كاتب الموضوع :
osama 159
المنتدى :
الارشيف
تحياتى إلى كل من قام بالرد علىّ القصة وتشجيعى على الاستمرار وهذا هو الجزء الثانى
-2-
وصلت السفينة إلى ميناء نابولي ، وصل إلى حيث الحرية والانطلاق الشيئان اللذان يحلم بهما بعيداً عن سيطرة أبيه وتجبره وظلمه له فى كل وقت.
ها هو قد أصبح بعيداً عن أبيه وعن سخريته الدائمة منه إنه هنا بمفرده يحمل فوق أكتافه أحلام وأمانى كثيرة يود أن ينفذها ويحققها لهدف واحد ألا وهو أن يثبت للجميع أنه ناجح ويستطيع أن يفعل أى شئ مهما كان صعباً أو مستحيلاً.
لم يكن المال الهدف الأساسي لسمير بل كان الهدف بعد النجاح هو الحصول على حريته والانطلاق هنا وهناك والغرق وسط بحور اللذة والشهوة بعيداً عن التقاليد والعادات التى تسيطر على أفكار أهل الشرق.
إنه هنا سيحقق كل أحلامه ولكن المهم أن يعثر على العمل المناسب الذى يوفر له المال اللازم لتنفيذ هذه الأحلام.
وخرج " سمير " للبحث عن عمل فى كل مكان ، وراح يبحث هنا وهناك ولكنه لم يجد العمل الذى يتناسب مع قدراته فهو للأسف لا يتقن أى عمل وهو يرفض الأعمال التافهة ، وهو لا يدرك إنه لابد له من التعب فى بداية الأمر حتى يحقق ما يصبو إليه ، فهو يريد أن يبدأ من نهاية السلم بدلاً من أن يصعد السلم خطوة خطوة ، وقارب ما معه من مال على النفاذ دون أمل فى العثور على العمل المناسب له.
وأوشك اليأس أن يتسرب إلى نفسه وتعرف على بعض المصريين هناك ونصحه أحدهم بأن يعود إلى مصر لأنه وجد إنه لا يصلح لأى عمل ، ولكنه رفض نصيحتهم وراح يسعى .
وأخيراً استمع إلى نصيحة أحد المصريين الذى أخبره بأنه من الممكن أن يسافر إلى جنوب فرنسا حيث مزارع العنب وهناك من الممكن أن يعمل بعض الوقت حتى يتأقلم على الجو العام للحياة فى أوروبا وبعدها من الممكن له أن يسعى للبحث عن عمل أفضل.
وسافر " سمير " فعلاً إلى جنوب فرنسا والتحق بالعمل فى إحدى المزارع لجمع العنب وظل يعمل فى تلك المزرعة حتى استطاع أن يوفر بعض المال وقرر بعدها أن يسافر إلى ألمانيا.
وحينما وصل إلى ألمانيا ، كان الإحساس المسيطر عليه هو الخوف من الغد فهل من الممكن أن يعود إلى مصر مرة أخرى وهو يجر خلفه أذيال الخيبة والحسرة ، ولحظتها لن يستطيع أن يتفوه بكلمة واحدة ، فكيف يتكلم وقد فشل فى العثور على عمل ، بل عاد إلى مصر وهو لا يمتلك أى شئ وهنا لن يتحمل سخرية أبيه وقد يقدم على الانتحار هرباً من إحساسه بالضياع والفشل ،وكان عليه ألا يستسلم لهذا اليأس الذى بدأ يدب فى نفسه بعد وصوله إلى ألمانيا وعدم عثوره على عمل وكذلك راحت النقود التى استطاع أن يوفرها من عمله فى فرنسا على النفاذ دون أن يعثر على عمل من أى نوع.
وحينما أيقن " سمير" من أن الفشل والخيبة هى مصيره بعد أن فشل فى العثور على فرصة عمل فى أى مكان ، لم يجد أمامه سبيل سوى أن يقصد أقاربه المتواجدين فى ألمانيا لعله يجد لديهم المخرج مما هو فيه من ضيق وضياع.
وبعد فترة من الانتظار ، استطاع معارفه أن يوفروا له وظيفة مناسبة فى إحدى الشركات المشهورة فى ألمانيا.
وهنا أصبحت الأحلام واقعاً لا مفر منه فهو يحصل على راتب يستطيع به أن يفعل ما يشاء وانغمس " سمير " فى العمل وهو لا يبغى سوى جمع المال.
وبدأ رويداً رويداً فى استطلاع العالم الجديد وساعده المال الذى جمعه من عمله على الانغماس فى عالم جديد بعدما ضعف أمام إغراء المدينة الساحرة.
