كاتب الموضوع :
بلا عنوان
المنتدى :
القصص المكتمله
_30 _
عندما تأتي الأحزان ..تأتي ثلاثا ! ..
في اليوم التالي اضطررت إلى جر نفسي خارج الفراش لأتوجه إلى العمل ,,رأيت وجههي في المرآة ..كنت في أسوأ حالاتي .. فعندما عدت بالامس دخلت إلى غرفتي وإلتزمت الصمت .. لم أتناول شيئا منذ تقيأت كل ما بجوفي في المطعم ..ولم أخرج من غرفتي ..بقيت وحدي لم أعرف طريقا للنوم ولم أرى أي أحد .. غير الخادمة التي دخلت غرفتي لتضع بعض الملابس التي تم غسلها وكيها ..
نزلت إلى المطبخ وكنت قد إرتديت ملابسي ..صنعت لنفسي فنجانا من القهوة عندما جاء أبي وقال
" تعالي ..."
" صباح الخير يا أبي .."
" تعالي إلى الصالة ."
حملت قهوتي وتوجهت إليه .. لم أجلس فقد كنت قد تأخرت على عملي ..
"من قابلت بالأمس؟"
استغربت فلم يسألني أبي أبدا أين أذهب ومن أقابل ..
" قابلت الكثير .. لماذا ؟"
وضع أبي قدما فوق الأخرى وقال في صوت غاضب " لايعني أني لا أسألك أنني لا أعرف .."
" لاتعرف ماذا يا أبي ؟؟"
" السائق يعطيني دائما تقريرا مفصلا عن تحركاتك ..التي أغلبها تكون بين منزل عمتك ومنزل صديقتك سارة .. لكنه بالأمس أخبرني أنك ذهبت لمقابلة شاب وفتاة على البحر وانتظرتهما لأكثر من ساعة .."
اجتاحني شعور بالخوف من أبي ووجدت نفسي مضطرة لوضع قهوتي جانبا ..
قلت بهدوء وابتسامة حزينة " كنت أفضل أن تسألني أنا .. على الأقل أقضي معك دقيقة في اليوم .. بدلا من أن تستجوب السائق .. "
وقف والدي وقال بجدية " لاتحاولي ..من هما ؟ ؟"
" أحاول ماذا ؟ "
"لاتحاولي أن تجربي سياسة اللف والدوران ..أن أبقي عيني عليك وعلى هذا المنزل وأعرف بكل حركاتك لست مغفلا .. ويهمني شرف وسمعة العائلة ..وكوني سمحت لك بمجال العمل المختلط لايعني أبدا أن أغض النظر عن مراقبتك ! ..من كانا ..انطقي قبل أن أفقد هدوءي فيحدث مالايحمد عقباه!"
لم أستطع كبح دموعي .. جلست وقلت له باستياء " كانت مريم صديقتي .. أنت تذكرها زارتني مرة أو مرتين .."
قال أبي غاضبا " أعرف مريم ..لكن الذي لا أعرفه لم تكلمت مع ذلك الشاب ؟؟ ومن يكون .. "
قلت بلامنطقية " أنت لاتثق بي !"
" بلـــى . أنا أثق بك .. لهذا أنا أقف هنا مانعا نفسي من التصرف بتهور أنا واثق أن لديك سببا مقنعا .. اختصري الطريق وتحدثي من هو ولماذا كنت تتحدثين معه؟"
ولم أجد بدا من اخباره
" انه شقيق مريم .. ناصر .. وقلت له ما أرادت مريم أن أقوله له ."
" وماذا كانت تريد مريم أن تقوله ولم تجد طريقة غير لقائك وجرك إلى حدود البحر لتقولينه له ؟"
أغمضت عيني وشعور بالمرارة يجتاحني وعادت جيوش الأحزان
" كانت تريدني أن أخبره أنها لن تتلقى جلسة العلاج الكيمياوي وأنها اختارت أن تموت سريعا .."
وانخرطت في بكاء ولم أستعد وعي سوى وأنا بين ذراعي والدي يحاول تهدئتي ..وجدت ما أحتاج . .الحضن الذي سيحمل عني القليل من الأحزان ..
