كاتب الموضوع :
tototo
المنتدى :
الارشيف
نأتي الى هذه الحياة بدون ارادتنا ونرحل بدون ارادتنا
هذه ارادة الله الخفية التي لم ولا ولن يتوصل الانسان الى ادراك كنهها وهو عل هذه الارض
وبينما كنت انا وجدتي ننتظر الموت جوعا ومرضا اذا بالخبر المفرح السار يعم العالم :
لقد انتهت الحرب الضروس...
انتهت تلك الحرب الرهيبة المخيفة بعد اربع سنوات قضاها العالم باسره في يم من الخوف والالم والعذاب
وشعرنا انا وجدتي ببعض الارتياح بانتهاء الحرب وبزوغ السلام
ولاح لنا الامل بالانفراج وميضا ساطعا زاهيا جميلا
فالحرب انتهت ...
ووالدي سيعود الينا ... والفقر المدقع المخيف سيتوارى ويبتعد عنا
وجدتي ستشفى بعد ان يتأمن لها الدواء والعلاج
وغرقنا في نشوة الامال الباسمة الخضراء
واقمنا نرقب تحقيقها في العاجل الوشيك
الا ان كل تلك الامال العذاب لم تتحقق
فوالدي لم يعد ...
لقد حملوا الينا نبأ سقوطه شهيدا في ساحة الوغى
والجوع ظل بيسط علينا وشاحه القاتم السواد
وجدتي لم تشف
بل هي سارت الى القبر بخطواط عاجلة سريعة
لقد قضت جدتي نحبها متأثرة بنبأ وفاة والدي
النبأ المؤلم القاصم ساعد المرض عليها
فلفظت انفاسها بين يدي في ليلة باردة قاسية مدلهمة الظلام
وذعرت وانا طفلة صغيرة عندما شاهدت جدتي الحنون ساكنه هامدة باردة وعيناها شاخصتان الى البعيد البعيد ...
واجشهت بالبكاء
واستغرقت في النحيب والصراخ والعويل
فاسرع بعض الجيران " وهم مثلنا فقراء معدمون .... واخذوا يعملون على تهدئة خاطري وتشجيعي على احتمال المصاب الاليم
وتولى اولئك الجيران البؤساء امر تشيع جدتي الى المقر الاخير
يا لسخرية الاقدار...
ويا لسخافة عقل الانسان
فهو يخطط ويرسم ويعمل على تنفيذ ما يعد من مشاريع للمستقبل الاتي المجهول
وفجاءة تهب الرياح رياح ذلك المستقبل لتذري وتهدم وتقوض كل ما رسم وخطط وبنى من رسوم وخطط ومشاريع
لقد ماتت جدتي في حين خيل الينا انها باتت في مأمن من الموت
ولم يدن الموت منها يوم كنا نظن انه قريب قريب منها
لقد نجت جدتي في زمن الموت زمن الحرب وماتت في زمن السلم زمن الحياة
واصبحت وحيدة في هذه الحياة
لا اب, ولا ام, ولا اخ ,ولا اخت ,.. ولا جدة
ورأتني في حاجة الى الرغيف
وبحثت عن لقمة الخبز فلم اجدها الا في التسول والا ستنجداء والا ستعطاء
فاندفعت الى الشوارع والطرقات امد يدي الصغيرة النحيلة طالبة الاحسان وصولا الى لقمة الخبز
ووفقت في المهنة الجديدة
فكنت القى من المحسنين العطف والاشفاق
ولعل عمري الندي الصغير كان السبب في اثارة عطف المحسنين واشفاقهم فهم يعطفون على تلك الطفلة البائسة الهزيلة الدارجة في زهاء الثامنة من العمر المتحشة بذلك الثوب الرث البالي النتعلة ذلك الحذاء المهترئ المثقوب
وكان ما اجمع من نقود يوميا يكفي وقد يزيد احيانا عن ابتياع الخبز والجبن واللبن والاثمار
واعود في المساء الى المنزل الصغير فانتاول الطعام
وانام في ساعة مبكرة لانهض في ساعة مبكرة من الصباح للعمل
وشعرت ببعض الارتياح وقد امنت شر الفاقة ومرارة الجوع
