كاتب الموضوع :
tototo
المنتدى :
الارشيف
واسرعت الجارة مستعينة بها على اسعاف العم جوزف
ولم اكن على صداقة متينه بتلك الجارى
فانا لم انتقل الى جوارها الا منذ ايام قليلة
ولم تسنح لي الفرص لتوطيد علاقة الجوار الثابته القوية بها
هذا فضلا عن فارق السن البعيد بيني وبينها فانا في الثانية عشرة من العمر
وهي في الخمسين
وكانت جارتي تلك امرأة فقيرة تقيم في غرفة صغيرة مجاورة لغرفتنا تعمل خادمة في حانه قريبة من غرفتها
فهي ارملة مات زوجها منذ امد قريب تاركا لها الفقير والعوز
ووجمت تلك الجارة وهي تشاهدني داخلة الى غرفتها والقلق والخوف يطلان من عيني
وازدادت وجوما وهي تسمع كلمات الاستنجاد تنطلق من شفتي
فهمست متسائلة : ما بك يا ابنتي ؟.....
قلت : العم جوزف يعاني الاما مبرحة ويخيل الي انه في خطر
فهمست : تعالي معي اليه يا ابنتي
واسرعت تلك الجارة البائسة معي الى غرفتنا
وكان الالم قد اشتد بالعم جوزف
وقد بات عاجزا عن الكلام بوضوح
فتمتمت الجارة : انه في خطر شديد .. يجب ان نستنجد برجال الاسعاف..
قالت الجارة هذا واسرعت بالخروج من الغرفة وهي تمتم : انتظريني هنا لا تخرجي من الغرفة انا ساشخص الى مركز الاسعاف وهو ليس ببعيد واعود بالمسعفين سريعا
ولم يطل غياب الجارة
فقد عادت بعد دقائق قليلة مع ثلاثة رجال
انهم رجال الاسعاف
وحاول الاسعافيون ساعاف العم جوزف
وسمعت احدهم يهمس في اذن رفيقه : انه يحتضر يجب نقله الى المستشفى قد يستطيع الطبيب انقاذ حياته
وانحنوا على العم جوزف يحملونه على نقالة الى سيارتهم البيضاء
ولاح من العم جوزف انه غير راغب في الابتعاد عن تلك الغرفة
فهو يريد البقاء قربي
وفيما رجال الاسعاف يخرجون به رمقني بنظرة حائرة تائهة قلقة فيها كل المعاني العطف والخوف والحنان
فكأنه اراد بتلك النظرة الحنون وداعي الوداع الاخير
وطلبت من رجال الاسعاف ان يسمحوا لي بمرافقة العم جوزف الى المستشفى
فدفعوا بي الى سيارتهم الكبيرة البيضاء هاتفين : اسرعي بالصعود الى السيارة .. اسرعي
واسرعت ...
وصعدت الى السيارة ...
وطارت بنا سيارة و الاسعاف الى المستشفى
وفي المستشفى حاول الاطباء انقاذ حياة ذلك الرجل الشهم النبيل الحنون فأخفقوا
كانت النوبة القلبية صاعقة عاصفة قاتلة
وذعرت والاطباء يعلنون لي ان العم جوزف قضى نحبه
واجهشت بالبكاء وقد ادركت انني فقدت عطف وحنان ذلك الرجل الكريم وانني اصبحت وحيدة في هذه الحياة
واثار بكاءي وعويلي ونحيبي اشفاق الاطباء
وازدادوا اشفاقا وعطفا علي عندما علموا انني فتاة يتيمة وان ذلك الرجل كان معيلي الوحيد
واتخذوا قرارا بان تتولي ادارة المستشفى دفن العم جوزف وبان يعيدوني الى غرفتي من دون ان يطالبوني بدفع نفقات الدفن ورسوم المعالجة
وعدت الى الغرفة الصغيرة الباردة ال[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]ة لارتمي في فراشي وافرغ كل ما في عيني من عبرات ودموع
وعدت مجددا الى الوحدة الصماء
والى الفراغ المفزع الرهيب
ورأيتني وحيدة حائرة ضائعة في مجاهل الحياة
وانغمست في لجج الذكريات المؤلمة المرهقة الرهيبة
فتذكرت الماضي المخيف وما حفل به ذلك الماضي من العوز والعذاب والالام
وتذكرت وقفتي في شوارع المدينه ممدودة اليد طالبة حسنة من المحسنين وانا طفلة صغيرة جائعة
فذعرت
وخشيت ان اضطر للعودة الى تلك الوقفة المذلة المخجلة
يومذاك يوم كنت امد يدي لكل عابر سبيل لم اكن ادرك هول تلك الوقفة المذله ..
