تركتها وحيدة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
كما وعدتكم الجزء22...
وامل ان اجد مزيدا من التفاعل والتشجيع....
تفضلوا...
(22)
الخوف من وقوع ما نخشى ونكره يحلينا الى شعلة محترقة من المخاوف والهواجس ..نقلب تلك الافكار المخيفة التي تتصوب الينا وكاننا
نبحث بداخلها عن بصيص من الامل حتى ولو كان بصيصا خافتا ..
لانأبه ابدا لنداء الخوف الخفي الذي تتردد اصداءة في اعماقنا ...نستمر في صم اذاننا عن واقع ن شانه ان يمزقنا ...
ولكننا لا نلبث ان نصطدم بارض الواقع وتصبح تلك الافكار عبارة عن مطارق تضرب رؤسنا لتجعلنا نستيقظ على واقع مؤلم لا نريدة
فلا نستطيع الا ان نغلق اعيننا بقوة عن الحقيقة كي لا نتعذب تحت وطاة اللحظات الثقيلة التي نمر بها فتورثنا مزيدا من الرعب..
ليس من السهل مجرد الشعور انك من الممكن ان تفقد رفقاء الدرب ..يصعب عليك اسيعاب انهم من الممكن ان يتركوك ويخلفوك حطاما
لاتقوى على لملة شمل نفسك ..تتفحص وجوهم الحبيبة وتقرأها مرة بعد مرة علك تكون قد اغفلت كلمة اوحرف ..فتستطيع بذلك ان تغير بذلك سير الاحداث ..ولكنك لاتجد الا اشياء تجعل بصرك يرتد اليك خاسئا وهوحسير ..
في حياتنا اشخاص لا نستطيع الا ان نتنفس هوائهم ونستنشق انفاسهم وان ابتعدوا عنا لبعض الوقت ..في قلوبنا مساكن لا يمكن ان يقطنها الا الخاصة من الاحباء الذين نثروا الورود في دروبنا...
تحلو معهم الحياة وتتحول الى باقة جميلة من الورود تنتشر في حديقة غناء..تزكى بهم رائحة الانفاس فنحسب اننا نتنفس عطرا فواحا وليس هواء ..
بعض القلوب لا تستطيع امامها الا ان تركع لفرط حبها وحساسيتها ..بعض النفوس تنظر اليك مشفقة عليك من تبعات الفراق وهي
تعلم ان وقع الفراق عليها ادهى وامر ..
هناك اشخاص يغرقون في الانسانية الى درجة الانصهار ..يتوحدون مع مشاعر الحب والوفاء الى درجة التناغم والالتحام ..فلا تستطيع ان ترتشف من ينابيعهم الا الاخلاص والولاء..
تكبر معهم احلامنا المتنامية حتى تصل الى حجم نحسب معها انها تلامس السماء وارتفاعها ..نتبادل معهم الطموحات حتى نشعر ان طموحاتنا واحدة لا تختلف
عن بعضها فكلنا كيان واحد لا يشوبة شائبة ...
يغذون انفسنا من رحيق انسانيتهم ويرتفعون بنا الى مقامات عالية من التضحية ويحفظون اللحظات التي كنا نتشارك فيها في الدرب وصعوبات الطريق...
فيصبحون مثلا اعلى لنا وطريقا نتبعة ونحن مغمضين اعيننا ...ولو كان الدرب مظلما وحتى لو كانو يماثلونا في العمر او يصغرونا بسنوات عدة..
لذا عندما تدق اجراس الخطر ويعلنون ارتحالهم عنا نصاب بحالة اشبة بانفصال الروح من الجسد..ترتجف بنا ارواحنا اذا تذكرنا ساعة اللقاء وتنتابنا الوحشة عندما نتذكرانهم في يوم من الايام قد يتركونا راغمين ..
نرى تلك النظرة الشاحبة الطويلة في اعينهم فنهفوا اليهم نبتسم من وراء عواصف خوفنا ..نحاول
ان نبث القوة فيهم من خلف ضعفنا واهتزازنا ..نبحث عن منابعهم فنرى انها قد قاربت على الجفاف ...
نقف امامهم كالطود العظيم الذي لا يهزة اعتى الرياح العاصفة ..لكننا من الداخل نشعر وكاننا
قد تحولنا الى اجزاء متناثرة متكسرة متباعدة تسحقها يد الخوف وتنكمش عليها قشعريرة تحيل قوتنا الى مجرد قشر رقيق لا يملك من مظهرالصلابة الا الشكل فقط ...
