والله يا جماعه انا كنت متردد جدا لما جيت اكتب الموضوع ده
لكن طالما الموضوع لاقى اقبال منكم فدا هايشجعنى انى اكمل الموضوع
وهى عباره عن مجموعه مقالات من كتاب (( عصر القرود )) طبعة لبنان 1972
طبعا للدكتور مصطفى محمود
اسال الله العلى القدير ان يهدينا لصالح الاعمال وان يوفقنى واياكم فى المقال لاضائة شعلة من النور امام اعين الغافلين
-------------------------------------------
---------------------------------------
----------------------------------
الحب لا .. الرحمة نعم
بالرغم من قيمة الحب عندى وعندكم معاشر القراء والقارئات , وبالرغم من ان الحب يكاد يكون صنم هذا العصر الذى يحرق له البخور , ويقدم له الشباب القرابين من دمائهم , ويقدم له الشيوخ القرابين من سمعتهم , وترتل له الاناشيد , ويزمر له الزامر , ويطبل الطبال , وترقص الراقصة , وتعمل بلاتوهات السينما وستوديوهات التليفزيون , وكباريهات شارع الهرم ليل نهار لتمجيده ورفعه على العرش , ليكون المعبود الاول والمقصود الاول , والشاغل الاوحد والهدف الاوحد والغاية المثلى للحياة التى بدونها لا تكون الحياة حياة .
وبالرغم من اننا جميعا جناة او ضحايا لهذا الحب , وليس فينا الا من أصابه جرح او سهم او حرق , او اصاب غيره بجرح او سهم او حرق .
بالرغم من هذه الاهمية القصوى , والصدارة المطلقة لموضوع الحب فى هذا الزمان , فانى أستأذنكم فى إعادة نظرة فى وقفة تأمل , وفى محاولة فهم لهذا التيه الذى نتيه فيه جميعا شيوخا وشبابا وصبايا .
وأسأل نفسى أولا وأسألكم :
هل تعلمون لماذا يرتبط الحب دائما بالالم , ولماذا ينتهى بالدموع وخيبة الامل ؟!.
دعونى أحاول الاجابة فاقول : إن الحب والرغبة قرينان .. وانه لا يمكن أن تحب امرأة دون أن ترغبها , ولهذا ما تلبث نسمات الحب الرفافة الحنون أن تمازج الدم واللحم , والجبلة البشرية (( الهيكل المادى للانسان .. الجسم المادى .. )) فتتحول الى ريح واعصار وزوبعة تدفع بالمرأة الى حضن الرجل , حيث ينصهر اللحم والعظم فى أتون من الشهوة العارمة , واللذة الوقتية التى ما تكاد تشتعل حتى تنطفىء .
والشهوة فى طبيعتها العنف والعدوان والامتلاك والتسلط , والمرأة التى كانت تسير مع الرجل جنبا الى جنب ويدا فى يد تصبح بالشهوة تحته وتتحول الى كيان ذائب مسحوق بين ذراعيه .
هل أقول ان الحب يتضمن قسوة خفية , وعدوانا مستترا ؟!.
نعم هو كذلك اذا اصطبغ بالشهوة , وهو لا بد أن يتلون بالشهوة بحكم البشرية .
والمرأة التى تشعر أن الرجل استولى على روحها , تحاول هى الاخرى ان تنزع روحه وتستولى عليها .. وفى ذلك عدوان خفى متبادل , وان كان يأخذ شكل الحب .
والمرأة الوحيدة التى جاء فيها ذكر الحب فى القرأن الكريم هى قصة امرأة العزيز التى شغفها فتاها ( يوسف ) حبا .
فماذا فعلت امرأة العزيز حينما تعفف يوسف الصديق ؟ وماذا فعلت حينما دخل عليها الزوج ؟ لقد طالبت بايداع يوسف السجن وتعذيبه .
[ قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم ] ( 25 – يوسف )
وماذا قالت لصاحباتها وهى تروى قصة حبها ؟
[ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ] ( 32 – يوسف )
إن عنف حبها إقترن عندها بالقسوة والسجن والتعذيب .
وماذا قال يوسف الصديق ؟
[ قال رب السجن أحب إلى مما يدوعننى إليه ]( 33 – يوسف )
لأنه أدرك ببصيرته أن الحب سجن , وان الشهوة قيد اذا استسلم له الرجل أطبق على عنقه حتى الموت .. وراى ان مكثه فى السجن عدة سنوات , ارحم من الخضوع للشهوة التى هى سجن مؤبد إلى أخر الحياة .
ان الحب لا يظل حبا صافيا رفافا شفافا , وانما ما يلبث بحكم الجبلة البشرية أن يصبح جزءا من ثالوث هو : الحب والجنس والقسوة , وهو ثالوث متلاحم يقترن بعضه ببعض على الدوام .
ولان قصة الحب التى خالطتها الشهوة ما تلبث ان تنتهى الى الاشباع فى دقائق , ثم بعد ذلك يأتى التعب والملل والرغبة عند الاثنين فى تغيير الطبق , وتجديد الصنف لاشعال الشهوة والفضول من جديد .. لهذا ما يلبث ان يتداعى الحب الى شك فى كل طرف من غدر الطرف الاخر .. وهذا بدوره يؤدى الى مزيد من الارتياب والتربص والقسوة والغيرة , وهكذا يتحول الحب الى تعاسة والام ودموع وتجريح .
