6- اجتماعيات ..
ما حدث بعد ذلك ؟
آه !!! تسأل اسئلة غريبة ..
كيف لي ان اعرف ما حدث بعذ هذا ؟ إن السعادة لا تحكي ولكن تعاش .. عند قصائد الهم والأسى والشجن في الادب العربي والعالمي ، ستجدها ملايين .. عد قصائد الهناء والرضا ولنشوة فلن تجدها تقريبا .. الكلام للشكوى اما الصمت فلنتذوق اللحظة الآتية ..وقد كنت اتذوق اللحظة الآتية حقا ..
ايام كأنها الحلم .. ايام هي الحلم .. ايام فاقت الحلم .. ايام يحلم بها الحلم ..
( جراهام ) يمر بنا من بعيد ليبتسم .. إن الوغد يعرف كل شيء .. إنه يعمل في صفها .. لم يكف عن جعل إقامتنا مريحة قدر الإمكان .
ترى متى ينتهي هذا الحلم ؟ كيف ينتهي ؟
لم اخبرك طبعا بالتفاصيل كلها .. لقد تزوجت !! ألم تعرف بعد !!لا اعرف كيف احكي هذا الجزء لاني بالفعل لا اذكر عنه أي شيء .. لكنها اكدت لي ذلك ، وقالت إننا تزوجنا كما يفعل المسلمون ، حين قصدنا ( أدنبرة ) وطلبت مشورة الجالية المسلمة هنك.. هكذا قالت ولا استطيع ان انفي او أؤكد .. لماذا تكذب علي ؟ اين الأوراق ؟ لم تأت من ( أدنبرة ) بعد ..
فقط اعرف ان هناك صورا لي اضحك في بلاهة واجلس معها وسط مجموعة من الناس فيما يشبه حفل زواج .. بعض وجوه هؤلاء يمكن ان تكون لعرب .. هناك خاتم حول إصبعي .. تقول إننا اشتريناه في ذلك اليوم من ادنبرة ..
حقا لا اذكر شيئا من هذا لكني اثق فيما تقول ..
فقط رحت اضحك حتى استلقيت على قفاي .. هنا بالذات ؟ ومع هذه المرأة التي لم اكن اعرف عنها حرفا من اسبوع ؟ هل هكذا تنتهي اسطورة الأعزب الابدي ( رفعت إسماعيل )؟
كل الثرثرة عن حياتي التي لا تتحملها زوجة ؟ كل الرومانسية الصناعية مع ( هويدا ) وكيف انهار كل شيء فجأة ؟ كل قصتي الأبدية مع ( ماجي ) ، والكلام عن وجه القمر الذي من الخير لنا ان نبقى بعيدين ، كي لا نرى ما عليه من فجوات وبثور ؟ كل عروض ( عزت ) و ( محمد شاهين ) ؟ كل هذا انتهى هنا ومع ( جلوريا )؟
انتهت اسطورة العزب الابدي .. فارس ( النينجا ) المتوحد الذي لو تزوج لفقد سر تميزه ..
اتمنى فقط ان ارى وجه ( ماجي ) لو كانت حية حين تعود لتجد أنني تزوجت اعز صديقة لها ! والجميل انني امضي شهر العسل في قصرها بالذات !
مصر ؟ لم اعد اذكر كم بقيت هنا .. العمل والشقة و ( عزت ) وقريتي .. هل هذه الأشياء وجدت حقا ؟ إنها حلم بعيد .. لا بد أنني هنا منذ قرون .. منذ اطلق ( التيروداكتيل ) صرخة الميلاد وحلق فوق برك القطران ، حيث تغرق الديناصورات على الاقل حظا .. منذ انفصلت الامريكتان عن إفريقيا وغاصت ( الاطلنطس ) في قاع المحيط ..
حقا كانت ( جلوريا اسماعيل ) ـ نعم .. هذا هو اسمها الآن ـ ساحرة .. لكن أي سحر !
رحيق الحب ؟ وما في ذلك ؟ ما اجمل ان تريدك المرأة لدرجة ان تقضي الوقت في صنع تلك الوصفات المقززة لتفوز بك .. هذا يزيد من قدرها في نظري ..