فنتمنى ان نلجا منهم اليهم ليخففو علينا نار الالامهم ..فليس لنا في القلب غير قلوبهم ..ولانملك من الملاجئ الا كهوفهم تسطع بين جوانبنا اقمارهم ..وتدلنا على طريق الانعتاق نجومهم السنية...
تغمرنا رغبة ان تطفئ ابصارنا وتعطل مشعارنا كي لا نحترق قبل ان تحترق اخر ورقة من اشجارهم التي كانت يوما وارفة الظلال ..وتنكسر اغصانا في داخلنا قبل ان تتهاوى اغصانهم التي طالما امدتنا بثمار روحية لا تنبتها الا انفسهم..
كنت انظر اليها وانا اراها تحرك شفتيها الذابلتين ..اهتزت رموشها الطويلة وهي تنظر الي وقد اعتلى بشرتها الخمرية بعض الشحوب ..
دق جرس الانذار في داخلي ترى هل ستعود لها تلك الحالة من الاحباط..فمنذ تلك الحادثة مع ابن زوج مها وانا اشعر ان صحتها في تخبط مستمر ..حاولت ان ابعد من بالي ذكرى تلك الايام الثقيلة لا اريد ان اتذكرها
ولا اريدها ان تعود ..
ترى هل ينجح الطبيب في ازالة شحوبها ام ان ذلك ليس بيدة ..هل يكمن وراء انطفاءها الجديد شئ ما انا لا ادركة وهل ابالغ اذا قلت انني اشعر بخوف مجهول ..
شعرت في نفسي عدم القدرة على الاستنتاج والتوقع واتباع سيل من افكار متسلسلة لا طائل منها ..عدت مرة اخرى الى ارض الواقع لاحظت ان بيدها منشفة المطبخ الصغيرة نقلت عيني بين يديها وجهها امسكت كفها وانا ارفعها قائلا لها بعتاب..
_منى انا لم اطلب منك ان تدخلي المطبخ اليس كذلك..
_ولكنني كنت اجهز غذائك.. لابد انك جائع..
امسكت بكتفها ورافقتها الى الغرفة حتى اجلستها على السرير ..اخذت المنشفة واضعا اياها جانبا امسكت بطرف وجهها بيد واخذت اتحسس وجنتيها بيد اخرى ..
_اخبريني هل انتي متعبة ..
ابعدت كفي برفق وهي تبتسم ابتسامة بدت صافية رغم شحوبها وظهور الهالات السوداء التي تحيط بعينيها ..نهضت وتناولت المنشفة مرة اخرى ثم ابتعدت قائلة وهي تعاود رفع خصلات شعرها لتعيدها الى مكانها خلف المنديل الزهري النقط بالوان زاهية
على راسها ..بدى لي ان هناك ثمة فرق شاسع بين وجهها والمنديل المزركش...
_لاتقلق انا بخير..
تمنيت ان تكون كذلك ان لها ثلاثة ايام على هذة الحال من الشحوب ..بل انني لاحظت كثيرا شحوبها في الفترة الاخيرة..كنت في بعض الاحيان اندم على السماح لها بالذهاب الى ذلك ..
المكان علمت انه سوف يفتح شجونها مرة اخرى ..والاسوء من ذلك انني لا استطع ان اعلن عن قراري ..ولا
استطيع ان امنعها من الذهاب الى منزل والدي ..ولكن ما العمل وقد ابتدات بالفعل تتعلق بالطفل ..
قطع تفكيري صوت هاتفي الخليوي انتبهت الى انني لم اخلع بعد ملابس العمل ..مددت يدي الى جيب الخلفي للبنطال الاسود الذي ارتدية ..
_نعم اهلا اهلا عبدالله..
_نعم نعم ..
_لاباس على نفس الموعد ..في الساعة الرابعة..
ودعتها وانا اقف عند باب الصالة الكبيرة وانا انظر الى ساعتي تارة واليها تارة اخرى كنت اخير نفسي بين الذهاب مع صديقي او البقاء معها ..تسائلت كثييرا ترى هل من الصواب ان اتركها ...لا اعلم ماهي المدة التي سوف نستغرقها في خلال تجوالنا في منجرة سالم للاثاث ..
ولا اعلم اصلا ان كان سالم يملك مزيدا من الوقت يمضية معنا فلقد تاجلت زيارة صديقي عبدالله اليه كثييرا ..ولم يتحدد الموعد الا بعد الحاح مني ..
_هل انتي متاكدة ان ذلك لا يسبب ازعاج لك..
_كلا اطمئن سوف انتظرك!!
