البيانات |
التسجيل: |
Sep 2006 |
العضوية: |
12997 |
المشاركات: |
31 |
الجنس |
أنثى |
معدل التقييم: |
|
نقاط التقييم: |
10 |
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
الارشيف
باتريك زوسكيند , العطرقصه قاتل , دار المدى للطباعة , 2007
مرحبـــــــــــــــــــــــــا
الرواية أو الفلم ؟
لكل من قراء أو شاف الفلم ياريت يبدي بي رئيه أى أحلى
اناسويت بحث عن الرواية وراح أقدمها لكم
أنشالله تعجبكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
فيلم " العطر " للمخرج الألماني توم تايكور .. البحث عن الذات في عالم بلا روح
صلاح حسن – أمستردام
قد يكون من المفيد إن نشير، قبل الحديث عن الفيلم، إلى الحقيقة التاريخية التي تقول إن الفرنسيين اكتشفوا العطور لأنهم لم يعرفوا الاستحمام من قبل، ولكي يتخلصوا من الروائح الكريهة التي كانت تنبعث من أجسادهم. لكن هذه الحقيقة عندما تترجم إلى شريط سينمائي بصري ستشكل صدمة للمشاهد المعاصر الذي لم ير العالم الأسود في القرن الثامن عشر في وسط باريس الباروكية.
منذ البداية يزجنا المخرج مباشرة في قلب هذا العالم الأسود، وبالتحديد في أحشاء المدينة الغارقة بأوحالها، حيث سوق بيع السمك بكل نتانته وقاذوراته المكشوفة والمضمرة. بائعة السمك الشابة تضع مولودها فوق أحشاء الأسماك والنفايات والوحل وتتركه يصرخ دون أن تستطيع أن تلمسه بسبب هذا القرف الذي يشبه الكابوس والذي يجرد الجميع من أرواحهم. لذلك تحاول أن تهرب من هذا العالم، غير إن الآخرين يكتشفون الأمر وبذلك تساق إلى المشنقة ويذهب الطفل إلى بيت الأيتام، مستنقع أخر أكثر بشاعة وقسوة.
يولد الطفل بدون روح وبلا رائحة في جسده ككل الناس، ولكن بالمقابل يتمتع بقدرة أسطورية مذهلة في التعرف على الروائح بكل أنواعها ويستطيع شمها على بعد مسافات طويلة. فله القدرة على شم روائح البشر والصخور والنباتات والأخشاب وتمييزها. هذه القدرة تدفع صاحبة بيت الأيتام الرهيبة إلى بيعه لصاحب معمل للجلود الذي يبيعه بدوره إلى صاحب معمل للعطور بعد ان يصبح رجلا شابا قابلا للتداول كأي سلعة. من هذه اللحظة نستطيع أن نتابع شخصية هذا الكائن (كرينوليه) الممثل البريطاني المدهش بن وشاو الذي ولد في المستنقع وعاش في مستنقع وانتقل ألان إلى عالم آخر هو عالم الروائح الزكية الذي يملكه (بالديني) داستن هوفمان ، حيث ينجح في صناعة أنواع جديدة من العطور تشجع صاحب المحل على إعطائه الحرية الكاملة في التجريب من اجل اكتشاف عطور جديدة تدفع إلى الثراء والشهرة. غير إن الرجل الشاب لا يجد في هذا المعمل ما يبحث عنه وهو عطر خاص اكتشفه ذات يوم في جسد فتاة عذراء قتلها دون أن يعرف انه ارتكب جريمة وبقي هذا العطر الخاص في مخيلته وانفه الأسطوري وينبغي الحصول عليه مهما كلف الأمر لأنه بمثابة مصير غير قابل للجدل الذي لا طائل من تحته.
إزاء هذه الحالة يجدر بنا من اجل تحليل هذه الشخصية أن نستعين بعلم النفس وبالتحديد عالم النفس كارل يونغ في بحثه الشهير عن الذات وعملية التفرد. يقول يونغ " تبدأ عملية التفرد، أي توصل المرء الشعوري إلى الاتفاق مع مركزه الداخلي أو نفسه الكلية – بصورة عامة مع جرح يصيب الشخصية وما يرافق ذلك من معاناة. إذ إن هذه الصدمة غالبا ما ترقى إلى مستوى النداء ". حسنا، إذا عدنا إلى الشخصية وفهمنا جرحها النرجسي (الافتقار إلى الرائحة الخاصة والمعاناة – فقدان الروح) فأننا سنعرف ذلك الإصرار في الحصول على عطر غير مسبوق (البحث عن الذات وعملية التفرد وبالتالي تحقق الأنا). وكما يقول يونغ فأن هذه الصدمة ترقى إلى مستوى النداء الذي لن يقف أي عائق في طريق تحقيقه حتى إذا كلف ذلك حياة العشرات من العذراوات في مدينة باريس وضواحيها. وهذا ما يحدث، إذ يستطيع هذا الرجل تصنيع عطره الخاص قبل أن يلقى عليه القبض ومن ثم يساق إلى المشنقة. وفي اللحظة التي يطالب فيها الجمهور بإنزال أقصى العقوبات به، يطلق منديلا مضمخاً بالعطر الجديد يدفع هذا الجمهور العريض لممارسة جنس جماعية بما في ذلك الكاردينال الذي حضر عملية الإعدام.