والحب لا يكاد ينفك ابدا عن هذا الثالوث .. " الحب والجنس والقسوة " .. وهو لهذا مقضى عليه بالاحباط وخيبة الامل , ومحكوم عليه بالتقلب من الضد الى الضد , ومن النقيض الى النقيض .. فيرتد الحب عداوة وينقلب كراهية وتنتحر العواطف كل يوم مائة مرة .. وذلك هو عين العذاب .
ولهذا لا يصح هذا الثالوث أن يكون اساسا لزواج .. ولا يصلح لبناء البيوت , ولا يصلح لاقامة الوشائج الثابتة بين الجنسين .
ومن دلائل عظمة القرأن وإعجازه أنه حينما ذكر الزواج , لم يذكر الحب وإنما ذكر المودة والرحمة والسكن .
سكن النفوس بعضها الى بعض .
وراحة النفوس بعضها الى بعض .
وقيام الرحمة وليس الحب .. والمودة وليس الشهوة .
[ ومن أياته أنه خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ] ( 21 – الروم )
إنها الرحمة والمودة .. مفتاح البيوت .
والرحمة تحتوى على الحب بالضرورة .. والحب لا يشتمل على الرحمة , بل يكاد بالشهوة أن ينقلب عدوانا .
والرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر .
والرحمة عاطفة إنسانية راقية مركبة , ففيها الحب , وفيها الاخوة , وفيها الصداقة , وفيها الحنان , وفيها التضحية , وفيها إنكار الذات , وفيها التسامح , وفيها العطف , وفيها العفو , وفيها الكرم .
وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية .
وقليل منا هم القادرون على الرحمة .
وبين ألف حبيبة هناك واحدة يمكن أن ترحم , والباقى طالبات هوى ونشوة ولذة .
ولذلك جاء كتاب الحكمة الازلية الذى تنزل علينا من الحق .. يذكرنا عند الزواج بالرحمة والمودة والسكن .. ولم يذكر كلمة واحدة عن الحب , محطما بذلك صنم العصر ومعبوده الاول , كما حطم اصنام الكعبة من قديم .
والذين خبروا الحياة وباشروا حلوها ومرها , وتمرسوا بالنساء يعرفون مدى عمق وأصالة وصدق هذه الكلمات المنزلة .
وليس فى هذه الكلمات مصادرة للحب , أو إلغاء للشهوة وإنما توكيد , وبيان بأن ممارسة الحب والشهوة بدون إطار من الرحمة والمودة الشرعية هو عبث لا بد أن ينتهى إلى الاحباط .
والحيوانات تمارس الحب والشهوة وتتبادل الغزل .
وإنما الانسان وحده هو الذى إمتاز بهذا الاطار من المودة والرحمة والرأفة , لانه هو وحده الذى أستطاع أن يستعلى على شهوته , فيصوم وهو جائع ويتعفف وهو مشتاق .
والرحمة ليست ضعفا وإنما هى غاية القوة , لانها أستعلاء على الحيوانية والبهيمية والظلمة الشهوانية .
الرحمة هى النور والشهوة هى النار .
وأهل الرحمة هم أهل النور والصفاء والبهاء , وهم الوجهاء حقا .
والقسوة جبن والرحمة شجاعة .
ولا يؤتى الرحمة الا كل شجاع كريم نبيل .
ولا يشتغل بالانتقام والتنكيل الا أهل الصغار والخسة والوضاعة .
والرحمة هى خاتم الجنة على جباه السعداء الموعودين من أهل الارض .. تعرفهم بسيماهم وسمتهم ووضاءتهم .
وعلامة الرحيم هى الهدوء والسكينة والسماحة , ورحابة الصدر , والحلم والوداعة والصبر والتريث , ومراجعة النفس قبل الاندفاع فى ردود الافعال , وعدم التهالك على الحظوظ العاجلة والمنافع الشخصية , والتنزه عن الغل وضبط الشهوة , وطول التفكير وحب الصمت والائتناس بالخلوة وعدم الوحشة من التوحد , لان الرحيم له من داخله نور يؤنسه , ولانه فى حوار دائم مع الحق , وفى بسطة دائمة مع الخلق .
والرحماء قليلون , وهم اركان الدنيا واوتادها التى يحفظ بها الله الارض ومن عليها .
ولا تقوم القيامة الا حينما تنفد الرحمة من القلوب , ويتفشى الغل , وتسود المادية الغليظة , وتنفرد الشهوات بمصير الناس , فينهار بنيان الارض وتتهدم هياكلها من القواعد
اللهم إنى أسألك رحمة ..
اللهم إنى أسألك مودة تدوم ..
اللهم إنى أسألك سكنا عطوفا وقلبا طيبا ..
اللهم لا رحمة إلا بك ومنك وإليك ..
--------------------------------------------------------
مع كامل الاعتراف بالجميل لاستاذى/ الدكتور مصطفى محمود
من كتاب (( عصر القرود )) طبعة لبنان 1972
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته