كاتب الموضوع :
مجموعة إنسان
المنتدى :
المنتدى الاسلامي
جزاك الله خير وشكراً على طرح هذة الشخصية
وتقبلو مني هذة الاضافة
بينما عمر بن الخطاب يحج في خلافته ذات عام مر بجبل يقال له ((ضَجنان)) على بريد<البريد فرسخان أو اثنا عشر ميلا > من مكة في طريق عرفات, فوثبت الى خاطره ذكرى شقاء أليم كان قد ألم به من سياط أبيه, فوقف يتأمل المكان و الذكرى ويسترسل في تأمله ويمد نظره الى الوادي ويرجع به الى القمة , حتى اذا استمكن قال: لا اله الا الله العظيم , المعطي من شاء ما شاء، كنت في الوادي في مدرعة صوف أرعى إبل الخطاب ، وكان فظاً ، يتبعني اذا عملت ، ويضربني اذا قصرت ، وقد أمسيت الليلة وليس بيني وبين الله أحد !
وقف عمر هكذا يتأمل ويتذكر ويقول ذلك القول ليشهد الناس على ما كان من حاله في أسر الشقاء طفلا ً وصبياً ، يلهب أبوه الخطاب جلدته بسوطه ليرعى الابل في منأى عن مكة ، وكان عليه ألا يقصر ، بل عليه ألا يستريح ....
ثم نظر عمر وهو يعيد بصره من حضيض الوادي ويصعده الى قمة الجبل ، فاذا هو قد أرتفع خليفة على الناس وصعد فوقهم جميعاً كما صعدت قمة ((ضجنان)) وأشرفت في عزة وعلو على حضيض الوادي....
وأرتسم في خاطر عمر منظران قد تباينا ، ودارت فيه على عجل خيالات حزن وعجب ، فشهد بما كان فيه من شقاء الطفولة وظلمة الشرك وقسوة الجهالة ، ثم عجب لما أصابه من النعيم حين أسلم فصار علة رؤوس الأمكنة وفوق هامات الناس وليس بينه وبين الله أحد....
ولم ينكر عمر بن الخطاب فضل أبيه الخطاب حين ذكره بالقسوة والفظاظة ، ولكنه أشار الى يده حيث ألهب فيه - منذ كان طفلاً صبياً يرعى له إبله- جذوة احساسه وهيج حدته حين أتعبه في العمل وأمضّه و أوجعه ، ولم يمهد لجنبه ليستريح ، فشب الراعى الصغير حمياً متحمساً ذا حدة وسطوة ، يحسن رعاية الابل ويُلين قيادها ، ويصبر على عيش البادية متمدرعاً في صوف في مكان قصيّ ، عند وادي ((ضجنان)) ....
فلما نقل الاسلام عمر من الظلمات الى النور ، وصعد عمر به الى حكم الناس وجد العرب كالابل الآنفة <الجمل الآنف الذي وضعت في انفه البرة وحلقة الحديد فاشتكى انفه منها> تتبع قائدها ، وعليه أن ينظر أين يقودها؟ وظلت في عمر من سياط أبيه فزعة من القسوة ، وبقية من الحدة ، في صبر لا ينفد وجهد لا يمل ورأى لايتردد ، وكأنما تحول فيه هيج الحدة وخوف العقوبة الى طبع دافع يحثه على العدل والمضي والتنفيذ ، فلما صار اليه أمر الناس رحم فأطمع ، وقاسا فزجر ، وفيما بين الرحمة والقسوة ساق الناس سَوق الابل ، ورعاها رعايتها ، فاستطاع أن يحملهم على الطريق...
|