_ولكن لم امضي معك الكثير من الوقت بالكاد تناولنا
وجبة الغذاء ..
_لاباس انك بلاشك لا تتوانى عن خدمة صديقك هيا اذهب..
اقتربت منها وتفحصت وجهها من جديد بينما تشاغلت هي عن نظراتي بمتابعتها لبرنامج ما في التلفاز ..ربت على شعرها وابعدت خصلات شعرها التي كانت تزين جبينها برقة..
_عزيزتي انني لن اتاخر اذا شعرتي بشئ ما اتصلي بي فورا ..
_لاباس ابلغ سالم مني سلاما لنوال والصغيرتان!!
-سوف افعل بالتاكيد..
قبل ان نذهب الى مصنع شقيقي سالم مر بنا عبدالله بسيارتة التي ارتدناها على منزلة الجديد..اعجبني بالفعل بناءة الهندسي وهيكلة الحديث ..
بقينا هناك لبعض الوقت وكان عبدالله اكثر الوقت يسهب كثييرا عن الحديث عنه وعن مزاياه ..ابتسمت له وانا
اراه يشير الى الغرف العليا ..ويخبرني انه قد خصص الطابق السفلي لاستقبال الضيوف..
ويردد باقتناع ان الطابق العلوي يحوي على اربع غرف واحدة له ولزوجتة والاخريات لاطفالة الثلاثة ..كل واحد منهم له غرفتة الخاصة الذي يتمتع فيها بالاستقلالية والحرية ..
لا اعلم لماذا تذكرت ذلك اليوم وظهر مرة اخرى من خلال ركام ذاكرتي ..قبل ثلاث سنوات كنا ننظر الى منزلنا انا ومنى ونحن
نشرح بالتناوب لامي وشقيقاتي ووالدتها ..كيفية تخطيطنا وتوزيع الغرف في المنزل ..
استغرب الجميع عندما اخبرناهم ان الغرفتين الجانبيتين سوف تكون لاطفالنا القادمين..راينا نظرة الاشفاق والرثاء
في اعينهم المصوبة الينا ..بينما تابعنا انا ومنى شرح كل شئ بتفائل..
لا زالت تلك الغرفتان فارغتان تنقصهما الحياة وتعلو حوافهما الغبار ..تنهدت وانا اضرب بقدمي بضع حصوات
كانت ترقد تحت حذائي ..
ترى هل سياتي ذلك اليوم الذي تمتلئ فيه الغرفتان بالالعاب ..وتتصدع جدرانها بصراخ الاطفال المشاكس والمرح..
هل ساحمل يوما ما طفلي الصغير بين ذراعي وهو نائم لاطرحة برفق وهدوء على سرير الذي اختارة بنفسة..شعرت بنوبة من المشاعر الحزينة المتضاربة تموج داخلي ..كنت انظر الى تلك الغرف بحسد..نعم انا احسد عبدالله في هذة
اللحظات ..فهو يملك كنز ثمين يعيش لاجلة ..وانا لا املك الا السراب ..
_هاقد وصلنا ..
استيقظت من شرودي وانا اسمع صوتة القوي يناديني وينتشلني من
احلام اليقظة التي استغرقت فيها ..مسحت وجهي بيدي وانا اوافقة الراي ..لقد كان هو المكان بالضبط الذي وصفتة لعبدالله..
_هل هو موجود في الداخل ...
اومات اليه وانا اترجل من السيارة تبعني الى الداخل وشعرت بخطواتة تتباطا ..استدرت اليه لاحثة على الاسراع
فقد شعرت وبشكل مفاجئ انني اريد ان انهي مهمتي بسرعة ..
_انتظر لما العجلة ..
كان ينظر الى اشكال الاثاث الموجودة والمتناثرة هنا وهناك بطريقة جذابة ..خيل الي انه قد نسي حرصة على مقابلة
سالم والتباحث معة على افضل انواع الاثاث والاخشاب كونة خبير بذلك..
يدة المتفحصة كانت تمتد الى ذلك الكرسي ثم تعود لتتفحص تلك الطاولة ..شدة منظر باب خشبي يحتوي على جوانبة بعض النقوش الموضوعة باتقان ..
_ان عمله متقن حقا..
واصل تفحص بقية الاثاث وهو يتمتم بينة وبين نفسة ببضع كلمات لم اسمع اغلبها ..تنقلت عيناه تراقبان كل شئ
وترصدان كل ركن وكانة يختزن كل ذلك داخلة ..
-هل اخترت شيئا..
