كاتب الموضوع :
^RAYAHEEN^
المنتدى :
الارشيف
-9-
كيف بدأ كل شيء ..
- " الحقيقة يا ( جمشيد ) أننا لسنا من هذا الكوكب على الإطلاق .. لا اعرف إن كنت تصدق هذا ام تكذبه ، لكننا لا نطلب منك التصديق او التكذيب ، ولا نبالي برأيك .. فقط نريد فهم ما يدور هنا .."
كان( جمشيد ) جالسا على الرمال ، يجدل سلة صغيرة ، وقد جلس حوله طفلان ..
المكان كان واحة صغيرة .. لا .. لا اجسر على ان اسميها واحة .. لنقل إنه بئر جواره ثلاثة أكواخ من الشعر .. ثمة نساء هنا وأطفال ، وبضع اشجار النخيل ..
لم يبد عليه انه سمع ما نقول . فقط واصل جدل السلة ، وعيناه العجوزان المنهمكتان تحاولان قدر الإمكان ان تريا ما تقومان به .. ثمة نظارة ذات إطار من اسلك مثبتة عل أنفه ومن الجلي انها لا تقدم له الكثير ..
الحقيقة أنني لم افهم قط السر الذي جعل هذا المكان آمنا بالسبة لطيران قادر على الوصول إلى أي مكان .. ثم فهمت أنه من الأماكن المختارة للجولات السياحية الطائرة .. لا احد يهاجمه لأنه مكان محبب للسياح ..
من الواضح ان ما يعرفه هؤلاء القوم في ESF هو ان هذه الواحة تضم بدويا مسالما وزوجتيه وبعض الأطفال .. لكن الحقيقة كانت انها ملتقى محبب لرجال المقاومة .. ( جمشيد ) ورجاله ..
كذلك لا يمكن الآن الجدل في حقيقة أن ( جمشيد ) هو الحاكم الفعلي لهذا العالم السفلي المتشابك الرهيب .. إنه عقل على جسد ليس واهنا تماما بينما رجاله عضلات ..
لكن ما يضايق5ني الآن هو ان الرجل لا ينصت لنا على الإطلاق ..
قلت له بعد قليل :
- " ( جمشيد ) .. هل تسمعني ؟"
قال دون ان ينظر لي :
- " كلمات .. كلمات .. سمنا منه الكثير فلم اعد ابالي بها.. ما الفارق بين ان تكون من هنا او هناك ؟ ما المطلوب مني بالضبط ؟"
وهو ما يقول بوضوح إنه لا يصدق حرفا : نحن مجنونان او عميان .. وهو يميل الى الرأي الاول لان الجاسوس لا يكون بهذه الحماقة ..
قلت له :
-" النقطة الأولى هي جهازنا .. الجهاز الذي اخذوه منا في القاعدة الاولى .. من اخذه طبيب يدعى ( ستارسكي ) ..
- " اعرفه .."
- " النقطة الثانية هي ما معنى هذا الذي يحدث ؟؟ سواء صدقتنا ام لم تصدق ، فنحن لا نعرف البتة كيف حدث هذا ، ولا متى وضع الهرم جوار آثار ( بترا ) .. من هم العظايا؟ من هؤلاء الناس ؟ "
قال وهو ينزع النظارة :
- " سأحكي كل شيء .. ربما لأذكر نفسي ، سأسألكما أسئلة كثيرة بعد ما تنتهي القصة .."
***
قال ( جمشيد ) وهو يرشف القهوة العربية :
- " إنهم يحاولون إبادتنا بالكامل .. بعدما انتصروا علينا وسادوا البر والبحر والسماء ، يحاولون ان يزيلونا من على وجه الارض ..
- " فيما مضى كان هناك عالمان .. عالم الشرق وعالم الغرب .. هذا قديم جدا .. وكان التناقض بين العالمين قويا جدا برغم المحاولات العديدة لتقريبها .. لكن الغربيين كانوا يؤمنون بان العالمين لن يلتقيا .. وقديما قال احد أدبائهم إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا ابدا .."
كان يتكلم عن ( رديار كيبلنج RUDYARD KIPLING )
واصل ( جمشيد ) الكلام :
- " كانت هناك شعوب عدة في الشرق .. العرب .. الهنود .. بالإضافة الى بعض الشعوب الصغيرة مثل تلك الموجودة في قلب إفريقيا وأجزاء من استراليا .. وكان الصدام الحضاري قاسيا وصل درجة الحروب في أوقات ما .. المشكلة بالنسبة لنا العرب هي ان ثرواتنا كانت عظيمة ، ولم يكن الغرب ليستطيع تكوين صناعة ناجحة من دون الاعتماد علينا .. كما ان بعض دولنا ـ مثل مصر ـ تميز بموقع جغرافي غير عادي يحتم السيطرة عليه ..
