3- أحداث ليلية ...
كنت قد غبت تماما في ملكوت النوم ، حين تصير غير ذي حول ولا قوة .. إنه الموت بكل تفاصيله ولا شيء إلا إرادة الله التي تجعلن ا فتح عيني بعد هذا كله واتثاءب ، بدلا من ان ابدا في التصلب الرمي فالتعفن ..
طرفات على الباب . طرقات .. طرقات ..
بشكل ما دخلت هذه الطرقات الى الحلم كعادة
احلام ( المنبه ) ، ثم أفقت فهرعت الى الباب . الخان يحترق بالتأكيد ، والدم كله احتشد في قدمي فترنحت وقد اسود العالم للحظة ..
في النهاية وجدت المفتاح ففتحت ، وكان من رأيت هو ( ماجي) والطفلة .. كلاهما ممتقع الوجه منكوش الشعر يرتدي الروب ..
ـ " كم الساعة الآن ؟ "
صاحت ( ماجي ) دون ان تنتظر حتى اعرف الإجابة ..
ـ " (رفعت ) لقد سرقت غرفتي !"
يا فتاح يا عليم .. يا رزاق يا كريم ! لا احد يريد ان يتركني استرد توازني .. وهكذا وجدت نفسي اضع الروب على كتفي ، واثبت العوينات ، والحق بها في غرفتها ..
كانت باردة كثلاجة ـ الغرفة لا ( ماجي ) برغم ان جهاز التدفئة يعمل جيدا .. ولم استطع ان الاحظ شيئا غير عادي او منفرا .. لكنها لم تحك قصتها بعد .. لهذا واصلت الكلام وهي تمرر يدها في شعر الطفلة الاشقر حتى كادت تصيبها بالصلع :
ـ " انت تتساءل لم النافذة مفتوحة .. انا ايضا اتساءل ! لقد نمت مع ( إليانور ) بعد رحيلك بساعة .. وكانت النافذة موصدة .. هل تفهم ؟ موصدة ! ثم صحوت شاعرة بأنني موشكة على التجمد .. وجدت ان النافذة مفتوحة .. ووجدت ان هناك من عبث في حاجياتي .. لم يختف مال ولا حلى .. فقط الصور اللعينة وكل ما كان معي من أفلام تم تحميضها !"
رحت احك راسي محاولا ان ابعث بعض النشاط في كتلة الهلام تلك :
ـ " غريب .. وهل .. الكاميرا .؟"
ـ " موجودة !!"
ـ " هذا غريب .."
وأضفت :
ـ " هلا اطلقت سراح الطفلة ؟ إن شعرها كله قد انتصب بالكهرباء الاستاتيكية .. لسوف تنبعث منها الصواعق حالا .."
واتجهت الى النافذة فعالجتها كما فعلت مع تلك التي في غرفة الفتاة .. واختلست نظرة الى الخارج .. هل هذا الواقف على الشجرة هناك غراب ؟ لا .. هذه اوهام .. هناك إفريز يمر تحت النافذة بالضبط .. فهمت.. إفريز يمر تحت كل نوافذ الطابق .. النوافذ ذات الرقم الفردي مثل 7 و 9 و 11 و 13 و 15 ..
من هذا الطريق جاء المتسلل الذي لا بد انه رشيق كالفراشة .. إن نوم ( ماجي ) ليس عميقا على الإطلاق ، ولا يستطيع التسلل جوار فراشها إلا فراشة ..
أغلقت النافذة وكانت لينة فعلا سهلة الإغلاق ..
ثم جلست على طرف الفراش ورحت افكر قليلا ..
قلت له اوانا أتسلى بهز خفي المتدلي من قدمي التي وضعتها على ركبتي :
ـ " الامر واضح ولن نضيع الكثير من الوقت في فهمه .. الصور كانت تمثل خطرا بالنسبة للبعض في هذه البلدة إنها الدليل على انهم كانوا في المقبرة في تلك الليلة .. هذا سلوك من يريد الصور باي ثمن .."
تربعت على الأرض المغطات بالموكيت ، وحركت خصلات شعرها الأشقر مفكرة ثم قالت :
ـ " لكن الصور لم تكن بهذا الوضوح .."
ـ " بالنسبة لنا .. لكن لو ان احد اهالي البلدة رآها لهتف : ويلي ! هذه ( جين ) !! يا للغرابة !هذه ( ماري ) ! إن من يعرف تلك الوجوه من قبل سيتعرفها على الفور في الصور .."