لم يجبني على سؤالي المتعجل بل تركني مكاني وابتعد الى ركن يحوي بعض اغراض الاطفال من سرائر وطاولات وخزانات ملابس ..رايت في عينية مزيدا من البريق وهو يخير نفسة بينها ..
تحركت يدة لتفتح بابا لخزانة ملابس اكتست الوانها باللون البني الغامق الذي بدى وكانه محروق ..ادخل راسة في الداخل وظل هكذا للحظات..ثم اخرجة مرة اخرى وهو ينقر على سطح ابوابة ويتاكد من قوة الماسكات فيه..
هز راسة وكانه يحاور شخصا ما وكانه يحاول ان يقنع نفسة بشئ ما ..تركة وذهب الى خزانة ذات الوان زاهية
من الاخضر المخطط بالبيج..يبدوا انه قد اعجب بها كثييرا ..
_مارايك؟؟الخزانة الداكنة واسعة..والخزانة الزاهية لاتفي باغراض الاطفال ..
-في الحقيقة ليست لدي فكرة!!
حرك راسة بتفهم ربما ادركسخافة سؤاله ...ثم عاد مرة اخرى واخذ يتفحص تلك الخزانة الزاهية ..ربما تخيل شكلها في الغرفة الجديدة ..
وربما شدتة الوان الطلاء الزاهية المتقنة فيها ..
كنت اراقبة وقد بدات اشعر بالتململ والشرود لماذا وافقت ان احضر هنا ..ليتني اعطيتة العنوان وجنبت نفسي
مغبة ذلك الضيق اشعر به الان ..
_ربما علي ان احضر مرة اخرى مع زوجتي والاطفال ..
وافقتة على ذلك وانا اتمنى ان انتهي بسرعة واعود الى المنزل ..تركت له المقدمة وانا احثة على التحرك بسرعة ..تنهدت برااحة كبيرة عندما اقتربنامن البوابة ...لكنني عندما عبرت البوابة تذكرت انني لم اقابل سالم ..
ضربت على جبهتي لابد انني قد غفلت عن ذلك ..
انها فرصة جيدة ان اراه وقد مضى بعض الوقت منذ اخر مرة رايتة فيها ..رايت عبدالله يرفع هاتفة ويكلم شخصا
ما بخفوت ..اقتربت منه لاقترح عليه ان نذهب معا لنرى سالم..
-اسف لقد هاتفتني زوجتي قبل قليل ووو..
_لاباس سوف اتدبر امري..
شعرت برغبة كبيرة ان اراه وان اضطرني ذلك لاستئجار سيارة اجرة والعودة بها الى المنزل ..اجتزت البوابة مرة اخرى وتابعت سيري وانا ابحث عن اي شخص اسالة عن سالم ..
صعدت الى الطابق العلوي والذي يحوي المكتب الذي يجلس فيه سالم دائما عندما يحضر الى هنا ..ارتقيت الدرج وانا اضغط على ازرار هاتفي الخليوي لابد ان اخبر (منى) اني سوف اتاخر قليلا..
_اين السيد سالم..
_لم يحضر اليوم ..
-ماذا اين يمكن ان يكون؟؟؟
هز العامل راسة دون ان يتكلم ومضى وتركني في حيرتي ..كان من المفروض ان يحضر اليوم لاستقبالنا ..كنت لا زلت على اعلى درجات
السلم المؤدي الى الطابق العلوي ..
امسكت هاتفي مرة اخرى وارسلت رسالة لهاتف (منى) طالبا اياها ان لا تنتظرني طويلا ..تحركت سريعا وانا اتمنى
ان يكون موجودا في منزله ..لا اعلم لماذا شعرت ببعض القلق حيال تغيبة ..
اشرت الى سيارة اجرة مرت بجانب بوابة المصنع ..ركبت سريعا وانا اشير اليه ان يتقدم الى الامام ..واخيرا وصلت الى منزلة كانت الشمس توشك على الغروب ..
ضغطت بيدي على الزر وانا امل ان يكون موجودا والا فانني بلاشك سوف كون قد ضيعت وقتي بلافائدة ..في المرة الثالثة من قرع الجرس اتاني صوت خافت لايكاد يسمع من خلف الباب ..
_السلام عليكم ..كيف حالك يا ام هالة ..
_اهلا وسهلا اخي سعيد تفضل..
_هل سالم مستيقظ ..
_كلا ولكن ارجوا ان تدخل لتجلس معه فاني اشعر انه بحال غير جيدة اليوم ...
_لا اريد ان ازعجة..
_كلا انه نائم منذ مدة طويلة ..
_لاباس سوف ادخل الى مجلس الرجال ..
