-44-
كانت سارة تحاول أن تهدئني .. لكني لم أستطع .. كانت تقول أن الحقيقية انجلت وهذا هو المهم .. لكني لم أستطع أن أرتاح ..
" لا استطيع .. فكرة أن عمي خالد أخبر جدتي بكل هذا ..تبعث الحزن فيني .. أريد أن أموت .. لا أتحمل أن أراه مرة أخرى وتلك الاتهامات في عينيه .. لا أستطيع ."
أمسكت سارة بوجههي وهي تقول
" كفى ! .لاتبك .. لن تعودي للمنزل بهذه الصورة .."
وطلبت من عبدالقادر السائق الباكستاني أن يأخذنا إلى أحد المنتزهات ..اتصلت بوالدتها لتخبرها بأنها ستتأخر قبل أن ترسل السائق ثم اتصلت بمحمد لتستأذن منه وأخبرها أنه لن يخرج من اجتماعه حتى السابعه مساء .
جلسنا على احدى المقاعد الخشبية ..
" فاطمة .. على الأقل عرفت الآن سبب طرد عمك لك . يجب أن تواجهيه .. وتطردي هذه الأفكار من رأسه .. "
" ماذا أقول له .. أن .. وأ.....ف.. "
شعرت أنني فقدت النطق .. أريد أن تخرج الكلمات لكنها لم تخرج ..
"فاطمة مابك ؟"
كانت النوبة عصبية لدرجة أنني لم أستطع أن أركب الأحرف على بعضها فاكتفيت بالصمت .. هززت رأسي .. تعبت .. تعبت ..
" تعبـــــت .. "
كررت سارة مستغربة "تعبت ؟؟"
" تعبت .. "
وقفت وبدأت في المشي بسرعة ..وأنا لا أعرف ماذا أفعل ..
" فاطمة .. إلى أين تذهبين .."
" لا أعرف ..لكني أريد أن أخرج مابي ..من كوارث.."
احترمت سارة رغبتي وبقيت جالسة على المقعد .. بينما ابتعدت كثيرا عنها .. ربما ساعدني المشي السريع على أن أتخلص من شعور الاستياء الذي يتملكني .. وقفت أتفرج على أطفال يلعبون بمرح ..
لم أشعر بالدقائق التي مرت وانا أركز في الاطفال ..
و بعد وقت طويل ...
"فاطمة .."
وضعت يدها على كتفي وقالت " فاطمة ..."
التفت إليها .. وقالت مبتسمة .." لنعد للمنزل .. وسأريك لاحقا ما سينسيك .."
تبعت سارة وأناأتخبط في ضياعي وشعوري بالاستياء وشعوري بالتعب ..
دخلت إلى غرفتها و أخرجت من أحدى الأدراج أشرطة فيديو ..
كنت مصدومة وأنا أراها تخرج غلافا لفيلما هنديا ..
" فيلم هندي أهذا هو العلاج .."
قالت سارة مبتسمة " أفضل طريقة لطرد الأكتئاب أن تصابي بإكتئاب آخر !"
لطالما كانت سارة مجنونة ! لكن بعد أن رأيت الفيلم وبعد أول ساعة اندمجت كثيرا وضحكت مع سارة كثيرا .. وكنا نتحدث طوال الفيلم ونتاقش بوسامة البطل والجمال الخارق للبطلة الذي أبهرنا فعلا ! ..
بعد مرور أربع ساعات ..لم نتوقف لفعل شيء خلالها سوى الصلاة .. انتهى الفيلم الكئيب ..
أغلقت سارة التلفاز وقالت " سيأتي محمد قريبا سأنظف الغرفة ."
" سأساعدك .."
كانت رقائق الشيبس واغلفة الشوكلاته والبيبسي على الارض ... ساعدت ساره .التي قالت وتعبير الصدمة يعلو ملامحها " لدي امتحان غدا !! "
شعرت بالذنب لأني السبب في نسيانها لهذا الامر ,,
" لم لم تقولي ؟؟"
"نسيت..يا إلهي .."
" هيا امسكي كتابك وادرسي فورا "
قالت وهي تنظر إلى الساعة " مستحيل ..أخوك سيصل في أي لحظة .. ولن يدعني أمسك أي كتاب .. عليك أن تساعديني "
استغربت " كيف ؟؟"
" سأقنعه بأنك تحتاجين الذهاب إلى عدة أماكن ..."