ويبدو اننا مشينا على شاطئ ( لوخ نس ) ملايين المرات .. يبدو أنها غنت باللاتينية آلاف المرات .. يبدو أنني قطفت لها كل زهور ( جرامبيان ) .. وشربت العشرات من اكواب اللبن الممزوج بالشيكولاته ..
فقط هناك اشياء تضايقني ..
اشياء صغيرة جدا ..
كنت قد انتقلت للإقامة معها في غرفة اوسع اعدها لنا ( جراهام ) .. واول ما لاحظته هو ان هناك ضجيجا ياتي من داخل الجدران .. بالذات في الليل .. كأن هناك ممرات سرية تمشي فيها الفئران .. صوت الخدوش المستمر هنا ..
و ( ماجي ) الحمقاء تزعم انه لا توجد فئران في هذا القصر ..
ثم عاداتها الغريبة .. عادات ( جلوريا ) لا ( ماجي ) طبعا ..
تخيل ان تدخل الحمام بعد دقائق من استحمام شخص فيه بلبن الحمير ! هذا شيء غريب .. لكني سمعت عن هذه العادة من قبل ، وهي إحدى وسائل التجميل الشهيرة للحفاظ على نضارة الجلد .. لكن .. لبن الحمير ! ومن أين تأتي بكل هذه الكمية في ( إنفرنسشاير ) انا الذي لم ار إلا حمارا واحدا في مرآة الحمام ؟ مثلا ما كل هذه الاعشاب الغريبة التي تحتفظ بها في الشرفة لتجففه كما تفعل امهاتنا مع الملوخية او النعناع ؟
مثلا .. ما سر ادوات التجميل الغريبة التي تحتفظ بها هنا ؟ ادوات تجميل من خامات طبيعية ولا تمت بصلة لاية شركة اعرفها .. ومنذ متى كانت الضفادع الميتة مهمة للتجميل ؟
لكن هذه اشياء بسيطة جدا .. سمعت عن نساء يضعن القشدة على وجوههن ، ويثبتن قناعا من قشر الخيار ، مع وضع نصف ليمونة على كل جفن .. حتى يصعب عليك ان تتصور ان هذه امرأة وليست زومبيا سينهض بعد قليل ليفتح جمجمتك ويلتهم مخك ..
إن المرأة من اجل الجمال تفعل كل شيء ، وليست ( جلوريا ) باستثناء ..
ولا انكر هنا ان اساليبها ناجعة .. إن النتيجة تتحدث عن نفسها بلا حاجة إلا اية إيضاحات أخرى ..
فقط كن صريحا معي .. لا تقل إلا الحق .. هل رايت في حياتك من هي اجمل وارق او اكثر فتنة منها ؟ الا ترى معي انها المادة الخام للأنوثة .. حتى لتشعر بان النساء الاخريات هن اجزاء منها ؟
وقالت لي :
ـ " هل تريد ان تستعيد شبابك ؟ بوسعي ذلك .. فقط دع نفسك لي .."
قلت لها باسما :
" جربت ذلك ذات مرة ، وكانت النتيجة مؤسية .. وكانت استاذ فلسلفة تبدل لي كوافيلي المتسخة لمدة اسبوع .. اما إن كنت تتكلمين عن الخلود فهو مستحيل .. ولو حدث جدلا ـ وهو كما قلت مستحيل ـ فلن يزيد على موقف ( تيتون ) و ( اورورا ) في الاساطير الاغريقية .. لقد منحته الخلود لكنه ظل يشيخ الى ان فقدت القدرة على تحمله وقد صار عجوزا طاعن السن .. هكذا احالته نطاط حقل .."
قالت باسمة :
ـ " هل تظن انني قد احيلك نطاط حقل يوما ما ؟"
نظرت لعينيها الزرقاوين الواسعتين وقلت بصدق :
ـ " نعم .. للاسف نعم .."
***
لا ادري ولماذا خطر لي ذات مرة ان ادخل حجرتها القديمة .. إنني اعرفها لاني وقفت تحتها ذات مرة ..