الا ان صاحب المنزل الصغير بدا يضايقني وبقطع علي هنأة الحياة
فهو يطالبني ببدل الايجار وهو بدل باهظ تراكم سنوات الحرب الاربع ويهددني بالطرد من المنزل الوضيع ولا انه لم ينقذ تهديده
ولعل لم يخل من الرحمة
فكان يطلب الي ان اجلو عن منزله وانتقل الى منزل احد اقاربي
وابكي ... واعلن له انني وحيدة لا اهل لي ولا اقارب ولا اصحاب
فيلامس قلبه القاسي وميض ضئيل واه من الرحمة
وينصرف ليعود بعد ايام قليلة ملوحا بالتهديد والوعيد
وايقنت ان ذلك الرجل سيصل يوما الى تنفيذ تهديده ووعيده
فانا لن اتمكن من تسديد الكبير الذي يطالب به
وهو سيلقي بي يوما في الشارع فلا اجد مأوى الجأ اليه ولا فراشا ارقد فيه
وكلما فكرت بذلك اليوم الذي ساخرج فيه من ذلك المنزل الصغير بدون ان اتمكن من العودة اليه ارتجف خوفا وارتعد هلعا
الا ان الله سبحانه لم يتخل عني
فقد انقذني من ذلك الرل المهدد المتوعد من منزله الوضبع بحدث لم اكن اتوقعه ولم يخطر لي في بال
كان ذلك صباح يوم مشرق وضاح من ايام الربيع
وكنت جالسة على الرصيف شارع استقراطي رحيب امد يدي لسؤال
واذا بسيدة في العقد السابع من العمر انيقة المظهر يلوح على محياها النبل ويسطع في عينيها وميض الرحمة والحنان تقترب مني لتضع في يدي قطعة نقود
وابتسمت لي
وهمست ما هو اسمك يا صغيرتي
فهمست ويدي تقبض على قطعة النقد : رامونا ... اسمي رامونا ؟
-: واين هم اهلك ؟ اين والدك ؟ واين هي امك ؟
وادمعت عيني
وهمست : ليس لي ام ولا اب لقد رحلا عن هذا العالم فانا لا اعرف امي لقد ماتت يوم ولادتي اما والدي فقد استشهد دفاعا عن الوطن .
-: اخوك ؟... اختك .؟
-: ليس لي اخ اولا اخت
-: عمك ؟ وعمتك ؟.خالك وخالتك؟
وهمست : انا وحيدة في هذه الحياه يا سيدتي كنت اقيم مع جدتي العجوز في منزل صغير الا ان جدتي ماتت لقد رحلت عن هذا العالم الفاني منذ شهور قليلة
وشاهدت الدموع تتموج في عيني السيدة الوقور وهي تمتم : ياالطفلة البائسة
وامسكت تلك السيدة بيدي
وهمست اين تقيمين يا رامونا
-: في منزل صغير على بعد من هذا الشارع
-: تعالي معي... ارشديني الى منزلك
وسرت معها الى منزلي
وهالها الفقر المدقع الشديد الذي يخيم ذلك المنزل الوضيع
وتساءلت تلك السيدة الفاضلة من هم اصحاب هذا المنزل ؟
قلت انا لا اعرفهم يا سيدتي ... ما هناك سوى رجل قاسي القلب متعجرف يحضر من حين لاخر ويهددني بالطرد اذ لم انقده اجره المنزل
وكان الجيران قد اقبلوا مستطلعين وهم يشاهدون سيده انيقة وقور تتحدث الى جارتهم الصغيرة اليتيمة البائسة الفقيرة فسألت السيدة الفاضلة احدى الجارات هل تعرفين من هو صاحب هذا المنزل الوضيع ؟
اجابت : اجل انه ميشال برتان
-: اين يقيم ؟
-: منزله اخر هذا الشارع
ففتحت السيدة الوقور محفظتها لتخرج منها ورقة نقدية دفعت بها الى الجارة قائلة ارجوك ان ترسلي احد ابناءك الى ميشال ليدعوه للحضور الان الى هنا
فهمست تلك المراة ويدها تقبض على الوقة النقدية انا سأشخص الى ميشال واعود به الى هنا
وهرولت الجارة مسرعة
|