"لكن سارة سيعود متعبا "
" أرجوك فاطمة ..أحتاج لساعة أو ساعتين ..أليس لديك مشاوير صغيرة ؟؟"
فكرت قليلا ثم قلت " بلى .. أريد أن أشتري عباءة جديدة .. وحقيبة جديدة .. وأحتاج بعض الأغراض من الجمعية "
*****************
بعد ساعتين كنت قد ندمت على تنفيذ قرار سارة .. عندما كان محمد يحاول أن يبقي عينيه مفتوحتين ... عدنا إلى المنزل وكنت قد اشتريت أشياء كثيرة .. شكرت محمد ومررت بسارة التي كانت تبتسم وقبلتني وهي تقول " شكرا .. "
دخلت إلى غرفتي ووضبت أغراضي .. ثم خرجت لأرى أمي أو أبي .. كان أبي يجلس في الصالة الرئيسية برفقة أمي ..
" كيف حالك يا فاطمة ؟؟"
" الحمدالله بخير يا ابي .. وأنت كيف حالك ؟؟ .. "
" بخير .."
قبلت أمي فلم أرها منذ الصباح قالت أمي وهي لم ترفع عينيها من الملف الذي تقرأه
" فاطمة أحتاج مساعدتك .. او بالأحرى مساعدة المؤسسة التي تعملين بها .. "
" هل هو شيء خطير ؟؟"
" لا .. ليس تماما لكنا سنرعى حفلا خيريا .. ونود أن يعود ريعه إلى مؤسسة اجتماعية وخطر لي أن تكون المؤسسة التي تعملين بها ..فهذا جيد لحياتك الأجتماعية ."
قلت لأمي وأنا أتوقع ردة فعلها " أحاول جهدي لكن لاتربطيني بهذا الأمر "
غضبت أمي فقالت " ماذا تعنين ؟؟"
" لا أحد يعرف أنني ابنتك .. ولا أريد أن تعرف زميلاتي بهذا .."
غضبت أمي أكثر وقالت " هل تخجلين بي ؟؟"
هززت رأسي وقلت " لا أريد أن يعاملني الكل بطريقة مقدسة فقط لأنك أمي .أريدهم أن يعاملوني كزميلة فقط .."
أغلقت أمي ملفها وهي تقول بعصبية " أنسي كل ماقلته لك ..."
" أمي أرجوك ..المؤسسة تحتاج إلى مساعدات ..لاتلغي الفكرة لهذا السبب "
قالت والدتي وهي تقف غاضبة " كنت قد اخترتها لأجلك ..لأقدم لك خدمة .. لكن في الحقيقية كانت جميع المشاركات يرغبن بمؤسسة أخرى لرعاية الأيتام ..لكن بما أنك جاحدة هكذا .. سألبي رغبة الباقيات "
استئت فعلا قلت لها أستوقفها " أرجوك أمي .. أرجوك .. لاتغضبي ..أمي ."
لكنها تجاهلتني وغادرت تاركتني محبطة وأبي ينظر إلي بشفقة قال محاولا أن يواسيني
" لاتخافي .سأحاول أن أساعدك .."
جلست بقرب أبي وقلت " لا أعرف ..لكنها لاتفهمني ..إذا عرف الكل أنني ابنة شيخة السالم ..سيبجلوني لهذا السبب .. لاتعرف كم يمتدحونها في المؤسسة التي أعمل بها وكم تتمنى المؤسسة أن تشارك بإحدى الحفلات الخيرية التي تقيمها ..لكني أريد أن
أثبت نفسي بعملي .. "
ابتسم أبي وقال وهو يربت على كتفي " سأقنعها برأيك .."
" شكرا يا أبي ..شكرا "
*********
-45-
كانت الحفلة رائعة ..كانت نظرات أمي لي خلال الحفل رائعة .. كانت فخورة بي ..فالكل في المؤسسة على علاقة طيبة بي .. لم يعرف أحد أنها أمي ..كم أود أن أفتخر بها لكني لا أستطيع المجازفة فلن يعاملني أحد بعد ذلك سوى كابنة أهم سيدة مجتمع في المجتمع ..
