المنتدى :
الاسرة والمجتمع
السن الأمثل للزواج بين الشريعة والرأي المعاصر
إن النفس البشرية تنطلق في تعاملها مع ذاتها من منطلق تفهمها للتربية الإسلامية، والتي منها الحب الإيماني السامي الذي يملأ جوانب الحياة الإنسانية بالعظمة والاعتزاز لهذا الدين القويم، وأن نظرتها إلى الدنيا نظرة وسيلة للآخرة وليس نطرة غاية، وأن من هذه الوسائل (الزواج) واستخلاف الذرية الصالحة .
قال صلى الله عليه وسلم : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وذكر منها: أو ولد صالح يدعو له)) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فهو له وجاء)) .
ومن هذا المنطلق يتضح: أن الشريعة الإسلامية لم تحدد سناً معيناً لعقد الزواج، بل أجاز الفقهاء زواج الصغار من الذكور والإناث حتى ولو لم يبلغوا البلوغ الشرعي ، كما في قصة زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة، وغيره من الآثار
- والبلوغ في اللغة: الوصول، قال الجوهري بلغ الغلام: أي أدرك، وهو بلوغ حد التكليف
وفي اصطلاح الفقهاء: هو قوة تحدث في الصغير يخرج بها من حالة الطفولة إلى حالة الرجولة.
وهذا هو الصحيح، خصوصاً إذا كانت المتزوجة صغيرة وخشي وليها - العاقل - فوات الأصلح من جهة دينه وخلقه،
وإن المتأمل اليوم في أحوال الناس يجد أنهم يختلفون في مفاهيمهم وقدراتهم على تحمل المسؤولية باختلاف بيئاتهم ومعاشهم، ففي مدينة نجران مثلاً: تم زفاف أصغر عريس إلى أصغر عروس في حفل كبير شهده حشد من أقارب العروسين وأصدقائهم ومعارفهم، والعريس يبلغ من العمر (13 سنة) يدرس في أولى متوسط، أكمل نصف دينه بالزواج من ابنة عمه البالغة من العمر (10 سنوات) وتدرس في الصف الخامس ابتدائي!
العريس الصغير قال إنه سعيد بإكمال نصف دينه. وأكد أنه على استعداد لتحمل مسؤولية شراكة العمر! فلا اعتبار إذاً في تحديد السن هنا ما دام الزوج والزوجة مهيئين من قبل ذويهما ومجتمعهما لتحمل الأعباء والتكاليف، سواء كان ذلك بمساعدتهم مالياً أو معنوياً باعطائهم الثقة الكاملة مع احترامهم كأي زوجين كبيرين دون تنقص وازدراء.
الفقهاء رحمهم الله أجازوا زواج الصغيرة بشرط عدم الإضرار بها، بمعنى تحملها للوطء، والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وعمرها ست سنوات ودخل بها وعمرها تسع سنوات،
ولو نظرنا إلى قوانين الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية لوجدنا أنهم حددوا السن المناسب للزواج وأن من يخالفه يتعرض للعقوبة.
* ففي القانون اللبناني مثلاً: تنص المادة الخامسة بما يلي: ((لا يعقد الزواج في الأصل قبل إتمام الرجل الثامنة عشرة، والمرأة السادسة عشرة))
* وقانون الأحوال الشخصية السوري: حدد السن للفتى بتمام الثامنة عشرة، والفتاة بتمام السابعة عشرة، إلا أنه أجاز للفتى الزواج بعد تمام الخامسة عشرة، والفتاة بعد سن الثالثة عشرة، إذا طلبا الزواج، فيجوز بإذن من القاضي إذا تبين له احتمال جسميهما بشرط موافقة الولي
* وقانون الأحوال الشخصية الأردني: حدد سن الخاطب ست عشر عاماً، والمخطوبة خمسة عشر عاماً.
* وقانون الأحوال الشخصية في دولة الإمارات: حدد سن الزواج ثمانية عشر عاماً، والفتاة ستة عشر، وبنى القانون هذا التحديد لسن الزواج على دراسة حال الزوج والزوجة بالنسبة للحالة النفسية، والاجتماعية لهما ونحو ذلك.