" فاطمة صغيرتي .. اهدئي .. إنه قضاء الله .. "
كان يربت على شعري بحنان افتقده كثيرا .. قلت له وأنا أشعر بالامتنان
" أخبرتني بالأمس .. كانت تعاني طوال الوقت ولم تخبر أحدا ..لكنها احتاجت أن يقنع أحد ما شقيقها ناصر بأن .. توقف العلاج .. آه يا أبي لم أذق طعن النوم ولم أستطع أن أفكر بشيء غير تلك اللحظات ,, "
" يكفي يا فاطمة .. لا أتحمل أن أرى دموعك ..الصبر .. والدعاء هو ماسيساعدها لن يفيدها أن تراك بهذا الضعف وهذه الدموع .. تحتاجك قوية بقربها .. تحتاجك أن تسانديها .. "
كلمات والدي أراحتني قليلا .. كفكفت دموعي وقبلت رأس والدي وخرجت متجه إلى عملي .. وأنا متأكده أنني أبدو في حالة رثة ..
أسعدني نوعا ما أن أعرف أن أبي يسأل عني ويراقبني .. رغم أنني لا أجه دائما .. لكنه عوض علي اليوم ما حرمني منه طوال سنواتي الماضية .. شعرت بالإرتياح أنني وجدت من أأخبره بما يحزنني وألجأ إلى حضنه ..ويساعدني معنويا .. فعلا ..مريم تحتاج إلي في مصيبتها هذه ..وهروبي بالأمس كان غيرلائقا ..يجب أن أبدو قوية حتى لاتشعر مريم أنها لوحدها ..لقد ذكرت لي أن والدها الذي كان أقرب الناس إليها بدأ يبتعد عنها .. يجب أن أسعدها ي أيامها الأخيرة .. وسأجعلها تغادر هذه الدنيا راضية وسعيدة ..كيف ؟؟ لا أعرف .. سأرى مابوسعي عمله بإذن الله .
دخلت إلى مكتبي ولم تبارح النظارة الشمسية عيناي .. جلست وكنت قد تأخرت ساعة كاملة ! ..فتحت الكمبيوتر لكي أتأكد من مواعيد اليوم .. طبعت الورقة واتجهت بها مع البريد الصباحي إلى مكتب عمي ..
"صباح الخير يا عمي أنا آسفة لأنني تأخرت ..لقــ.."
كانت نظرة عمي حادة قال في غضب " لم أتوقع قدومك على الإطلاق ..ماذا تفعلين هنا ؟"
لم أفهم ماذا يعني عمي " لقد تأخرت ساعة فقط ..."
" لقد أخبرتك بالأمس أنني لا أريد رؤيتك في هذا المكتب .."
انقبض قلبي وشلت الصدمة جسدي لثواني ..لم أستوعب .."مـ..مــ..ماذا ؟"
وقف عمي وقال " لقد طردتك بالأمس ..ألم تفهمي هذا ..؟ .. "
" لماذا .."
" مستحقاتك ستصلك بالبريد مع ورقة توصية .. اخرجي الآن وخذي أغراضك ستصل السكرتيرة البديلة في أي لحظة !"
وقع الملف من يدي لا إراديا كنت أظنه للحظة يمزح ! ..لكن على مايبدو أن كلامه صحيح .. اتجهت نحو الباب وخرجت ببطء لأرى مايؤكد لي حقيقة الأمر سكرتيرة شامية تقف في الخارج تنتظر الدخول ..
" ادخلي .."
كان هذا ماقلته .. نظرت إلى مكتبي لم يكن به شيء يستحق العناء سوى دفتر خاص بي صغير .حملته ودخلت إلى مكتب فيصل أريد أن أعرف لماذا طردني عمي ..
"فاطمة!!"
"لقد طردني .."
" ماذا .."
قلت وأنا أنظر إلى الدفتر الصغير من خلف نظارتي الشمسية .. ورسمت ابتسامة ساخرة على شفتي " أتيت لكي أسألك هل لديك فكرة عن سبب طرد عمي لي ؟"
لكن على مايبدو أن فيصل لم يكن لديه أي اجابة! ..
هز كتفيه في بساطة .. لم يقل شيء ..لا أعرف لكن لأول مرة لم ينقبض قلبي لرؤية فيصل منذ وقت طويل ! .. ربما لأنه الآن محمل بهموم لانهاية لها ؟ ..
" إذا .. سأذهب ..."
" فاطمة .. أنت تعرفين أنني أحبك ..أليس كذلك ؟ ."
" أعتقد أنك أوضحت هذا لي من قبل .."
" إذا لماذا البرود ؟؟ .. ولماذا تبدين كــ...ظل !"
ظل ؟؟...يبدو أنك لاتفهم يا فيصل . أنا ؟؟ برود ؟؟ أنا التي عانيت نار الغيرة ونار الحب كما لم تعان أي امرأة أخرى . أنا التي أهيم بك حبا لن تستطيع أي أمرأة أن تحمله لك في وجدانها .. حملت ثقلا بين ضلوعي لفترة طويلة وأريد أن أحتفظ به إلى الأبد .. تتهمني بالبرود ؟؟ ..
تلألأت الدموع في عيني ..وكان من حسن حظي أنني كنت أرتدي نظارتي الشمسية ..
"ظل .ماذا تعني ؟ "
قال متفحصا لي " أنت بخير ؟؟"
ابتسمت رغم آلامي وأوجاعي .. وتمتمت " أنا بخير .."
وعندما أردت الخروج أمسك يدي ولم أستطع أن أمسك نفسي أكثر
"لماذا تحاول أن تمسك بالظل ؟؟ ..........لماذا الآن ؟؟ ... "
نظر إلي مطولا ثم قال
" سأوصلك إلى المنزل .. "
"لاداعي السائق ينتظرني في الاسفل .. ... "
أفلت يدي لكنه انتزع النظارة ليواجهه عيناي بنظرته الفاحصة ..
" ما.. فاطمة هل أنت بخير ؟.."
أمسكت دموعي لدقائق ومسحت آثارها على وجنتي ورموشي " أنا بخير.."
لكنه قال " لاتبدين هكذا .. أخبريني .. هل أنت بخير ؟ .. "
" لقد فقدت عملي للتو ..ماذا تتوقع أن أبتسم أو أرقص فرحا ؟ بعض الدموع وسأكون على مايرام ...."
" لاتعرفين ما تأثير دموعك هذه علي .."
وصمت للحظة فأخفضت رأسي لثواني ثم ارتديت نظارتي وقلت له بابتسامة
" لن أسألك إن كنت تنتظرني أن أسألك .."
" أنا لا أنتظر سؤالك .. وإن كنت تنتظرين الإجابة لن أجيبك .."
ابتسمت وقلت له وأنا في طريقي للخروج " أنا لا أنتظر !"
" فاطمة .. تعالي إلى المزرعة ..فالمهرة الصغيرة تتظر إسما لها !"
ابتسمت وقلت له " سأجد ما يناسبها بعدما أراها .."
رفعت يدي وقلت وأنا ألوح له مودعة " إلى اللقاء "
اتصلت بالسائق الذي لم يكن يبعد كثيرا .. ووقفت أنتظره في المواقف .. لا أعرف .. لكن فقدت للتو عملي الذي كنت قد بدأت أتعلق به ..مالسبب ؟؟ لاأعرف ..غضب عمي لابد أن يكون له سبب قوي فعمي خالد لايغضب بسهولة ..
هل معقول أنه لاحظ شيئا مما يجري بيني وبين فيصل ؟؟ لا مستحيل .. لم يحدث الكثير سوى بعض المحادثات الهامشية وحديث الأعين .. فيصل كانت ميزة هذا العمل أنني أراك يوميا .. أتعامل معك يوميا .. لكن الآن . .. لن نرى بعضنا ..
عدت إلى المنزل لأجد والدتي قد استيقظت للتو من نومها .. وقد ارتدت ملابسها الكاملة " صباح الخير ؟؟ .. إلى أين ستتوجهين في هذا الوقت المبكر .."
كنت أنظر إلى ساعتي وهي تتناول افطارها " إلى منزل عمك خالد "
"لماذا ؟؟ هل استجد شيء ؟؟.."
" أجل .. لقد تطلقت حمده ! .. المسكينة .. على مايبدو أن زوجها غشهم فهو ليس بالمستوى المطلوب لم تتحمل المسكينة .طلاق بدون أن تتزوج بالفعل ! يبدو أن الحظ ليس في صفها على الإطلاق أولا فسخ خطوبتها بفيصل والآن انفصالها عن هذا الرجل رغم أنهم عقد قرآنهما فقط ..يجب أن أذهب لأواسيها ..رغم أنها هي من طلبت الطلاق !. "
كانت معدتي قد تقلصت بالفعل منذ سمعت هذا الخبر ..وكل عضلة في جسدي تشنجت ..تبا .. لم أستطع كبح دمعتي .. فعلا عندما تأتي الأحزان تأتي ثلاثا ..
أولها مرض مريم ..ومن ثم طردي من عملي .. والآن ..حمدة أصبحت حرة .. وبابتعادي عن فيصل .. سيكون من السهل أن تعود الروابط بينهما كما كانت .و هو كما قالت سارة ذات مرة.. غير مخلص ! وأنا مقارنة بحمدة .. لاشيء ! .. تبا .. انسحبت ببطء إلى غرفتي استلقيت على سريري .. وأغمضت عيناي ليزورني النوم الذي نسيني طوال الليلة الماضية !
