بسم الله الرحمن الرحيم
وأنا ابحث في داخل عمي جوجل الشهير عن معنى كلمة أنطولوجيا...المهم فوجئت بمقابلة أعدها زميل صحفي يدعى محمود البياتي مع الشاعر عبد الكريم كاصد ... فلم تسعفني نفسي بأن ابخل عليكم بما ورد في المقابلة عن 3 تساؤلات تراود كل فنان يردف القلم الشعري ويخطه على صفحات من ذهب.
عنوان المقابلة:
شيئان كدّرا حياتي : أصدقائي والشعر !
حاوره : القاص العراقي محمود البياتي
عبد الكريم كاصد , شاعر يبحث في خرائب الروح عن وردة أمل ... ليرقص عندها بوجد صوفي . عمّقت الفلسفة رؤيته ؛ وسّعت اطارها , ولم تربك بساطة التعبير عنده .
لا يتعب من الذود عن مصالحه الفكرية . وتتجلى قريحة التهكم لديه حين يواجه العدو بمقالةٍ او بقصيدة , مثل : الحذاء والملك .
- ماهو الشعر ؟
* لا احبذ التعريفات كثيرا فهي تجرد الأشياء والمخلوقات من حياتها , وتحيلها الى هيكل فارغ . خذ مثلا تعريف الانسان ب ( حيوان ناطق ) , او التعريفات العديدة منذ ارسطو وحتى الآن . هل عمقت هذه التعريفات فهمنا للأنسان والشعر ؟ ألا يبدو ان الفارق بين الشعر والاجناس الأدبية الأخرى آخذ بالتقلص إلى حد التلاشي ؟ الا ترى ان بعض هذه الأجناس كالرواية والمسرح تقترب من الشعر مثلما يقترب الشعر منها ؟ وقد تتجاور هذه الأجناس جميعا في العمل الواحد . اليست قصيدة النثر نموذجا لغياب الفاصل بين الشعر والنثر ؟ وإذا كان للشعر إيقاعه الذي يتميز به عن النثر فان للنثر ايقاعه الخفي ايضا , وقد تكون القصيدة الموزونة صوتا خارجيا هو صوت التفعيلات ذاتها مجردة من الشعر .
الا يزعجنا في الشعر , احيانا او في كثير من الاحيان , بلاغته المسرفة ومهاراته المصطنعة , بل والحقيقية ايضا , عندما يبتعد كثيرا عن ينبوعه الحقيقي : الحياة بتجلياتها المختلفة , بايقاعها اليومي ولقطاتها المألوفة والنادرة .
لا مثال لدي في الشعر , فلكل قصيدة قانونها الخاص , وبالتالي تعريفها الخاص ولكنني اميل الى الشعر الذي يحدثني بلغة البشر لا بلغة الآلهة .
ليس لدي توهم , أنا المسكون بالأوهام كغيري من الشعراء , ان الشاعر نبي او قديس , ولكنني ما زلت ارى ان للشاعر دورا إن لم يتجسد تأثيره في الواقع , فعلى الأقل في لغته . وقد يكون لهذا الدور , فيما بعد , تأثير في الواقع نفسه ( كما يطرح ذلك إليوت في مقالة له عن وظيفة الشعر الاجتماعية ) , وحتى هذا الدور الذي يوعزه أليوت للشاعر لا يخلو من مبالغة في تقدير دور الشاعر , مهما كان عظيما , فقد تكون لغة الشاعر العظيم عائقا في تطور اللغة نفسها وفي تطور الشعر ايضا ( كما يذكر ذلك أليوت في مقالة له عن ملتون ) , لذلك اجد صعوبة في تعريف الشاعر من خلال دوره في التاثير في اللغة , ولا يبقى لي سوى الأخذ بنسبية أي تعريف. ويبدو الأمر اشد تعقيدا عندما نعرف ان اعظم الشعراء قد يكونون اسوأهم جميعا . تجمع كتب الأقدمين , ومن تلاهم الى وقت قريب , ان البحتري اعظم الشعراء طرا في عصره وفي العصور التالية , فهو شاعر وابو العلاء والمتنبي حكيمان , غير ان شاعرا محدثا هو صلاح عبد الصبور لم يجد في ديوان البحتري الضخم غير عشرة ابيات جيدة او اقل من ذلك . كيف نعرف اذن ما هو نسبي متحول من زمن الى آخر ومن قارئ الى آخر ؟
ولو اتفقنا على التعريف وقلنا ان الشاعر يُعرف بشعره مفترضين اننا متفقون على تعريف الشعر , فماذا يعني هذا ؟
هل يعني ان الشاعر جيد اذا كان شعره جيدا ؟ ولكن الواقع لا يقول ذلك. فما اكثر الشعراء المطبلين للسلطات , وما اكثر الشعراء التجار , وما اكثر الشعراء المحمومين وراء الشهرة ونيل الجوائز ومن بينها ( جائزة نوبل ) بأي ثمن كان , حتى ولو كان على حساب شعرهم الجميل او غير الجميل ربما .