- ( بونابرت ) الغازي الشهير قال ( إن مصر اهم بلد في العالم ) .. وكان يعني بهذا ان من يسطر على مصر يسيطر على العالم .. كما كانت هناك دول بالغة الأهمية .. مثل الصومال التي تشكل نقطة حاكمة على ساحل إفريقيا وعلى الخليج الهندي . .
" كانوا أذكياء بارعين .. وقد طوروا علومهم بحيث استطاعوا السيطرة علينا .. كانوا يأخذون منا الثروات ليصنعوها ، ثم يبيعوها لنا بسعر باهظ .. وكان اعتمادنا عليهم كليا ..
" النقطة الثانية هي انهم استطاعوا ان يزيلوا الخلافات بينهم .. لم يعودوا شتى .. بل كونوا جيشا موحدا .. وصارت لهم تجارة واحدة واقتصاد واحد .."
قالت ( سلمى ) في حماسة :
- " نفس الشيء حدث في عالمي .. لكن العرب هو من صنع هذا .."
لم يهتم الرجل بملحوظتها وواصل الكلام :
- " صارت هناك الولايات الشرقية في شرق اوروبا .. والولايات الوسطى في غرب أوروبا ووسطها .. ثم الولايات الغربية عبر المحيط .. هذه الدولة الكبرى ذات الموارد غير المحدودة إسمها ( إمبيريا ) ..
" لكننا في زمن التكتلات هذا ازدادت خلافاتنا ومشاكلنا .. كلما تقاربوا هم تباعدنا نحن .. تكالبنا على مصالحنا الشخصية الضيقة .. غرقنا في الشعارات والشعر .. ومن حين لآخر يقول قائل : فلنكف عن الخطب .. حان وقت العمل .. ثم تتحول كلماته هذه الى خطبة جديدة .. ولم نستطع النفاق على شيء واحد حتى كدنا نختلف حول ما إذا كنا في النهار ام الليل .. والنتيجة هي أننا تلاشينا .. فجأة لم نعد قوة لها حساب .. وصاروا قادرين على ان يعملوا بنا ما يريدون .. بدءوا بالبلد ( أ ) وقالوا إن هذا لمصلحتنا .. فتناسينا الامر .. ثم انتقلوا الى البلد ( ج ) زاعمين ان هذا ضروري .. ثم جاء دور البلد ( د ) .. انتم تعرفون قصة الثيران الثلاثة الشهيرة التي ( اكلت يوم اكل الثور الابيض ) .. الآن لم يبق منا إلا بلد واحد على الساحل الغربي لشمال إفريقيا . وهم لا ينوون تضييع الوقت .. إن دوره قادم حتما ..
- " المشكلة الأخر هي ان ثرواتنا انتهت .. نفذت .. وهكذا انصرفوا عنا .. حتى الاحتلال حمل عصاه ورحل تاركا بعض المعسكرات المتناثرة .. في الماضي كانوا يصدرون لنا الطائرات والسيارات والأجهزة الالكترونية.. اما الآن فلم يعد لدينا ما نعطيه .. بالتالي لم يعد لديهم ما يقدمون .. وبالتدريج لم يعد لدينا دواء ولا كساء ولا أي شيء .. يسهل تصور هذا إذا تذكرت انهم يصنعون القلم الرصاص ذاته ..
" هنا وجد هؤلاء القوم أنفسهم في مشكلة .. إن الشعوب التي نفدت ثرواتها لم تعد لها اهمية ما ، تشكل خطرا دائما .. إنها غاضبة جوعى والجائع الغاضب يفعل أي شيء ..
" لم يكن الغربيون ممن يهتمون بالحياة البشرية إلى هذا الحد .. إن إبادة الهنود الحمر بالرصاص او التجويع او حتى البطاطين الملوثة بالجدري لأمر لا ينكره التاريخ .. وقد جاء الدور علينا .. لا بد من استئصال الشعوب التي لم يعد لها اهمية ..
" استغرقت حملات الإبادة مائة عام .. والنتيجة هي اننا كدنا نزول بالفعل .. هنا يبرز الجانب الإنساني المنافق لهؤلاء القوم .. إنهم يبيدوننا بيد ويقدمون لنا العون باليد الأخرى .. ليس الغرض هو الحفاظ على أرواحنا ولكن الحفاظ على جزء مهم من تاريخ هذه الارض .. نحن كنز ثقافي علمي لا بد من إبقائه ..