وانغمس وسط بحر هائج من اللذات لا ينتهي أبداً ، وغرق فى شهواته وراح يلهو هنا وهناك وساعده راتبه الكبير على ذلك ونسى كل شئ عن الماضى ، وراح يسعى لأن يحقق لنفسه شخصية جديدة على مقاعد مقهى " برنسيس " فى ميونيخ حيث الخمر والنساء بلا حساب أو رقيب.
ولم يكن " سمير " يعرف إنه موضوع تحت المراقبة الصارمة منذ أن وطأت قدميه ذلك المقهى ، فقد كان البعض يُحصى عليه حركاته بل وأنفاسه ولم يشعر " سمير " بأى شئ غريب فقد كان غارقاً فى بحور اللذة والخمر يعب منها بلا حساب ، وانغمس حتى أذنيه فى الوحل بحيث أصبح من الصعب أن يخرج مما هو فيه بعد أن ذاق حلاوة الحياة الرغدة البعيدة عن رقابة الأسرة والعادات والتقاليد البالية.
وحينما تأكد من يراقب " سمير " من أنه قد أصبح أسير الخمر والنساء ، بدأ فى تنفيذ الخطة التى وضعت من قبل ألا وهى التقرب منه ثم إغراقه فى مزيد من بحور اللهو حتى أذنيه ، وهنا تحين اللحظة الحاسمة التى لا مفر منها ويسقط صريعاً فى أيديهم رافعاً يديه إلى أعلى طالباً منهم مساعدته فى الخروج مما ورطوه فيه من قبل ، ويصبح الفرد على استعداد لأن يفعل أى شئ مهما كان حتى يخرج من الورطة التى سقط فيها بمحض إرادته.
وبدأت الخطة ....
وفى ذات ليلة وبينما " سمير " يجلس فى المقهى يحتسى الخمر إذ جلس بجواره رجل أنيق الملبس ، ويدل شكله على أنه عربى الأصل ، ودار بين الاثنين حديث حول الطقس والحياة فى هذه البلاد ، ومن خلال الحديث استطاع " سمير " أن يعرف أن نديمه يدعى " أبو سليم " وهو من بلاد الشام وهو يعمل فى مجال المقاولات ولديه العديد من الاتصالات فى أنحاء أوروبا، وهو يجلس هنا فى انتظار صديقته التى أقبلت من بعيد وهى تخطر فى رشاقة ، وأقبلت الفتاة نحوهما وهنا أحس " سمير " بالذهول فقد فوجئ بفتاة ذات أنوثة طاغية وترتدي ثياباً تظهر أكثر مما تخفى ، وأحس " سمير " بالحرارة تلفح رأسه وأحس بها تدور بلا خمر من منظر صدرها العارى أو سيقانها المرمرية الرائعة ، وأخبره " أبو سليم " أن الفتاة تدعى " جينفيف يارد " وأحس بالسعادة البالغة تجتاح نفسه حينما وافقت على الرقص معه ، وراحت تحرقه بنيران أنفاسها ، وحاول " سمير " أن يقاوم سحرها الشديد عليه ولكنه فشل فقد أحس إنه قد أصبح أسير هواها.
وحينما أعطته رقم التليفون بناء على رغبته ، أحس بأن قلبه قد توقف عن النبض فقد كانت أقصى أمانيه أن يراها مرة أخرى لا أن يحصل على عنوانها ورقم الهاتف الخاص بها.
وحينما انصرف " أبو سليم " وفى صحبته " جين " أحس " سمير " بأن روحه قد سُلبت منه ، وأنه لن يقوى على فراق تلك الفتنة الطاغية ، فكيف له أن يقاوم هذا الجمال الطاغى ؟.
وراح يطاردها بمكالماته فى كل وقت ويحاول أن يحصل منها على موعد أو كلمة تطفئ النيران المشتعلة بداخله ، ولكنها كانت ترفض طلبه فى إصرار عجيب. وتكررت المقابلات بين " سمير " و" أبو سليم " عدة مرات وكان " سمير " يحاول أن يسأل عن " جين " ولكنه لم يجد الإجابة الشافية من " أبو سليم ". وحينما أحس " أبو سليم " أن " سمير " قد أصبح طوع بنانه اتصل به ودعاه لزيارته فى بيته ولم يتردد الأخير فى قبول الدعوة بل كان فى لهفة شديدة لرؤية " جين ".