_تفضل اخي من هناك..
دخلت الى مجلس الرجال دون ان انظر خلفي ..كانت صوتها يبدوا مهزوزا حتى وهي تحثني على الدخول الى المجلس ..خلعت حذائي الي بدا يضايقني امام عتبة الباب ..دخلت وانا اشعر بخواء غريب ..
جلست وحاولت ان ابدوا مستريخا وانا اتامل المكان ..كانت صورة لابي ترقد على الجدار المواجه لي ..لازال يبدوا قويا لا تكسرة سنوات عمرة التي بدات تخطو على السبعين....بجانبها كانت صورة سالم خمنت انها ليست صورة حديثة له ...فقد كانت خدودة
اكثر توردا وعيناه المع بريقا من الان ..ترى هل سيشعر سعيد بالتحفظ لزيارتي له في هذا الوقت ...لاسيما وانه يغط في نومة ...فركت يدي وانا اتخيل شكلة عندما يحضر لاستقبالي ...
-عمي سعيد كيف حالك؟؟
_اهلا بك عزيزتي تعالي الي..
كانت تلك الطفلة لا تزال تقف بجانب الباب
وهي تمسك بلعبة زاهية ..اقتربت اكثر وانا اشجعها على الدخول ..
كانت بين الحين والاخر تشد طرف سروال البيجامة الزهرية التي ترتديها ..
جلست بجانبي وهي لاتزال تتعبث بدميتها دون ان تنظر الي ..مددت يدي ومسحت على شعرها الحريري الاشقر
الجميل ..بدى منسدلا على اسفل عنقها بروعة ..
_اين هديل؟؟
_انهانائمة!!
حركت ذراعي ووضعتهما تحت ابطيها ورفعتها الي واضعا اياها على فخدي ..مسحت على راسها طويلا وانا اراها
تمط شفتيها الصغيرتين ..لازالت تعبث بدميتها امالت راسها على صدري وهي تقول ببراءة طفولية..
_عمي ماذا به ابي ؟؟
_لاشئ ياعزيزتي انه بخير..
_لكنة دائما يتقيأ في دورة المياة؟؟
-كلا ياعزيزتي ان درجة حرارتة مرتفعة فقط...
_ان والدتي تقول ذلك ايضا!!
انسلت من بين يدي دون ان تقول اي كلمة لا اعرف لماذا شعرت ان تلك الصغيرة تدرك اكثر مما تظهر ..مسحت وجهي وانا استغرق في التفكير بكلامها الذي خرج من اعماقها دون مواربة او تنسيق ..انها طفلة صغيرة تتكلم عما تشعر به حتى وان كان ماتشعربه اكبر من سنوات عمرها الخمس ..
من جهة اخرى لقد صدق حدسي وتاكدت ظنوني حيال مايشغل باله او يحد من مشاركاتة ايانا في الفترات الاخيرة
اذا فسالم يخفي مرضة عنا جميعا ..تسائلت ترى هل تعلم زوجتة اكثر مما نعلم ام انها مثلنا لاتعرف الا شرارات
لا تشفي القلب ولا تسد رمق فضولنا ..
_السلام عليكم ..
_اهلا بك سالم كيف حالك؟؟
-بخيير..
صمت للحظات قليلة قبل ان يلقي علي بكلمتة الاخيرة ..كانت عيناه منتفختان ربما من اثر النوم الطويل ..ترى مالذي جعلة يفكر مليا قبل ان يجيبني على سؤالي...
ترى هل يحمل شيئا كبيرا داخلة ..كانت هيئتة تدل على ذلك ...وجنتاة البارزتان شفتية اليابستان وشعر راسة الذي
بدات الاحظ انه قد خف بعض الشئ من الامام ..
_لم تحضر الى المصنع..
_نعم!!
_هل هناك مايضايقك يااخي؟؟
-مارايك ان نخرج من هنا اشعر بالاختناق..
عند رمال الشاطئ التي تتلاطم امواجة وقفت بنا سيارتي تضم مالفنا من شرود وتفكير..استرخيت واملت جذعي الى الخلف وانا انظر اليه مليا ..كان يراقب شيئا ما هناك عند البحر ولكنني لم اعرف بالضبط ماهو ..
ان يريد ان يقول شيئا انا اعلم ذلك ..ان الامر لا يحتاج الى ذلك القدر من الذكاء ..ولكن ماهو لم اعلم ولم اخمن ايضا ..ظل كما هو دائما صامتا شاردا ..
