-15-
اختفاء ..
ما أعرفه أنني خلال الأيام التاليه ازددت شراهه .. ازددت كآبة .. أكلت مشاعري وكآبتي . اهملت دراستي ولم أعد آبه لشيء .. . .. اختفى حسن لم أعد أره .. وأكلف نفسي عناء السؤال عنه .. فقد ارتحت أخيرا .. كان وجوده الدائم يخنقني ..
رأيت منال التي اتضح انها كانت مسافرة .. لم أكترث .. لكن مبارك كان في مزاج سيء .. لا أعرف مالسبب .. ولم يعجبني وضعه .. كانت أمي تجلس في الحديقة عندما خرجت إليها ..
" كيف حالك ؟"
" بخير يا أمي .. "
"ماذا ستفعلين بعد انتهاء امتحاناتك ؟؟ "
نظرت إلى أمي وقلت بصدق
" لا أعرف .. "
" لنسافر أنا وأنت إلى السعودية ونقضي هناك الربيع .. "
فرحت كثيرا بعرض أمي ..
" فعلا ؟؟ أجل موافقة .. "
قالت أمي بهدوء " سنرافق خالتك وبناتها .. "
وكأنها قتلت فرحتي في الوقت ذاته .. حيث لم أحب بنات خالتي ولا أطيقهن .. " لن أذهب .. "
نظرت أمي إلي باهتمام " لماذا هل لازلت على خلاف معهن ؟؟ "
قلت لها بصدق " كنت سأذهب لو كنا بمفردنا ... لكن لن أرافقهن .. لن أنسى ماحدث لي جراء آخر عطلة قضيتها معهن .."
قالت أمي مستغربة " لكن كان هذا منذ عشر سنوات .."
هززت رأسي بلا ودخلت إلى المنزل .. لن أنسى ماجرى منهن .كنا قد سافرنا إلى دبي في عطلة الربيع .. .. لم يكفن عن توجيه الاهانات إلي والسخرية مني رغم أنني لم أكن قد بلغت السابعة بعد . وهن أكبر مني بخمس سنوات .. ولم أرهن منذ تلك العطلة .. وحرصت على عدم الذهاب إلى منزلهن وعدم الخروج إذا قامن بزيارتنا ..
لحقت بي أمي إلى المجلس وقالت بغضب " هل ستبقين وحدك ؟"
"جدتي ستبقى معي .. "
"لن تبقى ستسافر بمعية عمك خالد إلى السعودية .. وسيسافر أخوتك ولن يبقى أحد .. حتى الخادمات سيذهبن معنا .. "
" لن أذهب .. "
" إذن ستذهبين للبقاء في منزل عمتك .. "
وقف شعر جسدي هلعا من هذه الفكرة .. لم أذهب إلى منزلها منذ تعرض لي عبدالعزيز ذات يوم .. والآن بعد خطوبة منى .. ستكون فرصة لأرى فيصل .. لكن ... وبدون وعي قلت لأمي
" حسن .. سأبقى لديها لمدة أسبوعيين .. ""
" ماذا فعلت ؟؟ ""
كانت مريم تصرخ بغضب .. اليوم هو آخر يوم من الامتحانات .. التي لم أكن قد درست لها ولا أعرف كيف أجريت الإمتحانات .. ولم أقل لسارة ومريم شيء حتى سافرت أمي اليوم صباحا وسيأتي عبدالعزيز ليقلني من المدرسة ..
قالت مها التي عرفت بما يحدث معي من سارة " ألم تفكري ماذا سيحدث لك إن حضر فيصل لرؤية منى . "
قلت " انه خطيبها ... لن يأتي .. لم يتزوجها بعد .. "
نظرت إلي سارة بعمق " ستعذبين نفسك .. ولن تستفيدي شيئا "
لم أقل شيئا .. ولم تقل أي منهن كلمة .. لقد كان تعليق سارة كافيا لينهي الحديث ..