وحينما حان الموعد أسرع " سمير " إلى منزل " أبو سليم " وجلس وهو يتلفت حوله بحثاً عنها ، وأقبلت بعد فترة " جين " وهى تتحرك كفتنة تتحرك معها الرغبات وتثور وتعلن عن نفسها فى قوة ، وكم تمنى " سمير " لو منحها كل غال لديه للفوز بقطرة واحدة من أنوثتها. ولكن كيف ؟. وأبو سليم موجود ، وكأنما أحس الأخير بما يدور فى خلد " سمير " فانصرف بعد تلقيه مكالمة هاتفية ، ونظر إلى " سمير " وأخبره بأنه لن يتأخر. وهنا أصبح " سمير " بمفرده مع " جين " التى اقتربت منه وراحت تفيض عليه من كئوس النشوة حتى خارت إرادته وسقط صريع هواها بلا مقاومة أو نقاش. وبينما " سمير " فى أحضانها الدافئة لاح له طيف " ميرفت " فتنهد بصوت مسموع فنظرت إليه " جين " وقالت له :
- ما بك ؟.
فقال سمير :
- لا شئ سوى إننى تذكرت بعض الأشخاص فى هذه اللحظة.
فقالت جين بدلال بالغ :
- وهل تفكر فى غيرى وأنا بين يديك.
فابتسم سمير وقال :
- لقد تذكرت الفتاة التى كنت أحبها فى مصر والتى كانت ترفض أن تمنحنى مجرد قبلة بسيطة ، أما أنت فتختلفين تماماً عنها فأنت أجمل فتاة رأيتها ولن أتركك أبداً مهما حدث.
فعانقته فى حنان وأسبغت عليه من بحور جمالها ما حار فيه عقله ولم يعد يرى فى الدنيا سوى تلك اللحظة التى يعيشها بين أحضانها الدافئة. ولم يكن " سمير " يعلم أنه فى هذه اللحظة يجلس البعض يحصى عليه أنفاسه التى يتنفس بها فى أثناء لهوه ومجونه مع " جين " وتم تسجيل كل ما دار بينهما فى تلك الليلة دون أن يعلم. وانتهت الليلة وانصرف " سمير " وهو يشعر بنشوة غريبة تجتاح نفسه فها هو قد حاز على ذلك الجسد المثير ، لقد أحس أنه قد امتلك الدنيا بما فيها بعد أن استطاع الاستحواذ على قلب تلك الفتاة الرائعة الجمال.
وراح " سمير " يمنى نفسه بقضاء ليلة أخرى بين أحضان تلك الفتاة ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؟.
أنه لا يدرى كيف يستطيع أن يحقق ذلك الحلم ؟.. ولكنه لن ييأس وسوف يترك الأيام تفعل به ما تشاء لعلها تحقق له من يحلم به.
*******
وانقضت عدة أيام دون أن يرى " سمير " جين " أو يستطيع العثور عليها فلقد كانت تتهرب دائماً من مكالماته الهاتفية بحجج مختلفة ، وراح " سمير " يدور حول نفسه كالأسد الحبيس لا يدرى من أين السبيل إلى الهروب مما هو فيه؟ لقد أحس " سمير " بأنه يوشك على الجنون لو لم يرها مرة أخرى لقد أحس بحبها يتغلغل داخل قلبه. نعم إنه يحبها ويشتهيها فى نفس الوقت.
وراح يبحث عنها هنا وهناك ولكنه فشل فى العثور عليها ، وحينما بدأ اليأس يدب فى قلبه .. كانت النجدة فى الانتظار.
وأخيراً وبعد طول انتظار اتصلت به " جين " وطلبت منه أن يأتى لزيارتها فى البيت ، وكأنما كان " سمير " ينتظر تلك الكلمة فانطلق مسرعاً إليها تاركاً كل شئ خلفه دون أى اعتبار لمصلحة العمل الذى يعمل به ، وحينما رآها أمام عينيه لم يتمالك نفسه وألقى بنفسه بين أحضانها وراح يسألها فى لهفة عن سبب اختفائها كل تلك الفترة ، ولماذا لم تجيب على مكالماته الهاتفية المتكررة ؟.
وابتسمت "جين" وهى ترى لهفة " سمير " عليها ونظرت إليه وقالت :
- إنه العمل يا حبيبى ...
فقال سمير :
- وأين أنا من عملك ؟ لقد كاد عقلى أن يذهب من التفكير فيك ، إننى أحبك يا جين ولا أقوى على فراقك أبداً ...
وأمسك بيديها وطبع عليها قبلة حانية فابتسمت " جين " وراحت تربت على رأسه ثم ضمته إلى صدرها وهى تقول : - لقد أحببتك أنا الأخرى ولكننى لا أستطيع أن أبقى معك إلى الأبد فهذه هى المرة الأخيرة التى نتقابل فيها .
فنظر إليها " سمير " فى ذهول وقال بجزع :
- ماذا تقولين ؟ .. أننى لن أقوى على البعد عنك بعد الآن فلقد أصبحت لى كل شئ فى هذه الدنيا ولن أسمح لك بالابتعاد عنى مهما كانت الأسباب.