_حسنا اخبرني مالذي يزعجك؟؟
قلت ذلك بعد ان سحبت سلسلة المفاتيح من محرك السيارة ..ارخى راسة على الكرسي ورفع ذقنة الملتحي الى
الى الاعلى ..مرت فترة من الزمن شعرت بها طويلة جدا ..
لا اعلم لماذ ساورني شئ من الضيق والاكتئاب ..شعرت في نفسي رغبة كبيرة في الالحاح علية بما يختلج في اعماقة اردت ان اكون الطرف المتفائل الذي يجبرة على اخراج مايضايقة ويقض عليه لحظاتة ..
_صدقني سوف اساعدك على تجاوزة مهما كان!!
_سعيد انا لم اكن ذاهب لاحضر حمولة !!
_لقد كان سفري لشئ آخر!!!!!!
اعتدلت بسرعة وانا ادقق في ملامحة كانت كلماتة تحمل من الغموض الكثير ..بحيث يجعلني لا استطيع على السيطرة على فضولي ..لكن الذي صعقني بالفعل هو تلك الدمعة التي شقت طريقها لتستقر على ياقة ثوبة الابيض ..هناك شئ انا واثق من ذلك ..بين خبايا نفسة شئ كبير لايستطيع ان يخرجة من داخلة مرة واحدة..
مددت يدي الى كتفة واعتصرتها وانا اقول له بقلق..
_مابك يا اخي ؟؟
_قل ما يزعجك وانا اكفيه اياك..
-لا تخف سوف اقف الى جانبك..
لم يحاول ان ينظر الي بل ابعد وجهه لينظر الى البحر الذي تتلاطم امواجة ..سمعتة يتنهد بعمق وكان صدرة سوف يقتلع من اثر الهم الذي يحملة ..
_ارجوك يا سالم قللي ما يزعجك..
_ماذا هناك اخبرني؟؟
لم املك الصبروانا اراه لا يزال يحدق الى البحر..اصبحت اكثر الحاحا في معرفة ما يخبأة وقد علمت يقينا انه شئ لا يستهان به..
_لقد كنت في رحلة علاج ياسعيد..
قطبت حاجبي وانا اسمع المفاجأة التي القاها للتو ..رحلة علاج وهل يشكو هو من المرض واي مرض يجعلة يذهب ليتعالج في الخارج ..هل مرضة خطير الى هذة الدرجة بحيث يجعلة يشد رحالة طلباللعلاج..ثم لم نكن نعلم ابدا انه يعاني من مرض ما ..تلاحقت انفاسي بسرعة وانا اراه يلتفت لينظر الي ..تراجعت على مقعدي وقد صعقتني تلك الدموع الغزيرة التي تبلل لحيتة ..التي بدات بالنمو باهمال ..بدى وكانه لم يشذبها منذ مدة ليست بالقصيرة ...
_انا اعاني من ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بدت لي الشوارع شااحبة وكئيبة طوال فترة عودتي الى المنزل ..لم اعلم ان الدموع الغزيرة قد عرفت طريقها الى عيني الا عندما شعرت برطوبة في على صدري وملابسي ..
كنت اشعر بالرفض التام لكل ما سمعتة من شقيقي الاصغر ..سالم الهادئ الرزين القوي
صاحب اكبر طموح في العالم ..يعاني من ؟؟؟؟؟؟؟؟
هتفت بقوة وانا انظر الى الطريق الذي بدا مظلما امامي ..اغمضت عيني بشدة وانا اشعر
بضبابية الرؤيا فقد ملئت الدموع عيني ..لماذا تخبرني في هذا الوقت يا سالم ..لماذا تخبرني انا بالذات يا شقيقي العزيز يا صديقي الوفي يانبع من الانسانية ..لم اعهدك يوما تفعل مايجرح غيرك او مايجعل دمعتة تنحدر من عينيه..لماذا تمزقني
ياشقيقي لماذا تحولني الى اشلاء ..فلست احمل من القوة ما يخولني ان احتمل فقدانك..كان يجدر بك ان ترحمني من خبر كهذا ..كان حقيقا عليك ان تشفق علي من رؤية دموعك العزيزة ..
كيف تطلب مني الاحتمال والتكتم ..كيف تتخيل ان اكون قاسيا الى هذة الدرجة بحيث احتفظ بسرك الدفين بين اضلعي يعذبني في اليوم الف مرة ..يقتلني بين كل لحظة واخرى بشراسة وعنف ..
كلا يا اخي فقد اخطات هذة المرة لقد جانبك الصواب ..فلست ممن يتمتعون برباطة الجأش حينما يشعرون ان اشخاصا عمالقة مثلك من المكن ان يفارقونة ..