قالت أم فهد وهي تحمل خطاب شكر " فاطمة ..أيا كانت هذه الصديقة التي توسطت لنا ..اشكريها نيابة عني .. "
قلت وأنا فخورة جدا " سأفعل "
لم توجه أمي أي كلمة لي بناء على طلبي .. ولكني كنت أحاول الأختباء كي لاتتعرف إلي أي من صديقات أمي ...اجتمعت نساء عديدات لم أعرف معظمهن لكني كنت أرى الفخامة في منظرهن .. وماصدمني أكثر هو أن كل منهن اصطحبت ابنتها التي تماثلها في الطول .. لم أتصور أن هذه النساء الرائعات لديهن بنات في منتصف أعمارهن .. ما أذهلني فعلا .. أن أمي تعرفهن جميعا .. وأنها كلما مررت بإحداهن تبادلت معها حديث قصير عن الأيام الماضية أو الحفلات القادمة .. لقد ذهبت مرة أو مريتين إلى اجتماعات كهذه مع امي لكني أذكر أنني اكتفيت بالجلوس على الطاولة .. بينما تغيب أمي لدقائق وتعود ... لتطمئن علي ثم تعود لتختفي .. رغم الفخامة ..والأناقة التي كانن بها ..لكني لم أجد التكبر والغطرسة أو الرياء في أي منهن .. يتصرفن بودية وكلما تحدثت معهن أحدى الاخصائيات يستمعن باهتمام للمشاكل التي تمر بهن ولا يبدين أي ضجر أو ملل من الحديث معهن ..
كنت أتجول عندما رأيتها ..انقبض قلبي لدقيقة ..لكن عندما ركزت في ملامحها أشفقت عليها ..كانت تنظر إلى الفراغ ..وكل الحزن يسكن وجهها .. لاتوجد أي مساحيق
زينة على وجهها رغم الألوان البراقة التي زينت عباءتها .. ام ناصر ..قاومت رغبتي في الأختباء ..واتجهت نحوها لألقي التحية ..
" مساء الخير أم ناصر "
نظرت إلي مستعربة ردت التحية .. وقالت مترددة "هل أعرفك ؟"
هززت رأسي بلا .. فلا أريد أن تعود الأحزان في تلك اللحظة ..
" أعرفك من خلال المناسبات التي كنت تقيمينها .. أردت أن ألقي التحية فقط "
هزت رأسها وقالت " شكرا يا ابنتي .."
ابتعدت عنها .. وأنا أرثي لحالها تذكرت مريم ولم أستطع منع دمعة يتيمة من السقوط ..
عدت للمنزل وشكرت أمي وأنا ممتنة فعلا لأبي الذي أقنعها .. لكنها كانت مبادرة أمي التي أرادت أن تساعدني ..
"كيف كان الحفل ؟؟"
سألتني منال بطريقة عادية .. قلت لها بلهجة عادية " رائع ..لم لم تأتي ؟؟"
"طردت المربية بالامس واضطررت للبقاء مع الطفل طوال الوقت .. لم أستطع تركه لوحده "
دخلت إلى غرفتي و رميت بجسدي على السرير فقد تعبت اليوم ...
كان الروتين هو مايضجرني فعلا ..أعود من عملي إلى المنزل لأجلس مع والدي قليلا ثم أرى سارة وألقي عليها التحية وأدخل لغرفتي أشاهد التلفاز حتى الساعة العاشرة مساء أغلق التلفاز وأخلد للنوم .. وأصحو في اليوم التالي لعملي ..
كانت سارة مشغولة بجامعتها ومحمد مشغول فعلا فلا أراه تقريبا حيث يعود آخر الليل .. منال كأنها اعجبت بدور الأمومة .. فغالبا ما أراها تلعب مع طفلها الصغير وتلاطفه وتعتني به جيدا .. رغم مرور شهر على صرفها لمربيتها لكنها لم تذكر شيئا عن المربية الجديدة .. ويبدو أنها لن تحتاج إليها .. شعرت أن مبارك أصبح مرتاحا أكثر .. فنزوات منال وحالاتها المزاجية لم يعد لها وجود .. كأنها وجدت أخيرا جوهر الأمومة .. منال المتغطرسة لم تعد موجودة بيننا ..
وكلما مرت الأيام كلما أصبح ذهابي إلى عملي أكثر مشقة ..أكثر كآبة .. أكثر تعب ..
حيث كنت أساعد ام فهد كثيرا وكلما رأيت أسرة محتاجة أشفق عليها وأبحث عن عمل لدى والدي لرب اسرتها ...إلى أن صرخ بي أبي مرة
" لايمكن أن تحلي جميع مشاكل المحتاجين يا فاطمة .. ليس لدي شاغر .."
