بسم الله الرحمن الرحيم
الدموع اللؤلؤية.. قصة قصيرة..
-1-
في عينيه تلوح نظرة لم تعتدها منه ابدا, نظرة لم تعد تشي بالحب, واللهفة, والحنان, حتى ملامحه بدت في عينيها مختلفة كل الاختلاف, يكسوها قناع من اللامبالاة وعدم الاهتمام, فمالذي دهاه يا ترى؟!, وما سبب هذا التغير المفاجئ؟!..
- اعتقد اننا من الضروري ان نحسم كل شيئ الآن.
بدت الدهشة في عينيها عندما قالها بلهجة جافة, وكأنه يتعمد هذا, ازدردت ريقها بصوت مسموع قبل ان تقول:
- ومالذي سنحسمه الآن ياترى؟.
اشاح بوجهه وقال:
- كل شيئ بيننا.. لابد ان نحسمه الآن, وللأبد.
تريد ان تسأله عن الاسباب وراء هذا التغير العجيب في شخصيته, تخبره بأنها الآن تشعر به انسانا آخر, ولكنها احجمت ووجدت نفسها تسأله:
- ومالذي تريده بالضبط؟.
قال:
- ان تنتهي علاقتنا.. وبشكل نهائي.
في هذه اللحظة ارادت ان تبكي, ان ترتمي بين ذراعيه, وتسأله:
- لماذا يا حبيبي؟, لماذا تعذبني وانا لا احمل لك الا الحب.
ولكنها لا تفعل, وتندهش عندما تجد نفسها تقول بلهجة ثابتة لا اثر فيها للصدمة:
- اهذا ما تريده حقا؟.
رباه؟!, اي مشاعر ثلجية تلك التي تتحرك في صدرها الآن!!..
واي برود وثبات هذان اللذان تتحدث بهما!!..
ولماذا تأبى دموعها مغادرة مقلتيها احتجاجا على ما تسمعه منه؟!!..
ينظر اليها ويقول بعد اذ مط شفته السفلى:
- هذا ما كان يجب ان نفعله منذ وقت طويل, فمن الحماقة ان نستمر والفشل هو النهاية الحتمية.
تنهض, وتأخذ نفسا عميقا ثم تقول:
- لك ما تشاء اذن.
تلتفت اليه بعينين خاويتين وتقول:
- الوداع .
- يقول وهو يتحاشى النظر اليها:
- الوداع.
* * * * * * *
-2-
على الشاطئ تجلس وحدها, الامواج الثائرة تصطدم بالصخور وترتد مرة اخرى الى قلب البحر, الرذاذ البارد يتناثر على وجهها ورقبتها, فترتجف, قلبها ايضا يرتجف, مشاعرها تنتفض كطير ذبيح, الجمود والبرود فارقاها بعد لقائهما الاخير, كل شيئ امام عينيها اصبح بلامعنى, وبلا ملامح محددة..
تسمح الآن لدموعها بمغادرة مقلتيها, الآن فقط تعلن احتجاجها على ما فعله معها, على الخيانة تحتج..
وعلى القسوة والجفاء تحتج..
يمر الوقت سريعا, الظلام يفرض سيطرته على كل شيئ من حولها, ظلام لا يختلف كثيرا عن الظلام الذي يحيط بروحها..
تمسح دموعها بأناملها, تلقي نظرة اخيرة على البحر وامواجه, وتقول:
- كان لابد ان اتوقع امرا كهذا.
تنهض, ترى كل شيء امام عينيها كشريط سينمائي يمر بسرعة كبيرة, الكثير من المشاهد بدت مشوهة, اخيرا يختفي الشريط , على شفتيها تلوح ابتسامة, ولكنها ابتسامة حزينة..
تمشي مبتعدة, خطواتها مترنحة , ولكنها تعرف طريقها جيدا.
* * * * * * *
-3-
على مقعد قديم متهالك يجلس, ملامحه انهكها تتابع السنين, ولكنه يبتسم بارتياح, يتنهد كذلك بارتياح, يضع قلمه جانبا, يمسك بالاوراق التي ابتلت بالعرق, يقرؤها مرة, فثانية, فثالثة..
ابتسامته تتسع, تتحول الى ضحكة عالية, يمسح فمه بظهر كفه, يقول:
- لابد لما كتبته من عنوان مناسب.
يستغرق في تفكير عميق, واخيرا تتألق عيناه, يمسك بقلمه وعلى اول ورقة يخط بحماس شديد العنوان الذي يراه مناسبا..
" الدموع اللؤلؤية".
تمت بحمد الله