كاتب الموضوع :
MALAK
المنتدى :
الارشيف
الاسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة.......
((تركتها وحيدة))....
((9))
بدى لي ان الواقع الذي اعيشة قد تحول الى كابوس استحالت مع الدقائق طويلة وكانها دهر...كنت اجلس بجانب باب الغرفة التي ترقد فيها ((منى ))على فراشها الابيض ...لازلت مذهولا الى الان مما حدث فالغضب الشديد اعماني وجعلني مجرد رجل اهوج لا يرى الا حماقاتة ...الشعور بالذنب يجتاحني من دون رحمة ويتركني فريسة مطارقة القاسية على راسي ...فلا البث الا ان امسك راسي واعتصرة بين كفي وانا اكيل الكلمات القاسية الى نفسي الاثمة...والعن بشدة تصرفها الاحمق ....تذكرت وجهها الشاحب وعينيها المسبلتين ...كانت تبدو اقرب الى الاموات من قربها الى عالم الاحياء ...ناديتها عدة مرات وانا اضرب برفق على خدها الناعم ...لم تجبني ابدا لا اعلم ان كانت تعي ما اقول ...فتركتني اعالج تبعات تصرفي الاحمق ام ان مرضها الذي اجتاحها وانا في تلك الرحلة هو سبب سكون شفتيها اللتان بدتا يابستين ...كنت انكس راسي وانا لا اجرؤ ان ارفعة فارى شبح وجهها المتعب في كل الوجوة ...
لا اعلم لماذا شعرت الان وانا هنا وفي هذة اللحظات انني ربما تاخرت في ذلك ...شعوري بالذنب لا ينفعني الان ...فقد بدى لي ان مسافات طويلة صارت تفصل بيننا بسبب ما فعلتة يداي ...
((منى))تلك المرأة الرقيقة الهشة التي تؤديها النسمة ويتمزق قلبها لمنظر لطفل باكي او دمعة لامراة طاعنة في السن ...منى صاحبة القلب الكبير والابتسامة العذبة التي اغتلتها انا بقسوة ....
وتركتها صريعة على ارض قاسية من صدي وتهجمي الشديد الغير مبرر ...هززت راسي وانا اتخيل المنظر ..دهشت كيف لم ارها وانا اواجة شقيقها ((وليد))عند باب المنزل ....
لم اعي مدى الحاله التي كانت تعاني منها وهي تقف متحاملة على نفسها تحاول ان ترسم ابتسامة باهته على وجهها الصغير لاستقبالي ....شعرت الان بالذات في هذة اللحظات انني اغتلت تلك الابتسامة وقتلتها بكل قسوة ...الغيت من اعماقي مشاعر كبيرة فياضة كنت احتفظ بها لهذة المراة صاحبة اكبر
قلب في العالم ...تركتها وحيدة ضعيفة كعود هش من السهل ان ينكسر لادني ضغط او حركة ....
وجعلت ذلك الحاجز من الالم والعذاب يقض مضجعي ويورثني قسوة لا اعلم من اين استوطنت اضلعي
التي سكنتها امراة واحدة لم اعرف طعما للسعادة الا معها وبين عينيها الواسعتين ....
تملكني شعور بالغربة الشديدة من نفسي وكانني انفصلت عنها منذ زمن بعيد الى غير رجعة ...كنت اغمض عيني وانا احاول ان اتماسك ...اعيد ترتيب تلك الاجزاء المبعثرة داخل النفس والقلب ....
كم تقتلني نظرات والدتها التي تسكن فيها اشياء تعتريني لتتركني دون اي شئ الا شعوري بالذنب
وتانيب الضمير ...لقد انحنت اضلاع تلك المراة الخمسينية وهي ترى زهرة يانعة قد سقتها تنتزع من مكانها لترمى على قارعة الطريق ....رايت من خلال عينيها بكاء مرير وخيبة امل مؤلمة الى حد العذاب ....
((لماذا تفعل بها هكذا يابني هي لم ترتكب جرما))قالت تلك الكلمات واشاحت بوجهها تعالج دموع ام
وهي ترى ابنتها الرائعة تتهاوى بين يديها ولا تستطيع لها الا الدموع والمواساة ....
نكست راسي وانا احمل ذلك الجسد الضعيف بين ذراعي اردت ان اهرب الى اي مكان ...فنيران تلك النظرات الام تكاد تحرقني وتحيلني الى رماد...تلحفت تلك المراة بعبائتها وتبعتني كسيرة الفؤاد دامعة العين ....
مشتتة الوجدان...كانت تمشي ورائي شعرت بلهيب نظراتها الكسيرة يحرق قفاي ....هممت ان استدير لاكثر من مرة اردت ان افتح فمي واقول لها اي شئ يبرر ما فعلت ...لكنه الخوف من اشياء تظهر جليا في عينيها الكسيرتين الشاردتين ....عذبني ذلك اكثر فتلك العينان تحملان نفس بريق عيني ((منى)).....