" أرجوك أبي ..انه أب لخمسة أطفال .. قد طرد للتو .. من أين يعيل أطفاله ؟"
أمسك أبي بيدي وهو يقول " فاطمة ..ابنتي ..لاتتدخلي بهذه الأمور .. صدقيني عملك هو سكرتيرة ليس منقذة للفقراء والمحتاجين .. والدتك لاتقصر والحمدالله أنني لا أقصر في صدقاتي وزكاتي ..لكنك أصبحت تأخذين الأمور على منحنى شخصي ..سيستغلك الكل إذا استمريت بهذه الطريقة .."
لم أستطع أن أكبح دموعي وأناأتذكر دموع ذلك الرجل الذي يبكي ويترجى ام فهد لتجد له عملا وانهار الكل في بكاء فالرجل ذو جنسية أسيوية بلغ من العمر عتيا ..وسكن هذه الأرض الطيبة منذ عشرات السنين ...كان سائقا طوال هذه الفترة وتخلت عنه الاسرة التي كانت تكفله ولكنها لم تلغ كفالتها حتى يجد عمل آخر وكفيل آخر .. لم يجد عمل طوال الاشهر الماضية ومدخراته لاتكفي لتذكرة العودة إلى الوطن مع أبناءه وزوجته ..
"أرجوك يا أبي .. أنه آخر شخص سأطلب منك مساعدته .. أرجوك .."
صمت والدي قليلا ثم قال " قد أحتاج سائقا احتياطيا للآليات الثقيلة .."
فرحت بشده وأنا أصرخ وأقفز ابتسم أبي لفرحي وقال
" كم عمره ؟"
" في منتصف الأربعينات "
" لابأس .."
عدت للعمل في اليوم التالي ونقلت الخبر لأم فهد فورا
"غضب مني أبي لأنه الشخص الخامس الذي أحضره له ليوظفه .. لكنه وافق ووعدته أنه آخر شخص سأكلمه عنه .. لا أعرف كيف تتحملين رؤيتهم وهم محتاجين وتعجزين عن مساعدتهم .."
تنهدت أم فهد وهي تقول " مارأيته لايقارن بما رأيته خلاال السنوات السبع التي عملت خلالها كمديرة لهذه المؤسسة .. توجد حالات سحبت من رصيدي الخاص لأساعدها .. وحالات أنفقت عليها راتبي الشهري ...أصعب حالة كانت لطفلة مريضة .. جمعت لها من كل صديقاتي واخوتي ومعارفي مبلغا لارسالها للعلاج . كانت حالتها صعبة تتألم طوال اليوم لاتستطيع الحراك والحمدالله أنها أصبحت أفضل حالا الآن ... "
كنت سعيده بمعرفتي لأم فهد وازداد تقديي لها اكثر بعدما عرفت ماتعانيه وماتواجهه ..
************
تفاجأت عندما رأيت عمي يجلس في المجلس برفقة ابي .. سلمت عليه وبدا عاديا جدا لم يتفاداني كعادته .. قال لي
" كيف حالك فاطمة .. كيف حال عملك ؟ إذا مللت منه لك الخيار أن تعودي للعمل لدي "
لم أجد كلمات لأنطقها .. حاولت تناسي مايعصف بداخلي من أحقاد وعتب .. لكني لكن لم أستطع ..
" لا أعتقد أنني سأعود فعملي الجديد رائع .. ومريح "
قال ابي مقاطعا " أنه يأخذ كل وقتها .. "
قلت لأبي " لكني مرتاحة نفسيا "
عقد والدي حاجبيه مستغربا وقال " كل يوم تأتين من عملك عينيك محتقنتين أثر البكاء على حالة أحدهم "
نظرت إلى عمي نظرة عتب وقلت " على الأقل .. لا أبكي مظلومة .."
وقفت وغادرت تركت والدي مستغربا وعمي مغمضا عينيه شاعرا بالذنب ..
جلست في غرفتي تكاسلت أن أغير ملابسي .. رفعت الهاتف لأتصل بمها .. لنخرج معا إلى فيلم ما أو
"السوق .. "
كانت هذه أجابة مها .. قالت تعرض أسبابها " أحتاج للذهاب إلى السوق .. هل ترافقيني ؟؟ "
وافقت ونزلت لأستأذن من أبي ..