فقالت جين بنبرة يغلب عليها الحزن : - إنه العمل ..
فقال لها سمير وهو يضمها إلى صدرها :
- سأذهب معك إلى أى مكان تذهبين إليه.
فقالت جين : - مستحيل.
فقال لها سمير :
- لا يوجد شئ اسمه مستحيل ، وسأثبت لك أنني صادق فى كل كلمة أقولها. أننى أحبك منذ أن رأيتك أول مرة ولا أستطيع البعد عنك ثانية.. لقد تركت وطنى الذى تعذبت فيه كثيراً بحثاً عن وطن جديد ، وحينما رأيتك أحسست أنك قد أصبحت أهلى ووطنى وحياتى كلها ولن أتركك ترحلين أبداً.
فقالت جين وهى تبكى :
- وأنا أيضاً .. لقد ذقت العذاب كثيراً فى حياتى خاصة بعد موت والدى وخروجي للبحث عن عمل ، وواجهت الكثير من الصعاب حتى حصلت على تلك الوظيفة التى أعمل بها ، ورغم ما توفره لى تلك الوظيفة إلا أننى أفتقد الصديق والحبيب الذى أبثه أحزانى وآلامي.
فقال سمير:
- أليس أبو سليم صديقك ؟.
فقالت جين :
- لا .. إنه رئيسى فى العمل ، أننى بالنسبة له سلعة تافهة يروج لها مجاناً لقضاء بعض المصالح.
فنظر إليها " سمير " وقال : - وما هى طبيعة ذلك العمل ؟.
فقالت جين :
- لا أستطيع فانا أخشى على نفسى منهم .
فنظر إليها " سمير " وقال لها :
- لا تخشى شيئاً فطالما أنا معك فلن يقوى أى شخص مهما كان على أن يؤذيك ، ولكننى أريد أن اعرف كل شئ عن طبيعة عملك الذى تخشين البوح به إلى ؟.
فقالت " جين " وهى تنظر إلى سمير :
- أنني أعمل مع إحدى المنظمات الدولية وقد طلبت منى بعض الأعمال ولكنني فشلت فى تأدية تلك الأعمال.
فقال سمير : - وما هى تلك الطلبات ؟.
فقالت جين فى ضيق واضح :
- لقد طلبوا منى أن أترجم لهم بعض الأخبار المنشورة فى بعض الصحف المصرية والعربية ولكنني فشلت لضعفي فى اللغة العربية.
فقال سمير :
- وكيف يمكننى أن أساعدك فى عملك هذا ؟.
فقالت جين :
- بأن تترجم لى بعض الأخبار لكى أرسلها للمنظمة.
فنظر إليها وقال لها :
- اطمئني فأنا لن أتركك ترحلين بعيداً عنى مهما حدث.
وأعلن " سمير " موافقته على مساعدته فيما تحتاج إليه من معلومات فأحضرت " جين " له بعض الأوراق وبعض الأخبار المختلفة عن الاقتصاد والسياحة والسياسة فى مصر وطلبت منه أن يترجم تلك المقالات. وراح " سمير " ينفذ لها ما طلبته ، وحينما انتهى من عمله ضمته إليها وأذاقته من رحيقها حتى ارتوى.
*******
وفى اليوم التالى أقبلت " جين " على " سمير " وبعد أن جلسا سوياً فى أحد المطاعم ابتسمت له وقالت :
- أن رؤسائي مسرورون جداً من العمل الذى قمنا به وقد أرسلوا لى بمكافأة كبيرة نظير هذا العمل.
وأخرجت مظروف صغير من حقيبتها وناولته لسمير الذى نظر إليها وقال :
- ما هذا ؟.
فقال جين :
- إنه نظير العمل الذى قمت به.
فقال سمير :
- ولكن هذا المال من حقك أنت .. فأنت من تعملين معهم وليس أنا.
فابتسمت " جين " وقالت :
- اطمئن فلقد أخبرتهم بكل شئ وأخبرتهم عن مساعدتك لى فى إعداد هذا التقرير ، وهذا المبلغ هو نصيبك نظير هذا العمل.
فأخذ " سمير " المظروف وفتحه فوجده ممتلئ بالماركات وقدمت له " جين " ورقة وطلبت منه التوقيع عليها فنظر إليها متسائلاً عن تلك الورقة فقالت له:
- إنه إيصال باستلام المبلغ .
فوقع " سمير " على الإيصال وبعد فترة من الوقت انصرفت " جين " لحضور اجتماع فى الشركة مع " أبو سليم " على وعد باللقاء فى المساء.
*******
|