كاتب الموضوع :
tototo
المنتدى :
الارشيف
ومضى في طرح الاسئلة : لماذا اخترت مهنة الحراسة هذه المقبرة ؟ وكيف ؟ ومتى ؟
فرشف الحارس القهوة ونفث الدخان في الفضاء
ومع دخان اللفافة نفث زفرة عميقة ليتمتم منذ ثلاثين عاما كنت اعمل في " ورشة عمار" في هذه المنطقة قرب المقبرة ... انظر هل تشاهد هذه البنايه الشاهفة الصفراء المطله على البحر لقد كنت بين العمال الذين شيدوها
وكانت زوجتي ام مروان قد توفيت منذ امد قريب حزنا على سفر ابننا الى المهجر سعيا وراء لقمة الخبز واصبحت وحيدا في هذه الحياه ... يومذاك توفي حارس هذه المقبرة ... وكان ذلك الحارس صديقي يستعين بي من حين لاخر على فتح القبور ودفن الموتى فحللت محله في الحراسة ... وكنت مرتاحا لهذه الوظيفة ذلك لان الحراسة افضل من تعب في نقل الحجارة والعمل في الورشة فالمرتب مضمون اخر الشهر والاكراميات وفيرة بعد الدفن وهكذا انتقل عملك ابو مروان من مهنة عمل في البناءالى مهنة حراسة المقبرة
وتساءل سامي مجبور : الا تشعر بالخوف يا ابا مروان وانت تقضي اللبل والنهار بين هذه القبور الموحشة الكئيبة
فلمعت ابتسامة هازئة على شفتي الحارس العجوز
واجاب : ابدا ... ليس ثمة ما يخيف "فجيرة الاموات افضل بكثير من جيرة الاحياء فهم رحمهم الله لا يضايقونني ولا يسئون معاملتي ولا يرهقونني بمطالبهم وانا مرتاح كل الارتيارح في جوارهم الهادئ الامن المريح
فاستانف االصحافي الشاب طرح الاسئلة : هل لديك ما تتخفني به من حوادث غريبة عجيبة جرت في هذه المقبرة يا ابا مروان ؟
-: حوادث كثيرة مرت بي ... منها ما يدهش ومنها ما يحزن ومنها ما يضحك
-: هل لك ان تذكر لي بعضها ؟
فرشف ابو مروان القهوة
ونفث دخخاان لفافته ...
وتمتم بعد صمت قصير : ذات ليلة من اليالي الربيع الفواح العبير افقا من نومي على وقع خطوات حثيثة خافتة تمزق سكون الليل وهدوؤه فنهضت من سريري على خشية وارتياب ورمقت الساعة بنظرة سريعة فاذا بها تشير الى الثانية بعد منتصف وارهفت اذني قبل ان اخرج من الغرفة وقد خيل الي انني واهم في ما سمعت وكدت اتاكد من انني واهم وقد انقطع وقع الخطى عن الارتفاع وهممت بلعودة الى السرير الا ان ذلك الوقع اسـتأنف الطرفات ... ففتحت باب الغرفة وخرجت لأفاجأ بشبح اسود يسير بين القبور بخفة ورشاقة وهويناء . وكان القمر يسبح في الفضاء ساكبا نوره الفضي على شجرات السرو المنتصبة حول المقابر ليعكس ظلها الاسود على المقابر البيضاء قيزيد من رهبة المكان وخشوع الليل البعيد . وكانت ظلال الاشجار تتمايل تحت رفات النسيم العليلي فيخيل للناظر انها شبح سوداء تتراقص بين تلك القبور البيضاء وارهفت اذني فاذا بوقع الخطى يتعالى في هدوء واناءة وامعنت النظر لاشاهد شبحا اسود يتجه نحو قبر متواضع ينزوي في اخر المقبرة بذل وانكسار وكان ذلك الشبح الاسود بلون الليل البهيم , يتشح بالسواد من قمة رأسه لاخمص قدميه .....
ونفث ابو مروان دخان اللفافة في الفضاء
واستأنف الكلام بعد صمت قصير .