كنت يومذاك طفلة صغير لا افقه معاني الحياة المرة
اما الان وانا ادرج في الثانية عشرة من العمر فلن استطيع ان اعود الى التسول ومد اليد
واستغرقت في التفكير ..
ومضيت في اثارة الذكريات
فتذكرت احبائي الراحلين
وتذكرت ابي وجدتي و"امي" السيدة كلوديت تلك المرأة الفاضلة الحنون التي غمرتني بالفضل والحب والعطف والحنان
لو ان " امي" كلوديت على قيد الحياة الان لما حل بي ما حل بي ولما نزل بي ما نزل
اوبالاحرى لو ان اقاربها المجيرمين لم يسطوا على الميراث لكنت الان بالف خيير مع العم جوزف
لقد كان سبب وفاة العم جوزف سطو اولئك الاقارب على حقه وحقي في الميراث
وكانت تلك الذكريات المؤلمة المرهقة تعذب قلبي الصغير
وتثير في نفسي الخوف والقلق من المستقبل الاتي المجهول
وكان علي ان اقنع بنصيبي من الحياه
كان علي ان ارضى بذلك الحظ السئ المشؤووم الذي رافقني منذ الدقيقة الاولى من حياتي
كان علي ان ارضى بذلك الحظ السيئ المدلهم السواد لما توفيت والدتي بعد ولادتي
ولما استشهد والدي وانا طفلة صغيرة
ولما توفيت جدتي وانا في الثامنة من عمري
ولما رحلت السيدة كلوديت وانا اشد الحاجة اليها
واخيرا لما استطاع اقارب امي الفاضلة من اخفاء الوثائق التي تثبت حقي في الميراث
ولما تمكنوا من السطو على الميراث وطردي من تلك الدار التي قضيت بها اجمل ايام حياتي واروعها وابهاها ...
من الناس من يأتي الى هذه الحياة ورفيقه النحس
ويرحل عن هذه الحياة والنحس لا يفارقه
فهو النحس البغيض رفيقا درب طيلة العمر
وقليلون هم البشر الذين يستطيعون التخلص من تلك الرفقة في منتصف الدرب
وانا كان النحس اللعين رفيقي وخليفي وصديقي " الوفي" منذ رأيت النور
اتراه يستمر في رفقتي حتى تطبق عيني انامل الموت ؟...
وبدأت في مجابهة الحياه وصعابها ومشقاتها وعذابها وحدي
من دون سلاح ..
وكان على ان اسعى الى الحصول الى لقمة الخبز
ولكن كيف ؟...
لست ادري
وبدأت انفق ما ترك لي العم جوزف من المال
وهو مبلغ ضئيل لم يكفني اكثر من شهر
شهر واحد فقط واصبحت فقيرة معدمة لا املك فرنكا واحدا
وكنت بحاجة الى الطعام
بحاجة الى الرغيف ولم يكن ثمة بد من اللجوء الى الحلي التي اهدتني اياها السيدة كلوديت ...
الى الخاتم والسوار والعقد
وكان العم جوزف قد طلب الي الاحتفاظ بتلك الحلي الثمينة ذكرى عزيزة من تلك المراة الفاضلة الحنون
وكنت قد عزمت على العمل بنصيحة العم حوزف
الا انني رأيت نفسي وانا اتضور جوعا مرغمة على بيع الخاتم الذهبي
ولم اكن اعلم اين وكيف سابيع الخاتم الثمين
فلجأت الى جارتي الارملة الفاضلة " مدام كاترين " التي ساعدتني في نقل العم جوزف الى المستشفى وكانت بعد رحيل العم جوزف تعطف علي وتمدني ببعض الطعام القليل
فهي فقيرة مثلي ..
|