المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
>>>رجوع<<<
سوف اسطر لكم هذه القصة القصيرة لعلها تنال اعجابكم وتحوز على رضاكم
رجوع
طعم مدينتي لا يبرح حلقي مهما ارتحلت، او نأيت، ريحها الشرقية الباذخة تعشش داخل عظامي، يأخذني حضورها البهي نحو آفاق شاسعة، تبهرني بعنفوان ابنيتها بعتاقة دروبها، تهزني أحزانها، مسراتها، تبعثرني، تلملمني،رائحة ترابها تتصاعد الى راسي فأنتشي، رذاذ بحرها يغسل اعماقي، فأرتد طفلة تلهو على رمال شاطئها، أجمع الاحجار الملونة الجميلة والاصداف الرائعة، أضعها في كؤوس زجاجية، وأطل عليها كل صباح، ولا ارميها الا اذا جمعت اخرى.
[URL="http://www.liilas.com/vb3/"]منتدى ليلاس الثقافي[/URLاستغرقني الحنين فلم اشعر باقترابه حتى استأذن بالجلوس بجواري، يا الله،، كم الدنيا ضيقة بشساعتها، جلس على المقعد المجاور، سألته عن احواله في هذه المدينة الضبابية، تأملته، لم ألتق به منذ سنين، تذكرت آخر لقاء معه، حين أقامت الكلية حفلا لتسليم الجوائز للمتفوقين كان لا يستقر في مكان، كتلة من النشاط والحركة، إذا قام بعمل طلابي او دراسي، أخذه بقوة واستغرق وسعه فيه، حتى نظن انه ليس من ورائه سوى ذاك العمل، كنا جميعا نتوقع له مستقبلا زاهرا، وكنت اشعر بمشاعره اتجهاهي، لكنه ابدا لم يتجرا على البوح بها إلا يوم الاعلان عن النتائج النهائية للامتحانات، ذلك اليوم ظل محفورا في ذاكرتي، كانت الفرحة تضفي عليه بريقا محببا، حين أخذ يحدثني في القاعة المكتظة بالطلبة عن تطلعاته واحلامه، وأرخى الحياء علينا سدوله وهو يبثني اعجابه ورغبته القوية في مشاركتي حياته، واتفقنا على ان يتقدم لخطبتي بمجرد حصوله على وظيفة كيفما كانت ريثما ينهي دراساته العليا وانهي انا دراستي، كان واثقا من تهافت الشركات عليه بمجرد ما يعلن عن رغبته في العمل عندها، لانه يمتلك شهادة التفوق في تخصصه، كما يمتلك خبرة لا بأس بها نتيجة عدد من التدريبات التي قام بها دون أجرة في عدة شركات، انتظرته طويلا لكن خبره انقطع عني تماما، الى ان زارتني احدى صاحباتي في الكلية، وأخبرتني أن والده توفي، وأن محاولاته في حصوله على عمل كلها باءت بالفشل، وأنه هاجر إلى دولة غريبة لأعالة أسرته.
تبادلنا نظرات صامته، كان شديد الاناقة كما عهدته، بدا لي أطول مما كنت اعرفه، ربما بسبب نحافته التي زادت، يده اليسرى تقوم بحركات عصبية، أخبرني بأنه لم يذهب إلى البلد منذ أكثر من خمس شهور، لانه لا يملك الوقت لذلك، فكل وقته يقضيه في دوامة العمل المتواصل، ونتف العطلة التي يحصل عليها تستولي عليها زوجته البريطانية، حيث تعتقد انها حق لها وحدها تتصرف فيها كيفما تشاء، ريثما ينهي السلف الذي تلفه حول عنقه، وتخنقه به كلما حاول التنفس من سيطرتها، حكى لي بمرارة كيف التقى بها بعد سلسلة من المعاناه في بلاد الغربة، كانت الأبواب كلها مسدودة في وجهه، إلى ان رآها تتنزه مع كلبها في حديقة عمومية، احتضنت معاناته أو هكذا خيل له، وفرشت له أحلاما وردية سيعيش فيها بمجرد الارتباط بها، لم يكن يفكر في نفسه، أو في مستقبله الذي ضاع بين لا مبالاة المسؤولين في بلاده بالنوابغ مثله، وإنما كان يفكر في بطون كثيرة تنتظر قليلا من الشبع، انجرف معها في ممارسات عديدة لم يكن يتصور انه يمكن أن يقدم عليها يوما ما، وقع على أوراق تؤكد أنه مدين لها بآلاف الدولارات، قالت انها مسألة شكلية فقط، من أجل موافقة صديقها على استخدامه، وانغمس في حلقات خالية من طعم الحياة، كان كثور يدور في ساقية دون نهاية.
قال: " كنت اتمنى لو كنت ثورا في بلدتي على أن أعيش بهذه الطريقة، لم يعد عندي احساس بالفرق بين شيء وآخر، أصبح رحيل النهار كرحيل الليل، وأصبحت أعيش خارج حدود الزمان والمكان"
[URL="http://www.liilas.com/vb3/"]منتدى ليلاس الثقافي[/URLنظراته التي كانت ثابته مستقره أصبحت زائغة، تدور ولا تكاد تستقر على شيء، قال:
"اشتقت الى حنان امي، الى لهفتها علي، افتقدت الجلوس مع عائلتي على مائدة واحدة، نأكل من صحن واحد، نتسابق على قطع اللحم القليلة، نتبادل الضحكات، افتقدت كثيرا رزقة البحر الذي كنت أطل عليه من نافذة غرفتي، رائحته المختلطة مع صدى الأذان، افتقدت سريان الحرارة في مشاعري، لم أعد استطيع الاستمرار في هذا المنفى، تخليت عن كل شيء، وها انا احاول استعادة شيء من الصفاء"
كان يتكلم دون انقطاع، كأنه منذ مدة ينتظر من يفتح في وجهه نوافذ للسمع، ضحك وأضاف في نبرة مرة:
" كثير من الشباب يحسدونني على ما انا فيه، لا يعرف قيمة الوطن الا من تغرب عنه، وذاق طعم المرارة الذي ينفجر من كل زاوية من زوايا الغربة، ولا يجيد الاستمتاع به الا من قلبه عليه انفطر"
كنت استمع اليه افهم احساسه بالغربة، ولو كانت بطعم آخر، فقد حاولت ان انتمي الى البلد الذي سافرت اليه، وقلت: ان هذه ارض الله الواسعة، والمهم ان اغرس فيها نباتا طيبا، ينمو ويؤتي اكله كل حين، لكن مشاعر الحنين الى مسقط رأسي، الى رائحته ترابها، الى لعب الاطفال في احيائها، الى كل شيء فيها، تملك على نفسي خاصة في ايام العطل، وتغلبني نبضات قلبي التي تتسارع في كل ذكرى من ذكريات أحبابي، كنت قد بدأت في الانزواء الى داخلي الذي يلجأ إليه كلما أضناني الحنين، لكن صوته المتسارع اعادني الى الواقع، كان يقول:
"أرجو الا أكون قد أثقلت عليك بحديثي"
كان ينظر الي بحسرة، رأيت في عينيه كلاما آخر يريد أن يبوح به، ارتبكت، لم أرد احراجه بذكر مسوغات عن تخلفه، ودعته بعجاله، وحاولت الانصهار في وسط الجموع.
اتمنى ان تكون قد نالت على اعجابكم
تحياتي
التعديل الأخير تم بواسطة بياض الصبح ; 24-05-11 الساعة 08:59 PM
سبب آخر: تعديل العنوان " المدات مخالفة
|