ـ " ومن قال لهم إن هذا الفيلم معي ؟"
ـ " اولا هن رأين فتاة ومعها طفلة تركضان .. والفتاة تحمل حامل كاميرا .. ما كل هذا الذكاء ؟ لا حظيان حامل الكاميرا يستخدم غالبا لحمل كاميرا ، ويندر ان يستعمل لتنظيف الأذن .. ثانيا : اعرف طريقتك الشهيرة في افتراض ان كل شيء آمن وانني مصاب بالبارانويا .. بالطبع هناك ألف واحد رأوا هذه الصور معك .."
ظلت تنظر للموكيت كأنما تريد ان تثقبه .. من الغريب انها في اروع صورها بهذا الشعر المنكوش ، وذلك الوجه شبه المنتفخ من النوم .. قالت لي :
ـ " ومن فعلها ؟"
ـ " احد سكان الغرف فردية الرقم مثل 7 و 9 و 11 و 13 و 15 .. او خادم الغرف لو كانت هناك غرفة خالية .. او أي واحد من اهل البلدة يمكنه تسلق ماسورة المياه الى هذا الطابق .. إن الاحتمالات محدودة جدا كما ترين ! "
ـ " وماذا ترى ؟"
ـ " أعتقد أنه لم يسرق منك شيء ذو أهمية بالغة .. صور القلاع يمكن إعادة التقاطها .. لا داعي لإحداث شوشرة لن تقود الى شيء ، ولربما كان إخبار مسز ( بانكروفت ) هو الحل الاصوب .. هذه النفاذة تحتاج الى تقوية .."
ابتسمت في غموض وقالت :
ـ " هناك شيء مهم قد سرق .."
ـ " وما هو ؟ "
ـ " الإحساس بالامن .. لا اطيق ان اتصور ان متسللا كان في غرفتي ، بينما انا والطفلة نائمتان واهنتان هشتان .."
نهضت واتجهت الى الباب ، وقبل ان اخرج قلت لها :
ـ " ( ماجي ) .. هل تتزوجينني ؟"
قالت في بساطة وهي تمسك بالباب :
ـ " لا "
ـ " إنني سأحمي من المتسللين الليليين .. على الاقل ساموت اولا فأمنحك فرصة الفرار .."
ـ " سافكر في الأمر .."
***
فرغنا من مشاهدة معالم البلدة ، وقد تظاهرت بالحماسة فقط كي ارضيها .. لكني اجز تماما عن الانبهار بمجموعة من القلاع العتيقة تظل على المحيط .. دعك من أنني مصري ، حيث تجد أثرا مهما تحت أي حجر بال ادنى مبالغة .. الم يكن الفلاحون ينتزعون قطعة من معبد ( السيرابيوم ) كلما احتاجوا الى بعض الحجر الابيض ؟ ألم يطه البدو عشاء الإيطالي المغامر ( بلزوني ) على المومياوات المشتعلة باعتبارها افضل من الاخشاب ؟ كيف أتحمس بعد هذا لقلعة البارون ( فلان ) والإيرل ( علان ) ؟
في النهاية قادتنا الجولة الى المقبرة الرهيبة ..
إنها مكان يثير من الافكار اكثرها جموحا وسوداوية بالفعل ..
من هذا المكان ترى الكنيسة من بعد ، وترى مروجا خضراء تبدو كأن بشريا لم يمش فيها من قبل ..
مشت ( ماجي ) وسط الشواهد كأنها تعرف بالضبط ما تبحث عنه .. ثم توقفت في موضوع ما وهتف في انتصار :
ـ " بالضبط هنا .."
كانت تتحدث عن حفل تلك الليلة ..
مشيت الى حيث وقفت ورحت أتأمل الارض .. حقا لا يوجد اثر لشيء .. لو كانت هناك آثار ما فقد أزيلت بعناية .. توجد بعض آثار الطبشور لكنك لا تستطيع ان ترى شيئا .. لن تجد نجمة خماسية لو كنت تفكر في هذا ..
اما ما لفت نظري هو ان هذا المكان قبر. كان هناك شاهد قبر تشابكت عليه الاعشاب والنباتات الشيطانية بحيث صار من المستحيل ان ترى بقعة معقولة من الحجر .. لكن ـ وهذه نقطة مهمة ـ كان العشب ممزقا في اكثر من موضع ، كأنما هناك من كشف هذا الشاهد ، ثم اعاد تغطيته ..