كان الباب مفتوحا والإغراء قويا .. وخطر لي انني اريد ان القي نظرة على زوجها السابق .. لا بد ان له صورة على الكومود .. هو مجرد فضول لا اكثر ولا يعني شيئا ، لان بوسع أي شخص في العالم ان يكون اجمل واقوى مني .. هذا لا يحتاج الى موهبة ما .. كل شخص يمكن ان يكون جميلا في الربيع ، وكل شخص يمكن ان يكون افضل من (رفعت اسماعيل ) ..
( لكنني تزوجتها برغم كل شيء .. وحرمت انت منها يا احمق !!)
بالفعل كانت الغرفة خاوية تماما .. لقد افرغت من اكثر الاشياء التي تخصها ، ويبدو انه لم يتم تنظيفها من فترة طويلة .. إن المسز ( اوركهارت ) مسنة طبعا ، ولا اتوقع منها ان تعني بكل التفاصيل ..
الغريب هنا ان الستائر جميلة جدا .. بنفسجية من ارق واجمل درجة يمكن وصفها برغم مقتي لهذا اللون عامة .. هناك ورق حائط زاهي اللون مزركش بالازهار .. وهناك دمى معلقة .. لا ليست دمى ( فتيش ) ولكن دمى لشخصيات ( ديزني ) .. وهناك قضيب قطار ألعوبة يدور حول نطاق الغرفة كلها .. قطار صغير مضحك له عينان وشارب بدلا من الكشافات وعارضة التصادم الأمامية ..
هذه الغرفة لا تناسب امرأة ناضجة ، وبالتأكيد لا تناسب ساحرة ..
ازحت ستائر النافذة ورحت ارمق المشهد من عل .. من هذه النافذة القت ببقايا السنونو والارنب .. ولا بد ان الحجرة كانت تختلف عن هذا كثيرا .. ذلك الشيء منطقي فلا يمكن ان ترك أي اثر سابق يدل على نشاط مريب ..
***
" كنت الآن اقف امام غرفة ( إليانور ) بالضبط .. تلك الغرفة التي احلتها قطعة من ( ديزني لاند ) بالستائر الجميلة ، وورق الحائط المزركش بالازهار ، وكل الدمى التي نثرتها فيها ، إن الشيطان الذي يتسلل إلى هذه الحجرة لهو شيطان طفل بالتأكيد .."
***
( ماجي ) قالت هذا في خطابها .. فلماذا اتذكره الآن ؟
يوجد خاطر ابله يتلاعب في ذهني ولا يمكن ان نعطيه أي قدر من الاهتمام او الاحترام ..
لكن .. انت رجل منطقي .. والمنطق يؤكد شيئا واحدا هذه كانت حجرة ( إليانور ) الطفلة يوما ما.. ثم تركتها فلماذا اتخذتها ( جلوريا ) مسكنا لنفسها ؟
ومن جديد أواصل البحث عن دليل ما ..
هناك حمام ملحق بالغرفة كغرف الفنادق والمستشفيات .. افتحه وادخل ..
توجد مرآة .. يوجد مغطس صغير .. ثمة ثياب معلقة وراء الباب ومكدسة في حاوية صغيرة من البلاستيك .. لماذا لم تأخذ ( جلوريا ) هذه الثياب معها بعد انتقالها الى ( عش الزوجية ) ؟
لست فضوليا الى هذا الحد ، لكن شيئا في هذه الثياب جعلني أتفحصها بعناية . .
السبب هو الحجم .. ثمة ثياب قصيرة صغيرة الحجم تناسب طفلة .. طفلة في الثامنة لا اكثر .. ولكن .. هناك ثياب اكبر حجما ..ثياب تناسب فتاة مراهقة في الثالثة عشرة او ما هو اقل من السادسة عشرة .. ثمة ثياب تدل على شابة في العشرين تقريبا .. كلها ثياب لا تناسب ( جلوريا ) ولهذا افهم لماذا لم تأخذها معها ..
ما معنى هذا ؟
انتصبت شعرتان او ثلاث في راسي هي ما بقي كما تعلمون ..
الجواب الخافت الذي اعلن عن نفسه من قليل يصيح الآن بحرارة :
ألم تفهم بعد ايها الاحمق ؟ هذه المرأة ( جلوريا ) التي صارت زوجتك .. هذه المرأة التي في العقد الثالث من عمرها . . هي ذاتها الطفلة ( إليانور ) !!!