لا يمكن تفسير هذا الفيلم في اعتقادنا إلا بهذه الطريقة، وأي تحليل آخر سيسقط في التبسيط أو الانحراف والمجانية. ونعول بهذا الصدد على الإخراج والتمثيل والتصوير والمفردات الأخرى التي ساهمت في صناعة هذا الفيلم الجبار. فقد كان المخرج يعرف جيدا أي نوع من الشخصيات تلك التي ينطوي عليها كرينوليه فاقد الروح والرائحة، إذ قامت كاميرته الحساسة للغاية بعكس دواخله الدفينة الغامضة والغريبة عن طريق فلاشات سريعة معبرة. وقام الفنان البارع بن وشاو الذي يقدم أول دور رئيسي في حياته باستخدام جسده دون أن يعطينا ولو فرصة واحدة لمراقبة مشاعره التي ظلت ميتة ولم تظهر على وجهه حتى النهاية بحيث بدا كما لو انه كان منوما. حتى أكثر المشاهد إثارة في لحظات القتل لم يبد أي نوع من الانفعالات مهما كانت صغيرة. وقد أراد المخرج من ذلك إن يعطينا انطباعا بأن ما يقوم به كرينوليه ليس جريمة قتل بقدر ما هو مصير مقرر سلفا ولا فرار منه. وقد استطاع المخرج إن يخفف من حجم التراجيديا في فيلمه من خلال تاجر العطور داستن هوفمان الذي مازال يحتفظ بتلك الروح المنفتحة والأداء العفوي غير المتكلف والإطلالة المريحة مقارنة بمشاهد القذارة والبؤس من جانب والقتل من جانب آخر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتطفات من الرواية
غالباً ماكان يقف متوارياً في زاوية معتمة , متكئاً على جدران منزل ما , بعينين مغمضتين وفم نصف مفتوح ومنخرين منتفخين , متربصاً كسمكة مفترسة في عتمة المياه الجارية ببطء .
وأخيراً حينما كانت تصله في نهاية خيط رائحة زكية , نسمة جديدة مثيرة , كان ينقض عليها , يمسك بها , يستنشقها حتى الثمالة , ويحتفظ بها لنفسه إلى الأبد . قد تكون رائحة قديمة , سبق أن عرفها , أو تنويعاً جزئياً عليها , وقد تكون رائحة جديدة تماماَ , لاتمت بصلة لتلك التي عرفها حتى الآن , أو لتلك التي رآها : كرائحة القماش الحريري المتصاعدة من ملامسة المكواة له , أو كرائحة شراب الزعتر , أو كرائحة قطعة بروكار موشاة بخيوط الفضة , أو كرائحة سدادة فلينية لزجاجة خمر نادر , أو كرائحة مشط مصنوع من ظهر السلحفاة . هذا النوع من الروائح هو ماكان غرنوي يتعقبه حتى يصطاده بشغف وصبر صيادة السمك , ليدخره من ثمة في نفسه .
في ليلة القمر الجديد لم يكن ثمة مايشغل بال غروني . لم يكن العالم أكثر من مجرد رائحة ومن أصوات إصطدام أمواج البحر بالشاطئ . وغروني كان مستغرقاً في عمله وسعيداً به .
ثم طوى قطعة القماش كما تطوى الملصقات , بحيث تتوضع المساحات المطلية بالدهن فوق بعضها البعض , وكم كانت تؤلمه هذه العملية , إذا كان يعرف جيداً أن أجزاء من المساحات المشكلة إما أن تسقط أو تنزاح رغم كل الحذر . ولكن ليس ثمة من إمكانية أخرى للتنقل بقطعة قماش . وبعد أن وصل في طيها إلى الحد الذي يمكنه من حملها على ساعده دون أن تعيقه كثيراً , وضع الملوق والمقص والهرواة الصغيرة في ثيابه وانسل إلى الخارج .
كانت السماء مغطاة بالسحب . ولم يعد في النزل أي نور مضاء . الشرارة الوحيدة في هذه الليلة المدلهمة كانت تلتمع في جهة الشرق , من منارة القلعة على جزيرة " سان مارغريت " , على بعد ميل واحد . كانت كقطبة إبرة مضيئة في قطعة قماش حالكة السواد . من الخليج كانت تعب ريح خفيفة سميكة الرائحة . الكلاب نائمة .