ازحت العشب بلا رفق .. وكان هناك عدد لا بأس به من الاشواك ، لكني كنت البس قفازا ..
أخيرا تمكن من رؤية الشاهد واضحا .. كان جليا انه قديم جدا .. لكن لا خطأ هناك .. لا يوجد حرف واحد على الحجر ، فلم تكن عوامل التعرية هي السبب ..
قلت لها وانا راكع على ركبة واحدة :
ـ " هل تفهمين ؟ لم يكتب حرف واحد على هذا الشاهد .. فماذا تستنتجين ؟
قالت في توتر وهي تنفث الدخان الابيض من فمها :
ـ " اعتقد انها كانت من علامات الحرمان الكنسي في القرون الوسطى .. او ربما صاحب هذا القبر كان على صلة بأعمال ..."
ـ " كان ساحرا واعدم .. لماذا لا تقولينها ؟"
ـ " لان هذا كلام فارغ .."
ـ " حسن .. لنقل إنني لا اعرف إن كان ساحرا ام لا .. لكن المؤكد ان من حوله حسبوه كذلك .."
وساد صمت طويل .زف قط رحت انظر الى المقبرة الخالية ، والطفلة ( إليانور ) التي وقفت هنالك في الخارج تنتظرنا .. طبعا لم يكن من المستحب ان تزور معنا هذا الجزء ..
قلت لـ ( ماجي ) :
ـ " وهاته النسوة كن يقمن احتفالهن في هذه البقعة بالذات .."
ـ " نعم .."
ـ " إنهن يأتين في الليالي المقمرة !"
جاء هذا الصوت من خلفي فأجفلت واستدرت لارى المتكلم ..
كان من الطراز الذي تراه في مراجع علم السموم وقد كتبت تحته ( اعراض الكحول المزمن ) .. سكير بلغة اقرب الى فهمنا .. كان رث الثياب احمر الانف .. في العقد السادس من عمره .. يترنح بشدة ..
قال وهو يحاول الوقوف منتصبا :
ـ " انا ( جيمس إدوود ) حارس هذه المقابر .. هك ! ولا داعي .. هك ! أن اقول لك إنني اعرف عم تتكلمان ..أعرفه تماما .."
لهجة إيرلندية قوية لا يمكن ان تخطئها .. كانما يقلد شخصا إيرلنديا !
تشممت ( ماجي) الهواء في اشمئزاز وغمغمت بصوت مسموع :
ـ " كحول في هذا الوقت !"
صاح الرجل وقد سمع ما قالت :
ـ " انا لم اقرب الخمر قط ! كلهم يحاول إثبات أنني سكير وان كل هذه هلاوس .. لكني اعرف ما أقول .. هؤلاء النسوة يأتين عندما يكتمل القمر ليمارسن طقوسا لا يعلم إلا الله ما هي .."
قلت له في حذر :
ـ" انت لا تقرب الكحول ؟ لعلك مصاب بخلل في المخيخ إذن "
ـ " الآن اقرها ! اقربها كثيرا ! لقد دمرت هذه المقبرة اللعينة أعصابي والمشكلة ن سني لا تسمح لي بالرحيل والبحث عن عمل جديد !"
سألته ( ماجي ) وهي تدس يديها في جيبي معطفها الطويل :
ـ " هل تعرف صاحب هذا القبر ؟ هذا الشاهد الذي بلا اسم ؟"
ـ " هي ! منذ عهد جد جدي ونحن حراس هذه المقابر .. حكى لي جدي شيئا عن ساحرة دفنت هنا .. ساحر ة حرقوها في ساحة البلدة .. هذه القصص كثيرة على كل حال .. هك !"
ثم ابتعد وهو يترنح ويقول كلاما ايرلنديا كثيرا لم استوعب منه حرفا ..
قالت ( ماجي ) باسمة بعدما رحل :
ـ " ما رأيك ؟ القصة واضحة ومكتملة .. إن الساحرات يزرن أمهن الروحية .."
ـ " يبدو الامر كذلك .. لست من الطراز المتفائل لكني اعتقد ان القصة انتهت عند هذا الحد .."
هذا خطأ آخر ..
أنتم تعرفون ان هذا خطأ آخر ..