قالت سارة وهي تودعني " تعرفين رقم هاتفي .. لاتترددي في الاتصال بي إن احتجتني .. لن اخرج من المنزل "
" سأفعل .. "
قالت مريم " سأسافر اليوم .. ولن أعود قبل اسبوعين .. لكن سأتصل بسارة لتخبرني بالجديد .. "
قالت مها مودعة " أنا سأكون في مزرعة جدتي .. وهي خارج المدينة .. لكن سأعود الأسبوع المقبل .. اتصلي بي . "
جاء عبدالعزيز برفقة صافية ... ركبت سيارته
" السلام عليكم "
" وعليكم السلام .. كيف كان امتحانك اليوم "
" سهل وأسئلته سهله .. لكني لم أكن أعرف الإجابه .. "
ابتسم عبدالعزيز وانطلق بالسيارة وانتبهت أن صافية لم تتحدث معه على الاطلاق .. تذكرت ماحدث بالامس عندما حادثتني جدتي عن اختفاء حسن .. لايعرف أي أحد أين هو .. اختفى فجأة ولم يرغب أحد في السؤال عنه سوى جدتي .. التي حزنت كثيرا لإختفائه .. أو كما يطلق عليه أخي مبارك .. الهروب ..
سألني عبدالعزيز متجاهلا صافية " ما رأيك أن أدعوك للغداء "
اعتذرت بتهذيب أني متعبة وأريد الراحة فقط ..
وصلنا إلى المنزل .. استقبلتني منى بابتسامة عريضة أدمت جرحي العميق داخل قلبي ..
يا إلهي ماذا أفعل .. عندما يكون الانسان جاهلا بما يجول في خاطر أخيه إلى درجة أن رؤيته تسبب ألما له .. ارتميت في حضن منى وألقيت بكل آلامي على كتفها .. ربتت بحنان بريء علي .. قتلت كل مشاعر الكره تجاهها التي تولدت دون أن أشعر ... ماذنبها ؟؟ لاتعرف ماذا في قلبي .. لا أحد في عالمي يعرف مابداخل قلبي من أوهام ... لم ألوم غيري على غبائي ؟؟
استلقيت على السرير بتعب ... حاصرتني الفتاتان بالأسئلة .. لكني كنت أنظر إليهما بتعب ولم أشعر بنفسي فقد أغمضت عيناي ونسيت أن أفتحهما لأغرق في نوم عميق .. ووسط أحلامي أسمع ضحكهما وأحاديثهما دون أن أفهم شيئا ..
استيقظت بتثاقل .. كانت الساعة تشير إلى الثالثة عصرا .. غيرت ملابسي واتجهت إلى صالة منزل عمتي لأجدها تجلس بين ابنتيها وتحادثهن بمرح .. وقفت هناك لدقيقة .. حدادا على أمومة لم أذق طعمها يوما .. وتأملا لمنظر كم أحسد بنات عمتي عليه ..
"فاطمة .. تعالي حبيبتي .. تعالي .. "
اتجهت لحضن عمتي ..ووضعت رأسي بتعب .. وأغمضت عيناي بينما تتكلم مع بناتها ..كانن يتحدثن في شتى الأشياء .. المطبخ السيارة الدراسة الطقس .. تمنيت لو أجد يوما شخصا يتحدث معي في أتفه الأشياء .. شخص لايبخل علي بسخافته كما لن يضجره سخافة أفكاري .. أزاحت عمتي حجابي وبدأت في مداعبة شعري .. وهي لاتزال تتحدث في أمور صغيرة ..
-16-
"ليتني سافرت مع والدتك .. لكن فيصل لم يرضى قال انه يرغب في التعرف إلي خلال هذه العطلة .. "
لم أستوعب ماقالته منى لدقيقة .. ثم قلت هامسة "ماذا ؟ "
قالت منى ببرود " لا أعرف لما ضيعتي على نفسك هذه الرحلة .. يالغباءك .ستندمين على ذلك .. ان جو السعودية رائع في الشتاء .. "
لم أفهم غباء منى .. هل فعلا تفضل السفر على التعرف بفيصل ؟؟ قلت ولا أعرف من أين خرجت الكلمات "أتكلمينه ؟"
قالت ببرود " انه يأتينا كل جمعة منذ الخطبة .. ويجلس بيننا .. ما عدا عبدالعزيز .. لايزال لايكلمنا ."
أثلج هذا الخبر قلبي .. إن هناك فرصة لألتقيه ! قلت متمته
"مالسبب ."
قالت بغرابة " لاشيء !"
لم أفهم سبب تكتم الجميع عن سبب خصامهم مع عبدالعزيز ..
توجهنا لتناول العشاء قالت لي عمتي " هلا أرسلت الطعام إلى عبدالعزيز ؟ .. لقد ذهب حمد وزايد إلى مزرعة عمك خالد وسيبقيان هناك طوال العطلة .. وعبدالعزيز لايكلم أي منا .:"
لم أرفض طلب عمتي .. حملت العشاء إلى المجلس الكبير ..دخلت وكنت قد أحكمت حجابي ..