نظرت الى باب الغرفة التي اجلس بجانبها على كرسي بلاستيكي ..لا اعلم لماذا لم اجرؤ حتى على الدخول الى الغرفة التي ترقد فيها...رايت في عيني والدتهاوانا اقف على باب الغرفة منكفئا على نفسي ما يجبرني على الانزواء والابتعاد....
وقفت حائرا عاجزا وانا انظر الى الممرضة من بعيد وهي تغرز تلك الابرة في ذراعها الممدة على السرير الابيض ...شعرت بها تغرس سكاكين حادة في قلبي ...يكفيها ما تعاني من وطاة جبال الالم التي تربض على صدرها ...يكفيها ما تقاسي من ظلم رجل مثلي لا يعرف الرحمة ولا الغفران...
تدفقت غزيرا تلك المشاعر الجياشة في صدري وانا احاول ان امح دمعة كانت في طريقها الى النزول ...
تركتها ترقد على ذلك السرير مسبلة العينين دون حراك ...وكانها الاميرة النائمة التي تنتظر فارسها ....
لكن فارسها قد خذلها وجاء معة بعذابها وشقاءها الذي لا ينتهي ....حاملا بين يدية اشواكا قاسية تدمي منها الفؤاد والروح ...بدل ان يحمل لها باقة من الزهور ....ثمانية اعوام تلك التي قضيناها معا ...
وامتزجت فيها ارواحنا وقلوبنالتكون نفسا واحدة ....ثمانية اعوام من العشرة والمودة اغتلتها ومزقتها اربا بسبب جهلي وعنجهيتي الحمقاء ....فلتنعم على سريرها بقليل من الراحة والامان الى جانبها والدتها الحنون صاحبة الاضلاع المحنية ....ليتني رفقت بتلك الاضلاع ليت يدي لم تمتد لتهز تلك الاوصال بقوة وقسوة ...وكانها اغصان شجرة تقتلع من جذورها ....بت الان ابوء باثمين اثم زوجتي واثم والدتها التي لم يتبقى لها من ابنائها الاربعة الا تلك القابعة على السرير بلاا حراك ....حرمت ام من رؤية طفلتها التي طالما كانت لها السند والعون ...وتركتها تعاني مرارة الفراق وقسوة الشعور بالوحدة .....
عندما خرجت الممرضة من الغرفة بادرتها الى السؤال متلهفا وانا اتمزق من الداخل ...كنت انتظر ما يطمئنني ويعيد ال بعض الاستقرار ...كنت اتوق الى كلماتها التي تخفف وطاة الذنب التي اصبحت
تسكن في اعماقي وتجعلني اشعر بالعار ...كانت اطرافي تهتز بقوة وانا احاول ان اتماسك امام الممرضة ...كنت اتلعثم عدة مرات وانا اسئلها عن حالها ومدى خطورة الحمى التي تعاني منها ....
((لاباس لا تقلق كثيرا انها حمى وسوف تزول تلقائيا مع العلاج ))...اصابتني تلك الكلمات بالخرس وانا لا زلت اقف هناك عند بابها ...شردت طويلا وصورتها التي تعذبني لا زالت امام ناظري ....رفعت يدي واخذت اعصر جبيني الذي تصفد بالعرق الغزير ...انتابتني حالة من الذهول ...ليت تلك الحمى تذهب الى غير رجعة ....((لاتقلق انها تحتاج فقط الى بعض الراحة وقد اعطيناها مضادا حيويا ))...التفت اليها وانا اشعر انني في عالم اخر مالذي اوصلها الى هذة الحالة عندما تركتها لم تكن تعاني من شئ ...اتراها كانت تعاني من بوادر حمى عندما ودعتني وهي شاردة تتكئ على الباب ...ام ان تلك الحمى قد فاجئتها وانا خارج المنزل لاهيا مع اصدقائي القدامى ....
كانت كلمات شقيقها ((وليد))تقتلني تحيلني الى شعلة مضطرمة من النار لا تخلف اخيرا الا الرماد....
لم ارة منذ ذلك الوقت ...علمت ان ((منى))قد اتصلت بهم لانها شعرت بتوعك وارادت ان تذهب الى الطبيب...وكان هو في طريقة الى السيارة ....لم اعي خلو وجودة من المكان الا عندما التفت ذاهبا الى ا السيارة حاملا منى بين ذراعي ....سمعت والدتة المهمومة تقول وهي تركب الى جانبي((ترى الى اين ذهب))....
بقيت منى لليلة في المستشفى تحت الملاحظة كانت الحمى شديدة قليلا ...شعرت بفراغ كبير موحش وانا اسمع الممرضةوهي تقول لي ذلك ...لم اتحرك ابدا وانا ارى ذلك الباب الموارب يفتح ....
كان الطبيب بالداخل يقيس حرارتها وياخذ نبضها ...مددت عنقي وانا احاول ان اتبين شكلها من خلال الفتحة الصغيرة ...كانت عيني والدتها تراقب الطبيب بلهفة وشرود...عضضت شفتي وانا اراها هناك يحيط بها البياض من كل مكان ...كان شعرها الحريري الفاحم يفترش المخدة الوثير ةالبيضاء .....
رايت الطبيب يخرج ويغلق الباب وراءة تابعتة الى ان غاب عن ناظري ...فكرت ان الحق به واسئلة لكني عدلت عن ذلك ...لم اشعر برغبة في سماع ذلك مرة اخرى فان ذلك يمزقني ....
بعدها بلحظات سمعت صوت الباب يفتح مرة اخرى ...ويخرج منه ذ لك الشبح المتلحف بالسواد ...كانت والدتها تنظر الي بغرابة وهي تواري وجهها خلف وشاحها الاسود الرقيق....بدت لي انها قد تكرهني
الى درجة البغض حتى وانا ارى الانكسار في عينيها ...حتى وهي في قمة ضعفها وشرودها تثير الرعب في اعماقي لاردد في نفسيي ارجوك سامحيني فلم اكن اقصد.....
((يا بني لماذا تعذبها هكذا لذنب لم ترتكبة ...وليد عندما دفعها بعيدا وهي تحاول ان تحول بيننا لم يكن يعرف انها تحمل في احشائها جنينا ))....
دارت بي الدنيا وانا قف في مواجهتها ...ارتج كل شئ امامي وهي تهوي بكلماتها المؤنبة لتجعلني فريسة ذهولي ...لم يكن يعرف بذلك اذا ...عرفت من والدتها انه كان متغيبا لمدة ثلاثة اشهر قضاها في اللهو العبث مع اصدقائة كانت مدة حمل زوجتي ...وعندما عاد بعدها لم يتسنى لهما اخبارة بالامر ....
لان حالتة لم تكن تسمح ابدا بذلك فقد دخل عليهم وهو في حال غريبة ترتعد اوصالة ...يتطاير من عينية شرارات حارقة ...وهو يحاول ان يمسك باداة ما ....يبدو انه تشاجر مع احدهم ....
سيطر الخوف على تلك الام وهي ترى ابنها المتهور يذهب الى مصير مجهول لا تعلم عواقبة....راتة وقد اعمى الغضب ورغبة ملحة لاخذ بالثار عينية...تحركت اجراس الخطر في اعماقها .....
فهذا مهما يكن ابنها الذي ربتة بين ذراعيها ....لا تستطيع ان تراه يرمي نفسية في طريق مظلم ويسلك درب تحفة المخاطر دون ان تقف في وجههة....وقفت امامة تمسك بيدة ترجوة ان لا يفعل ....
كان كالوحش الكاسر الذي يكشر عن انيابة ...لم تفلح محاولات والدتها صاحبة الجسد الضعيف في الوقوف في وجه الطوفان الهادر ....فاسرعت منى اليها تحاول ان تنثنية عن رغبتة رحمة ورافة بامة المسكينة....دفعها بقوة وخرج سريعا دون ان يلتفت الى ما خلفة وراءة ....
عدت الى المنزل وانا اشعر بجدرانة العالية تصفعني بقوة ...جلست على الكرسي في الصالة وانا احتضن وجهي بين كفي المرتجفان ....بدى ان هذا المنزل قد نزع منه ذلك الشئ الذي يمدة بالحياة كما تمدة الكهرباءبالنور ....مشاعر الكبت والانتظار التي اختزنتها طويلا في اعماقي وانا احلم بطفل ينمو في احضاني وبين ذراعي ...قد تفجرت بقوة دون سيطرة مني عندما علمت في تلك الليلة من منى ما حدث..
كل ما شعرت به في ذلك الوقت ان شخص اقتحم حياتي لينزع مني حلما طالما كنت اعد الليالي والايام في انتظارة ..اعماني المي لفقدي ما كنت اتمناة عن الحقيقة ...ونسيت ان هذا بالضبط ما كتبة الله لنا ...
غفلت عن مدى قسوتي وعنادي وانا اراها تدوى كشمعة ....كانت تذوب وتختفي وهي تعاني من معاملتي القاسية التي لم ترها ولم تشعر بها الا بعد اجهاضها وفقدها لجنينها ....اخذت نفسا عميقا وانا اعاود التحديق في جدران المنزل التي بدت مظلمة كئيبة ....وكان الالوان قد ذابت فيها ....
مشيت الى الغرفة وانا اكاد اتهاوى لفرط التعب في جسدي واوصالي ...سمعت وقع خطواتي يبدو وكانة مطارق على الارضية الرخامية ...السكون يخيم على المنزل التي غابت صاحبتة عنه وتركتة مظلما ...
تتردد بين جدرانة انفاسي اللاهثة الحارقة ...دخلت الغرفة وانا اعلم جيدا انها بداية رحلة عذاب جديدة.... فهنا تكمن رائحة عطرها ...اشعر بانفاسها تلفح وجهي ...ارى ملامحها تسكن في زوايا غرفة خلت منها ...ادرك انني ضعيف جدا من دونها ...تستقر تلك العلبة بين كفي وانا اجلس على طرف السرير ...احدق اليها وكان عيني تبحث عن شئ افتقدتة واحدث وحشة في الاعماق ....اضعها على الرف واثار دمعة يتيمة تستقر عليها ....
لم يساعدني ابدا تغيير المكان في شئ فلا زلت خاويا اشعر بمساحات كبيرة من الفراغ حتى وانا ارقد في تلك الغرفة في منزلي القديم اللذي يضم ابي وامي وشقيقتي الاثنيتن....هذة الغرفة التي سكنت دائما فيها مع شقيقي سالم نتقاسم كل شئ فيها حتى الفوضى العارمة ...والاشياء المكومة على بعضها دون مداراة او ترتيب ...وشهدت اجمل ايامنا ...لم تفلح في ادخال الراحة في نفسي...
تركت المنزل هاربا من طيفها ....لم استطع ان ابقى طويلا بين جدران حوت انفاسها ....
بدت الدهشة على والدي عندما وقفت امامهما في ذلك الوقت المتاخر من الليل ...لم يتوقعو ان افاجئهم بزيارة في ذلك الوقت فلقد كان الكل نيام ....ربتت والدتي على ظهري طويلا وهي تستمع الي ....
كانت تجلس بجانبي على السرير وانا اخرج كل مافي اعماقي من الم وعذاب ...بين زفراتي الطويلة كنت اسمع كلماتها الهادئة المطمئنة تنبعث من شفتيها وكانها قطرات من الماء الشفافة الرقراقة ...تسيل على الجرح فتتركة وقد بارحة الالم...((لاعليك يا عزيزي سوف تكون بخير)).....
يالكلماتها الرائعة تحتويني وكانني طفل صغير لا يعرف طريقة ...تحيطني بحنان غريب كنت افتقدة دائما واتوق اليه ...فهذا الشارب الذي يزين وجهي ويعلو شفتي ...لم يمنعني ابدا من التوق الى حنانها ونبعها الصافي الذي لا ينضب ابدا....ستظل امي مرفئ احط رحال سفني التائهه علية متى ما احتجت اليها ....
امتدت يدي الى كفها الصغيرة التي غزاها بعض العروق لثمتها طويلا وانا اتمنى ان تضمنى الى الابد ....
ملت عليها وانا اتمنى ان ادفن راسي في تلك الضلوع ...اردت ان يستقر راسي على كتف طالما حملني وانا صغير لا اعي شيئا من اعباء الحياة وصعوباتها لولا ان صرخت رجولتي في اعماقي في اخر لحظة فمنعتني من ذلك....تلاشت خلف الباب وهي تودعني بنظرات لم ارى في مثل نقائهما ابدا الا عيناها ..وكانهما كهف للتائهين امثالي ....
سبحت بعدها الغرفة في الظلام بعد ان اطفئت الانوار ...وضعت يدي خلف راسي وانا احدق في الظلمة ....
خيل الي انني اراها وجهها الشاحب ...لم تغادرني ملامحها حتى وعيني تسبح في الظلام...كانت تقبع في الاعماق هنا بجانب القلب ....كانت عيني المجردة قاصرة في تمثلها بينما تفوق قلبي عليها ....
حاولت ان انزع نفسي من افكاري وانا اسمع طرقا على الباب ...كانت شقيقتي ((مها))الاقرب الى منى والتي تقف هناك ..
كان النور ينبعث من خلفها ...ضيقت عيني وانا انظر اليها بتساؤل ...كانت تحمل شيئا في يدها اقتربت مني دون ان تشعل الضوء ...وقفت بمحاذاة السرير ...دفعت الي بشئ وهي تقول((خذ هذا انه سوف يريحك))وضعت يدها على كتفي بحركة مواسية وابتعدت لتعود الغرفة الى ظلامها مرة اخرى.....
كان ((القران))الذي اعطتني اياه يرقد بين ذراعي الان احتضنتة وكانني بحاجة الى الامان ...وضعتة على جانب راسي وانا اغمض عيني ....
سحبت البطانية بعدها وغطيت بها نفسي وانا احاول ان اتناسى ما قالتة والدتها ((لماذا تظلمها يابني)).....
انتظر تعليقاتكم ........
|