تركتها وحيدة....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة...يسرني ان اضع الجزء السادس من قصتي بعد طول انتظار...متمنياان ينال الاعجاب والقبول..
((6))....
البشر على مختلف اشكالهم واجناسهم ..وعلى تغير اطباعهم وميزاتهم ..يشتركون دائما في شئ واحد وهو انهم بشر..يملكون قلوبا حية تنبض ..
واحاسيس تتاثر بما حولها ..ومشاعر متغيرة..متبدلة بتبدل الحالةو وتغير المواقف..خلقت في الانسان غرائز لا يستطيع ان يتجاهلها ابدا ..احداها حب البقاء ..
وهذا لا يتنسى الا بالامتداد والتكاثر..لا نستطيع ان ننكر هذا الغريزة فينا ابدا ..لانها مغروسة داخلنا تنمو في اعماقنا مع اتساع مداركنا ..لا ادري لماذا هذا الغريزة تسكننا ..ربما كان الخوف الكامن من الفناء ...فلقد تصارع الانسان منذ قديم الزمن رغبة في حب البقاء ....
كما ان الاحلام والاماني جزء من شخصية الفرد وتكوينة ..لا يمكن ان يحلم الانسان بشئ الا اذا كان ينتمي اليه حقا اي جزء من شخصيتة ....
كل منا له
احلام يتمنى ان تتحقق ..وينتظر بفارغ الصبر ان تتحول في يوم من الايام الى حقيقة واقعة ملموسة...ان يتلمسها باحساسة وقلبة واصابعة....
ان ما احلم بة واتمناة ليس بالضرورة ان يكون حلما لغيري او امنية بل ربما يعتبر ذلك شئ يمكنة العيش بدونة او الاستغناء عنة..بينما تشعر انت
انة يتسلل الى اعماقك لا تستطيع العيش الا باستنشاقه هواءة ..وكانة اكسير الحياة الذي يمدك بالاصرار على البقاء والمتابعة....بدون الاحلام لا يمكن للانسان ان يستمر ...حتى اذا فتقدها البشر او تلاشى الامل في تحقيقها ..تشعر ان روحك ..
قد انتزعت منك دون رحمة ..ويتمللك احساس بفقدان الحياة والرغبة في الاستمرار حتى لو كان ذلك لفترة مؤقتة ..
كنت لا زلت مستغرقا في تفكيري هذا وانا اتذكر كلمات شقيقي (سالم )القلقة ..بدى حينها شاردا على غير عادتة ..لم افهم لماذا يشعر بهذا
الاحباط وهو يتحدث معي ويخرج ما في اعماقة ..كانت اصابعة تتلاعب بفنجان القهوة الذي امامة ....وهو ينظر الى طفلتة الصغيرة تقفز هنا وهناك ولعبتها الاثيرة بين يديها ...لقد كان سالم هو اكثرنا واقعية ..بين اشقائة لم يكن ينظر الى الامام كثيرا ..كانت تهمة اللحظة الراهنة ..ولم يكن يدع مشاعر الاسف تحول بينة وبين العيش مرتاحا هانئ البال ..فكل الذي يحدث مقدرا لك لن يخطأك ويذهب الى غيرك ...تخرج من الثانوية بمجموع جيد ولم يكن يرغب في الالتحاق الى الجامعة ..كنا نرى ذلك شيئا شاذا نوعا ما ..فالمستقبل يكمن في اكمال تعليمة ....ودخولة الجامعة....ربما كان ذلك من وجهه نظرنا على الاقل ...ربما ارادنا ان نعلم ان ما نراة مستقبلا زاهرا بالنسبة اليه ماهو الا نهاية الطريق بالنسبة لنا .....
لم يشعر ان هذا ما يريدة حاولت ثنية عن ذلك مرارا ولكنة ابى واصر على راية...التحق بمعهد مهني وتعلم فية النجارة ..
هوايتة المفضلة فلقد كان يجلس طويلا على قطعة من الخشب يحاول ان يضع فيها كل افكارة ..يحدق فيها وكانة يريد ان يستخرج الهاما او وحيا ما
من داخلها ..لم تكن تعنية الدراسة العليا ..اراد ان يواصل الاستغراق في عالمة ..ان يصنع من القطع الخشبية عالم من الابداع..ان يرى لفكارة تتحرك امامة...
