الاضاءة الخافتة .. والصمت التام ما عدا ذلك .. كل هذا كان له تأثير التنويم المغناطيسي ( المدوخ ) .. وبدا ان كل من يقف امام الكاميرا او خلفها يعاني الشيء ذاته ..
هل كل هذا تمثيل ؟ لقد ود ( جوناثان ) لو يقول هذا ويصف الممثل بأنه عبقري ، ويصف نفسه بأنه افضل مخرج عرفه ، لكنه كان يعرف ما هو أفضل ..
ثمة شيء ما لا يريح في هذا كله ..
هنا فقط سمع الجميع صوت الأنين ..
وبدأ غطاء التابوت يتحرك ..
كرى ى ى ى !
صرخت إحدى الفتيات وقد أفزعها المشهد ، وارتجف ( ستيفن ذاهت وبدت عليه علامات الغباء ..
ـ " إقطع !!"
كذا صاح ( جوناثان ) وقد أدرك أن التناغم الأولى للمشهد قد فسد ..
وهب الجميع نحو التابوت الذي انفتح الى النصف الآن نوتعاون الرجال على إزاحة الغطاء الثقيل ليخرجوا ( أولاف ) منه . كيف انفتح هذا الغطاء الثقيل الذي لا يستطيع إلا ثلاثة رجال زحزحته ؟
خرج ( اولاف ) من التابوت .. وبدا كأنما هو مذهور ، مذهول ، لذا طلب منهم الإذن وابتعد مسرعا ..
وهتفت المساعدة في عصبية :
ـ " ملاذا اوقفت التصوير ؟ كن من المفترض ان ينفتح التابوت .."
نظر لها ( جوناثان ) نظرة ذات معنى، وقال :
ـ " كان الغطاء سينفتح قليلا .. لكن ليس في هذه اللحظة بالذات .. وكان سينفتح بأيد يالعمال الذين يشغلون الرافعة وليس من تلقاء ذاته ..!"
***
في اليوم التالي اختفى ( اولاف ) تماما ..
لقد بحثوا عنه كثيرا ، وذهب مساعد الخرج الى البلدة فلم يجده ..
كان ( جوناثان ) الآن في أسوأ حال من التوتر والعصبية .. لقد انتزع اكثر شعيرات لحيته شبه النامية .. لقد اختفى الممثل الريس ، ومعنى هذا ان كل ما تم تصويره لم يعد ذا جدوى ..
طلب الشرطة لكنه كان يعتقد أنهم يستقلون شأنه .. هم لا يهتمون إلا بالحوادث ذات الشأن ، لكنهم لا يحترمون كثيرا هؤلاء السادة المترفين الذين يبحثون عمن يؤدي دور ( دراكيولا ) ..
واتصل بالولايات المتحدة ليخبرهم بالكارثة ، فانعالنت عليه الصواعق .. عبثا حاول إفهامهم أنه لم يقتل الجرل ولم يخفه في جيبه .. لكن ( العمل هو العمل ) ولكن لا مجال للعواطف او الاعذار ..
وعبر المحيط سمع المنتج يزأر من دون حاجة للهاتف :
ـ " وماذا تنتظر يا احمق ؟ ابحث عن ممثل آخر فورا ، وعليك ان تيعد تصوير كل هذه اللقطات في زمن قياسي ، إنك متأخر عن جدولك الأصلي ، وإنني لأتوقع منك معجزة .."
ـ" سافعل يا ( ويلي ) .."
لكنه بشكل ما ادرك انه انتهى.. لن يعهدوا له بفيلم عن بالوعات المجاري فيما بعد .. هذا الارتباك الذي لا ذنب له فيه لا يفعل إلا ان ينثر الغبار من حوله .. ومع الغبار لا يستطيع احد ان يعرف من كان المخطئ ..
وهكذا جلس مع مساعدته يحاولان إنقاذ ما يمكن إنقاذه ..
بعض اللقطات لم يظهر فيها ( اولاف ) وهذا جيد المشهد الكارثي لم يكن مفروضا أن يظهر فيه ( اولاف ) إلا كلمحة عابرة .. هذا شيء يمكن إنقاذه بالمونتاج دون إعادة تصوير الحفل الصاخب ثانية ..
قال لها وهو يتأمل ما ينبغي إعادته من لقطات :
ـ " اعتقد اننا سننجح .. لكننا قد عدنا الى نقطة عن البحث عن ممثل .."
ـ " سنجد واحدا ، لكن سيكون عليك ان تتنازل قليلا .. لم نعد نملك كل الوقت كما كنا في الماضي .."
ـ" إن جدتي تصلح للدور .. فلو استطعت أن آتي بها لانقذت الموقف ، لكنها متوفاة منذ عامين .."
هكذا عادت الحياة الى انتظامها ما عدا عملية البحث المحمومة عن رجل يصلح لأداء دور الكونت ..
وفي اليوم لخامس ظهر ( اولاف ) من جديد ..
****
|