فانت يا شقيقي حلمي وطموحي وامتداد جذوري .... تبادلنا طفولتنا معا لعبنا حتى على التراب ملامحنا ..تعاركنا حتى احدثنا خدوشا في سواعدنا ..احلامنا اقستمناها معا باقتناع كبرنا ونحن ننظر عاليا الى السماء ..طارت حمامات الاحلام الكبيرة امام اعيننا ..شاركتني بصلة الدم وتوحدت معك بعلاقة الاخوة ..
بنينا امانينا معا يا اخي بنيناها طويلاااا ..
شعرت بعيني تتسلل اليها حرارة محرقة من اثر البكاء ..كنت لا استطيع ان افتحها حتى وانا امسك بالمقود ..تذكرت سالم وهو يودعني وعلى ملامحة اشياء مخيفة تحيلني الى كتلة منكمشة من الخوف ..لست انا يااخي لست ممن يحملون امانة كهذة ..الاجدر بك ان تحملها انت انك اقوى مني ..
انا كائن هش يا اخي لا استطيع ان احمل تلك الجبال العتيدة التي تحملها انت ..
لماذا ترهقني وتمتد يدك الحنونة لتواسيني يا اخي ...تربت على كتفي وانت من ينطفا ببطء كشمعة ذابلة ..مابال تلك الابتسامة ترتسم على محياك اراها تتجلى من بين دموعي ..
_لا عليك يا شقيقي انا بخير..
كيف تكون بخير .. تكون كذلك يا شقيقي الحبيب وانا ارى عيناك يكسوها الالم ويتعبها المرض ..كيف تريدني ان اصدقك ودموعك الابيه تثبت ان جسدك الذي بدى نحيلا يكابد الكثيير من الالم ..
وقفت على الباب الخارجي وانا لااقدرعلى ايقاف دموعي الغزيرة من الانهمار ..اردت ان اهرب من المنزل ..اردت ان اهرب من كل شئ ..نظرت الى الباب ..سلسلة المفاتيح كانت لا زالت معي ..
لا اعلم كيف دخلت الى المنزل وكانني كنت لا اشعر بقدماي على الارض ..وقفت حائرا وفي اعماقي اهتزاز غريب حتى شعرت انني لا استطيع الوقوف ..
قادتني قدماي الى الغرفة وانا افك ازار قميصي وكانة سوف يخنقني بشدة ..رايتها تغط في نوم عميق..لم اتحمل ذلك اردت فقط ان ابكي بصوت مسموع ..
وضعت يدي على صدري الذي ضاق وبت اشعر انني اتنفس من خرم ابرة ..انهرت على الجدار وانا اشعربصعوبة في التنفس بكيت كثييرا كطفل قد فقد امه للتو ..
في تلك الليلة لم يزور عيني النوم ابدا هرب مني وانا اتحرك يمينا وشمالا وكان تحت جسدي نارا توقد فيه مزيدا من الاحتراق ..وصل لظاها الى حلقي حتى شعرت ان اعماقي بداخلها قدرا من نار لا ان يلبث يتلظى ..
كنت ارى امامي شقيقي سالم في كل مكان حتى وانا اغمض عيني بشدة ..ولا اسمع الا صوت كلماتة القاتلة المخيفة حتى وانا اصم اذني ..اردت ان ياتي الصباح باسرع وقت ..
اصريت ان اذهب معة بنفسي الى احد العيادات المشهورة لم اكن اريدة ان يركن الى الياس ..فان ذلك سوف يقتلة روحة سريعا قبل ان يقتل جسمة المرض..
بت على جمر وانا تارة انظر الى الساعة وتارة اخر انظر الى الخارج من خلال الستارة الشفافة ..كنت اشعر برغبة كبيرة في ان اراه ..تمنيت ان امد ذراعي فاتلمس ملامح وجهة..
بل ان رغبة جامحة اعترتني لاذهب اليه وادق بابة واحتضنة بقوة ..اريد ان اتاكد انه موجود وان ذلك الانطفاء في عينية قد زال ..تمنيت ان اكون تحت وطأة حلم مزعج لا يلبث ان ينتهي ..
في تلك الليلة عزمت على شئ لن اتركة ابدا..لن ادعة يستسلم للياس سوف اذهب معة الى اي مكان يريد ليس
مهما اين ولكنني لن اتركة ابدا ..
لا اعلم ماهي المدة التي غفوت فيها ولكنني اجزم انها قصيرة ..فقد قضيت ليلتي وانا انظر الى تلك النافذة علها تنبا بحلول الصباح ..نظرت الى الساعة انها السادسة الان لن اذهب اليوم الى العمل ..