اما انا فقدت كنت احلم كثيرا بمنصب كبير ..لم يكن غرورا او طمعا ..ولكنني اردت ان ارى كل ذلك بجهدي اردت ان يشار الي بالرجل العصامي
..كنت اتزود من احلامي تلك..لم يكن لطموحي حدود ولا لاحلامي رادع او عائق..اردت ان يقال ان هذا الرجل قد خرج من منزل بسيط ..
يعمل صاحبة على بيع الاشياء البسيطة الصغيرة..خرج هذا الرجل الناجح من بين خمسة اخوة ..جمعهم ضيق العيش ..وعفة النفس ..وقوة الايمان..
تابعت دراستي في مجال اردت ان يكون قريبا من الارقام والحسابات ..فقد كان عقلي يزخر بمئات المعادلات والاعداد..كان عالم الحسابات والارقام
يستهويني ويشدني ..كان الجميع يقولون ان (سعيد)صاحب عقلية فذة..لا شك ان السرور كان يحتل اعماقي ...
انا واخي كلانا سلك طريقا مختلفا ..كلانا كانت لنا غايتان متناقضتان ..ولكنهما في النهاية كانتا احلام تسكن اعماقنا ..واماني ترقد بين حنايا..
الضلوع ..((انا قلق عليهم))..انتابتني الدهشة عند سماع كلمات شقيقي ..كان لا يزال يتابع تلك الطفلة وهي تحتضن دميتها وكانها ام حنون ..
ان زوجتة وابنتاة يعيشان في ظل رجل صاحب نفسية رائعة من الاعماق
..ذا شخصية خلابة ومبدعة..رجل بكل معنى الكلمة..اما حالتهم المادية التي تكلم عنها فانا لا ارى فيهما باسا او نقصان..ان دخل المنجرة التي
يملكها يعود علية بخير وفير ..فلماذا القلق..تسائلت وانا انتظر اجابتة عن حيرتي...
((يتملكني احساس مجهول بالقلق))لا اعلم ماذا اقول ولكنني ظننت انه يبالغ قليلا في القلق ..فلم اعهد منة قلقلا على مستقبل او تفكيرا في القادم ...كان يترك كل شئ يسير وفق ما ترسمة الاقدار والظروف...حاولت ان اهدئ من روع شقيقي ..فكل الاباء والامهات يملكون هذة المشاعر الجياشة..صحيح انني لم اجرب ذلك..
ولكنني كنت ارى هذا في عين والدي واشعر بة في اعماق والدتي ..انة الشعور بالمسؤولية اتجاة من يسكنون الاعماق ..
اردت ان ازيح من ينتاب شقيقي من مشاعر منتاقضة مضطربة في تلك اللحظات ...ذكرتة بما كان يقول دائما ..دع كل شئ يسير كما يجب ان يسير
لم تتلاشى تلك النظرة من عينية تماما ولكنني رايت نظرة غريبة تتسلل الى عينية وهو ينظر الى ابنتة الراقدة بين ذراعية بعد ان انهكها اللعب ...كانت نظرة مملوءة بالحنان ...بل كانت فيضا من النظرات....
تنهدت طويلا وانا اتوصل الى هذة النتيجة ..كانت تلك اللعبة لا زالت بين اصابعي ..كنت اتاملها طويلا ..لقد تركتها تلك الطفلة الشقية وذهبت دون ان تفطن الى ذلك ..هؤلاء هم الاطفال ليس في انفسهم ما يكدرهم او يثير الحزن والشجن داخلهم ..نفوسهم خالية صافية كصفحة ماء رقراقة شفافة..
كورقة بيضاء ناصعة لا تتلوث ..ولا تتغير الوانها ..لذلك فنحن نفقد تلك الروح وذلك الصفاء عندما نكبر ..ويكبر معنا ادراكنا بالحياة ..
القيت على الدمية نظرة اخيرة وانا اضعها على الرف..ابتسمت ساهما وانا اغمغم قبل ان ابتعد((انها تشبهها كثيرا))...