" وهكذا تكونت الـ ESF وهي هيئة علمية شبه عسكرية ، تعمل على الحفاظ على ما تبقى من آثار تلك الشعوب التي بادت او كادت .. ثمة متحف . زرتماه أمس ـ يضم ما بقي من عينات بشرية حية او ميتة .. هياكل .. ادوات كنا نستعملها .. إلخ ـ وهم يجمعون أي عظام في الصحراء باعتبارها كنزا ثمينا يزداد قيمة يوما بعد يوم ..
" قاموا بجمع كل الآثار في مكان واحد كما رأيتما لتسهل زيارتها وصيانتها .. وهم يطلقون لفظة ( العظايا ) على كل شيء يحاولون الحفاظ عليه .. بدءا بعظام الديناصور وانتهاء بعظامنا نحن .."
ابتلعت ريقي وقلت :
- " إن كلامك مخيف .. والآن اعرف الاختلاف بين الكوكبين .. ليس جوهريا .. إنه اختلاف زمني لا اكثر ! فقط انتم تسبقوننا في الأعوام !"
سالته ( سلمى ) :
- " وانتم ماذا تفعلون ؟"
قال منهمكا :
- " نحاول ما يفعله أي كائن آخر ما فعله الهنود من قبل .. نحاول ان نبقى .. ان نحافظ على حضارتنا .. نقاومهم .. نقاومهم بشراسة لكننا في الحقيقة لا نحدث اكثر من بعض الخدوش في الدبابة ..
" نحاول التشبث بهويتنا .. نحافظ على ديننا .. نحافظ على لغتنا .. على اسمائنا .. كل واحد منا يحمل اسم علم من اعلام العرب .. هكذا لا ننساهم ابدا .. لاحظت ان طعامنا غارق في التقاليد العربية .. حتى الأغاني لا نسمعها للمتعة ولكن لانها تجعلنا على خطوط اتصال مفتوحة بماضينا .. نتناسل .. نعلم اطفالنا .."
سالته ( سملى ) :
- " هل تعتقد انهم سينجحون في إبادتكم ؟"
- " لا اتساءل . . لقد نجحوا فعلا !! فقط آخر معقل لنا هو لك القطاع في شمال إفريقيا ..ومن الواضح ان اجتياحه قادم .. لسوف يبقى عشرات منا يمثلون ما يمثله الهنود في امريكا الشمالية ..مجرد اثر انتروبولجي عالي القيمة .. ولربما يظهر بعضهم في السينما من حين لآخر في ادوار السحرة الهنود الذين يعرفن الاسرار كلها !"
قلت في غيظ :
- " هذا مهين حقا يا ( جمشيد ) .. توضعون في المتحف وتنظم الزيارات لرؤيتكم .."
قال ببساطة :
- من انكر هذا ؟ لا حاجة بك الى ان تخبرني .. لكنك تر اني اقاتل ولسوف اموت وانا أحمل بندقيتي .."
- هذا غير كاف .. الهنود كانوا من ابسل الشعوب وأشجعها .. وليس منهم من لم يمت وهو يقاتل .. لكنهم انقرضوا برغم هذا .."
ابتسم في قسوة لأنه وجد ساذجا يهذي ، وقال :
- إذن قل لي ما افعله ولسوف اكون شاكرا .."
قالت ( سلمى ) :
- " يتكلم عن السلاح طبعا . ما هي حالة تسليحكم ؟"
لوح بالبندقية وقال باسما :
- " هذا .. وبعض المتفجرات ..بعض الصواريخ الحرارية .. لا يوجد الكثير .."
- " نعني الاسلحة المحترمة .. ما هو وضعكم النووي ؟"
ارتجفت للفكرة ، لكني نظرت لها وقلت في استخفاف :
- " ماذا تتوقعين ؟ هذه الاشياء تحتاج الى قدر هائل للعلم والمال .."
قال ( جمشيد ) في جدية :
- " كما تقول .. لكن هناك كذلك القنبلة الأيونية ، وهي لا تقل خطرا عن النووية .. هناك عالم باكستاني استطاع ان يصنع قنبلة ايونية خفيفة الوزن رخيصة الثمن ، وبحث كثيرا عمن يموله لكن الجميع خشى الكلفة او المسئولية .. الرجل الآن ضائع ولا يعرف أحد مكانه .."
ثم لعق شفته السفلى الجافة وغمغم :
- " رحمه لله إن كان ميتا .. إسمه ( إسماعيل خان ) .."
هتفت ( سلمى ) وهي تثب على قدميها:
- " ( إسماعيل خان ) لقد كان سجينا في المعسكر الاول .."
|