استيقظت وكانت الساعة قد تخطت الخامسة مساء .. أشعر بثقل غريب في رأسي .. تحممت وارتديت ملابسي وصففت شعري ..وجلست في غرفتي لا أريد أن أفكر بشيء .. أمسكت بريموت التلفاز لأقلب بكل كآبة .. أبحث عن طيف باربرا سترايسند .. أو أودري هيبورن . ...أو على الأقل فيلم قديم لماجدة ..
لم أجد شيء .. أطفأت التلفاز وعدت إلى سريري .. استلقيت هناك دون أن أفعل شيئا .. شعرت بخمول فظيع ..طرقات الباب هي ماجعلتني أقف بكل صعوبةلأفتحه
" محمد ؟.."
دخل محمد وأغلق الباب خلفه .. قال مبتسما " لم أرك منذ أيام ..ما بك ؟؟..سأل عنك والدي أثناء الغداء .."
" كنت نائمة .. "
"سألتني سارة عنك وأخبرتني أنك لاتجيبين على الهاتف وعندما أخبرتها أنني لم أرك منذ أيام .. لاتتخيلين مقدار اللوم والعتاب الذي واجهتني به .. فشعرت بالنب فأتيت لرؤيتك .ما أخبارك ..ولم تبدين شاحبة ؟؟"
ابتسمت .. كم أحبك يا سارة .. قلت له " لاشيء كنت نائمة وقد استقلت من العمل ..هذه آخر أخباري .. ما أخبارك أنت .."
تفاجأ محمد " تركت عملك .؟ متى ؟"
" اليوم ! "
"لن أسألك . لماذا... يسرني أنك فعلت .. فلم أحبذ فكرة عملك في تلك الأجواء الدبلوماسية والمختلطة ."
" لم أعرف أنك بهذه الرجعية "
" لست رجعيا كل ما في الأمر أني كأخ لا أحبذ أن ..أنت تفهمين .. كل رجل يجب أن ..... كل ما في الأمر أنني أخشى عليك وأغار عليك .. ومن لايغار على أهله فهو ليس برجل .. لكن وجودك بقرب عمي وفيصل جعلني أطمئن .. لكن الفكرة لم تعجبني .. "
تفاجأت من تصريح محمد ... واستغربت إن كان رأي مبارك وابراهيم وسالم نفس رأيه .. قلت له مبتسمة " ما رأيك أن تدعو شقيقتك الوحيدة التي لم تذق طعم الطعام منذ يومين إلى عشاء فخم ؟؟"
" هيا ..ارتدي ملابسك .. وسأرتدي ملابسي وأنتظرك ."
بعدما ارتديت ملابسي توجهت إلى الطابق السفلي .. وأنا في طريقي شعرت بدوخة بسيطة .. والكعب العالي والدرج الرخام لم يساعداني في المحافظة على توازني ..ووقبل أن أسقط .. أعتمت الدنيا ........
استيقظت بصعوبة .. لأجد نفسي محاطة باللون الأبيض ,,
"فاطمة .. حمدالله على سلامتك "
نظرت إلى وجهه سارة القلق كانت تجلس بقربي ..
"سارة .."
"لاتخافي .. أنت بخير هذا هو المهم .."
" ماذا حدث .."
" سقطت من أعلى السلم .. وجدك محمد فاقدة الوعي فاستدعى الإسعاف .. المهم أنك بخير .. "
بعد أن استعدت تركيزي كانت احدى قدمي مجبرة .. ورقبتي محاطة بطوق ضخم .. ورباط على رأسي .. أوه..
قالت سارة والابتسامة تعلو ثغرها " سأستدعي الطبيب ..لقد ظنوا أنك في غيبوبة لقد نائمة طوال اليوم !"
اختفت سارة لدقائق وعادت .. مع الطبيب الذي انهال علي بالأسئلة ..التي أزعجتني أكثر من الصداع الذي انتابني لحظة استيقاظي ..
قال معلقا " للأسف .. الكعب العالي وأضراره "
قلت معترضة " ليس الكعب .. لقد فقدت وعيي قبل أن أسقط .. "
استغرب الطبيب لكني قلت متابعة حديثي " لكني كنت ..لم أتناول أي شيء طوال اليوم .. وعانيت بعض المصاعب في العمل .."
" التحاليل تشير إلى وجود فقر دم حاد .. ونقص في السكر .. لكن شقيقيك أخبرنا أنك سقطتي جراء انزلاقك .. الحمدالله أنك لم تدقي عنقك .. ..كسرت ساقك .. ورضوض في عنقك .. وضربة على الرأس ست غرز .. شيء جيد أن شقيقك اتصل بالإسعاف . إلا لأصيبت رقبتك إصابة بالغة جراء النقل .. ستضطرين إلى ارتداء طوق الرقبة طوال الوقت .. أنت الآن تحت المغذي ... لاحقا سنأتي لك بوجبة صحية .."