قال : اكون كاذباا اذا قلت لك انني لم اخف ... للمرة الاولى عرف قلبي الخوف يا استاذ . حاولت السير نحو الشبخ . الا ان رجلاي لم تسعافني في السير فتسمرت في مكاني اراقب الشبح الاسود السائر نحو القبر
الوضي عوشاهدت الشبح الاسود ينطرح فوق بلاط الضريح وانقطع وقع الخطى ليرفع العويل والبكاء وقعت في اذني همسات خافتة مؤلمة :"يا حبيبي" ... وكان الصوت ناعما هادئا شجيا . انه صوت امرأة تبكي وتندب وتناجي حبيبها الراقد في ذلك القبر الابيض الوضيع وعندئذ , عندئذ فقك استعدت بعض شجاعتي وقد ادركت ان ذلك الشبح الاسود لم يكن سوى فتاة جاءت تزور حبيبها الراحل الى عالم الخلود
وصمت ابو مروان برهة ليمسح دمعة انحدرت على وجنتيه وهو يتذكر تلك المراة التي كانت تبكي حبيبها الهاجع بين الاموات في تلك المقبرة الموحشة الهادئة
واستأنف الحارس العجوز الكلام بعد صمت قصير
قال: وتذكرت ان ذلك القبر الذي تنطرح فوقه تلك المرأة هو قبر شاب كنا قد واريناه الثرى صباح ذلك اليوم... وسرت ...سرت نحو تلك المرأة فاذا بي امام فتاة رائعة الجمال في مطلع الشباب وعلى ضوء القمر الساطع شاهدت وجه تلك الفتاة كان وجهها ناصع البياض يزيد ضوء القمر الساطع بياضا نصوعا ... وكانت الدموع الغزيرة المنسكبة على الخدين الاسيلين ترسم خطوطا وارفة من الحزن والاسى والولوع .
وصمت ابو مروان برهة على شدة ووجوم وكأنه يتذكر لوعة تلك الفتاة الحزينة .
كأنه يشاهدها الان امامه من خلال الذكريات الافلة البعيدة
واستأنف الكلام بعد صمت قصير
قال: ازدت اقترابا منها فلم يلفتها اقترابي انها في عالم غير هذا العالم .... ووضعت يدي على كتفها هامسا: " كفى يا ابنتي نحيبا ودموعا فالدموع مهما غزرت والتهبت وهمت لا تستطيع ان تعيد الينا الاحباب الراحلين ..."ولم تفاجأ الفتاة الحزين بيدي تلامس كتفيها ولا ابهت لكلامي فامسكت بيدها اشدها محاولا رفعها عن الضريح والابتعاد بها عن اقبر حبيبها ومن دون ان تلتفت الي همست : " من انت " ... قلت انا حارس المقبرة ... تعالي معي ... فوقفت واهية ملتاعة وسارت وهي تمسح دموعها الغزيرة المنسابة على وجنتيها النضرين بمنديلها الحريري الناصع البيااض وسرت بها من دون ان اهمس بحرف ... وخرجت من مقبرة لتستقل سيارتها الخاصة التي كانت متوقفة امام باب المقبرة وتطلق لها العنان
فتسائل الصحافي الشاب وهو يدون دفتره حديث الحارس العجوز :الم تعد تلك الفتاة لزيارة حبيبها الراحل مرة ثانية ....
فاجاب ابو مروان : لقد عادت في اليوم التالي حاملة معها غرسة ورد ودفعت بها الي قائلة : ارجوك سيدي ان تغرس هذه الوردة على قبر حبيبي وان توليها عنايتك التامة انها نبتة ورد احمر كان يحب الورد الاحمر اريد ان يحنو الورد عليه حتى بعد الموت .
قالت الحبيبة الملتاعة هذا ووضعت في يدي ورقة نقدية كبيرة ... ونفذت امرها وغرست النبتة واعتينت بها ومضت الفتاة في زيارة حبيبها مرة او مرتين اسبوعيا وكانت كل مرة تنفنجني بمبلغ من المال واستمرت زياراتها زهاء سنه وفجأة بعد السنه انقطعت عن الزيارة وعبثا انتظرت عودتها الا انها لم تعد فادركت ان الزمن العاصف القدير تكفل بمسح دموعها وباطفاء لهيب اشتياقها الى الغائب الحبيب
فاستأنف سامي مجبور طرح الاسئلة على ابي مروان
قال : وهل تشرفت يا ابا مروان بزيارة اخرى قام بها احد احباء او اقارب او اصدقاء الراقدين على غفوة هانئة في هذه المقبرة
فاستوى ابو مروان في جلسته
واجاب كثيرون جاؤوا لزيارة الهاعين في غفوة الموت هنا ولكنهم كانوا يقومون بتللك الزيارات في وضح النهار وكنت استقبهم بالترحيب وكانوا يجودون علي بالاكراميات من مال وثياب وطعام وهدايا عيدة طالبين الي ان اعتني بمدافن اموات ...
_: وفي الليل ؟... الم يقتحم اسوار مدينتك العامرة احد غير تلك العاشقة الولهى ؟
-: بلى ذات ليلة من الليالي شهر كانون الحيديدي الكبير على خشية وحذر ويتوغلان بين المدافن بائتاد وخفة فرحت اراقبهما مراقبة شديدة واذ بهما يتنقلان من ضريح الى ضريح تحت وابل من المطر وسرت اليهما ولم ينتبها لي الا وقد اصبحت قربهما هاتفا بهما ماذا تفعلان هنا ؟...