" هل ذهب عمي ؟؟ "
رفع والدي رأسه حيث كان يقرأ الجريدة وقال " أجل ذهب مباشرة بعد خروجك من هنا .. فاطمة .."
" نعم يا أبي ؟"
" هل رحيل عمك كان بسبب ماذكرتيه قبل خروجك من هنا ؟"
صمت قليلا .. لو يعرف أبي بما حدث لي هل سيكون في صفي أم في صف عمي ؟؟ قلت رافضة أن أعرف الأجابة " لا أعتقد .. لماذا هل هناك شيء ؟"
نظر إلي أبي متفحصا .. وكأنه يقرأني ككتاب مفتوح ويقول أعرف أنك تكذبين يافاطمة
"" لا .. كنت أتساءل فقط .. ولايبدو أن هناك من سيجيب على تساؤلاتي .."
قلت وحاولت أن أبدو بريئة لا أعرف شيئا " أبي أتيت لأستئذنك .. في الخروج مع صديقتي إلى السوق .. "
" من صديقتك هذه ؟؟"
" مها .. أنت تعرف والدها .."
" اذهبي لكن دعي سارة ترافقكما .."
***********
كانت تتحرك بثقة لا أملكها متجاهلة كل الأعين التي تنظر إليها ..
" تحركي فاطمة يجب أن أجد حذاء مناسبا للحفلة .."
كانت تحمل الأكياس ذات الماركات العالمية .. وتمشي بكعب عال جدا لايكاد يظهر حيث تجر خلفها ذيل عباءتها .. ووجهها الخالي من المساحيق يظهربراءة ملامحها الناعمة ..
بينما كنت أنا أضع كحلا قد سال معظمه أسفل عيني وحذاء طبيا ..وتعلو حبات العرق وجههي رهبة من تلك العيون التي تلاحقنا منذ دخولنا إلى المجمع التجاري .. كانت سارة في احدى المحلات المخصصة للملابس .. طلبت منا الذهاب والعودة إليها بعد ساعة لتنهي قياس بعض الملابس ..
" كيف تفعلين هذا يا مها ؟؟ كيف ؟"
" أفعل ماذا ؟"
توقفت مها فجأة مستغربة .. من تنفسي الغير منتظم والكحل الذي سال تحت عيني
سحبتني إلى داخل محل الأحذية الذي لم يكن به سوى البائعه .. ..أخرجت منديلا ورقيا وأصلحته ما أفسده العرق ومسحت حبات العرق عن وجههي ..
" مم أنت متعبة ؟؟ "
" نحن ندور منذ ساعتين ولم نتوقف عن المشي ولقد ..تعبت .. أشعر بقدماي تصرخان .."
نظرت مها إلى حذائي وقالت " مم تصرخ.. من المشي ؟؟ أنك ترتدين حذاءا رياضيا أنظري إلى ماذا أرتدي "
رفعت عباءتها قليلا لتريني الكعب العالي ..
قلت وأنا أجلس " مها كنت طوال الصباح في العمل .. لم أرتح .. ثم أن هذا حذاءا طبيا .."
" طبيا أو رياضيا .. سواء لدي "
غضبت وقلت " ليس سواء .. أنه طبي .. "
قالت مها " يا إلهي فاطمة ... اذا كانت بشرتك دهنية وتعرق بسهولة اشتري كحلا مضادا للماء .. ليس لطيفا أن تتجولين كأنك باندا .."
نظرت مها إلى كعب عال أعجبت به فورا .. وأشرت للبائعه أن تخرجه من الواجهه . ثم قالت كأنها تذكرت شيئا مهما.
" عن ماذا كنت تسأليني ؟؟ "
" كيف تتجاهلين ولاتخافين .."