سوف اخذ اجازة واصطحب سالم الى تلك العيادة انا متاكد ان هناك امل في ذلك ..فلقد تطور الطب هذة الايام وشفي كثييرا من الاشخاص ممن اصابهم هذا المرض..
ابعدت الغطاء عن جسمي وقد لاحظت ان منى ليست على السريرلم القي بالا لذلك لابد انها استيقظت لتذهب الى روضة الاطفال رغم ان الوقت لا يزال مبكرا..
خرجت مسرعا عازما على ان اقضي صلاة الفجر بسرعة وارتدي ملابسي لاذهب الى منزل سال واصطحبة ..تمنيت لا يقاوم الرغبة في الحياة ..اردت ان يبدوا قويا كما كان دائما ..
لاحظتها هناك في طريقي الى دورة المياة ..كانت تنكس راسها هل لا زالت متعبة الى الان ..ولكنني في شغل عن ذلك بامر شقيقي سالم ذهبت بسرعة واغتسلت ثم اسرعت عائدا الى الغرفة لارتدي ملابسي وكانني في سباق مع
الزمن ..كنت على وشك الانتهاء من ربط ازرار ثوبي العلوي عندما سمعت صوتها وقد بدى لي غريبا ..
انهيت ذلك بسرعة وتناولت مفاتيحي ثم تجاوزت باب الغرفة متوجها اليها ..تسلل الى سمعي صوتها شعرت بشئ يقبض على صدري وانا التفت اليها ..عقدت حاجبي وانا اراها تشهق بقوة..
اقتربت منها شعرت بوجودي كان ظلي يغطي راسها المنكس ..رفعت راسها الي رايت عينيها شديدة الاحمرار ..ذهلت لا اعلم لماذا شل لساني وانا اراها هكذا..
قفزت بسرعة لتتعلق برقبتي وهي تهتز بقوة ..كنت كالمشلول لا استطيع الحراك او حتى النطق..حى ان يدي لم تتحرك لتضمها او لتتتحسس شعرها ..كنت اشعر وكان جسدي قد تخشب ..
_ماذاهناك!!!!!!
_سالم ياسعيييد سااااااااااااااالم ..
فجاة لم اعد ارى شيئا امامي كان كل شئ يدور امامي بسرعة جنونية ..الجدران بهت لونها واصبحت تبدوا بلا لوون ..تاملت الاشياء في المنزل وبدت لي وانها تتلوى وتميل ..
كل ذلك كان وسط بكاء منى الذي لا يتوقف..وكانها تريد ان تثبت لي ان ماسمعتة كان حقيقة واقعة ليس ضربا من الجنون ..بدات صورتها تهتز و تتراقص امامي ..
خطر لي خاطر هو ان اذهب كالمجنون الى منزله لاراه هناك ..لاثبت الى الجميع ان سالم لا يزال موجودا ..وانه قد سمع كلامي ..سالم لايخلف وعدا قطعه على نفسة ابدا ..لقد وعدني ان يقاوم ..وعدني ان يواصل معي مشوار تغلبة على المرض...
_سالم سالم سالم ..
بدى ان صوتها ياتيني من واد سحيق شعرت بشئ يلتف حول عنقي ..لماذا تصر على ان تبكي وتذرف دموعها ..
لعلهم لم يتاكدوا الى الان ربما كان نائما بسلام ..
ربما كان ينتظرني ان اتي واوقظة ثم اصطحبة ليكمل معي الدرب الملئ بالاشواك والالم ..لعله ينتظر ان امد له يد
العون لاسندة فيلقي علي ابتسامة العذبة..صوت الضجيج يرتفع فيحيلني الى كائن متلاشئ متناثر لايشعر بالانتماء الى ها العالم ..يضريب على راسي بمطارق من حديد تحيلني ال شئ اشبة يقنبلة توشك على الانفجار..
ابعدتها عني بقوة وانا اهتز كسعفة ..كانت قدماي لا تحملاني ...
_ساااااااالم ماااات !!!!!!
_سالم لم يمت !!!!!!
ازداد نحيبها وانا اهتف بها وكانني رجل مهبول ..كررت ذلك وانا ارفع يدي الى شعري واشدة ...ابعدت هي يدي اللتان تتشبثان بشعري وكانهما تريدان ان تقتلعه من جذورة ..هززت راسي وانا احاول ان اهرب من صوتها ..استدرت لاضرب راسي بالجدار بقوة ولم انتبة لسيل الدم الذي غطى وجهي ..