مشى غرنوي إلى الفتحة الخارجية لجرن الدراس حيث وجد سلماً مستنداً إليها , فرفعه ووازنه طولانياً مثبتاً ثلاث درجات منه تحت ذارعه اليمنى الحرة , ضاغطاً الجزء الأعلى منه على كتفه الأيمن , ومشى به عبر الفناء حتى نافذتها التي كانت نصف مفتوحة . عندما صعد السلم , مرتاحاً كمن يصعد درجاً , هنأ نفسه على هذا الظرف الذي أتاح له أن يحصد عبق الفتاة هنا في " لانويال " . ففي " غراس " مع النوافذ ذات القضبان الحديدة والحراسة المشددة على البيت كان كل شيئ سيجري بطريقة أكثر صعوبة . حتى أنها هنا تنام وحدها . فلم يكن بحاجة حتى إلى تصفية خادمتها .
فتح درفة النافذة وانسل إلى الحجرة ووضع قطعة القماش , ثم التفت إلى السرير . كان عبق شعرها مهيمناً . فقد كانت مظطجعة على بطنها , وقد ظغطت وجهها المحاط بذراعها في الوسادة , لحبث كانت مؤخرة رأسها معرضة بوضعية مثالية لضربة الهراوة .
كان صوت الضربة عميقاَ ذا صرير . كرهه . كرهه لسبب واحد فحسب , لإنه كان صوتاً , صوتاً في عمله الصامت . ولم يكن بوسعه تحمل هذا الصوت المقرف إلا وهو يكز على أسنانه . وبعد أن انقضى الأمر وقف هناك لبرهة متصلباً عابساً وقد تشنجت يده على الهرواة , وكأنه يخشى رجع الصوت كصدى من مكان ما . لكن الصوت لم يعد , بل عاد الهدوء إلى الحجرة مضاعفاَ , وبعد غياب صوت تنفس الفتاة الثقيل . وسرعان مارتخت وقفة غرنوي المتصلبة ( التي قد يفسرها البعض على أنها وقفة تبجيل أو كدقيقة صمت متصلبة ) وعاد جسده إلى استرخائه المرن .
وضع الهرواة جانباً وقد امتلأ الآن بحمى العمل النشط . بدأ يبسط قطعة القماش على الطاولة والكراسي , منتبهاً لئلا يلامس السطح المدهون أي شيئ . ثم سحب غطاء السرير عن الفتاة . لم يؤثر فيه عبق الفتاة الرائع الذي تدفق منها الآن دافئاً وكثيفاً , إذ كان يعرفه .
أما الإستمتاع به , حتى النشوة , فسيأتي لاحقاً , عندما يمتلكه فعلياً.
أما المهم الآن فهو أسرع أكثر مايمكن منه , وعدم السماح لأي شيئ منه أن يتسرب الآن , لابد من التركيز والسرعة .
وحبركات سريعة كان قد قص قميص نومها , خلعه عنها , وتناول قطعة القماش المطلية بالدهن ورماها على جسدها العاري . ثم رفعها ولف تحتها ماتدلى من قطعة القماش , ثم فتلها كما يفعل الخباز الفطيرة , وضم النهايات فغطاها من أصابع قدميها حتى جبينها , فلم يعد يظهر من لفة المومياء سوى شعرها . فقصه من منابته ولفه في قميص نومها الذي ربطه كصرة . وأخيراً بسط على الجمجمة الحليقة قطعة متبقية من القماش المدهون , سوى النهايات المتدلية منها وظغطها بأصابعه برقة مثبتاً إياها . تفحص الطرد كله , فلم يجد شقاً أو ثقباً أو ثنية مفتوحة يمكن لعبق الفتاة أن يتسرب منه . كان ملفوفاً بصورة محكمة . لم يعد ثمة مايمكن عمله سوى الإنتظار , ست ساعات حتى إنبلاج الفجر .
أخذ الكرسي الصغير الذي كانت ثيابها ملقيه عليه , حمله إلى قرب السرير وجلس . ثمة شيئ من عبقها مازال عالقاً في ردائها الأسود الواسع . ممتزجاً برائحة كعك اليانسون .
كان متعباً . لكنه لم يرد أن ينام , إذا لايجوز الليالي التي قضاها في ورشة بالديني وهو يقوم بعملية التقطير : تذكر الإنبيق المسود من السخام , والنار المتوهجة المتراقصة , وصوت البصق الخفيف الصادر عن إنصباب السائل المعطر قطرة فقطرة من انبوب التبريد , في الزجاجة الفلورنسية . بين الحين والآخر كان على المرء أن ينتبه لحالة النار , أن يعيد ملء جهاز التقطير بالماء , أن يغير الزجاجة الفلورنسية وأن يستبدل المواد التي تم تقطيرها بأخرى طاظجة . ومع ذلك كان يشعر بأن الهدف من اليقظة ليس القيام بهذه الأعمال الضرورية بين الآونة والأخرى بل وكأن لليقظة مغزاها الخاص , وحتى هنا في هذه الحجرة حيث تسير عملية المرث البارد من نفسها , وحيث قد يكون لفحص الطرد في الوقت غير المناسب , لقلبه أو ترتيبه تأثير غير مرغوب , حتى هنا , هكذا بدا لغرنوي , كان وجوده يقظاً ضرورياً , فالنوم قد يعرض روح النجاة للخطر .
|