حاولت ان اعود الى حياتي ونمطها السابق ..لم ادرك ان شيئا ما في داخلي قد تغير ..وقفت حائرا امام رغبتي في تحليل الاشياء اصبحت اكثر احساسا وشفافية ..كنت افكر طويلا في كل كلمة او حركة عرفت ان كل شئ لا يحدث عبثا او اعتباطا ابدا..تسائلت كثيرا لما اخرج من الحلقة المفرغة التي اجبر نفسي على العيش فيها ...فلن ينفعني ما يتنابني من مشاعر الالم والخيبة طويلا ...فالحياة تستمر ولاشئ يبقى على حالة ابدا ..ان الايام تمضي حاملة لنا مالا نتوقعة ابدا ..تسير مسرعة الى غير رجعة..اليوم الذي يمضي لا يرجع ابدا...
فكرت كثيرا ان اعود بمشاعري وقلبي اليها ..فلا زلت احمل لها الكثير في قلبي ...تضائلت حدة شعوري بذنبها ...فلم يكن يسكن عينيها الواسعتان الا نداء خفي ...ورجاء كنت اراة عندما تتلاقى الاعين ....ربما علي ان افعل ذلك فلن نعيش هكذا الى الابد....
انتهيت اخيرا من المهمة الشاقة التي كنت ارزح تحت اعبائها ..سهرت لعدة ليال وانا اراجع كل رقم وكل حرف في صفحات الملف الكبير الذي احضرتة ..حتى ان عيناي اصابهما التعب والانهاك..فهناك تجاوزات كثيرة ..وتزييف في الارقام والمعاملات ..انغمست اكثر في العمل ..كنت ارى فية خروجا من واقعي وملاذا لازاحة ما اشعر بة من فراغ ...علاوة على ذلك فقد شدني ما رايت بين السطور...
اردت ان ارصد كل ذلك عزمت على تقديم ذلك الى المدير ..لم يتملكني العجب عندما ادركت ان اصحاب هذة الارقام المزيفة والمؤامرات الخفية ماهم الا
حاشية المدير وخاصتة من والمقربين له..كان وراء كلماتهم الزائفة المغلفة بالمدح والتعظيم اشياء اخرى ..
انهم ينخرون عميقا ليصلون الى العصب ..احسست ان هاك رائحة غير محببة وراء ذلك..لم اترك الاوراق الا عندما تاكدت من ذلك ..حاولت ان اربط كل شئ ببعضة ..احتلت هذة الارقام والصفحات كل تفكيري لفترة من الوقت نسيت معها كل ما سواها ..حتى ((منى ))ونظراتها الشاردة الحزينة..
حملت كل ذلك بين كنت لا ازال اشعر ببعض التعب والدوار عندما اتجهت الى غرفة المدير ..لم اكن في حال جيدة في الحقيقة ..ولكنني آثرت ان اسرع بدفع الاوراق الية كي يتصرف في اسرع وقت ..وضعتة امامة املا ان يشعر بخطورة ما تبينة الاوراق وتنبئ عنة الارقام المزيفة..كنت احرك صفحات الملف ذات الاوراق الكبيرة وادعمها بالشرح التفصيلي ..بينما كان هو يستمع صامتا ..لم اتبين موقفة الى الان ...ولكنني تابعت..
((انا لم اطلب منك ان تغير ذلك))دهشت لكلماته بقيت لدقائق انظر اليه ..غير مستوعب لما تحوية ..توقعت ان يغضب يهدد اصحاب تلك المؤامرات
بالفصل ..املت فقط ان يعطيني كلمة اشعر بتفاعلة من خلالها ..اعلم ان ذلك ليس من شؤون عملي البحتة ..
ولكنة واجبي ان الفت نظرة الى ما يدور في الخفاء ..الى ما يحيكونة خلفة من تجاوزات ..عل الغشاوة تزاح من امام عينية ويستطيع الحكم عليهم بعد ذلك ..رايت منة اصرار غريب على موقفة ...كل ما فعلة هو الاشارة الى ملاحظاتي قائلا لي ان اعيد كل شئ الى ماكان عليه...