" السلام عليكم .. كيف حالك .."
" جيده .." وضعت الطعام أمامه ودعاني إلى الجلوس لدقيقة .. جلست وقلت بمرح " لقد أصبحت الواسطة بينكم الآن .. هل ترغب في طلب شيء من عمتي أو أخواتك ؟ "
"لا شكرا .."
" ماذا حدث ؟؟ أخبرني .. قد أكون حمامة السلام .. "
ابتسم ونظر إلي وقال " لن أعلق .. آخر مرة علقت على شيء قلتيه انتهى بك الأمر تبكين .. :"
تذكرت سخريته ذات مرة ... وكيف أهانني .. يا إلهي . نسيت .. ابتسمت فقط .. فلم أستطع أن أقول أي شيء .. ثم فجأة استوعبت الأمر ونظرت إليه بغضب "ماذا تقصد ؟؟ "
ضحك ببراءة .. وقال مازحا " مجرد تشبيه "
"مـــاذا ؟؟ "
وقفت لأغادر فقال بانكسار" هل ستنضمين إليهن الآن ؟؟ رائع .. لن يكلمني أحد في هذا المنزل "
نظرت إليه بحنق فقال متوسلا " أرجوك .. لقد أصبحت أكلم الحائط "
ضحكت مرغمة .. عدت إلى الجلوس .. وقلت له بجدية
" لا أحب أن أكون محور النكته لدى أي شخص .. أرفض رفضا قاطعا أي كلمة تخص شكلي .. "
قال باستسلام " امرك
سيدتي .. "
تذكرت حسن وابتسمت .. "لست بسيدة أحد .. مازلت آنسة "
قال مشككا " كما تأمرين يا آنسة .. "
ثم راح يتحدث عن أحد أصدقائه وحس النكته لديه .. كيف أضحكهم .. ثم تناول طعامه واستنأذنت لأدخل لقد استبد بي الجوع .. ان أحاديثه شيقة جدا .. لكني كنت جائعة جدا .. جلست إلى الطاولة قالت عمتي جدية "تأخرت "
قلت لها الحقيقة " لقد طلب مني البقاء والتحدث معه قليلا .. لقد كان يشعر بالوحده و... "
هززت كتفاي عندما رأيت عمتي قد أسقطت الملعقة من يدها .. قالت بحزن "هو من ..على أية حال لقد سبب هذا لنفسه .."
سألتها بفضول " ماذا .. "
قالت "لاشيء .."
لاحظت نظرات منى وصافيه وخصوصا منى التي نظرت بعيدا ..
قلت وكنت أعرف أنه لايجب أن أتكلم فيما لايعنيني .. لكن .. نطقت رغم ذلك
" أنا متأكده أنه مهما كان الأمر لايستحق أن تتخاصموا فيما بينكم بهذه الطريقه ..: "
تركت منى الملعقة من يدها وتركت المائدة بعصبية .. في تلك اللحظة تأكدت أن المشكلة كلها تخص منى .. وأكيد . تخص فيصل .. تناولت طعامي بسرعة وعدت لأجلس بقرب منى في الغرفة " ماذا هناك .. أخبريني ... لم تركت عشاءك ؟؟ "
" لم أعد أرغب بتناول شيء "
"ماذا إذن .. ماذا حدث .. أخبريني لم عبدالعزيز يرفض الحديث معكم ؟ "
تكورت منى حول نفسها ولم ترغب في النظر إلي وهي تتكلم فنظرت عبر النافذه وقالت
" لقد ...غضب عبدالعزيز عندما سمع من جدتي أمر خطبتي .. لقد كان آخر من يعلم .. واتضح لاحقا أن أحد أبناء عمي تقدم لخطبتي عن طريق عبدالعزيز ..وأكد له عبدالعزيز أن الأمور سوف تكون كما يريد .. حدثت مشاده كبيره بيننا .. انتهت بطلب أمي منه أن يوافق على زواجي وإلا لن تحادثه هي أو أي منا .. وكان كبرياؤه شديد لدرجة أنه اختار الخيار الثاني بكت أمي كثيرا .."