نظرت مها خلال الواجهه وقالت وهي تشير إلى مجموعة الشباب التي كانت تتبعنا منذ خمس دقائق وقالت " هم ؟؟"
هززت رأسي .. نظرت إليهم مها بإحتقار واشمئزاز وقالت " لايستحقون العناء . لايستحقون أن يثيرووا اهتمامي .. أو خوفي .. مجرد أن أتجاهلهم كأنهم غير موجودين .. أكبر صفعة أوجهها لهم . لاتشغلي بالك بهم مهما قالوا أو حاولوا .. أخرجي من هناك كأنك لم تري شيئا . هل ستشترين هذا الحذاء .. "
كانت تبتسم وهي تشير إلى حذاء رياضي ذهبي يبدو منظره غريبا ومضحكا
نظرت إلى مها قائلة " لا ..طبعا .. هل حذائي بهذا السوء ؟"
ثم نظرت إلى حذائي الطبي وإليها قالت مبتسمة " لنقل أنه كان اختيارا سيئا .. "
انتهى بنا الامر إلى شراء خمس أحذية ثلاثة منها ذو كعب عال لمها فهي قصيرو بعض الشيء وأنا اشتريت حذائين رائعين .. ارتديت أحدهما في المحل كي أرتاح من سخرية مها ..
ثم خرجنا لنعود إلى سارة التي كانت تجلس في محل الملابس تنظر إلى الألوان لتختار بينها ..
قالت مبتسمة " أين ذهب ذلك الحذاء الرياضي القبيح ؟"
ضحكت مها قليلا حيث عقدت حاجبي .. قلت " انه حذاء طبي ..انه في الكيس .. هل كان سيئا فعلا ؟"
قالت سارة مبتسمة " لا أعرف كان عاديا لكن لم يبق سائح في المجمع لم ينظر إليه ويضحك "
اصبت باحراج شديد .. لم تقل أي منهما أي شيء ..
قالت مها " أود أن أعرف من أين اشتريته ؟"
قلت وأنا أحاول التذكر " لم أشتريه أعطتني إياه جدتي .. "
صمت وأنا أتذكر تلك اللحظة .. كان حذائي قد انقطع أثناء ذهابي معها إلى المنتزه وعندما عدنا كنا سنذهب إلى منزل عمتي .. ولم أجد شيئا مناسبا وبدأت في البكاء حيث كانت قدمي مكتنزة جدا . ولا أجد قياساتي بسهولة .. فأخرجته جدتي من خزانتها القديمة .. أعتقد أنه كان لديها منذ طفولتها! ..قالت لي انه طبي .. رغم أنني خسرت وزني الآن .. وقدمي أصبحت أصغر قليلا .. لكن ما أن ذكرت مها أننا سنذهب للسوق لساعات ارتديته فورا ..
انتبهت أن سارة ومها تنظران إلي مبتسمتان ..
" في ماذا كنت تفكرين ؟"
هززت رأسي بلا ..شيء ..
قالت مها " يجب أن ندلل أقدامنا ونريحها هذا شيء صحيح يا فاطمة لكن لانصل إلى مرحلة افساد الذوق العام "
" الذوق العام "
" أجل .. فمن يرى عباءتك وشنطتك ونظاراتك الشمسية لايصدق القبح الذي يبدو به حذاءك.. "
ابتسمت واأنا أنظر إلى حقيبتي الزهرية وعباءتي المطرزة أطرافها باللون الزهري ونظارتي ذات الماركة الفلانية والتي علقتها على عبائتي حيث لم أحتملها على عيوني داخل المجمع ..ومن ثم تذكرت ذلك الحذاء الرمادي .. يا إلهي فعلا انه قبيح !! نظرت إليهن مبتسمة .. ثم صمتنا قليلا وفجأة وقفت سارة وقالت وهي تعرض أمامي فساتين حمل جميلة ..
" أيهم ؟؟ "
لم أستطع منع نفسي من الصراخ ومها أيضا كانت تبكي من الفرح ,,
********
ضحكت كثيرا وأنا أرى محمد يحاسب سارة على الخطوة .. يرفض أن تتحرك يرفض أن تحمل أي شيء ..حتى عندما تذهب إلى الجامعة يرسل معها الخادمة لتحمل كتبها العملاقة واستاءت سارة من هذه الطريقة فقررت أن تذهب بأوراق مطبوعة فقط فهي لاتحب ذلك الترف ..
ابتسم والدي وهو يرى محمد يقف ويحاسب سارة كي لاتنزل بسرعة ويرغمها على النزول ببطء من اعلى السلم .. وبعد ثلاث دقائق قالت لي سارة وهي تهمس " ذكريني في المرة القادمة ألا أخبره أنني حامل سوى في الشهر الثامن ."
سألتها ببلادة " لم ليس التاسع "
ابتسمت وقالت " كي لايغضب كثيرا .. ويعرف أنني أحبه وأخبرته بعد ثمان أشهر لأوفر عليه مشقة الانتظار "