أقول: وكون هذا التحديد إلزامياً، ومن لم يبلغ هذا السن لا يحق لهما الزواج، فهذا بلا شك يعد مخالفة للشريعة الإسلامية، ويعد أيضاً تضييقاً على الناس ما أنزل الله بها من سلطان.
والأولى أن يكون هذا التحديد للأفضلية، وعلى حسب حال الزوج والزوجة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ولفظة الشباب عامة ربطها الرسول بالاستطاعة وهي تختلف من شخص لآخر، وفي حثه عليه الصلاة والسلام هذا دليل على أهمية هذه الفئة العمرية الصغيرة، وتزويجها، تحصيناً لهم عن الفساد،
ومن تأمل اليوم في واقعنا المعاصر يجد أن كثرة الأعباء، وصعوبة الحياة، سبب رئيسي في تأخير الزواج وكبر سن المتزوج لا محالة!
وإذا جمعنا بين تشريع الله سبحانه وتعالى للزواج - دون اعتبر لتحديد السن - وبين رأي قوانين الأحوال الشخصية والدراسات العملية نجد:
* إن امتثال قول صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب منكم من ترضون دينه وخلقه فانحكوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، يجعلنا نؤمن أن المعيار الوحيد في تحديد لسن القبول المتقدم للزواج هو ارتضاء الدين والخلق منه، وأن النضج الديني والخلقي هو السن الأمثل للزواج سواء بلغ العشرين أو أقل أو أكثر.
* إن أعباء الحياة المادية والمعنوية لا يتحملها إلا من كان في الغالب قد بلغ من السن ما يؤهله للزواج وهذا ما يقرب الأمر الشرعي للقانون.
* إن اجتياز الدورة التأهيلية للزواج بنجاح واقتدار يدل على قدرته على الزواج، وتحمل مشاقة، ومتى ما أحس الشاب بأنه قادر على الزواج حسياً ومعنوياً فإن هذا السن الأمثل للزواج.
ومن هذه الدورات على سبيل المثال: الدورة التدريبية والتي بعنوان : وداعاً للمشاكل الأسرية، ونحوها من الدورات التي تعنى بحقوق الزوجين لكل منهما والتي تكون - بعد الله - سببا في نجاح الزواج واستمراريته، وبعد الزوجين عن الانفصال لاتفة الأسباب، والتي بسببها كثر الطلاق والشقاق وتفريق الأسر
وما يقوم به المسؤولون عن مشروع ابن باز للزواج من تقديم للاستشارات الأسرية، سواء كانت نفسية، أو اجتماعية، أو شرعية إلا دليل على تفاقم هذه المشاكل والتي ينصب علاجها - بعد إذن الله - على ضرورة الوعي الكامل قبل الزواج.
فلهذا المشروع ومن يحتذي حذوه الشكر والتقدير مع دعائنا لهم بالتوفيق والمثوبة والأجر.
ينبغي الإشارة هنا إلى أمرين مهمين:
* إن التناسب في سن الزواج وكذلك النضج العقلي بين الزوجين يعد سبباً رئيسياً في استمرار وقوة هذا الزواج وتماسكه - بعد توفيق الله تعالى - فهل يتنبه لهذا.
* إن تجاوز السن الذي حدده الاجتماعيون المتخصصون دون زواج - في الغالب - يقلل فرصة الرغبة النفسية في الزواج مستقبلاً مقارنة بالتحديات المعاصرة. فكثير من الباحثين الاجتماعيين يرون أن السن الأمثل للزواج هو ما بين 16 - 25 سنة
ويمكن اعتبار من يتجاوز سن 25 سنة بلا زواج من العوانس، وكذلك العزاب،
والملاحظ في هذا السن أن فورة الشباب أشد، فلربما تعرض الشخص في - حالة عدم الزواج في هذا السن - إلى عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي أو عدم الاتزان العاطفي مما جعله يتثبط عن الزواج بالكلية.
وإني أتساءل فأقول: هل الأكثرية من الشباب والفتيات في هذا العمر متزوجون؟
أم الأعباء الكثيرة والكبيرة جعلتهم بلا زواج؟
وهل مد لهم يد العون مما أفاء الله عليهم بالخير والسعة أم لا؟
الجواب عندك وما تشاهده أخي القارئ الكريم.
من كتاب قضايا أسرية د. عبد الملك بن يوسف المطلق
|