بكت منى بقسوة .. حاولت أن أخفف عنها ... قالت منى بارتجاف
" لا أحب أن أكون سبب الخلاف بين أمي وأخي .. كلما تحدثنا بالأمر تنظر أمي إلي كأنني المذنبة "
شعرت أنها فرصتي في تحقيق ما أردت .. فرصتي في انهاء خطوبة منى وفيصل .. قلت لها بخبث أشتم رائحته بوضوح "ربما كان عبدالعزيز على حق "
التفت إلي بدموعها ونظراتها البريئه وقالت بهدوء
"ماذا تحاولين أن تقولي ؟"
"ربما لايرى في فيصل الزوج الصالح لك .. ويرى ابن عمك أنسب لك .. "
" لا أعرف .."
بدت منى مرتبكة فأكملت خطتي " انظري للأمر من ناحية أخرى .قد يخلق زواجكما العديد من المشاكل .. فقد ابتدأ بمشكلة بين عمي خالد وفيصل .. "
شعرت كأن منى تفكر جديا بكلامي فقالت لي " هل تقولين لي أن أتخلى عن فيصل ؟؟"
تداركت فداحة قولي فأسرعت قائلة
" لا أقول لك شيئا فلست مخولة لإبداء رأيي .. كل هدفي أن ينتهي الخلاف بينكم .. أنت وعبدالعزيز "
قالت منى بحكمة خيبت كل آمالي في الحصول على رد فعل سريع كما أريد " لا .. سأفكر في كلامك لكن لن أفعل أي شيء .. يعجبني فيصل كثيرا .. وأعرفه ليس به أي عيوب تذكر .. كما أن أمي كانت في صفي .. وأنا أثق برأي أمي .."
قلت بيأس " وعبدالعزيز .."
قالت " لاتقلقي .. لن يبقى الأمر على هذا الحال .. فقلب عبدالعزيز طيب .. وسيرضى في النهاية "
انسحبت من قربها وخرجت إلى الحديقة وكان يجلس وحيدا .. انضممت إليه بيأسي وخيبة أملي .. وسألته
" فيم تفكر ؟"
" لاشيء .. فقط أتأمل الليل والنجوم .."
" رومانسي .."
"لا .. بل حالم .."
"أليس الحالم هو الرومانسي ؟.؟ "
التفت إلي وكانت ملامحه لاتحمل أي تعبير " لا... الحالم هو من يحب التأمل بلا حدود .. أما الرومانسي فمن يعيش قصة حب "
قلت بجرأة " ألا تعيش قصة حب حاليا ؟؟"
"لا .. لست من ذلك الصنف .. إني رجل آخر مايفكر به هو
قصص الحب السخيفة ."
"وتتجرأ على تسمية نفسك بالحالم ؟؟ .. لا .. أنك متأمل فقط .. ان عالم الأحلام كبير .. ولست من رواده "
أدركت أنني انفعلت كثيرا في قول كلماتي تلك ... من نظرته المتفاجئة لي .. قال لي بهدوء قاتل " لما انفعلت هكذا عندما سخرت من الحب ؟؟ "
" لا لشيء ... فقط أنني .. لم أفهم سبب موقفك .. لقد أغاظني كثيرا "
أحسست من نظراته أنه قرأني ككتاب مفتوح ... أنه رأى جرح قلبي عبر بؤبؤ عيني واضحا .. كوضوح الشمس ..
" من هو ؟"
كان سؤاله مفاجئا ..خارجا عن المألوف .. عن العادات عن التقاليد عن المنطق .. كيف تجرأ وسألني ؟؟ ارتبكت كثيرا وشعرت أن الدماء اختفت من وجههي .. قلت مرتبكة " ماذا تقصد ؟؟ "
لم يزد حرفا كانت نظراته تؤكد لي معرفته لما يجري داخلي من زلازل وبراكين .. كنت أناضل لأمنع دمعة تريد الخروج .. دمعة لاتطيق البقاء داخل جسد ينكرها بقسوة ..
تراجع إلى الخلف .. لا أعرف لما انسحب .. لكني ارتحت لانسحابه فقد كنت سأعترف له لو زاد الضغط علي ..لكنه انسحب وغير الموضوع ..
"متى سنرى نتائجكم ؟"
أخذت وقتا طويلا في استعادة تنفسي ..وقلت بارتباك " لا أعرف "
" أنا أراهن أنها ليست بالمستوى المطلوب "
قلت له " جد من تتراهن معه .. فأنا في صفك .. ستأتي مخيبة للآمال .. "
استدرت لأغادر فقال ختاما "مهما كان لا يستحق أن تحزن هاتين العينين لأجله .. "
خرجت دمعتي وكنت قد استدرت عنه فقلت "ربما " وفي قلبي أكملت (يستحق ) ..
