المنتدى :
المنتدى الاسلامي
ربيبة العظماء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربيبة العظماء
صحابية جليلة ، وفقيهة ورعة ، طافت كالنحلة فوق بساتين العظماء فأخذت من رحيق كل بستان ما زاد من علمها ورفع مكانتها وسما بنفسها لتعلو فوق مطامع الدنيا وترنو إلى نعيم الله ورضوانه في الآخرة..
إنها الصحابية الجليلة جميلة بنت سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس.
نسبها:
أبوها هو أحد الرجال الذين تبوأوا مقاعدهم من الجنة، وشهدوا بدراً، واستشهد يوم أحد.. إنه الصحابي الجليل سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب الخزرجي الأنصاري البدري، أحد النقباء يوم بيعة العقبة الكبرى.
فمن سيرة هذا الصحابي أنه يوم آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، آخى بينه وبين الصحابي المهاجر عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه - الذي ترك ماله وداره في مكة وهاجر إلى المدينة مهاجراً في سبيل الله ، وسجل الأنصاري سعد بن الربيع أحد المواقف التي سجلها التاريخ للأنصار ، فقد قسم سعد بن الربيع كل ما يملكه بينه وبين أخيه عبد الرحمن بن عوف ، بل وعرض عليه أن يطلق إحدى زوجتيه ليتزوج بها ، ولكن عبد الرحمن بن عوف امتنع عن قبول هذا العرض السخي ودعا له بالبركة في ماله وأهله ، وقال له: دلني على السوق.
ويوم بدر الكبرى ، أظهر الصحابي سعد بن الربيع بطولة وشجاعة نادرة ، ويوم أحد أظهر شجاعة وبطولة غير مسبوقة فقد طعن سبعين طعنة وقتل من الكفار الكثير.
وفي هذا اليوم الجليل.. وبعد انتهاء المعركة يعلن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمن حوله من الصحابة: هل من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟
فقال رجل من الأنصار: أنا.
فخرج يطوف في القتلى، حتى وجد سعداً جريحاً.
فقال: ياسعد إن رسول الله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟
قال سعد: فإني في الأموات، فأبلغ رسول الله مني السلام وقل: إن سعداً يقول: جزاك الله عني خير ما جزى نبياً عن أمته ، وأبلغ قومك مني السلام ، وقل لهم: إن سعداً يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف.
وهكذا نال الشهادة في سبيل الله يوم أحد ، وترك سعد بن الربيع -رضي الله عنه- امرأته حاملاً فوضعت له بعد استشهاده الصحابية جميلة صاحبة سيرتنا هذه.
وأمها: عمرة بنت حزم بن زيد بن لوذان من بني مالك بن النجار.
نشأتها:
نشأت السيدة جميلة يتيمة ، فرعاها أبو بكر الصديق في حجره وتحت رعايته ، فكان يعرف قدر أبيها وقدرها حتى حين كبرت ونضجت وشبت عن الطوق ، وتولى هو الخلافة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكان يلقي لها رداءه لتجلس عليه، وتعجب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- لفعل أبي بكر - رضي الله عنه- فيقول له: من هذه؟
قال الصديق: هذه ابنة من هو خير مني ومنك.قال عمر: ومن هو يا خليفة رسول الله؟! قال: رجل تبوأ مقعده من الجنة وبقيت أنا وأنت ، هذه ابنة سعد بن الربيع ، كان من النقباء يوم العقبة ، وشهد بدراً واستشهد يوم أحد –رضي الله عنه.
زواجها:
تزوجت جميلة بنت سعد من الصحابي الكبير شيخ القراء وكاتب الوحي والمصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه وعثمان بن عفان، زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه ، وكما تعلمت جميلة من الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي تربت في حجره ، كذلك تعلمت من زوجها زيد بن ثابت، فكانت من الفقيهات ذوات العلم والرأي الرشيد.
وأنجبت له أولاده: خارجة ، وسليمان ، ويحيى ، وعمارة ، وإسماعيل ، وأسعد ، وعبادة ، وإسحاق ، وحسنة ، وعمرة ، وأم كلثوم ، أم إسحاق.
مواقف من حياتها:
آية المواريث:
كانت النساء في الجاهلية وصدر الإسلام لا ترث ، وبعد أن مات سعد بن الربيع وترك ابنتين وزوجته أخذ أخوه كل ما يملك ؛ فذهبت أرملة سعد عمرة بنت حزم بن زيد النجارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً ولا ينكحان إلا ولهما مال. فقال: يقضي الله في ذلك. فأنزلت آية المواريث ، فبعث إلى عمهما فقال: أعط بنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك.
قال تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين، آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما)).
ومن مظاهر الحب والجود وصلة الرحم، أن تنازلت جميلة بنت سعد عن حقها في الميراث لأختها الكبرى فقالت: ما كنت لأطلب من أختي شيئاً.
روايتها للحديث:
ومن شدة حبها لقراءة القرآن الكريم أنها كانت لها دراية بأسباب النزول ، وأتقنت حفظه ، وذكر ابن الأثير أن جميلة بنت سعد وكنيتها أم سعد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم فكانت لها صحبة ورواية عنه..
ومما روته من الأحاديث حديث أم عمارة ، قالت: دخلت على أم عمارة رضي الله عنها فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك.
فقالت: خرجت أول النهار، أنظر ما يصنع الناس ، ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين ، فلما انهزم المسلمون ، انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقمت أباشر القتال، وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي.
قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور. فقلت لها: من أصابك بهذا؟
قالت أم عمارة: ابن قميئة.. لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل يقول: دلوني على محمد، لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير رضي الله عنه، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كانت عليه درعان.
وكما تخرجت أم سعد في مدرسة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد خرَّجت هي من مدرستها عالم المدينة التابعي خارجة بن زيد الذي توفي عام 100 ه وعمره سبعون عاما، رضي الله عنها وأرضاها.
وفاتها:
وعاشت جميلة بنت سعد إلى بعد وفاة زوجها زيد بن ثابت، أي بعد عام 45 هـ رضي الله عنها.
|