- لماذا تكتب الشعر ؟
* نادرا ما اطرح مثل هذا السؤال على نفسي . وقد اطرح جوابه , معبرا عما كدر حياتي . مرة كتبت في ديوان لي غير مطبوع عنوانه ( ديوان الأمثال ) هذا المثل :
شيئان كدرا حياتي
اصدقائي
والشعر
رغم انهما احب الاشياء إلي في هذه الحياة . هل اسأل نفسي : لماذا انا عراقي ؟ ولماذا اسمي ( عبد الكريم كاصد ) . قد تكون المواطنة مربكة احيانا والأسم ليس مطابقا . بل ويمكن استبدالهما , اذا شئنا , اما الشعر فهو الذي لا يمكن استبداله ابدا وطنا كان ام منفى . لا اريد ان يفهم من ذلك انني اعزو للشعر معنى انطولوجيا , وانه في مرتبة اسمى من الوطن ذاته , ولكنني اريد ان اقول انه الهوية التي تبقت لي بعد ان جردتني السلطة واحزاب المعارضة السلطوية وثقافة المؤسسات من كل شئ , حتى من اسمي ( في المنفى طالما عرفت باسماء شتى , وكتبت ومازلت اكتب باسماء شتى ) .
ان الشعر بالنسبة إلي مملكة حرية , حتى لو انقطعت سنوات عن نشره لا عن كتابته , هوية حاضرة حتى في غيابها , فهو يبزغ فجأة في اية لحظة , في عينين عابرتين , في وجه مألوف او غريب , في زاوية مهملة , في علاقة ما , وفي لحظة قد تكون الأبدية ذاتها .
إنه حاضر في رؤية الشاعر للاشياء والعالم , وفي اختباراته في طريق المعرفة , لكن حضوره ليس معلنا بل خفيا هادئا يكاد لا يرى , وحضوره العلني الوحيد هو القصيدة .
قد ينطرح سؤال آخر لا يتحدد فيه الشعر بعلاقته بالشاعر التي هي علاقة خاصة جدا , وانما يتحدد بغيره من وسائل العصر التي نشهدها وهي تتطور بشكل هائل : هل الشعر ضروري في هذا العصر ؟ هل ثمة متسع للغناء ؟ الجواب سيكون بالايجاب حتما ولكنه ايجاب مفعم بالشك . هل سيعود الشاعر ثانية نبيا صارخا في البرية ؟ ام انه سيكون اكثر دهاء , مثلما نرىالآن , في محاولته التلاؤم مع ما يحيط به من مؤسسات واعلام يقول من خلالها كل شئ الا الحقيقة .
- من هو الشاعر ؟
* كيف نعّرف الشاعر ؟ هل نعّرفه بالشعر ام بما ليس بشعر ؟ وإذا كان الشعر عصيا على التعريف فان إحالة الشاعر الى ما ليس بشعر اشد صعوبة .هل نعّرف الشاعر بوصفه مثالا ام كائنا مشخصا ؟ هل الشاعر هو الشخص ذاته في القصيدة ؟ وإذا كان الشاعر مثالا متعاليا في الواقع , فما دور قصيدته ؟ هل هي مرآة لصورته المثالية هذه ؟ ام تحطيم لها بما تكشفه من ابعاد سايكولوجية وفلسفية لا يعيها , ربما , الشاعر نفسه؟
هل الشاعر هو البطل ( بايرن ) ام الثائر ( شيلي ) ام الملعون ( بودلير ) ام الضحية ( بدر شاكر السياب) ام الرائي ( رامبو ) ام الصوفي ( الحلاج ) ام هو جامع النقائض كلها ؟ وخارق العادة التي الفها الناس ؟
ثمة دراسات كتبها فوكو ورولان بارت وآخرون تعلن موت المؤلف . فاذا صدقنا ذلك واعلينا شأن النص في علاقته بالقارئ بمعزل عن الشاعر , فما الذي يتبقى للأخير ؟ أيرضى الشاعر بدور الانسان العادي بوصفه ( حيوانا ناطقا ) يدخل في علاقات اجتماعية مع الاخرين ؟ ام ان الشاعر , وهو الأشد وهماً من غيره , لا يرضى بما هو اقل من ملك او وزير في مملكته الضاجة بالأشباح ؟
محبة
واترككم تستمتعون بهذا البيت الشعري واعذروني لنسيان القائل:
((كتـب الدمـع بخـدي عهـده =للهـوى و الشـوق يملـي ماكـتـب ))