واكتشفت أن لي عينان تفضحان ماداخلي من قصص .. هل أطفيء نورهما لارتاح من شفقة الجميع ؟؟ هل أطفأهما ؟؟ .. لا أعرف .. عدت إلى الغرفة لأجد الجميع قد خلد إلى النوم فقد كان اليوم شاقا .. فعلا شاقا . نظرت إلى الساعة العاشرة ليلا .. جلست لأشاهد فيلما على التلفاز .. وكتمت الصوت لتدور في رأسي أصوات أفكاري وقلبي وأنفاسي ..
***
جاء يوم الجمعة سريعا .. وكنت قد قضيت الأيام السابقة في المجمعات مع منى وصافية .. حيث كانتا تتسوقان بمرح .. تسوقت معهما ..واستمتعت بوقتي ..
ارتديت بدلة خضراء وزينتها بقطعة من حجر الجيد اشترته لي جدتي منذ سنوات .. لففت حول رأسي شالا أخضر زمردي .. زينت عيناي بكحل بسيط .. خرجت إلى الصالة وكان عبدالعزيز يجلس مكتئبا سألت " أين الجميع ؟"
قال مستغربا ملابسي " لا أعرف .... أين ستذهبين ؟ "
"سأزور صديقتي .. "
" من سيوصلك؟"
"سترسل سائقها "
كنت فعلا سأذهب لسارة لمدة ساعتين وأعود ويكون فيصل موجود .. لا أريد سوى أن أراه .. فقط ..
"سأوصلك .. "
" لا .. لا داعي سأذهب مع السائق .. "
" قلت سأوصلك .. "
لم يعجبني اقتراحه هذا أيشك بي ؟؟
"سأتصل بها كيلا ترسل سائقها "
اتصلت بها وأخبرتها .. خرجت عمتي من غرفتها ورأتني وقالت "هل وصل السائق ؟"
"لا .. لن يأتي سيوصلني عبدالعزيز ,.."
"لاتتأخري .."
"حسنا .."
أوصلني عبدالعزيز بعد وقت طويل كنت أدله على الطريق .. "شكرا لك .. "
"سأكون هنا بعد ساعة "
"ماذا ؟؟ .. "
نظر إلي بغضب " كم تريدين البقاء ؟"
"ساعتين .."
وافق وغادر لأرتمي بين أحضان سارة .. ونجلس لنتحدث طويلا عن اسبوعنا الماضي..
قالت لي بجدية جعلتني أفكر قليلا
" لن تذهبي ؟؟ لن أدعك تذهبين ستدمرين نفسك ."
همست لها دون أن أشعر بدموعي التي تنساب على خدي ..
" أحتاج إلى رؤيته .. "
وقفت سارة لتقول في غضب
"سأجعل أبي يخرج لابن عمتك ويخبره أنك ستبقين لدينا حتى العشاء "
قفزت لأمنعها وقد ازدادت دموعي ...كأنها ستحرمني من الحياة بقولها هذا ..
"لا.. أرجوك ... لا .. "
نظرت إلي سارة بغضب ولم تؤثر بها دموعي "لن اسمح لك بالإنحطاط أكثر .. "
صدمت من موقف ساره رددت خلفها كالبغبغاء
"انحطاط ..انحطاط ؟؟ "
واجهتني ساره بغضب
" أجل .. انحطاط ... ليس من طبعك أن تكيدي المكائد أو تسببي المشاكل أو تلعبي بخبث .. كل ماقلته لي الآن يؤكد أنك بدأت في الانحطاط باسم الحب .. أنت يا فاطمة أسمى من هذا كله .. أسمى من الخبث والكذب .. أنك أسمى من الحب نفسه الذي تعيشينه .فكري .. هل سيحبك إن ترك منى ؟؟ ماذا سيكون موقفك إذا حصل ما أردت وتزوجتي به ؟؟ ستهتز صورتك في عيني منى وعمتك . فاطمه ضعي أمام عينيك حقيقة واحده .. أنه لايعلم حقيقة مشاعرك .. ولن ينظر إليك أبدا ! هل ستخلقين المشاكل لأجل لاشيء! ..لاتريه بعد اليوم .. ابتعدي عنه .. اذا عدت بعد قليل اتجهي لغرفتك ولاتشغلي بالك.. انه لايعلم بوجودك .. ."