وذعرا وتراجعا الى الوراء متمتان ببعض الايات المقدسة
فقد خيل اليهما انني جثة ميت خرجت من القبر لتصرعهما
وقبضت عليهما واقتدتهما الى هنا الى غرفتي ... وكانا في حال هلع شديد فرحت اهدئ من روعهما وبعد ان علما انني لست جثة ميت اطمأنا بعض الاطمئنان كانا شابين في مقتبل العمر ... انهما طالبا طب في الحامعة الاميركية جاءا المقبرة باحثين عن جمجمة يجريان عليها اختبارا طيبا وكشفان من خلال اسرار تركيب عظام جمجمة الانسان
فصرفتهما طالبا اليهما ان لا يعودا الى البحث عن الجماجم في المقابر وامامهما الكتب الدراسية يقعان فيها على كل ما يرجوان ويرومان ويطلبان .
ودون الصحافي الشاب كل ما قاله ابو مروان
واستأنف طرح الاسئلة على الحارس العجوز
فهو يريد ان يكون تحقيقه شاملا الكثير من الطرائف والاخبار والاسرار ...
قال متسائلا :الم تقع على اثر قديم او حلية على أي شيء له قيمة مادة في مقبرة الجاثمة بكأبة ووجوم تحت ظلال هذه الاشجار الباسقة الخضراء .
فتمتم ابو مروان : مرة واحدة عثرت على صندوق صغير في قبر فرنسية حسناء
_: وماذا وجدت في ذلك الصندوق ؟...
لقد خيل الي ان ذلك الصندوق يحتوي على نقود او على بعض الحلي الثمينة واملت ان اصل الى ثروة كبيرة تقتني الفقر والعوز والا ان املي خاب والحلم الجميل توارى عندما فتحت ذلك الصندوق الصغير لاجد دفتر قديما يحتوي على سطور قرائتهها ولا تمكنت من فك روموزها
-: وماذا فعلت بذلك الدفتر يا ابا مروان ؟
ولم يجب ابا مروان
بل نهض وسار بئتاد خطى الى الخزانه القديمة الننتصبة بذل ووهن وانكسار عند احائط
وفتح الخزاننه واخرج منها صندوقا من النحاس
وعاد الى جلسته قرب سامي مجبور ليدفع تلك العلبة النحاسية اليه متمتا : هذا هو الصندوق الصغيير الذي وجدته في ضريح الفتاة الاجنبية الحسناء والدفتر مازال داخل هذا الصندوق
وتناول الصحافي الناشئ تلك العلبة النحاسية .
ونفض ما علق بها من الغبار
وفتحها...
وتناول ما في داخلها ...
كان في داخل ذلك الصندوق الصغير دفتر خولته الايام لون اوراقه البيضاء الى اصفرار
الا ان تلك الايام لم تستطع ان تمحو احرف الكلمات المدونة في الصفحات الصفراء بخط واضح وانيق جميل .
وراح سامي مجبور يقلب الصفحات ذلك الدتر ليقرأ بعض الاسطر على سرعة وعجل ...
كان ذلك الدفتر يحتوي عل قصة فتاة مدونه باللغة الفرنسية وباسلوب واضح ورشيق .
ولم يكن لدى الصحافيي الشاب متسع من الوقت لقرأة كل ما في الدفتر .
فاعاده للعلبة
والتفت الى الحارس االعجوز قائلا: هل تسمح لي با ابا مروان بان احتفظ بهذا الصندوق الضغير ولك مني ما تشاء تمنا له ؟
وطفت ابتسامة خبيثة على شفتي الحارس العجوز .
وتمتم متسائلا : تريد ان تحصل على ما في الصندوق الصغير يا استاذ اليس كذلك ؟
وابتسم سامي مجبور .
واجاب اجل ما يهمني هو الدفتر لا الصندوق لك ان تحتفظ لاصندوق يا ابا مروان وتجود علي بالدفتر ... واعاد ابو مروان الدفتر الى الصندوق الصغير ...
ومن دون ان يهمس ابو مروان باي كلمة حمل الصندوق وعاد الى الخزانه يفتحها ويدس الصندوق فيها بكل رصانه وهدوء
وعاد الى الصحافي الناشئ ليجلس قربه قائلا : كان بودي ان استجيب الى طلبك يا استاذ الا انني ارى نيفسي عاجزا عن تحقيق امنيتك .
- لماذا يا ابا مروان . وماذا سيفيدك هذا الدفتر وانت تجهل قراءة ما فيه . وهوباللغة الفرنسية ؟
واستوى ابو مروان في جلسته على المقعد الخشبي العجوز .
وهمس : كل ما في هذه الغرفة ليس لي انه لابني مروان غدا يوم يعود المحروس مروان بالسلامة من الاغتراب ساسلمه كل ما في هذه الغرفة وسيذكرني بعد ان ارحل هعن هذا العالم الفاني كلما وقعت عيناه على ما اورثته اياه ....
واغرورقت عينا الحارس العجوز بالدموع وهو يذكر ابنه المحروس الممعن في النوى والبعاد
ومسح الدموع المترقرقة في عينيه بطفه .
|