ادركت اخيرا وبعد فوات الوقت ما تعنية كلماتة..نسيت انهم خاصتة والمقربيبن الية..ادركت اخيرا انني المغفل الوحيد هنا ولااحد سواي ..لم ادرك ما فعلتة ..كنت احاول ان اخرج ذلك الاحساس العميق الذي داخلي ..شعور بالحماقة ..انني مغفل بالفعل ..
((فهمت الان ماذا يحدث ..انك تقف على راس القائمة))قلت ذلك ودفعت بالاوراق بحركة مفاجاة وقوية..وخرجت وانا ارى نظرة الذهول في عينية
بينما كانت الاوراق تتطاير وتتساقط على ارضية المكتب ..
تجاهلت الكلمات الساخطة التي اطلقها ذلك الموظف عندما دفعتة عن طريقي ..اتجهت الى باب الشركة مباشرة وانا اغلي من الداخل ..كنت اشعر بانني اريد ان احطم كل شئ ..استقريت وراء مقعد السيارة ..ضغطت على المقود بشدة وانا اسرع مبتعدا ..
ارتدت ان اتخلص من كل هذا من خيبة املي ..من مشاعري الدفينة التي تسبب الاما في الاعماق ..كنت اشعر انني كالطائر الحبيس بين اسلاك قفص حديدي ..تملكني شعور بالاختناق ..لم ارد ان اذهب الى اي مكان واحبس بين جدرانة ..
اوقفت سيارتي لا شعوريا امام ذلك الواسع القابع بهدوء وسكينة ..لا زالت تلك الامواج تتحرك وتصدر ذلك الصوت ..اقتربت انه يناديني ..يدعوني
للوقوف الى بين يدية..لابد انة يدرك معاناتي فانا وحيد بين شجوني ...غريب في ارض لا تعرف الا التخطيط وحياكة المؤامرات والدسائس ...
كنقطة حمراء في صفحة سوداء ...
عندما عدت في ذلك اليوم الى المنزل كنت منهكا بشكل غريب ..شعرت ان اوصالي تكاد تنفجر من جراء الضغط عليها ..اجبرت نفسي على المقاومة
..وانا اسير عبر ممر الصالة الى الغرفة ..كانت موجودة هناك تسرح شعرها ..جفلت بشدة عندما راتني وكانني مارد خرجت من المصباح..
رميت نفسي سريعا على الفراش وانا اشعر كانني رميت من اعلى جيل شاهق...لم اكلف نفسي عناء تغيير ملابس العمل التي كنت ارتديها ..اردت ان يظل راسي المثقل مستلقيا على تلك المخدة الوثيرة الى الابد..اغمضت عيني ببطء وانا اخذ نفسا عميقا ..
يبدوا انها ظلت تنظر الي كثيرا ..اقتربت شعرت بخطواتها تقترب الي ..على الرغم من انني كنت مغمض العينين ..الا انني شعرت بوجودها قربي
كنت اسمع انفاسها قريبة جدا مني ..
شعرت بها قريبة مني ..شعرت بظلها يسقط علي ..((سعيد هل انت بخير))....
فتحت عيناي وانا انظر اليها ..كانت رائعة الجمال وشعرها الحريري ينسدل على كتفيها ..غريب انني كنت اشعر بذلك وانا في تلك الظروف ...
عينيها كانت بحر واسع ممتد كامتداد رمال الشاطئ...ترى هل تعلم ما يدور في داخلي في هذة اللحظات ..تملكني شعور غريب بالقرب اليها ..
كنت اريد ان اقول لها كل شئ ..اردت ان اخرج كل اللذي يختلج في اعماقي ..تمنيت ان اضع راسي المثقل على صدرها لتمسح هي بيديها الرقيقتين
على جبيني ..اردت ان ارى ابتسامتها التي تشبة شروق الشمس ...فلو تعلم كما انا احتاج الى احضانها في هذة اللحظات لما توانت احتوائي بين ذراعيها ...
.اشتقت لكل كلمة وحرف تقولة ...تسائلت لماذا تركتها كل هذة المدة اردت ان اقول لها اي شئ ..ولكنني فوجئت بنفسي اقول لها بجفاء((لا توقظيني))...
في انتظار ردودكم...