دخلت كلمات سارة إلى مركز المنطق في رأسي .. ماذا كنت أفعل ؟؟ ماذا فعلت ؟ كيف كنت سأخرب خطبة منى ؟؟ كيف كنت سأخلق المشاكل ؟؟ .. لم أستطع منع نفسي من البكاء أكثر .. واعترفت لسارة بصدق كلامها وأنني لست من فعلت كل ذلك بل شيطاني .. لكني اعترفت لها " لكني أحتاج لرؤيته .."
"ستعذبين نفسك لاغير.. ."
" تحتاج نباتات الظل أن ترى ضوء الشمس بين حين وآخر .."
" فقط نظرة واحدة لاتدخلي معه في مواضيع أو نقاشات .. انظري إليه من خلف الباب .. ولاتدعي أي أحد يراك .. فأنت شفافة كثيرا إلى درجة أنهم سيرون مابداخلك من مشاعر .. لاتعذبي قلبك .. فلا أحد يستحق " ..
خرجت إلى سيارة عبدالعزيز .. وأخذت الأفكار تعصف بي .. عندما أذهب للمنزل الآن سيكون هناك .. قلت لعبدالعزيز هامسة
" ان طلبت منك شيء هل ستلبي طلبي ؟؟"
" أجل .. اطلبي ماتريدين .."
" أنهي الخلاف الذي بينك وبين عمتي وصافية ومنى .."
صمت لبرهه ثم قال " لماذا ؟؟ هل مللت من ايصال الطعام إلي واوامرهم ؟ "
ضحكت رغما عني .. ثم قلت " لا.. لكن . هناك فجوة قاتلة بينكم .. لا أستطيع تحملها .. أرجوك يا عبدالعزيز . نفذ طلبي .. أرجوك ."
صمتت ولم يجبني .. وعندما أوقفنا السيارة أمام المنزل .. رأيت سيارة فيصل .. كتمت شهقة كبيرة .. يا إلهي سيارته جعلت قلبي ينقبض هكذا .. ماذا سيحدث إن التقت عيناه بعيناي ؟"
قال عبدالعزيز
" لأجلك فقط سأرضخ .. وأنهي الخلاف فقط لأجلك .."
"شكرا "..
كان صوتي متحشرجا .. لايعرف أني قد انتهيت الآن بموافقته وانتهت كل آمالي وأحلامي ..
دخلت إلى الصالة بعد تردد شديد .. كانت أصواتهم قد تعالت وبان الانسجام بينهم .. عادت إلى ذاكرتي كلمات سارة .. لمحته من خلف الباب .. وأغمضت عيناي فورا من ردة الفعل التي انتابتني .. كان يجلس بقرب عمتي وهو يضحك .. تماما كما تخيلته بل وأجمل .. كانت منى تجلس بخجل هناك .. نظرت إليه وهو يضحك .. وأغمضت عيني لتبقى صورته هكذا في بالي .. اتجهت إلى غرفة النوم واستلقيت هناك .. أخرجت مسجلتي الصغيرة لأسمع ذكرى وأذوب حزنا في صوتها ..
كم كانت فرحة عمتي ومنى وصافية بزوال الخلاف بينهم وبين عبدالعزيز .. بقيت منى تبكي من الفرح .. وأدركت كم هي حساسة .وإنها تستحق فيصل .. أو .. لاتستحقه !
وأخيرا . النتائج لنهاية الفصل الأول ..
كانت نسبتي مخيبة للآمال .. لكن...لحظة .. لم تكن هناك أي آمال لأخيب.. فلم يهتم أحد .. سوى جدتي التي تقول لي دائما مايهم هم النجاح وليس النسبة .. ولكنها لاتعرف أن النسبة أهم من النجاح .. كانت نسبتي في نهاية الستين .. استنكرت صافية ومنى درجاتي ..لكني لم أهتم .
صدمت سارة ومريم ومها بدرجاتي .. فقد كانت نسبهم عالية جدا .. وكانوا يعلمون بقدرتي على تحقيق الأفضل ..
مر الاسبوع سريعا بين زياراتي لصديقاتي وبين ذهابي للمجمعات الخروج في نزهات مع عبدالعزيز وصافيةومنى ..
وآخرها كانت إلى الجزيرة .. استمتعنا كثيرا بوقتنا .. تحدثنا عن أشياء كثيرة وضحكنا كثيرا .. كانت هذه العطلة قياسا بعطلاتي السابقة هي الأفضل ..