طبعا ماقاله الطبيب صدمني كثيرا .. ....والصداع عاودني مرة أخرى ..
" فاطمة ..هل أنت بخير ؟"
نظرت إلى محمد بابتسامة رغم صداعي العنيف " أنا بخير .. لكنك ستبقى مدينا لي بدعوة على العشاء !"
فكرت قليلا واكتشفت أني رددت كلمة بخير في هذا اليوم كثيرا ! .. رغم أنها لاتصف حالي أبدا!!
نظرت إلى الطبيب " متى سأخرج ؟"
قال منبتسما " هل مللت من البقاء ؟؟ لم يمر سوى ربع ساعة منذ استيقظت وأصبحت تتذمرين ؟لابأس .. سنبقيك ليومين كي نتفادى المضاعفات .. فإصابة الرأس شيء لايستهان به ..ومراقبة فقر الدم ونقص السكر .. ثم سنطلق سراحك !"
ابتسمت لهذا الطبيب الذي على مايبدو يشفق علي .. لو رآني قبل سنة لما حدثني بهذه اللهجة .. فشحوبي الآن ونحولي جعلاني أبدو كفتاة في الرابعة عشر من عمرها .. وها أنا على اعتاب التاسعة عشر .. سأبلغها خلال أربعة أشهر ..
استغربت من عدم وجود أبي أو أي من أخوتي ...أو أمي .. لا أحد .. مر اليوم وسارة ومحمد يتحدثان عن أشياء كثيرة .. كأنهما يريدان أن يشغلاني عن شيء آخر ..
" أني أشعر بصداع ..فظيع "
قال محمد متوترا " سأستدعي الطبيب "
وخرج مسرعا .. إلتفت إلى سارة " ماذا يحدث ؟؟ أين أبي أين أمي ؟؟ ..مبارك وابراهيم وسالم ؟؟ لقد مر اليوم ولم أرى أيا منهم !"
ترددت سارة ثم قالت " كانوا هنا طوال الأمس .. سيأتون لاحقا "
جاء الطبيب ليستجوبني عن الصداع لمدة عشر دقائق وانتهى بأن أعطاني مسكنا ..لم يسكن الصداع .. لكنه بطريقة ما أخرس الأفكار التي تتقاتل في مخيلتي ...
قالت سارة " الحمدالله أنها قدمك وليس رأسك .. هل ستأخذين اجازة ؟"
" لا .. "
" كيف ستذهبين إلى عملك بهذه الصورة ؟؟"
" لن أذهب .."
" لا أفهــم "
" لقد طردني عمي !"
تفاجأت سارة فقالت مواسية " لن أسألك السبب ..هل هذا سبب اكتئآبك "
" أجل ..ضمن أشياء أخرى ..."
أدرت رأسي بعيدا ,,," سأخبرك يا سارة كل شيء لاحقا...لكنني الآن لا أريد سوى أن أغمض عيني وأغرق في نوم عميق .."
وقفت سارة لتغطيني ثم تركتني وإستئذنت للعودة إلى منزلها ومقابلتي لاحقا ,,
غرقت في نوم عميق وعندما استيقظت وجدت أخي سالم وأمي يجلسان بهدوء بقرب رأسي ,,
" حمدالله على سلامتك ..يا أختي الصغيرة .."
ابتسمت لسالم ...ونظرت إلى أمي التي لمم تعد علاقتي معها جيدة منذ خروج جدتي من المنزل ...
" أمي .."
رفعت يدي لها لتأتي وثقبلني برقة وتمسك يدي والدموع تتلألأ في عينيها
" آه يا ابنتي ...الحمدالله أنك بخير ! "
ابتسمت لأمي ..لأفتح معها صفحة جديدة !
فليس لي سواها !
**********
زارتني جدتي وفرحت لزيارتها وعادت هي ووالدتي كما كانتا سابقا ..عاد الحديث بينهما والموده ,,هذا جيد ولم يكلفني سوى قدم مكسورة ورقبة مرضوضة وست غرز !لاشيء مهم لو أعرف أن الأمور ستعود طبيعية هكذا لرميت نفسي منذ زمن !
كانت ردة فعل والدي هي ما أشعرتني فعلا بالألم .. لم أكن أظن أن والدي بهذه الرقة ! كان حنونا بشكل لايوصف ..
|